ثورة الـ14 من فبراير .. صمود مكابر في قلب ممالك النفط ووجه العالم
البحرين.. عقود من الظلم والاحتلال


منذ خمس سنوات تتواصل الثورة الشعبية السلمية في البحرين، ويواجه أهل هذه الجزيرة الشجعان رصاص القمع بصدورهم، ويتعرضون لحملات الاعتقال والتعذيب الوحشية، فيتمسكون بسلميتهم المبهرة وبمطالبهم الديمقراطية في وجه نظام استبدادي مطلق متخلف وتابع للاستعمار الغربي.
كل هذا التواضع في شعارات الثورة وزخات الرصاص ما تزال تنهمر على صدور المتظاهرين ورؤوسهم وفي وجه الحناجر واليافطات البيضاء.
عقلانية ميزت هذه الثورة، فهي بحق علامة فارقة في حركة التغيير التي شهدتها المنطقة العربية، فإلى جانب سلميتها واستقلاليتها، حيرت أعداءها، الذين لا يعرفون كيف يصفونها، إنها الفلسفة الفكرية التي يعتمدها الثوار في معارضتهم للنظام، فهم ضد النظام وليسوا ضد الوطن، لا يؤمنون بالعنف كوسيلة للتغيير، بل يعتبرون ذلك محرماً، فالتغيير لا يكمن بتهديم الأوطان وتدمير الإنسان، فالثورة من أجل الإنسان وليست ضده.
خلال مراحل طويلة من الصمود والنضال حقق ثوار البحرين اختراقات كثيرة في الجدران الاستعمارية العالية التي تحمي أعداء التغيير والتقدم.. فلترتفع الأصوات لكسر جدار الصمت عن ثورة البحرين الشعبية السلمية المستهدفة بالنار وبالتعتيم.
 إنها بالفعل حركة كفاح تمتد لعقود طويلة، وثورة استحقت بجدارة لقب درة اللؤلؤ البراق كلونها.
في الـ14 من فبراير 2011، شهدت البحرين حملة احتجاجات شعبية متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011م، انتفاضة البحرين لم تبدأ للتو، بل هي مستمرة منذ أكثر من 36 سنة وحتى الآن، قاد هذه الاحتجاجات، المعارضة التي تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية.. أهمها المطالبة بالإصلاحات السياسية كإقامة الملكية الدستورية عن طريق صياغة دستور جديد للمملكة يتم بموجبه انتخاب الحكومة من قبل الشعب على غرار الديمقراطيات العريقة، بدلا من النظام الحالي الذي ينتخب بموجبه برلمان له سلطات محدودة. وقد طالب المشاركون في المظاهرات بدستور عقدي، وبإسقاط دستور 2002م، الذي أقره العاهل البحريني بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001م، وكذلك الإفراج عن النشطاء السياسيين ورجال الدين الذين احتجزوا منذ أغسطس 2010م، إضافة إلى حل مجلس النواب المنتخب، وإلغاء الصلاحيات التشريعية لمجلس الشورى المعين، والسماح بالإصلاحات الحكومية وبالذات على مجلس الوزراء الذي تسيطر عليه العائلة المالكة، والذي يترأسه عم الملك منذ 40 عاما.. وضرورة تداول السلطة التنفيذية بواسطة الانتخابات الحرة، وحرية تشكيل الأحزاب، وإطلاق حرية الرأي والتعبير، ووقف التجنيس السياسي.

الخط الزمني لأيام الغضب 
مع تصاعد الأحداث في مصر وسقوط نظام حسني مبارك، دعا ناشطون في حقوق الإنسان إلى يوم غضب في 14 فبراير 2011 المصادف للذكرى العاشرة لإطلاق الميثاق والدستور البحريني. كما دعا ناشطون بحرينيون لبدء مظاهرات في نفس اليوم تطالب بالإصلاح في المملكة ومزيد من الحريات، تحت شعار (يوم الغضب).
تم الإعلان عن الاعتصام الرئيسي بالقرب من دوار اللؤلؤة الشهير بالمنامة، في محاولة لجعله رمزاً لتحركهم.
