موقع ( لا ) الإخباري / شايف العين

يختلف المظهر الذي يزهو به شهر نزول القرآن باختلاف عادات وتقاليد البلدان..  وفي بلدنا كان لكل محافظة طابع معين يصبغها عندما يهل هلال رمضان المبارك، فمنها ما تتغير حياة أبنائها بحلوله بشكل كبير، ومنها ما لا يكون التغيير بذلك الشكل. ويرتكز الاختلاف بحسب ما توصلنا إليه على طباع الناس وطبيعة أعمالهم وتضاريس الجغرافيا التي يعيشون فيها... إلا أنه بفعل قوى دخيلة على المجتمع تلاشت تلك الطبائع من على الوجود إلى حد ما، وأصبح الجيل الحالي على خلاف ما كان عليه أسلافه.. في هذا العدد ترصد (لا) الأجواء الرمضانية التي كانت تسود محافظة ذمار قديما، تحكيها ألسنة بعض أبنائها الذين عايشوها آنذاك، وشهدوا كيف حاول الدخلاء على الوطن طمس الموروث الشعبي من ذاكرة أبنائه كي لا يتوارثه الأجيال، لتسافر بقرائها عبر الزمن وتضعهم في صورة الحياة التي اتسم بها الشهر الكريم أيام أجدادهم.. ذمار إحدى محافظات الجمهورية اليمنية، تقع جنوب العاصمة صنعاء وتبعد عنها مسافة 100 كيلومتر، تبلغ مساحتها بحسب المركز الوطني للمعلومات 7586 كم2 وتنقسم إلى 12 مديرية تضم 3262 قرية.. غالبية أبناء ذمار يعملون في الزراعة، المهنة التي تربطهم بها علاقة وطيدة منذ 7000 سنة بحسب ما أكدت الدراسات الأثرية، ولهذا فالأرض مقدسة في موروثهم الشعبي.. وسيستغرب البعض أن لهذه المهنة دوراً كبيراً في تحديد الأجواء التي كان يجلبها شهر رمضان الكريم قبل سنين عديدة لأبناء ذمار الذين يعيشون في المناطق الريفية، دون سكان المدينة. 
الزراعة حددت طبيعة  الناس في رمضان
اعتاد أبناء ريف ذمار أن يلتقوا بأرضهم التي كانت قبل عقود مصدر رزقهم الوحيد، في موعد محدد يحرّم عليهم تأخيره ويجوز لهم تقديمه لإشباع شغفهم بها، ولم يستطع شهر رمضان تغيير طبيعة تلك العلاقة. فالليل في قاموس الفلاحين كان يظل لباسا، والنهار منذ بزوغ شمسه كان يظل معاشا وحكرا على تراب أرضهم كما قال الله عز وجل في كتابه الذي أنزله في هذا الشهر الكريم.
يعرّف بعض كبار السن من أبناء مديريتي (الحداء) و(عنس) شهر رمضان بأنه شهر التوبة والغفران ويجب عليهم فيه أن يغيروا حياتهم إلى الأحسن، وذلك بالاستمرار في الإيجابيات والابتعاد عن السلبيات، فعندما كان يحل عليهم الشهر في صغرهم كما يذكرون كانوا يشعرون بفرحة غامرة ويستقبلونه بأناشيد وأهازيج خاصة، وبنفوس مغايرة. وفيما يتعلق بأعمالهم وروتين حياتهم فلم تكن تشهد أي تغيير، إذ يعتبرونها من الإيجابيات، كونهم فلاحين.

