منذ عقود تواجه أقذر وأخطر المؤامرات الخارجية التي تديرها أجهزة الـ CIA
إيران صخرة الشرق التي هزت الشيطان الأكبر

تزامناً مع الاحتجاجات التي تشهدها بعض المحافظات الإيرانية منذ نهاية الشهر الماضي، والتي أثارت فوضى نسبية في البلاد، تستعر في بلدان قوى الرجعية والاستعمار حملات التأجيج والتحريض تجاه إيران وشعبها. وبالنظر إلى مجريات الأمر جيداً لا تبدو الاحتجاجات حسب المراقبين الدوليين مجرد المطالبة بإصلاحات اقتصادية كما يدعي المحتجون، بل إنها لافتات عريضة تخفي وراءها مؤامرة أكبر من الحدث، تستهدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشعبها، مؤامرة ليست بعيدة عن أجهزة (CIA) الأمريكية وغرف الموساد الإسرائيلي.
تساؤلات كثيرة تدور في الشارع العربي حول حقيقة الاحتجاجات التي تحولت من المطالبة بمعالجة الاقتصاد إلى إثارة فوضى تستهدف أمن واستقرار الاقتصاد الإيراني، وهل هناك مؤامرة كبيرة تحاك ضد إيران؟ ومن وراءها؟ وهل يتعلق ذلك بموقفها من المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني؟ وما علاقة احتجاجات إيران بالتطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة؟ ولماذا أثارت احتجاجات إيران بهجة وسعادة كبيرتين في البيت الأبيض الذي لم يعد لديه ما يتحدث عنه هذه الأيام سوى (تظاهرات إيران)؟
من هذه النقطة بالذات نفتح صفحات التاريخ ونسلط الضوء على محطات مهمة شهدتها إيران خلال العقود الماضية، وكيف تعامل رأس الأفعى الأمريكي الصهيوني مع إيران الثورة وشعبها، وما قام به من اغتيالات لعلمائها وشخصياتها الوطنية، ونبدأ تدريجياً تقصي علاقة تلك الأحداث بما يحدث اليوم. 
الاحتجاجات الأخيرة 
في البداية نسلط الضوء على الاحتجاجات الأخيرة، فبحسب وكالة (تسنيم) الإيرانية فإن عدداً من المدن الإيرانية مثل طهران ومشهد وكرمانشاه شهدت خلال الأيام الماضية تظاهرات احتجاجية شارك فيها عدد محدود من المواطنين للتعبير عن استيائهم من الوضع الاقتصادي، حيث قامت أعداد صغيرة من بين هذه التجمعات بأعمال تخريبية طالت الأماكن العامة والحكومية وبعض المصارف، قبل أن تتم السيطرة على الوضع وإخماد الفوضى التي كانت تسعى إليها تلك الاحتجاجات. 

الرياض تتصدر قائمة المتظاهرين في إيران
تداول الناشطون على موقع (تويتر) للتواصل الاجتماعي، في الأيام الأخيرة، هاشتاجات تحرض على الفوضى في إيران، ودعوة الشعب الإيراني إلى القيام بأعمال شغب خلال الاحتجاجات؛ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، من هي الدول الأكثر تداولاً لهكذا هاشتاجات؟
موقع (tredsmap)، وهو موقع لنشر الهاشتاجات في (تويتر)، أكد بخصوص هاشتاج (#تظاهرات_سراسرى) أنّ أكثر من 27% من الناشطين الذين استخدموا هذا الهاشتاج هم من داخل السّعودية، و4% من الإمارات، و5% من فرنسا، وحوالي 7% من داخل بريطانيا، فيما نسبة 5% كانوا من ألمانيا. وقد وصلت نسبة الهاشتاجات من خارج إيران إلى 74% بنسب متفرقة، من ضمنها كندا، الكيان الصهيوني، هولندا، أستراليا، سويسرا، بولندا، السويد، وعدد من الدول الأخرى.
وبناء على الإحصائيات التي أوردها الموقع، ومصدر هذه الهاشتاجات، يمكن القول إن إيران تتعرض لمؤامرة خارجية. 

بيانات محرضة 
يذكر أن السعودية التي تصدرت قائمة المحرضين ضد إيران في مواقع التواصل الاجتماعي، دأبت على هذا العمل منذ فترة على لسان وزير خارجيتها في بيانات محرضة على إشعال الفتنة والفوضى في إيران، قبل أن يقوم ولي عهدها محمد بن سلمان بعقد عدة لقاءات مع شخصيات إيرانية معارضة أولها مريم رجوي. 