بعد أن قمعت السلطات البحرينية مقر الاعتصام الرئيسي في البحرين الذي يُسميه الثوار دوار الؤلؤة، لجأ الغاضبون للخروج في قراهم للمطالبة بالحرية، وركز المحتجون على القرى التي تشهد موجة احتجاجات يومية.
كان مجمع السلمانية الطبي أحد أهم مواقع الأحداث، وتشكلت طبيعة المظاهرات في البحرين، وتجاوزت مطالب التغيير كل ألوان الطائفية، وتوحد البحرينيون ضمن حركة ديمقراطية متماسكة.
لقد مثل هذا الحدث البحريني، ومع حجم التدخّل العسكريّ الذي حدث لمواجهة ثورته، عبر دفع قوّات درع الجزيرة السعوديّة، وعناصر الدرك الأردنيّ، وصمة عار كبرى في تاريخ المنطقة والعالم، حيث تمّ الزجّ بهذا العدد من الجيوش لمواجهة تظاهرات شعبيّة، كما يعدّ انتهاكًا للقانون الدوليّ والمواثيق الدوليّة، واحتلالاً صريحاً لهذه الدولة.
كان ومازال العنوان الرئيسي للتدخل (القوات السعودية تدخل البحرين)، والعناوين الفرعية: (العائلة المالكة تطلب العون لقمع الانتفاضة)، و(حركة القوات عبر الحدود تزيد المخاطر السياسية)، و(تثير المشاكل السياسية) من بوابة دعم الأقلية السنية في البحرين ذات الأغلبية الشيعية.
لم يطفئ التدخل العسكري الشعب عن الفوران الثوري، بل جعله أكثر تصميماً على الاستمرار في الاحتجاج حتى تحقيق مطالبه بالإصلاح. 
ومع أن الموقف الرسمي أن حكومة البحرين طلبت الدعم العسكري الخليجي (للمساعدة في حماية تسلطها على المواطنين)، إلا أن تلك الخطوة مثلت مشكلة للولايات المتحدة، ليس فقط لأن البحرين بها مقر قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، ولكن لأن واشنطن لا ترغب في أن يفلت زمام الأمور في دول حليفة، لم يسمع أحد صرخات الانزعاج من البيت الأبيض (الأمريكي) ورقم 10 (داوننغ ستريت مقر رئاسة الحكومة البريطانية)، حول إطلاق النار يوم الخميس، وقمع الاحتجاجات يوم الجمعة، ووصول القوات السعودية الى البحرين يوم الاثنين، لقد كان الرضا الغربي عن الحكم السعودي لازال على حاله طالما أن صفقات السلاح تتضاعف.
وفي ظل تصاعد هذه الأحداث، حضرت قوات ما يسمى (درع الجزيرة) للقيام على حد قول المسؤولين السعوديين (بضمان الأمن) في البحرين، ووضع حد (للتدخلات الخارجية). لكن نتج عن هذا الحضور استياء شعبي كبير، خاصة بعد أن قامت القوات السعودية باجتياح دوار اللؤلؤة الذي يعتبر مركز الاحتجاجات في البحرين، وهدم معلمه الرئيسي. وهكذا استطاعت عائلة آل خليفة، وبمعونة الدبابات السعودية، قمع مظاهرات الغاضبين، لكنها لم تستطع حتى اليوم أن تخمد ثورتهم.
مع اندلاع شرارة غضب المظاليم في البحرين، شكلت القوى المتحالفة مع نظام آل خليفة جبهة ردع مضادة للثورة هناك، قوى تنوعت ما بين الأدوار العسكرية والإعلامية حتى المنابر الدينية، فالداعية الإخواني (يوسف القرضاوي) علی سبيل المثال، ومعه العشرات من العلماء الأفاقين، عملوا ولازالوا يعملون علی إلصاق تهمة (الطائفية) بالثورة البحرينية، عازين سبب عدم دعمهم لهذه الثورة بأنها تستقوي بالخارج خاصة إيران وحزب الله، ادعی القرضاوي أن (ما يحدث في البحرين ثورة طائفية)، زاعما أن (مشكلة ما حدث في البحرين أنه ثورة شيعة ضد السنة)!، مثل هذه المواقف تعتبر قمة التواطؤ مع الديكتاتورية البغيضة الجاثمة علی صدور شعوب العالم العربي، أفتى القرضاوي لمن يحيطون بالزعيم الليبي، معمر القذافي، باستخدام أسلحتهم لقتله والتنكيل به.