روتين لا يتغير
إن روتين سير حياة المزارعين في رمضان يشبه كثيراً روتين حياتهم في بقية الأشهر، عدا الإمساك عن الأكل وزيادة أوقات الجلوس في المساجد والإقلاع عن مضغ القات.
يستيقظون وقت السحور ليتناولوا وجبته، ثم يؤدون صلاة الفجر ويجلسون بعدها في المسجد حتى يبزغ الضوء، بعدها يذهبون إلى حقولهم ولا يفارقونها إلا عندما تبلغ الشمس منتصف السماء.
يعودون إلى القرية وقت الظهيرة ويؤدون صلاة الظهر ويقرؤون القرآن حتى يحين موعد صلاة العصر. وعقب الصلاة يجتمع رجال القرية في مكان محدد يتبادلون فيه الحديث، بينما الصغار يلعبون بعض الألعاب التي لا تأتي متعتها إلا بقدوم رمضان، مثل اللعبة التي تعتمد على أنوية التمر التي يهتمون بجمعها من أجل اللعب. وترتكز هذه اللعبة على رمي البذرة لإدخالها في حفرة صغيرة... ويستمرون في ذلك إلى حين أذان المغرب.. يفطرون في المسجد ويصلون المغرب ثم يعودون إلى بيوتهم لتناول عشائهم، بعدها يذهبون لأداء صلاة العشاء، ثم يجتمعون في منزل كبير القرية لقراءة سورة (يس) والاستمتاع بسماع شيء من سيرة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة آل بيته، يرافق ذلك نقاشات حول أوضاع الناس، دون أن تقارب أفواههم القات طيلة الشهر، لأنه يسهرهم وبالتالي يؤثر على موعد استيقاظهم الباكر والذهاب لمزارعهم.
وفي الوقت الحاضر تغير الحال كثيراً، بل انعكس تماماً. يقول أحمد صالح حسان (68 عاما) من أبناء مديرية (الحداء): (تغير الوضع في رمضان عما كنا عليه في السابق، فاليوم أبناؤنا وأحفادنا يقضون النهار في النوم، والليل في تناول القات ومشاهدة مسلسلات التلفزيون وفلاحة الأرض، وهم في هذا يشبهون الخفافيش والضباع، التي لا نراها إلا في الليل).
ويضيف الحاج أحمد أن الجيل الحالي لم يعد يهتم بالأرض وزراعتها كثيراً، فهو يكتفي بالقات، وإذا زرع ثماراً أخرى لا تعطيه الأرض أفضل ما عندها، لأنه مهمل لها، مؤكداً أن تربة الأرض لا تنتفع من عمل الليل مهما كان الجهد المبذول فيها، كون أشعة الشمس ضرورية لها، لهذا ما زال كبار السن متمسكين بروتين آبائهم وأجدادهم الرمضاني المتمثل في النوم باكراً والاستيقاظ باكرا لفلاحة الأرض، ولم يتأثروا بالعادات الجديدة الدخيلة عليهم.

رمضان ليس شهر الأكل!
لم يكن أبناء ريف ذمار يهتمون كثيراً بالطعام خلال شهر رمضان، فهم لا يرونه كما نراه هذه الأيام، حيث كانت (العصيد) و(المرق) و(الشربة) و(الأرز) فقط هي وجبة العشاء، بحضور بعض الخضار المتمثلة في الفجل والكراث والجرجير، بينما كان الفطور التمر وقهوة (القشر) و(الملوح) و(السحاوق)، أما السحور فمحصور في (الزوم) المكون من ملوج (خبز) ولبن يضاف له الدقيق والبهارات والماء ويوضع في تنور الحطب، وأيضاً (المطيط) ويتكون من الملوج والدقيق والهرد والبيض والماء، وأخيراً (النشوف).

لم يكن بيننا فقير أو جائع
أكثر ما نلاحظه هذه الأيام خلال شهر رمضان في كل مكان هو ظهور نوع من التكافل الاجتماعي، كون معظم الأغنياء لا يفعلون الخير سوى في هذا الشهر، رغم أن الفقراء والمعدمين يظلون على حالتهم المعيشية السيئة طيلة السنة.
أما قديماً فهذا المظهر لم يكن موجوداً البتة في ذمار، حيث أكد كبار السن الذين استقينا معلومات التقرير منهم أنهم قبل الأربعين السنة الماضية لم يشهدوا التكافل الاجتماعي في قراهم الريفية، لا لشيء إلا لأنه لم يكن بينهم فقير أو جائع محتاج، فالجميع يأكلون من خيرات الأرض، بل ويتصدقون لسكان محافظات أخرى بكميات كبيرة من مختلف أنواع الحبوب والمحاصيل التي تجود بها عليهم أرضهم.

رمضان الريف... والمدينة
يختلف رمضان في ريف محافظة ذمار عن رمضان مدينتها؛ ولكن ليس بشكل كبير؛ ففي المدينة لا ينام الناس في وقت مبكر ولا يستيقظون باكراً كما في الريف.
فسكان المدينة كما تحدث بعض أبنائها كبار السن كانوا قديماً يتسحرون ويذهبون إلى المساجد ليصلوا الفجر ثم يمكثون فيه لقراءة القرآن حتى يبزغ الضوء ويعودون إلى منازلهم ليكملوا نومهم حتى العاشرة صباحاً، حينها يستيقظون لفتح محلاتهم لتلبية حاجات الزبائن القادمين من ريف المحافظة للتسوق، فمعظم سكان المدينة يعملون في التجارة. 
وعملاً بالقول المأثور: (صوموا تصحوا)، كان الرجال في مدينة ذمار يقضون وقت ما بين العصر والمغرب في المشي مسافات طويلة، كونهم لا يعملون في الزراعة كأبناء الريف، حيث يبدؤون بعد صلاة العصر ويعودون قبيل أذان المغرب بدقائق قليلة ليفطروا. يصلون المغرب ثم يذهبون إلى بيوتهم لتناول طعام العشاء في دائرة أوسع من مثيلتها في الريف. بعدها يذهبون إلى المساجد ليؤدوا فرض الصلاة الأخيرة في يومهم ثم يجتمعون في أحد المنازل ليتسامروا بالإنشاد والأذكار، وبعضهم يتناولون القات لأنهم يسهرون وقتا أطول من الذي يسهره المزارعون.