ترجمة:  زينب صلاح الدين -

أحمد عبد الكريم
في ما يعد أكثر خطة وطنية شاملة أعلنتها الحكومة اليمنية الموجودة منذ ثلاثة عقود مضت، كشف الجناح السياسي للحركة الحوثية، أنصار الله، عن خطة شاملة لإعادة بناء اليمن التي دمرتها الحرب، من خلال بيان يستعرض 175 هدفاً لإعادة بناء الدولة وتحويلها إلى دولة حديثة مستقرة ديمقراطية في العام 2030.
 يدحض البيان، المسمى رسمياً بـ"الرؤية الوطنية"، الادعاءات السعودية المتكررة منذ فترة بأن الحوثيين ببساطة ما هم إلا مجرد متمردين عنيفين يحتلون العاصمة اليمنية، ويظهر عكس ذلك أنهم قوة سياسية يبدون رغبتهم في امتلاك مؤسسات حكومية مختصة تعمل على تأسيس ديمقراطية يمنية وتجعل الدولة مزدهرة.
هي أيضاً إشارة إلى أن الحوثيين يسعون لإعادة تأسيس العلاقات مع البلدان من حول العالم، ولإعادة فتح اليمن على الاستثمار الأجنبي في نهاية المطاف.
أعلن رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، الذي يعد أيضاً عضواً بارزاً في حركة أنصار الله، أنه سيتم تنفيذ الرؤية الوطنية، وأكد أن الحكومة في صنعاء المعروفة بحكومة الإنقاذ الوطنية قد اعتمدت هذه الرؤية الجديدة.
وفي كلمة له، في افتتاح فعاليات تدشين الرؤية الوطنية، التي حضرها أعضاء المجلس السياسي الأعلى، دعا المشاط اليمنيين لتقوية عزائمهم والسعي نحو إعادة إعمار الدولة، قائلاً: "بينما نحن نواجه التحالف السعودي، نواجه أيضاً تحدي بناء الدولة".
وقال أمين المجلس السياسي الأعلى، الدكتور ياسر الحوري، إن ممثلين من مختلف المكونات السياسية والمهنية والنقابية والنسائية شاركوا في صياغة الرؤية بهدف تقديم الخدمات وتقوية الاقتصاد والوصول إلى الاكتفاء الذاتي في جميع المناطق.
وهنا تشرح ماذا تعني الرؤية رون أغرهوس، رئيس لجنة التضامن الدولية مع اليمن - وهي مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان وصحفيين وسياسيين من حول العالم: 
"تمثل الرؤية الوطنية علامة فارقة في طريق اليمن نحو الديمقراطية التعددية. فهي تظهر رغبة حكومة الإنقاذ ]التي يقودها الحوثيون[ في العمل على الديمقراطية برغم العدوان الحالي الذي يدمر الجمهورية".