 كانت القوى السياسية (وعد، الوفاق، المنبر التقدمي، الإخاء، التجمع القومي، التجمع الوطني، وائتلاف شباب اليسار) تؤكد في يوم الغضب أن مطالبها سياسية بحتة، وأعلنت تمسكها بـ(المجلس التأسيسي) المنتخب للتحاور وإنهاء الأزمة، إلا أن القرضاوي والعلماء الذين علی شاكلته يقفون وبكل ثقلهم الی جانب أعتی الديكتاتوريات التي عرفها العالم العربي، ومنها عائلة آل خليفة الجاثمة علی صدور البحرينيين منذ أكثر من 250 عاما!
لم تبق أية آلیة لم يجربها النظام البحريني لقمع الثورة، لا بل استعانت الأسرة المالكة في البحرين بقوات (درع الجزيرة) وقوات أجنبية أخری خاصة من الأردن، وعملت مع وكالات الاستخبارات الدولية خاصة الأمريكية والبريطانية واستخبارات دول عربية، لإجهاض الثورة، لكن جميع هذه السياسات باءت بالفشل، وذلك لسبب واضح يعود الی أن الشعب البحريني غير مستعد للكف عن مواصلة الاحتجاجات، بثمن أقل من (مشاركته في تعيين مصيره وانتهاء نظام الحكم الوراثي الملكي الفردي في البلاد).
هكذا كانت تشير أحداث الأسبوع الثالث من شهر فبراير 2011 من وصول ألفي جندي من درع الجزيرة، وإعلان حالة الطوارئ، وإخلاء مناطق الاعتصام من المظاهرات بالقوة، واستيلاء الجيش على المستشفى الرئيسي، بدت في عيون الكثيرين في أنحاء مختلفة من العالم (عملا وحشيا لحكم مستبد يائس).
بعد مرور خمس سنوات على اندلاع الثورة السلمية في البحرين، التي تعاني اليوم من تفاقم الأزمات والمشاكل الداخلية، لاتزال السلطات البحرينية، وبدعم مباشر من السعودية، تمارس أبشع أساليب القمع والترهيب بحق المواطنين الذين يشاركون في المسيرات والاحتجاجات السلمية، وهو ما أثار قلق ومخاوف العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية، التي دعت الى مراعاة حقوق الإنسان والتحقيق في الانتهاكات والممارسات القمعية لقوات الأمن. 
وبدأت الثورة البحرينية في 14 فبراير 2011 بتظاهرات وحراك سلمي لقوى المعارضة، تطالب فيها، وكما تشير بعض المصادر، بتغييرات ديمقراطية وإصلاحات سياسية، كإقامة الملكية الدستورية عن طريق صياغة دستور جديد للمملكة، يتم بموجبه انتخاب الحكومة من قِبَل الشعب، على غرار الديمقراطيات العريقة، بدلًا من النظام الحالي لبلد يطغى على تكوينه السكاني أتباع المذهب الشيعي (80% من نسبة السكان)، وتحكمه أسرة آل خليفة السنية.
واختارت السلطات المدعومة من السعودية، القمع والسجن لكل محتج على هذا الظلم المتعمق في التاريخ. 
كما اختارت السلطة التابعة لنظام آل سعود أن يكون شعبها وأرض البحرين حظيرة وملهى ليلياً لجارتها النجدية القبيحة..
