ترجمة خاصة لـ موقع لا ميديا: محمد زبيبة -

أليكس كين
مجرد تكديس للأغراض
تعود جذور العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية إلى اكتشاف النفط عام 1938، واتفاق الرئيس فرانكلين روزفلت في مجال الطاقة مقابل الأمن مع الملكية السعودية. واليوم، بالإضافة إلى النفط، تعززت العلاقات الأمريكية السعودية بتحالف جغرافي سياسي ضد إيران وأيضاً بصفقات أسلحة.
لقد تسارعت صادرات الأسلحة في عهد أوباما. فبحلول عام 2016، كانت إدارته قد عرضت بيع ما قيمته 115 مليار دولار من الأسلحة والمعدات الدفاعية إلى المملكة السعودية (أكثر من غيرها من الإدارات في التاريخ).
يقول ويليام هارتونج، مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية: "إن صادرات الأسلحة هذه كانت تعتبر شيئًا رمزيًا أكثر من كونها مجرد تكديس للأغراض".
لكن الخبراء يقولون إن بيع السعودية الكثير من الأسلحة قد حفزها على استخدامها بطريقة مدمرة. فقد قالت كيتي كايزر، مديرة سياسة حركة "انتصر بدون حرب", على سبيل المثال: "إذا لم يكن لدى بلد، مثل السعودية أو الامارات، أي التزام لحقوق الإنسان –سواء كان بشكل صريح أو بشكل عملي– لن يكون غريباً إن أساءت، في نهاية المطاف، هذه الدول استخدام الأسلحة التي اشترتها من الولايات المتحدة وارتكبت بها جرائم حرب. يجب أن تفترض الحكومة الأمريكية أن أسلحة الحرب هذه ستستخدم في نهاية المطاف في صراع، حتى لو لم يكن ذلك قائماً وقتها".
ومع الغزو السعودي لليمن في عام 2015، أصبح خط تصدير الأسلحة الأمريكي السعودي قاتلاً. وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأن القنابل الأمريكية تستخدم لقتل المدنيين، إلا أن دعم إدارة أوباما للحرب السعودية لم تثر سوى انتقادات محدودة في واشنطن. 
وقالت شيرين الأديمي، وهي ناشطة أمريكية يمنية وأستاذة بجامعة ميتشيجان الحكومية: "لقد كانت حرب أوباما، وكان هناك الكثير من التردد في الكونجرس للقيام بها خاصة بين الديموقراطيين". إلا أن مدافعين عن حقوق الإنسان مع مجموعات مثل "انتصر بلا حرب" و"جست فورين بوليسي" و"مشروع السلام اليمني" قد عملوا على زيادة الوعي العام بأهوال الحرب والضغط على الكونجرس والبيت الأبيض.
وفي مايو 2016، ألغى أوباما تسليم 400 قنبلة عنقودية من شركة "تيكسترون" إلى المملكة العربية السعودية. وفي ديسمبر 2016، بعد شهرين من غارة جوية سعودية أصابت قاعة عزاء قتلت أكثر من 100 شخص في العاصمة اليمنية صنعاء، أوقف بيع 16,000 قنبلة موجهة بدقة من "ريثيون"، وهي صفقة تبلغ قيمتها 350 مليون دولار. ولم يمثل هذان القراران سوى جزء ضئيل من إجمالي مبيعات الأسلحة للسعوديين، واستمر تدفق معظم الأسلحة دون مراقبة.

فرصة ترامب الكبيرة للظهور
عندما تولى ترامب منصبه في يناير 2017، جعل من أولوياته تعزيز العلاقات الأمريكية السعودية، والتي تأثرت بعد الاتفاق النووي الذي توصل له أوباما مع إيران. وكجزء من هذا المسعى، عكس ترامب قرار أوباما بوقف صفقة "ريثيون" البالغة 350 مليون دولار.
