السيسي والبشير كلاهما ضمن تحالف العدوان على اليمن وتحت الوصاية الأمريكية
مصر والسودان اشتباك على ملعب واحد

تصاعدت حدة التوترات القائمة بين دولتي مصر والسودان، خلال الأيام الماضية، على خلفية خلافات حدودية بشأن مناطق مثلث حلايب كما هو في الظاهر، وخلافات باطنة تبدو بحسب المراقبين ليست بعيدة عن التطورات الأخيرة في المنطقة.
واستعرت التصريحات النارية المتبادلة بين البلدين، ما يشير إلى أن الوضع بدا خارج السيطرة، في وقت يرى الكثير من المحللين أن قوى إقليمية ودولية تنزلق نحو إشعال الأزمة ووضعها على صفيح ساخن قد يفضي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين.
تساؤلات كثيرة تدور في الشارع العربي والإقليمي حول طبيعة الخلافات الحقيقية بين مصر والسودان، وما هي القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لاستثمار الأزمة بينهما؟ ولماذا اشتعلت الخلافات في هذا التوقيت بالذات؟ 
بداية الأزمة 
انطلقت الشرارة الأولى للأزمة المصرية السودانية الحالية في مايو من العام الماضي، حيث اتهمت مصر السودان بالاتفاق مع إثيوبيا بشأن السماح للأخيرة ببناء سد النهضة الذي تعتبره مصر كارثة خطيرة ستتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة لمصر، لأن من شأن السد أن يحرم مصر من مياه النيل.
التوترات اشتدت حدتها عندما أعلنت الحكومة المصرية، الشهر الماضي، بأن مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد الحدودي مع السودان، هي أراضٍ مصرية، وهو ما أشعل فتيل الأزمة بين البلدين، ما اضطر السودان لرفع شكوى في 21 ديسمبر الماضي للأمم المتحدة ضد مصر بشأن ترسيم الحدود.

مبررات للخلاف
ومع تسارع الأحداث، منذ أواخر ديسمبر الماضي، تصاعد الحديث في وسائل الإعلام الرسمية السودانية والإثيوبية عن مصر وإريتريا كحليفين مناهضين لكل من الخرطوم وأديس أبابا.
واستقبل الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، نظيره الإريتري، أسياس أفورقي، الثلاثاء قبل الماضي، فيما نشرت الخرطوم تعزيزات عسكرية على حدودها الشرقية مع إريتريا، وأغلقت المعابر الحدودية معها، السبت قبل الماضي.
على الجانب الآخر، زار رئيس الأركان السوداني، عماد الدين مصطفى عدوي، أديس أبابا، الاثنين الماضي، حاملاً رسالة من البشير إلى رئيس وزراء إثيوبيا، هيلي ماريام ديسالين، تتعلق بهذا الموضوع.

عن حلايب 
حلايب هي منطقة تقع على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر، مساحتها 20,580 كم2. توجد بها 3 بلدات كبرى هي حلايب وأبو رماد وشلاتين، المنطقة تتبع مصر سياسياً وإدارياً بحكم الأمر الواقع، وهي محل نزاع حدودي بين مصر والسودان منذ فترة طويلة، ويطلق عليها السودان المنطقة الإدارية لحكومة دولة السودان، وأغلبية السكان من إثنية واحدة من البجا، وينتمون لقبائل البشاريين والحمدأواب والشنيتراب والعبابدة.

استغلال الظروف 
بعيداً عن ذلك يقول جمال، أحد المواطنين السودانيين، لصحيفة (لا) إن مثلث حلايب هو أراضٍ سودانية، تسكن فيها قبائل سودانية عريقة، إلا أن الحكومة المصرية استغلت الظروف المادية الصعبة التي يعيشها أهالي المنطقة، وقامت بمنحهم الجنسية المصرية. 

العلاقات التاريخية
العلاقات المصرية السودانية تاريخية رغم ما يشوبها من توتر بين الحين والآخر، حيث تعود هذه العلاقات إلى عهد الاستعمار البريطاني حين كانت مصر والسودان تحت سلطة وإدارة واحدة تسمى إقليم وادي النيل، وبعد ثورة مصر سنة 1952م، عمل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على تحرير السودان حتى نال استقلاه في 1 يناير 1956.

ظهور الإخوان في السودان
بعد استقلال السودان استمرت العلاقات جيدة مع مصر، ومدت الأخيرة يد العون مرات عدة لإنقاذ السودان من الغوص في حروب أهلية، حتى تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من الانفراد بحكم السودان بعد الانقلاب المعروف في 30 يونيو 1989، برعاية زعيمهم الأشهر حسن الترابي.
خلال فترة حكم الإخوان، المستمرة حتى اليوم بقيادة عمر البشير، فإن السودان أصبح مرتعاً للقوى المتطرفة، كما عزز علاقته مع دول الخليج، وخصوصاً قطر، وقد زجت به دول الخليج في العدوان على اليمن.