إنها عجلة التاريخ التي لازالت في دوران.. فبعد قيام الدولة السعودية الثانية حاول حاكمها فيصل بن تركي مد سيطرته إلى البحرين، وتمكن من فرض الزكاة عليها مؤقتًا، واستمرت النزاعات بين الطرفين، وامتد حكم آل خليفة في بعض الأوقات إلى قلعة الدمام، إلا أن تلك الفترة شهدت أيضًا دخول الإمبراطورية البريطانية إلى الخليج العربي، وقد كانت بريطانيا تعتبر الخليج بحيرة بريطانية وحلقة اتصال مهمة في الطريق إلى ممتلكاتها في الهند، وحرصت بريطانيا على بقاء البحرين مستقلة عن الدول المحيطة، فقامت عام 1859م بإبلاغ فيصل بن تركي بأنها تعتبر البحرين (إمارة مستقلة)، وأرسلت أسطولاً بحريًا لحمايتها، وبعد عدة معاهدات بين بريطانيا وحكام البحرين وقع آل خليفة اتفاقية الحماية البريطانية سنة 1861م، وظلت البحرين محمية بريطانية حتى سنة 1971م..
لمحة تاريخية عن جزيرة المظاليم
عام 1923م، عمت الاضطرابات البحرين بعد أن تصادمت قبيلة الدواسر بالبحارنة، كان الدواسر يعيشون في البحرين بشكل شبه مستقل عن آل خليفة منذ قدومهم إلى البحرين من شرق الجزيرة العربية سنة 1845م، فقام البريطانيون بإجبار الدواسر على الجلاء عن البحرين في ذلك العام، وغادر معظمهم إلى الدمام على الساحل المقابل.
تم اكتشاف أول بئر نفط في البحرين عام 1932، وهي أول بئر تم اكتشافها في المنطقة. اليوم تسعى هذه الجزيرة التي يبلغ سكانها ما يقارب 750 ألفاً وما يقارب نصف مليون من المجنسين والأجانب، إلى تنويع اقتصادها لتصبح أقل اعتمادا على النفط الذي نضب في الثمانينيات، من خلال الاستثمار في قطاعي المصارف والسياحة للسعوديين.
الاحتجاجات البحرينية ضد نظام الحكم المهيمن على الجزيرة قديمة جدا، وتتلخص بالتالي:
-      في العام 1922 حصلت (انتفاضة البحارنة) احتجاجا على (سياسات الاستعباد التي يمارسها الخليفيون ضد الشعب خصوصا الأكثرية).
- في العام 1938 طرحت أول عريضة مشتركة بين الشيعة والسنة، تطالب بدستور للبلاد، ومجلس تشريعي. وقمعت تلك الحركة، ونفي زعماؤها الى الهند.
- في 1948، طالب عبد الله الزيرة بدستور ومجلس تشريعي.
- وبين العامين 1954و1956م تشكلت (الهيئة التنفيذية العليا) التي تحولت لاحقا الى (هيئة الاتحاد الوطني)، وطالبت بكتابة دستور دائم للبلاد، وإنشاء مجلس تشريعي. وبعد الاحتجاجات والثورة الشعبية على العدوان الثلاثي على مصر في 1956، قام البريطانيون بتصفية الهيئة، واعتقلوا بعض قادتها، ونفوهم الى جزيرة (سانت هيلانة) وسط المحيط الأطلسي.
- وفي 1965، أدت الاحتجاجات والثورة البحرينية الى استشهاد 14 شخصا واعتقال المئات وتشريد العشرات.
-      وفي 14 أغسطس 1971، انسحبت بريطانيا من البحرين، وجرى استفتاء نص على دستور وشراكة سياسية ركن أساسي فيها الشعب.
- وفي العام 1973م تم تشكيل مجلس وطني منتخب لصياغة دستور جديد للبحرين، وتشكيل مجلس برلماني.
- في 1975 ألغي العمل بالمواد التي تنظم الممارسة الانتخابية من ذلك الدستور.
- في العام 1975م حل البرلمان وجمّد العمل بالدستور، وفرض قانون الطوارئ (قانون أمن الدولة) سيئ الصيت، واستمر العمل به حتى عام 2001.
