ضحايا يجر بعضهم بعضا .. تشفير أموال اليمنيين إلى عملة وهمية
شبكات تبيع الوهم بملايين وتدار من شقق في صنعاء.. «داج كويــن»

مارش الحسام / لا ميديا -

كما لو أن اليمن يمتلك أكبر مخزون من أموال العالم، ذاع في الآونة الأخيرة صيت الاستثمار في العملات الرقمية المثيرة لكثير من علامات الاستفهام حول مشروعيتها وجدواها الاقتصادية،
وسط الحديث عن عصابات تنشط في صنعاء وباقي المحافظات لتمارس عملها المشبوه بحرية للاحتيال على الناس وسلب أموالهم.

خلايا الشقق السكنية
حاليا في اليمن يجري الترويج للاستثمار في شركة تسمى «ساكس فيكتوري»، وذلك بشراء عملة الـ«داج كوين»، العملة الرقمية الافتراضية.
وبحسب عدد من الضحايا، هناك خلايا مشبوهة تدار من شبكات في شقق سكنية في صنعاء، وتنشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاصطياد ضحاياها والتغرير بهم للاستثمار في شراء عملة الـ«داج كوين».
المروجون لهذه العملة يتحدثون عن أرباح خيالية لا تصدق، مستخدمين كثيرا من الوعود والكلمات الرنانة والعبارات البراقة لتضليل الضحية، والتي تؤتي أكلها.

حقيقة الـ«داج كوين»
الـ«داج كوين»، هي عملة رقمية ليست قابلة للتداول العام، وليس لها قيمة خارج شركة «ساكس فيكتوري». للاستثمار في هذه العملة، يجب أن تشتريها عن طريق ما يسمى المسوق أو عن طريق باقات الشركة بسعر محدد عبر التطبيق ذاته أو الموقع الخاص بالشركة، ثم يقوم المستثمر بتخزين العملة في محفظة خاصة به في التطبيق، ومن ثم يحصل على فائدة أسبوعية وأخرى شهرية وسنوية من العملة نفسها «داج كوين». وهناك مراتب ومستويات للاستثمار يعتمد على المبلغ الذي دفعه المستثمر، أو الأشخاص الذين قام باستقطابهم، أو بمعنى أصح خداعهم.
والغريب أن هناك من سبق لهم أن شاركوا في أكثر من شركة مشابهة وخسروا المال وفي اعتقادهم أن كل محاولة جديدة تقربهم من هدفهم وستعوضهم عن خسائرهم السابقة، ولكن في الواقع تزداد خسائرهم ويخوضون حربا مع أسراب الوهم.

عملة وهمية وفق سياسة الاحتياج
فؤاد القاضي، المحرر الاقتصادي في صحيفة «26 سبتمبر»، يقول: عملة الـ«داج كوين»، هي عملة وهمية لا وجود لها في منصات التداول، وتنادي بالحرية الاقتصادية المطلقة وفق القانون الإستوني (إستونيا إحدى دول أوروبا الشرقية).
ويضيف: «العملة غير موجودة في منصة التداول العالمي كباقي العملات الرقمية كما هو الحال مع عملة الـ«بت كوين»، وهذه العملة الوهمية مدرجة فقط في قانون دولة إستونيا، وفي هذا البلد يمكن لأي شخص في العالم أن يطلق العملة التي يريدها مثل هذه العملة غير الموجودة، وفكرتها تعني حصول أول مستثمر على أموال مستثمر آخر، والذي يجب عليه أن يستقطب مستثمرين آخرين للحصول على أموالهم، ولكن من هم في رأس الهرم هم المستفيدون، وليس الضحايا».
وأكد القاضي أن سياسة شركة «ساكس فيكتوري» صاحبة العملة الوهمية «داج كوين»، تستهدف المجتمعات الأكثر فقرا وفق ما يعرف بسياسة الاحتياجات، إذ يسعى الشباب إلى تحقيق المكاسب في ظل تفشي البطالة، والكثير منهم يتطلعون إلى الثراء السريع بين ليلة وضحاها، وهذا ما تروج له هذه الشركة وسماسرتها، إذ يتم إغراء المشتركين الجدد على جلب مشتركين آخرين لضمان ربح العمولات.
وأشار إلى أن أغلب الضحايا في اليمن هم من فئة النساء، وأن هناك منهن من باعت ذهبها ومجوهراتها للاستثمار في هذا الوهم، وسط غياب لأجهزة الدولة في ضبط هذه العصابات. 