أيادي البيت الأبيض 
وحول طبيعة الاحتجاجات يتحدث الباحث الإيراني في الشؤون السياسية والاقتصادية محمد حسين أنصاري، في لقاء أجرته معه الوكالة الفرنسية للأنباء، أن الأمر ليس جديداً ولا غريباً، فقد عرفت إيران الكثير من المظاهرات خارج البرلمان والمجمع الرئاسي وأمام المنشآت والمصانع الكبيرة خلال السنوات الماضية، خصوصاً تظاهرات 2009م، وما يحدث مؤخراً ليس ببعيد عن أيادي البيت الأبيض كما فعلت بالسابق. 
أنصاري أكد أنه بالرغم من ذلك لا يمكن أن نقول إنه لا توجد مشكلة اقتصادية نسبية، إلا أن ذلك ليس مبرراً لخروج تلك التظاهرات في هذا الوقت بالذات، مرجحاً أن أعداء إيران في الخليج والغرب هم وراء تأجيج الفوضى في البلاد. 

الانتقام من إيران المقاومة
بات من الواضح للجميع أن المثلث الصهيوني - أميركي- السعودي، بعد هزائمه المتتالية في المنطقة، وإفشال محاور المقاومة في سوريا والعراق واليمن ولبنان وإيران لمخططاته، يصبو للانتقام من الثورة الإيرانية وقيادتها وشعبها وموقفها الصارم من إسرائيل ودعمها لحركات المقاومة، فمع خروج مسيرات تضم أعداداً قليلة من المتظاهرين في بعض المدن الإيرانية، رافعة شعارات مغرضة ومسيئة للثورة الإسلامية، لم يفوت الإعلام المناهض للمقاومة الفرصة لتضخيم الصورة، في ما يتعلق بتظاهرة سلمية قام بها عدد من المحتجين في مدينة مشهد المقدّسة، على خلفية عدم استلام إيداعاتهم في مؤسسة مالية، وهو أمر روتيني يحدث في كل بلدان العالم قبل أن يتم التحريض ونشرها إلى عدة مدن أخرى. 

الاحتجاجات في دواوين القوى الرجعية 
لم تلبث قوى الرجعية والاستعمار في استثمار الحدث وتضخيمه، بل إن تصريحات أعداء إيران في كل العالم تدل بحسب آراء المراقبين على ضلوع تلك القوى في إثارة الفوضى في الجمهورية الإسلامية. 
حيث أدلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريح مباشر شجع فيه احتجاجات إيران قائلاً إنها فرصة لتغيير النظام. 
كما أن وزارة الخارجية الأميركية قالت في بيان لها إن (واشنطن تتابع احتجاجات يقوم بها مواطنون إيرانيون في المدن الإيرانية، وأنه يجب الوقوف بجانبها).
أما رئيس مجلس النواب الأميركي بول رايان، فدعا إلى دعم هذه التظاهرات، على اعتبار أن دعم النظام الإيراني للحركات المقاومة يشكل خطراً كبيراً على المصالح الأمريكية في المنطقة.

تعليق الكيان الصهيوني 
واشنطن ليست وحدها من سارع إلى التعليق على ما يحصل في إيران، فإسرائيل خرجت لتقول إن التوجه إلى زعزعة استقرار إيران من الداخل هو المهم.
صحيفة (جيروزاليم بوست) استعادت كلاماً للوزير الإسرائيلي السابق رافي إيتان، وهو الذي عمل مع الموساد، يقول فيه إن ضربة عسكرية لإيران غير قابلة للتطبيق، مشيراً إلى احتمال فشل الرئيس الأميركي في تغيير الاتفاق النووي، لذا فإن الطريقة الوحيدة لوقف إيران هي استثمار الفوضى عن طريق الاحتجاجات.

دور (CIA) الأمريكية
من خلال المعلومات والشواهد السابقة فإننا بحاجة لتسليط الضوء عن دور الاستخبارات الأمريكية، والتي بحسب المعلومات وتحليلات المراقبين ليست بعيدة عما يحدث، فهي لم تترك إيران في حالها منذ زمن، وتلعب دوراً بارزاً في إثارة الفوضى حالياً.
وبحسب وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني، فإن وكالة الاستخبارات الأمريكية تلعب دوراً كبيراً في إثارة الفوضى من خلال التغلغل بين المحتجين وتحويل الشعارات الاقتصادية والمعيشية إلى شعارات خارج السياق، وتغيير ماهية هذه التجمعات، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على مجاميع بحوزتها قنابل يدوية ومتفجرات في أماكن التجمعات.
ومن خلال ما ذكره وزير الداخلية الإيراني فإن إثارة الفوضى وتحويل التظاهرات في الاتجاه الذي يخدم الأعداء هو أحد الأساليب القذرة التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات الأمريكية في جميع الدول المناهضة لها.

