أنس القاضي / مرافئ لا -

أفدح من الجهل وهم المعرفة، الجهل المُركب، وخاصة في ما يتعلق بتحليل الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية السياسية، حيث تُبنى على هذا الجهل المركب مواقف خطرة على واقع ومستقبل الشعب والوطن. وإذا كان لمقولة أن تختزل هذا الجهل فهي مقولة: «هم سادين». ورغم أن المقولة تنتمي إلى الوعي الاجتماعي اليومي، إلَّا أنها ليست محصورة التداول لدى الفئات الاجتماعية الأقل حظاً في العلوم والمعارف، فهذه المقولة المجافية للعلم تتردد على ألسن أصحاب الدرجات العلمية العليا، وكذا من قبل أشخاص منضوين في أحزاب سياسية.
تقوم هذه المقولة على أساس فلسفي فاسد يدحضه المنطق، وعلى تصور سياسي فاسد يدحضه الواقع. الأساس الفلسفي الذي تقوم عليه هذه المقولة هو مبدأ التماثل، فمن يردد هذه المقولة يَفترض أن القوى والجماعات والدول المحاربة إنما هي متماثلة في الأهداف والمقاصد، فلا يوجد فيها طرف خير وطرف شر في حالة تناقض، فوفقاً لمبدأ التماثل فإن أي صراعات تقوم بين هذه القوى إنما هي هزلية ومُفتعلة غير حقيقية، فهذه القوى -بناء على هذه المقولة- ليست في حالة خلاف، بل متفقة على ما تقوم به «مسدين». 
التصور السياسي الفاسد الذي تقوم عليه هذه المقولة هو ما يبنى عليه من افتراض أن كل القوى المنخرطة في الصراع الراهن، من قوى دولية: أمريكا، «إسرائيل»، إيران، السعودية، الإمارات، وقوى محلية: أنصار الله وحلفاءهم وجماعة هادي والانتقالي والإخوان، كل هذه القوى في تصور أصحاب مقولة «هم سادين» لا تخوض حروباً حقيقية ولا توجد تناقضات فيما بينهم، والحرب التي تدور في الإقليم والوطن اليمني هي لعبة محددة مسبقاً تجري بتوافق هذه الأطراف. 
الواقع التاريخي ينقض هذا التصور الفاسد، فالحرب ببعدها الإقليمي والدولي ليست اليوم بدعة، بل هي امتداد لحروب الإمبراطوريات القديمة والحربين العالميتين، بين دول وشعوب تدافع عن أراضيها وثرواتها، وبين دول استعمارية. واليوم تقف السعودية والإمارات في الموقع الاحتلالي الاستعماري تجاه بلادنا. وفي الواقع المحلي فهناك تناقض وصراع بين مكونات تمثل مصالح الشعب والثورة وبين قوى تمثل مصالح القديم وتقف ضد عملية التغيير التي بدأت في فبراير 2011، ففيما يقف أنصار الله إلى جانب حركة التغيير الثوري الاستقلالي التحرري، يدافع مرتزقة العدوان عن مصالحهم القديمة وعودة سلطة وثروة البلاد إلى أيدي أسرة عفاش وأسرة بيت الأحمر وحزبي المؤتمر والإخوان ورهن البلاد لبني سعود وعيال زايد ومن خلفهما أمريكا.