بشرى الغيلي/ لا ميديا

تتأملُ أطفالها بانكسار في ممر مدرسة أبي بكر الصديق. الجميع من حولها كأنهم في ليلة الحشر. وجوه أطفالها تحكي دون صوت. وعند مدخل بوابة المدرسة تطالعك نظرات تهامية معجونة بالبراءة وما صاروا فيه من وضع أخرجهم من بيوتهم التي كانت تقيهم من كل شيء، ويعيشون بداخلها ملوكا.. القصف الهستيري المجنون لتحالف العدوان الأمريكي السعودي لم يستثن فقراء، أو معدمين، أو سواهم. انتصاراته الوهمية دائما على حساب البسطاء الذين شردهم من منازلهم، ومن أرضهم، ليواجهوا حياةً أكثر قسوة.. غُرف علميات تسجيل واستقبال وإيواء النازحين بأمانة العاصمة، قد لا تكون بمستوى وحجم الكارثة، خاصة أن أغلبهم حتى الآن لم يجدوا غرفاً تقيهم حرارة شمس الصيف، وبرودة الليل الذي لم يألفوه في بيئتهم التهامية الحارة بكل الأوقات.. نزلت (لا) إلى مدرسة أبي بكر الصديق واستطلعت أحوالهم عن قُرب، والتقت أ. عبدالوهاب شرف الدين، مدير الهيئة العامة لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث بأمانة العاصمة، الذي وضع النقاط على الحروف.

فصلٌ واحد يجمعهم
أكثر من 5 عائلات تتشارك فصل المدرسة. سقفٌ واحد يجمعهم ليقتسموا كسرة (الكدم). يتأملون حالهم ولأي وضع أوصلهم العدوان الأمريكي السعودي، وشردهم من بيوتهم بعد أن كانوا آمنين ويعيشون حياتهم الطبيعية كبقية المواطنين المستقرين بمنازلهم، وبين أطفالهم، نظرة انكسار واحدة منهم كفيلة بأن تُحرق الدول التي تقصف وتشارك في الظلم المحدق بالبسطاء، وبأحوالهم المريرة. عدوانٌ كوني فقد كل أهدافه على مدى 4 أعوام، وكشفت الأيام أنه لا يستثني أحدا، لا أطفال، ولا نساء، ولا عاجزين... هدفه كل شيء في طريقه.

المنظمات ولا يهبوا شي!
يتكئ على ذراعه ويتأمل الداخلين والخارجين ممن يحملون (جاكيتات) عليها شعارات منظمات دولية. اقتربنا منه قليلاً وهو يشير بإصبعه حيثُ يتجهون قائلاً: (منظمات ولا يهبوا لنا شي). وواصل حديثه أبو محمد، أحد نازحي مدينة الحديدة الذين شردهم العدوان الأمريكي السعودي من بيوتهم، قائلا لـ(لا): (ولا هبوا لنا شي. يواعدوننا أنهم يجيبوا، ولا شفنا شي يوطونه).
المنظمات الدولية والإغاثية التي عادةً ما تزايد وتتبجح باسم النازحين والبسطاء، لم يُلمس لها أي دور خلال استطلاعنا لأوضاع النازحين، إلا جهوداً بسيطة لمنظمة اليونيسيف، حسب أ. عبدالوهاب شرف الدين، مدير عام الهيئة الوطنية بأمانة العاصمة لمواجهة الكوارث وشؤون النازحين، الذي قال إن التحرك يقتصرُ فقط على بعض مؤسسات المجتمع المدني، وجهود بسيطة لمنظمة اليونيسيف.

ارتفاع متسارع في الإحصائية
أما عن الإحصائية الرسمية لعدد النازحين، وأهم المحافظات التي نزحوا إليها، يقول عبدالوهاب شرف الدين إن إجمالي عدد النازحين خلال 6 أيام فقط وحتى لحظة كتابة هذه السطور بلغ 7740، والعدد في ازدياد، وأكثر تركزهم في أمانة العاصمة، وبعض المحافظات.
 
غرف عمليات
وعن كيفية استقبال النازحين، ودور الجهات المختصة، يضيف شرف الدين: (قمنا بإنشاء غرف عمليات على مدار الساعة، ومندوبين في مداخل الأمانة لاستقبالهم، وفريق عمل للتسجيل والتنظيم في مدرسة حفصة، وفتحنا مراكز إيواء، كمدرسة أبوبكر الصديق).  
يبقى شيء مهم جدا لا بد من الإشارة إليه: برغم الجهود التي ذكرت أعلاه إلا أنها تحتاج إلى مضاعفتها، لأن وضع الغالبية من النازحين صعب جدا، ويحتاجون إلى الإسراع بتسوية أوضاعهم، لأن الغالبية ونظراً لتزايد أعدادهم لم يجدوا أماكن ينامون فيها.

سنرجعُ يوما
مهما تجبرت وطغت قوى التدمير، لن تثني يمنياً حراً من العودة إلى مسقط رأسه الذي من حقه العيش فيه بسلام، ولسانُ حاله يردد مع فيروز:
سنرجع يوماً إلى حيّنا
ونغرق في دافئات المنى
سنرجع.. مهما يمرّ الزّمان
وتنأى المسافات ما بيننا
فيا قلب مهلاً، ولا ترتمي
على درب عودتنا موهنا!