الإطاحة بمصدق 
الحديث عن تدخل الاستخبارات الأمريكية لإثارة الفوضى في إيران ليس وليد اللحظة، وإنما يعود إلى ما قبل اندلاع الثورة الإيرانية، حيث عملت الأجهزة الغربية على اغتيال كل المشاريع الوطنية الإيرانية. 
بدأت تلك المؤامرات في دهاليز (CIA) الأمريكية منذ مارس 1953م، حيث قام وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس، بتوجيه الأوامر لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) التي يرأسها شقيقه الأصغر ألان دالاس، بالتخطيط للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني آنذاك محمد مصدق، الرجل الوطني الذي تتغنى به إيران حتى اليوم، حيث عمل مصدق على معارضة نظام الشاه وقطع العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة إلى دعم وتأميم استخراج النفط والثروات المعدنية بعد أن كانت في أيادي الشركات البريطانية. 

تدخل (CIA) المباشر 
عملت الأجهزة الغربية مراراً للتخلص من محمد مصدق، حتى قررت الاستخبارات الأمريكية الإطاحة به بشكل مباشر. 
فبدأ مكتب الـ(سي آي إيه) في طهران بإطلاق حملة دعائية ضد مصدق، وذكرت (نيويورك تايمز) آنذاك أن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية والبريطانية اجتمعوا في بيروت، فوضعوا اللمسات الأخيرة للخطة، وبعدها بفترة قصيرة ذكرت تقارير نشرت لاحقاً أن رئيس الاستخبارات المركزية فرع الشرق الأدنى وأفريقيا كيرميت روزفلت، حفيد الرئيس تيودور روزفلت، وصل طهران لإدارة الخطة. وقد نشرت (نيويورك تايمز) سنة 2000 بعض الأجزاء من وثيقة سربت لوكالة المخابرات المركزية، معنونة بـ(سجل الدائرة السري - الإطاحة بمصدق رئيس وزراء إيران - نوفمبر 1952 إلى أغسطس 1953).

اغتيالات بعد الإطاحة
تركزت تلك المؤامرة المعروفة باسم عملية (أجاكس)، على الانقلاب على مصدق، والتي تسمى بالفارسية (انقلاب 28 مرداد)، يوم 19 أغسطس 1953.
بعد اعتقال مصدق في نادي الضباط ونقله إلى سجن عسكري، قامت الأجهزة الأمريكية بإعلان حكم الإعدام على وزير الشؤون الخارجية ونائب مصدق، حسين فاطمي، بأمر من محكمة عسكرية شكلت من قبل الشاه، وتسلسلت عقب ذلك الكثير من الاغتيالات والاعتقالات لعدد كبير من رموز الوطنية في إيران، حتى قيام الثورة الإيرانية في 1979م. 

(ماضٍ وحاضر) سيناريو واحد 
يذكر أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية عملت قبل الإطاحة بمصدق، على إخراج (تظاهرات معادية) لمصدق في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية، والتي أشرف عليها مهندس وكالة المخابرات المركزية دونالد ويلبر، بشكل مباشر، وخلال احتجاجات واسعة النطاق تم تدبيرها من قبل فريق روزفلت، تم إطلاق الهتافات الرخيصة التي تحط من هيبة مصدق، وهو ما يعكس الاحتجاجات القائمة اليوم في بعض المدن الإيرانية، والتي تضطلع أجهزة الـ(سي آي إيه) بشكل مباشر في إثارتها واستغلالها.

محاولات فاشلة 
بعد قيام الثورة الإيرانية التي أعلنت موقفها المناهض للهيمنة الأمريكية الصهيونية في المنطقة، نصبت الأجهزة الأمريكية فخاً كبيراً للإطاحة بها، وعن طريق أدواتها الوظيفية استطاعت واشنطن الدفع بالعراق لخوض معركة طويلة استمرت لمدة 8 سنوات، إلا أن إيران أثبتت صمودها عن جدارة.
عقب ذلك استمرت الأجهزة الغربية في محاربة إيران واغتيال العديد من الشخصيات السياسية والوطنية وكذلك العلماء، وفرض حصار خانق على إيران.
وعلاوة على ذلك فإن التظاهرات الأخيرة ليست الأولى، فقد عملت أجهزة الاستخبارات الأمريكية جاهدة لإسقاط النظام الإيراني من خلال إشعال المظاهرات في 2009م عقب الانتخابات الرئاسية، إلا أنها باءت بالفشل. 