رهينتا القرار الغربي 
رغم الخلافات القائمة بين مصر والسودان، فإن الدولتين بحسب المراقبين والشواهد رهينتا القرار الغربي، ولا يملكان أية استراتيجية واضحة حتى في إدارة الخلافات بينهما.
يشكل السودان مع قطر وتركيا ثلاثياً إخوانياً مزدوجاً، وتعتبر الأولى ملعباً وأرضاً خصبة لإنتاج المؤامرات وصياغتها وتمريرها في المنطقة.
محللون سياسيون غربيون أكدوا في تصريحات لهم للصحافة الغربية رصدتها (لا) خلال الأسبوع الماضي، أن الخلافات القائمة بين مصر والسودان تستهدف البلدين، لكنها تستهدف بشكل رئيسي أمن واستقرار مصر.

لا شفاعة مع الأعداء 
السيسي الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع أمريكا، لا يبدو أن ذلك سيشفع له من النأي بمصر عن الخراب، حيث يرى المحللون أن القوى الغربية تغذي الصراع المصري مع أقطاب الإخوان في قطر والسودان، وهو يخوض معركة مفرغة مستنداً على اعتقاد خاطئ بأن علاقته ببعض الدول الخليجية المناهضة للإخوان كالإمارات والسعودية، سوف تمكنه من الانتصار. مشيرين إلى أن الأدوات المناهضة للإخوان وغيرها في دول الخليج، تنفذ أجندات غربية أساسها اللعب على التناقضات لتدمير الأصدقاء والأعداء معاً.

صناعة أمريكية 
وما يؤكد حقيقة خضوع هذه الأدوات للأجندات الغربية، مسألة قيام تركيا ببناء قواعد عسكرية في ديسمبر الماضي في السودان، ونشر قواتها في المناطق المحاذية للموانئ السعودية، دون أن تحرك الأخيرة ساكناً، ولم تبد حتى مخاوفها من ذلك، وهي التي تدعي محاربتها للإخوان وفرض حصار على قطر)، ما يعني بحسب المحللين أن الخلافات القائمة هي صنيعة البيت الأبيض وتحت إدارته بغرض تدمير البلدان وإعادة إنتاج تواجده في المنطقة. 
من جهة ثانية، يؤكد محللون آخرون أن خسارة القوى الغربية في سوريا وانهيار المشروع الأمريكي الصهيوني، هو أحد الأسباب التي تدفع قوى الرجعية والاستعمار إلى إثارة الفوضى في وادي النيل. 

جرأة السودان 
متابعون لتطورات العلاقة بين البلدين يرون أن السودان أصبح أكثر جرأة ضد جارته، ويمتلك هامش مناورة أكبر، فضلاً عن تمتعه بوضع جيوسياسي جعله أكثر تمرداً على ثوابت العلاقة بين البلدين، فما الذي أعطى السودان هذه الجرأة؟!

تقاطعات إقليمية ودولية
وفي هذا الصدد وصف الإعلامي المصري محمود عبده في حديثه لصحيفة (لا)، أن الخلافات بين بلده والسودان تسهم في إشعالها أطراف دولية من بينها أمريكا وإسرائيل. 
وأضاف أن التقاطعات الإقليمية والدولية الباحثة عن مصالحها في المنطقة، هي التي تحرك هذه الدول الأفريقية نحو الخلاف، في ظل غياب الوعي والدافع الوطني للنخب الحاكمة في كل من السودان ومصر وإثيوبيا وإريتريا.
وهو ما ذهب إليه مساعد زير الخارجية المصري عبدالله الأشعل، الذي اتهم في تصريح له الأسبوع الماضي، الكيان الصهيوني بأنه خلف كل ما يتعرض له المصريون من أزمات، وقال إن خطط إسرائيل ضد مصر والسياسات التي تنتهجها في تدميرها؛ تثمر الآن.

مصر تشكر تل أبيب 
إسرائيل حاضرة وتلعب دوراً بارزاً في إشعال الحرب في وادي النيل، فعلاوة على علاقتها مع إثيوبيا حليفة السودان، فإن إسرائيل تمتاز بعلاقة جيدة مع إريتريا (حليفة مصر)، وهي تملك فيها قاعدة عسكرية، وبحسب المعلومات فإن السيسي طلب من إسرائيل التوسط له بشأن سد النهضة، ويؤكد المراقبون أن زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري، لتل أبيب، قبل عام، كانت لشكر إسرائيل على دورها في الوساطة مع إثيوبيا.