برنامج طموح وشامل
تهدف الرؤية الوطنية أيضاً إلى جعل اليمن قوة إقليمية في الوقت الذي يتم فيه تقوية مؤسسات الدولة التي دمرت أثناء الحرب، كل ذلك قبل عام 2030، وبينما يستمر التحالف السعودي في قصف البلد.
وبعض المجالات الحاسمة الوارد ذكرها في الرؤية تشمل رفع متوسط العمر المتوقع وتحسين الخدمات الاجتماعية ورفع معدل القراءة والكتابة ومكافحة الفساد ورفع نسبة حضور المرأة في القوى العاملة إلى 30% بحلول العام 2030، حيث إن نسبة مشاركة المرأة اليمنية اليوم في سوق العمل لا تشكل إلا 6%.
كما تهدف الرؤية الوطنية لتوحيد البلد - المنشطر حالياً، وفق خطوط سياسية وإدارية وقبلية من خلال إطلاق مصالحة وطنية شاملة تتناول الحلول السياسية والحكم والتركيب الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والتنمية الإدارية والعدالة وسيادة القانون والابتكار والإبداع والمعرفة والبحث العلمي والتعليم والصحة والبيئة والدفاع والسياسة الخارجية والأمن القومي.
علاوة على ذلك، تحاول الرؤية معالجة الفساد في بلد يصنف حالياً من بين الأسوأ في العالم من حيث مؤشر مكافحة الفساد، ويحقق معدل نمو اقتصادي حقيقي سنوي لا يصل إلا إلى أقل من 5%.
إن أهداف العام 2030 التي وضعتها الرؤية الوطنية هي أهداف سامية على أقل تقدير، لاسيما بالنسبة لبلد عانى بشدة جراء أربعة أعوام من حرب شنها تحالف يبدو أنه عازم على تدمير كل معالم المجتمع المدني. ومع ذلك في حال تم تحقيق أهداف الرؤية الوطنية، سيعلو ترتيب اليمن بشكل ملحوظ في مؤشر مكافحة الفساد العالمي، وسوف ترتفع نسبة القراءة والكتابة إلى 80% على الأقل، وستزيد نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 30% على الأقل، وسينخفض مستوى الفقر إلى أقل من 20%.
وسوف يتحسن مؤشر التنمية المستدامة من 45% إلى 60%؛ حيث سيزيد مؤشر استثمار اليمن من 130% إلى 190%؛ وسيصل نصيب الفرد من الإنتاج المحلي الإجمالي السنوي إلى أكثر من 2000 دولار وسينخفض معدل البطالة إلى 10%.
تعد الرؤية الوطنية أيضاً خطة للدفع باقتصاد اليمن إلى أن يكون ضمن أحد أكبر اقتصادات العالم المائة، وتقلل من معدل تضخم الأسعار سنوياً إلى أقل من 5%. ولعل الأكثر تأثيراً هو رفع الدولة التي دمرتها الحرب إلى مرتبة لا تقل عن 98 في القائمة الدولية من حيث الديمقراطية والحرية وحماية حقوق المواطنين.

تفاؤل وحذر
يتفاءل خبراء يمنيون بشأن الخطة وبشأن قدرة أنصار الله على تنفيذها. فالرؤية -التي أطلق شعارها الأول الرئيس الراحل المنتمي لجماعة أنصار الله صالح الصماد: "يد تبني ويد تحمي"-تواجه عقبات، إلا أنها تملك فرصة جيدة للنجاح. وبحسب سليم صالح، وهو طالب درس الحركة الحوثية منذ بدايتها، "لم يكن الحوثيون سابقاً يتمتعون بأي قوة سياسية أو عسكرية، إلا أنهم سرعان ما أصبحوا قوة مؤثرة قادرة على الصمود أمام تحالف عدة دول برغم الحروب الست ]اليمنية السابقة[ التي خاضوها".
هذه كله على الرغم من أن عدة محللين سياسيين ممن تحدثوا لـ"مينت برس" يعتقدون أن السعودية ستعمل على إحباط وإفشال الرؤية الوطنية، لكونها تشدد على السيادة الوطنية والاستقلال والقيم التي تعارض رؤية السعودية لليمن كحظيرة خلفية للمملكة. ويستشهدون بحادثة اغتيال السعودية لرئيس المجلس السياسي الأعلى السابق صالح الصماد الذي قتل بطائرة بدون طيار سعودية في الحديدة بعد إعلانه للمرة الأولى فكرة الرؤية الوطنية الجديدة في العام 2018.
وسياسة السعودية هذه ليست جديدة. فرئيس شمال اليمن صاحب الكاريزما إبراهيم محمد الحمدي قتل على يد السعودية في أكتوبر 11/1997 بعد أن بدأت حكومة الحمدي خطة طموحة لتنمية الاقتصاد للإسهام في جعل شمال اليمن قريب من حداثة القرن العشرين.
* أحمد عبد الكريم صحفي يمني يقوم بتغطية الحرب في اليمن لدى مينت "برس نيوز" وكذلك لدى وسائل الإعلام المحلية.
"مينت برس نيوز" 7/5/2019