وكان الغرض من الزيارة الأولى التي قام بها ترامب في الخارج، في مايو 2017، إلى المملكة السعودية، هو تعزيز التحالف ضد إيران وحمل السعودية على التوقيع على خطط ترامب للتوصل إلى اتفاق سلام "إسرائيلي" فلسطيني. وخلال تلك الزيارة، وافقت الولايات المتحدة على بيع المملكة السعودية أسلحة أمريكية بقيمة 110 مليارات دولار ، مع خيار أن تصل إلى ما مجموعه 350 مليار دولار على مدى العقد المقبل.
وتفاخر ترامب بأن صفقاته ستوفر 500 ألف وظيفة للولايات المتحدة، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية قدرت الرقم بعشرات الآلاف.
وترأس ترامب والملك سلمان، في 20 مايو 2017، توقيع مذكرات اتفاقيات شركتي "بوينغ" و"ريثيون" مع المملكة السعودية للأعمال المستقبلية. وانتهزت "ريثيون" الفرصة لفتح قسم لها في السعودية. وصرح الرئيس التنفيذي لشركة "ريثيون"، توماس كينيدي، للمساهمين: "إن هذه الشراكة الاستراتيجية هي الخطوة التالية في علاقتنا التي تزيد عن الخمسين عامًا مع المملكة السعودية.. معاً، يمكننا المساعدة في بناء قدرات دفاعية وإلكترونية على مستوى عالمي".
ولكن وقبل أن يجف الحبر، هدد مشروع قانون قدمه السيناتور راند بول في، مايو 2017، صفقة بقيمة 500 مليون دولار، بمنع بيع القنابل للمملكة السعودية. ورداً على ذلك، استأجرت "بوينغ" و"ريثيون" شركات ضغط لإثبات قضيتهم.
وفي النهاية، انشق خمسة من الديمقراطيين (جو دونيلي وكلير مكاسكيل وجو مانشين وبيل نيلسون ومارك وارنر) عن حزبهم لضمان استمرارية مبيعات الأسلحة، في تصويت نال تأييد 53 واعتراض 47 من الأعضاء. وتلقى هؤلاء الأعضاء الخمسة عشرات الآلاف من تبرعات صناعة الأسلحة، وسيحصلون على 148,032 دولاراً في الدورة الانتخابية القادمة من أعضاء لجنة العمل السياسي (PACs) وموظفي شركتي "بوينج" و"ريثيون". وحقق نيلسون وماكاسكيل 44,308 دولارات و57,230 دولارًا بالترتيب. ويتم مساعدة شركات الأسلحة من خلال اللوبي الموجود في إدارة ترامب. فقد حذر وزير الدفاع آنذاك، جيم ماتيس، وهو عضو سابق في مجلس إدارة "جنرال ديناميكس"، السناتور ليندسي جراهام من أن مشروع قانون راند بول سيكون بمثابة هدية لإيران. وقد شغل وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان منصب نائب رئيس شركة "بوينغ" قبل مجيئه إلى وزارة الدفاع، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان قد دافع عن صفقات الأسلحة الأمريكية السعودية.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه في عام 2018، طلب موظفو وزارة الخارجية، في تعبير عن قلقهم بشأن الحرب على اليمن، طلبوا من وزير الخارجية مايك بومبيو عدم الشهادة بأن عدد القتلى المدنيين قد انخفض. وقد تجاهل مكتب الشؤون التشريعية في الوزارة مخاوفهم، وبرر أن مثل هذه الخطوة قد تعرض مليارات الدولارات من المبيعات المستقبلية للأسلحة للخطر. ومن يرأس المكتب هو تشارلز فولكنر، عضو سابق في جماعة الضغط لـ"ريثيون".

الكونجرس يستيقظ
في أكتوبر 2018، سُلطت الأضواء في واشنطن على العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية، عندما قام عملاء سعوديون بقتل وتقطيع الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلادهم في اسطنبول. وكان خاشقجي، كاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست" السعودية، منتقداً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وأجبرت جريمة القتل الكونجرس على محاسبة بن سلمان، الذي شن، كوزير للدفاع، الحرب السعودية على اليمن إلى جانب قيامه بحملة وحشية على نشطاء حقوق الإنسان. وفجأة، شعر كبار أعضاء الكونجرس، بمن في ذلك جراهام والمدافعون الآخرون عن العلاقات الأمريكية السعودية، بالقلق من احتمال بيع المزيد من الأسلحة إلى سلمان.