إثيوبيا تلعب بالجميع
المحلل السوداني حسن إبراهيم، أشار في منشور على صفحته الرسمية في (فيسبوك)، إلى الدور الإثيوبي في إثارة الأزمات، وقال: تبدو إثيوبيا أنها تلعب بالجميع؛ المصريون يظنون أن السودان متحالف مع إثيوبيا ضد مصر، وإثيوبيا تضرب هذا بذاك، وتأمل في إثارة القلاقل في إريتريا عبر خلط الأوراق في الصومال وكينيا وجنوب السودان.

انعدام الرؤية 
في حين أرجع الكثير من المحللين، تدهور العلاقات بين البلدين لعدم وجود رؤية واضحة للسياسة الخارجية لمصر، مشيرين الى أن إشعال نيران المقاطعة مع السودان ظهير مصر الاستراتيجي؛ سوف يكون له تداعيات وخيمة على مياه النيل إذا ما قرر السودان الوقوف إلى جانب إثيوبيا.

احتمالية مواجهة مباشرة 
إلى ذلك، أكدت وسائل الإعلام السودانية وصول آليات عسكرية مصرية إلى إريتريا، وتحديداً إلى المناطق الحدودية مع السودان، بعد اجتماع ضم عسكريين من مصر وإريتريا والإمارات في أسمرا، وهو ما يعد سابقة خطيرة تنذر باحتمالية اندلاع حرب مباشرة بين حليفين ـ ربما تشكلا ـ حلف مصري إماراتي إريتري في مواجهة حلف ثلاثي آخر يضم السودان وتركيا وقطر. 
ويأتي ذلك بعد التطورات التي شهدتها العلاقات التركية السودانية، وتحديداً خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم، والاتفاقيات التي وقعت بين الطرفين، وتزامنت مع اجتماع لرؤساء أركان حرب جيوش تركيا وقطر والسودان.

مصر بين فكي كماشة 
وتعيش مصر في دوامة كبيرة وسط حلبة ملتهبة من جميع الجهات، فهي محاصرة من مشروع إقامة خلافة إسلامية في سيناء لازال قائماً، وارتفاع عمليات تفجيرات المساجد التي تزايدت خلال الأشهر الماضية ضمن المشروع التخريبي الذي تغذيه قطر والسعودية وإسرائيل منذ عامين، بالإضافة إلى انتشار وتوسع عناصر تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، خصوصاً في المدن الحدودية مع مصر، ومؤخراً اشتعال الأزمة مع السودان وإثيوبيا.

حالة التخبط والتيه
في وقت يعيش الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حالة من التخبط والتيه في ظل خسارات متراكمة تعيشها مصر على الصعيدين الوطني والقومي، حيث فقدت (أم الدنيا) رمزيتها في السنوات الأخيرة باقترابها من محور التطبيع الإسرائيلي وعلاقتها مع الأخيرة بشكل مباشر، ونفورها من محور المقاومة في سوريا والعراق، علاوة على مشاركتها في العدوان على اليمن التي لا يراها دولة شقيقة، حيث قال في تصريح له الأسبوع الماضي إنه لا ينوي خوض الحرب مع الأشقاء، في إشارة إلى السودان، وهنا لا ندري هل نسي السيسي مشاركته في العدوان على اليمن أم أنه مصر على أن الأخير ليش شقيقاً؟!

كاهن البيت الأبيض 
السودان هو الآخر يعيش حالة من الضياع والتشتت في ظل قيادة عمر البشير، آخر ملوك التتار، وكاهن البيت الأبيض الذي لا يخجل من بيع جنوده بالمزاد العلني لتحالف العدوان، ويقذف بهم في معارك لا ناقة له فيها ولا جمل.

المؤامرة 
مؤامرة كبيرة تستهدف القارة الأفريقية برمتها، ومن (أم الدنيا) تبدأ المؤامرة، انتشار للجماعات الإرهابية في أكثر من بلد أفريقي، استنزاف كبير لثروات الشعوب يعكسه تواجد إسرائيلي أمريكي مباشر في منطقة النيل، وما يحاذيها في البحر الأحمر، مؤامرات يمهد لها نظاما العمالة في السودان ومصر اللذان أثبتا عمالتهما بامتياز، مؤامرات يؤكدها كلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصف شعوب القارة السمراء بالحثالة، وسخر منهم، في صورة تعكس الوجه الحقيقي الذي تتعامل به قوى الغرب مع أفريقيا.