اغتيال العلماء 
إلى ذلك، سعت قوى الرجعية والاستعمار بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، لإسقاط إيران الثورة والمقاومة، حيث تم اغتيال 4 من العلماء النوويين الإيرانيين (مسعود محمدي، مجيد شهرياري، داريوش رضائي نجاد، ومصطفى أحمدي روشن) في طهران خلال عامي 2010 و2012م، باستخدام القنابل المغناطيسية في اغتيال 3 منهم، وأطلق الرصاص على أحدهم أمام منزله. وفي يونيو 2012، أعلنت الحكومة الإيرانية أنها ألقت القبض على جميع الإرهابيين الواقفين وراء الاغتيالات.

(منظمة خلق) جناح معارض يدار إسرائيلياً 
وفقاً لمعلومات كشفتها الصحافة الغربية، فإن عمليات الاغتيالات لعلماء وشخصيات إيرانية أشرفت عليها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، بالتعاون مع عناصر من منظمة (خلق)، وبدعم وتدريب من قبل الأجهزة البريطانية. 
منظمة (خلق) هي إحدى الجماعات التي تقودها مريم رجوي باسم المعارضة الإيرانية، وترتبط بعلاقة وثيقة مع إسرائيل والسعودية، وقد كشفت وكالة (ويكيليكس)، العام الماضي، أن المنظمة تتلقى دعماً مباشراً من الرياض، وتعمل على التجنيد لصالح داعش في سوريا والعراق. 

حملة اغتيالات إسرائيلية
من جهته، يقول الكاتب والمؤرخ البريطاني مايكل بيرلي، إن (عمليات الاغتيال تُنسب إلى إسرائيل بناء على مشاريعها السابقة كعمليات اغتيال العلماء النازيين، وعمليات اغتيال عناصر من حزب الله وحماس، مثل عماد مغنية ويحيى عياش، من قبل الشاباك).
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة (هاآرتس) العبرية، العام الماضي، فإن الموساد الإسرائيلي بدأ حملة اغتيالات ضد علماء إيرانيين كبار منذ سنوات، بهدف عرقلة برنامج إيران النووي.

حلم إثارة الفوضى بعيد
إثارة الفوضى في إيران حلم تسعى إليه قوى الرجعية والاستعمار، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل اللتين تتخذ الجمهورية الإسلامية منهما موقفاً صارماً، خصوصاً ما يتعلق بتدخلهما في الدول العربية والإسلامية.
خسرت هذه القوى كل مشاريعها الضيقة والتخريبية، بينما لا تزال إيران هي إيران، كما لا تزال سوريا هي سوريا، ولا تزال المقاومة حاضرة وبقوة في المشهد الراهن للمنطقة رغم كل الأزمات.
وبالتالي فإن المعادلة القائمة توحي بأن ما لم يكسبه الأعداء في المعركة العسكرية والسياسية لن يكسبوه في معارك الفتنة والفوضى في بلد يعرف جيداً من هم أعداؤه وأصدقاؤه، كما يعرف جيداً كيف يواجه مثل هذه الأزمات التي يصنعها الغرب في طريقه، فلقد اكتشفها وعمل على مواجهتها في وقت مبكر. 

لن يضيرها مشاريع الأعداء 
وعلاوة على ذلك يفهم الشعب الإيراني كما تدرك القيادة الإيرانية المعادلات جيداً، الأعداء لا يمكنهم هزيمة إيران بالسلاح، فيحاولون بالفتنة وإشعال الفوضى أو بالتسللِ الخبيث وسط تحركاتٍ ذاتِ مطالب محقة تحميها الديموقراطيةُ في الجمهورية الإسلامية. 
ولكن رغم ذلك خسرت قوى الرجعية والاستعمار تقريباً كل شيء، وهو ما نراه اليوم في سوريا واليمن والعراق ولبنان، أما إيران فلن يضيرها احتجاجات مهما كانت حدتها، فإيران الموقف والمبادئ الصارمة تجاه قضايا الأمة قادرة على الخروج من هذه الأزمة، ومواصلةِ بناءِ منظوماتِ الردعِ والحمايةِ تجاه المشاريع الأمريكية التي خربت المنطقة ودمرتها.