خسرت كل شيء
ياسين القاسمي، أحد ضحايا الاستثمار في عملة الـ«داج كوين»، والذي اشترط عدم نشر صورته لأسباب سنذكرها في ما يلي من السطور.
يقول ياسين: «في نهاية الشهر الماضي (فبراير) أقنعني جاري بالاستثمار في عملة الـ«داج كوين»، وأغراني بالعوائد والأرباح، حيث قال لي بأنه بعد كل 50 ألف ريال يمني سأحصل شهريا على ربح ما يعادل 50 يورو، وفي نهاية كل سنة سأحصل على مليون ريال، اقتنعت بكلامه وقمت بتدبير مبلغ 550 ألف ريال يمني، وقمت باستثماره في الـ«داج كوين»، وزوجتي هي الأخرى باعت ذهبها بحوالي مليونين و500 ألف ريال، وقامت باستثماره باسمها في هذه العملة، ثم انضم إلينا آخرون من داخل الأسرة للاستثمار، منهم أخي وابن عمي وأصهاري، منهم من دفع مليون ريال وما فوق، وبعضهم قدمت عنهم من جيبي كسلف عندهم، وعلى أساس أخذها من أرباحهم نهاية السنة».

اكتشاف الخدعة بعد فوات الأوان
ويضيف القاسمي: «هنا في صنعاء كثير من الأشخاص والسماسرة يروجون للاستثمار في عملة الـ«داج كوين»، منهم من تعامل معنا مباشرة وتسلم منا الفلوس يدا بيد، وبعض السماسرة طلبوا من أقربائي إرسال المبلغ عبر حوالات داخلية لأشخاص داخل اليمن، في اليوم الثالث من دفعي للفلوس أرسل لي هذا الشخص رابط إنترنت، ودخلت على الرابط وكتبت الاسم في الخانة ووجدت اسمي ضمن قائمة المستثمرين في التطبيق، وأمام كل مستثمر محفظة يتم فيها إيداع الأرباح الخاصة به، لما فتحت المحفظة الخاصة بي كان مكتوباً فيها: أرباحك 97 داج (الداج اسم العملة)، يعني أعطوني أرباحاً بعملة وهمية ليست موجودة، ولا تعرف كم تعادل بالدولار ولا بأية عملة، وفوق هذا لا تستطيع أن تسحبها، لأنها غير موجودة على الواقع، عندها أيقنت أنني وبقية أفراد أسرتي وقعنا ضحايا عمليات نصب واحتيال، وأن الملايين التي دفعناها تم تشفيرها وتحويلها إلى عملات وهمية، ومن ثم تواصلت مع السماسرة الذين أخذوا منا الأموال وخدعونا بأرباح أسبوعية وشهرية وسنوية، وقلت لهم معي أرباح أسبوعية 97 «داج كوين» من أين أسحبها أو كيف أسحبها؟ قالوا لي انتظر حتى نهاية السنة وسوف تستلم الأرباح، واستقطب المزيد من المستثمرين لتضاعف أرباحك، قلت لهم أنتم تمارسون النصب والاحتيال، ولديكم مراتب عليا في سلم هرم الشركة، وتربحون على حساب الضحايا الذين يخسرون أموالهم مقابل لا شيء، فقالوا لي وأنت بإمكانك أن تصل إلى المرتبة التي نحن فيها، استقطب مستثمرين وربما ستصل إلى مرتبة الليدر (تعني القائد بالإنجليزية)، قلت لهم يكفي أنني خربت بيتي ولا أريد أن أخرب بيوت الناس».
 
خراب بيوت
ويتابع ياسين قائلا: «بعد أن اكتشفت أن العملية نصب واحتيال، حاولت أن أشرح ذلك لزوجتي، ولكنها لم تقتنع، وحاولت الاستمرار في الاستثمار، ونشب بيننا خلاف وذهبت إلى بيت أبويها، والمشاكل بيننا وصلت إلى حد الطلاق، حاليا عندي جميع الأدلة على أحد الأشخاص الذين أخذوا النقود مني ومن بقية أفراد العائلة، ولدي بعض الحوالات وأسماء المستلمين، وقدمت بلاغاً ضدهم في قسم الشرطة، ولكن هناك شبكة كبيرة من السماسرة والنصابين يتم تحريكهم من قبل عصابات تقيم في شقق سكنية في العاصمة صنعاء، وآخرين في حضرموت وعدد من المحافظات اليمنية. لو الأجهزة الأمنية في صنعاء مستعدة توفر الحماية لي ولأطفالي، فأنا مستعد لأن أعمل مقابلة تلفزيونية وأفضح ممارساتهم وأنشطتهم في صنعاء، ولكن هذه العصابة بلا دين ولا تخاف الله، ممكن أن يقتلوك في الشارع لأنك ستخرب عليهم الشغلة التي تدر عليهم الملايين، ولهذا أعتذر عن نشر صورتي في الصحيفة، العصابة يمكن أن يتابعوني ويخطفوا أطفالي، وعوضا عن صورتي سأمدكم بصورة من الفتوى الصادرة من الجامــــــــــع الكبير، وتم فيها الرد على سؤالي بخصوص مشروعية الاستثمار في مثل هذه الشركات».