وصرح كيت جولد، المدير التشريعي السابق لسياسة الشرق الأوسط في لجنة الأصدقاء للتشريع الوطني: "قتل خاشقجي فجّر غضب الكونجرس حول سلوك الإدارة تجاه المملكة السعودية".
وفي ربيع هذا العام، مرر مجلس الشيوخ ومجلس النواب مشروع قانون، أعده السيناتور بيرني ساندرز والنائب رو كانا، طالب الولايات المتحدة بالتوقف عن تزويد التحالف السعودي بالمعلومات المخابراتية وحظر تزويد الطائرات السعودية بالوقود الجوي. وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يستحضر فيها مجلسا الكونجرس قانون صلاحيات الحرب، المصمم لمراقبة صلاحيات الرئيس في اتخاذ قرار الحرب من خلال الإلزام بالحصول على إذن من الكونجرس بنشر قوات في الخارج. واعترض ترامب على مشروع القانون في 16 أبريل.
يقول خبير الأسلحة وليام هارتونج إن المناخ السياسي الحالي يضعف احتمالية عقد صفقات جديدة، حيث قال: "سيكون من الصعب جداً، في الوقت الحالي، المضي في صفقات بيع كبيرة للأسلحة الهجومية مثل القنابل. أي شيء يمكن استخدامه في الحرب ربما لن يكون في أي صفقة".
ومع ذلك، هناك أسلحة بمليارات الدولارات قد تم الموافقة عليها مسبقاً وتنتظر ضخها. فإذا تلاشى غضب الكونجرس من السعوديين، يمكن أن يتم إعادة فتح حنفية الأسلحة.
وفي فبراير، قدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين –بمن فيهم جراهام وكريس مورفي– قانون اليمن ومساءلة السعودية لعام 2019، والذي سيوقف مبيعات الذخيرة والدبابات والطائرات الحربية والقنابل، ويوقف صادرات القنابل التي أعطيت مسبقاً الضوء الأخضر.
أما النائب جيم ماكغوفرن فيريد أن يذهب إلى أبعد من ذلك. ففي يناير، قدم تشريعًا يحظر جميع صادرات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، فضلاً عن الصيانة والدعم اللوجستي. ويرعى مشروع القانون 29 عضواً (معظمهم من الديمقراطيين).
وقال ماكغوفرن لصحيفة "إن ذيس تايمز": "خلاصة القول هي أننا نعرف حقيقةً أنهم يقصفون الحافلات المدرسية والأعراس والجنائز ويُقتل الأبرياء... والسؤال الآن هو: هل سنصدر فقط بياناً صحفياً ونقول: نحن مرعوبون, أم هل ستكون هناك عواقب؟!".
وأضاف: "إذا لم يتم تمرير إجراء مثله، فإن الأنظمة الاستبدادية الأخرى في جميع أنحاء العالم ستقول: مهلا، يمكننا أن نفعل كل ما نريد بحق الجحيم".
ولتمرير مثل هذه القوانين، سيتعين على أعضاء الكونجرس تجاوز صناعة الأسلحة. ففي التقرير السنوي لعام 2018 الصادر عن شركة "لوكهيد مارتن"، حذرت الشركة من أن "المناقشات في الكونجرس قد تؤدي إلى فرض عقوبات على المملكة العربية السعودية".
 وبالنسبة لجيهان حكيم من لجنة التحالف اليمني، فإن الحرب تتوقف على تأثير المال في واشنطن. حيث قالت: "نحن نتواصل مع العائلة في الوطن (في اليمن) والسؤال الذي يطرحونه هو: لماذا؟ لماذا تدعم الولايات المتحدة التحالف السعودي؟ إن الربح يوضع قبل حياة البشر".

صحيفة "إن ذيس تايمز"
20 مايو 2015