طاهر علوان الزريقي / مرافىء -

السينما الأمريكية بثقافتها الهابطة والمدمرة ومشروعها الاستعماري لا تقف عند تشويه المجتمع وثقافته الوطنية واستهجانها، بل تروج بتلك الأفلام التعسفية والاعتباطية لثقافتها التي لا تخدم الحياة البشرية، أفلام حافلة بكل ما من شأنه تحطيم الإنسان وتسخيره لخدمة المشروع الاستعماري.
نستعرض هنا فيلماً يتناول قضية المثقف المقاوم للمشروع الإمبريالي، حيث يخرج المثقف من السجن بعد قضائه ما يزيد عن الست سنوات وراء جدرانه الباردة والمظلمة والموحشة، سجن من أجل أفكاره ومواقفه المقاومة، تعرض للتعذيب وغسل للدماغ لتثبيت فكرة أن مجتمعه ليس بحاجة لنضاله وتضحياته، وأن مسألة الأفكار الوطنية والتقدمية مسألة عقيمة في مجتمع عششت فيه السياسة البراغماتية وتلاشت القيم النبيلة وتعمقت الأفكار الظلامية كبديل للأفكار والقيم التي كان يناضل من أجلها قبل أن ترمى به في غياهب السجن ليعانق الأخطار والموت المحقق ويجرد من ذاته وإنسانيته وثقافته ومواقفه ويعيش حالات من التناقض والأضداد، ليعود من سجنه وقد تصدع بنيانه من الداخل كأنما أصابه زلزال، يلاحظ عند خروجه أن مجتمعه أيضاً قد تغير على كافة المستويات يتنكر له أقرب الناس إليه، تتفكك أواصر عائلته، وانحراف بنيه، وظهور الخطاب السلفي وانتعاشه، واستمرار خطاب السلطة العقيم، خيبة أمل كبيرة تصدمه، لقد كان حلمه وحلم رفاق دربه بمشروعهم المتكامل والوطني والذي كان له التأثير الكبير في المجال الاجتماعي والثقافي والذي يؤسس لمجتمع عادل بقيمه الإنسانية، وتحملوا من أجل ذلك السجن والقمع والإحباط، وها هو المجتمع يتنكر لهم ولمشروعهم.
تنتصر ثقافة المقاومة في كل الجبهات، فهزيمة المثقف التقدمي تعد في الحقيقة نصراً لأنه أول من خاطر بالإبحار ضد التيار، وأول من قال «لا» ودفع ثمن ذلك.