 صلة القرابة
تستغل هذه الاستثمارات الوهمية صلة القرابة لترويج مشاريعها بين أفراد الأسرة، كل الضحايا الذين التقت بهم «لا» تم استقطابهم من قبل أقربائهم أو أقرب أصدقائهم، أحياناً يدعوك صديق مقرب لا يعرف حقيقة ذلك المشروع الاحتيالي دون أن يقصد الإضرار بك، لكونه هو الآخر ضحية مثلك.

نيران صديقة
لم يكمل عبدالله عامر شهرا من الاستثمار في عملة الـ«داج كوين» التي انضم إليها في بداية فبراير الفائت، ليكتشف ولكن بعد أن وقعت الفأس في الرأس، أنه خسر 350 ألف ريال يمني حين ألح عليه صديقه وأقنعه بالاستثمار في عملة الـ«داج كوين»، وأغراه بجني ثروة طائلة. صديقه هو الآخر كان ضحية، واكتشف ذلك بعد فوات الأوان.
يقول عامر: «صديقي الذي أقنعني بالاستثمار كان ضحية مثلي، وهو من أخبرني أننا وقعنا ضحية نصابين وعدوه بأرباح خيالية وبتضاعف أرباحه في حال استقطابه مستثمرين آخرين، حاول إقناعي باستقطاب أشخاص آخرين لكي أضاعف أرباحي، وتفاجأت به قبل أسبوع يخبرني بأننا وقعنا ضحايا لعملية نصب واحتيال، وأنه كان مخدوعا مثلي وخسارته تفوق خسارتي بكثير، حيث خسر ما يقارب مليوني ريال، كما أنه أقنع 3 من أصدقائه بالاستثمار في هذه العملة، وقدم أكثر من نصف المبلغ نيابة عنهم، على أن يدفعوها له لاحقا أو يتم استقطاعها من أرباحهم نهاية السنة، لكن بعد ذلك اكتشف صديقي أن العملية ليست سوى نصب واحتيال، وأنه لن يجني الأرباح ولن يسترد حتى الأموال التي دفعها نيابة عن أصدقائه، وفي الوقت نفسه لا يستطيع مطالبتهم بسدادها».

الحكومة في محل اتهام بالتقصير
يؤكد فارس الكامل أن عدداً من أقربائه دفعوا ملايين الريالات للاستثمار في عملة الـ«داج كوين»، مطالبا الحكومة باتخاذ موقف صريح من تلك العملات حتى لا يقع المواطن ضحية للنصب أو حتى يطمئن لهذا الاستثمار.
ويضيف فارس: «بعض أقربائي باعوا الذهب، وآخرون أخرجوا كل مدخراتهم ودفعوها للاستثمار في الـ«داج كوين»، ومنهم من يحاول إقناعي بالاستثمار في هذه العملة المربحة، حد قوله، غير أني رفضت بشدة، أولاً لأني لا أثق بما يروج له البعض، وثانياً لأني سمعت كثيرا عن قصص النصب والاحتيال عبر النت. وأرجو من الجهات المعنية في الحكومة أن تخرج عن صمتها بتصريح بخصوص الاستثمارات في هذه العملة أو غيرها، وذلك لحماية المقدرات المالية في اليمن، لأن سكوتها يضر بالوطن والمواطن، وستكون في محل اتهام بالتقصير والغياب».

نصب مزدوج
ويلفت الكامل إلى أن أغلب الضحايا ليس لديهم حسابات بنكية، وقاموا بالتسجيل عبر عصابة دون أن تطلعهم على آلية التسجيل ولا على المبلغ الذي سيتم دفعه للشركة كاستثمار باسم الضحية.
ويتابع قائلا: «مثلا الضحية قد يدفع مليوني ريال يمني من أجل الاستثمار، لسمسار ما، الذي يقوم باستقطاع نصف المبلغ أو أكثر لصالحه الشخصي، وبقية المبلغ يحوله إلى الشركة باسم الشخص الضحية الذي يجهل تماما حقيقة المبلغ الذي تم إيداعه للاستثمار باسمه، لأن ما يحدث أن السمسار يأخذ المال من الضحية ويرسل له رابطاً، وحين يقوم الضحية بفتح الرابط يجد أن رصيده مكتوب بعملة الـ«داج كوين» الرقمية، وليس بعملة قابلة للتداول أو لها سعر صرف معروف.