- في خريف 1979 عادت الاحتجاجات، وازدادت بعد استشهاد السيد محمد باقر الصدر في أبريل 1980، واستشهد جميل العلي.
- في أغسطس 1990 تم تدشين عريضتين تطالبان بإعادة العمل بالدستور والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإنهاء قوانين أمن الدولة.
- 1991م صدور عفو عام وعودة الكثير من المنفيين السياسيين الى الوطن، والشعب البحريني يبدأ المطالبة بتشكيل مجلس تشريعي والعودة الى العمل بدستور1973.
- في عام 1995 زجت الحكومة سبعة ناشطين أبرزهم عبدالوهاب حسين وحسن مشيمع بالسجن إثر تقدمهم بما عرف بمبادرة الخروج من الأزمة بتوافق شعبي - حكومي، كما انفجرت في هذا العام الانتفاضة الشعبية، فزجت الحكومة بالآلاف في السجون، ووصل عدد المعتقلين إلى خمسة آلاف (وهذا العدد ضخم إذا ما قورن بعدد سكان البحرين في ذلك الوقت، والذي لم يتجاوز 600 ألف مواطن)، وعرضتهم حكومة آل خليفة لمحاكمات عسكرية وأخرى مدنية بعيدة عن النزاهة.
- فرض النظام البحريني قانون أمن الدولة بقوة الحديد والنار، وبقيت الأمور تراوح مكانها الى عام 1999، حيث مات الحاكم وجاء ابنه حمد.
-      عام 2001م طرح حمد بن عيسى مشروعا إصلاحيا من خلال ميثاق العمل الوطني، ولاقى مشروعه تجاوبا شعبيا. 
- في 14 فبراير 2002م انقلب الملك حمد على وعوده وألغى الدستور وطرح دستور 2002م كبديل، وجعل من نفسه ملكا مطلقا على رأس كل السلطات، وكانت صدمة كبيرة للشعب. وبلغ التمييز ضد الأكثرية أشده في مرحلة حمد. كما أن التجنيس السياسي بلغ ذروته، حيث جنس أكثر من 300 ألف أجنبي في فترة قياسية، وحصلوا على امتيازات السكن والوظيفة وحق التصويت وغيره، وفي هذا العام صدرت حزمة من القوانين المجحفة مثل قانون الجمعيات والتجمعات، وقانون الإرهاب، وقانون الصحافة، كما جرت محاولة إصدار قانون الأسرة، إلا أنه جوبه برفض قوي من العلماء، وبدأت مجددا حملة اعتقالات وتعذيب تطال النشطاء، وشكل عدد من النشطاء في هذا العام مركز البحرين لحقوق الإنسان برئاسة عبدالهادي الخواجة ونائبه نبيل رجب، كما برزت لجان شعبية حقوقية أبرزها (اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب).
- وفي عام 2004 برزت لجنة العاطلين ولجنة البدون ولجنة المحرومين من السكن، والمحرومين من العلاج والدراسة، وغيرها من اللجان.
- استمرت الاحتجاجات في الشوارع على مدى شهور في أوائل عام 2010. وشنت الحكومة حملة في النصف الثاني من عام 2010، مما أسفر عن اتهام 25 من نشطاء المعارضة البارزين، باتهامات مفضوحة كذبا من قبيل نشر معلومات كاذبة.
أعوام شهدت أحداثاً مفصلية وثورة ولدت قبل خمس سنوات.. لتكشف بعدها الوجه القبيح للنظام الذي انضم إلى التحالف الذي تقوده السعودية والذي شرع في شن هجمات تسببت في مقتل وإصابة آلاف المدنيين اليمنيين، وبات الحصار الجوي والبحري يهدد بتفشي المجاعة على نطاق واسع.
سجل حافل من الانتهاكات
خمس سنوات مرت على الثورة البحرينية التي تحاول سلطتها الرازحة تحت الهيمنة السعودية بكافة الطرق إخماد شرارتها، لا تزال أصوات البحرينيين تصدح في أرجاء البلاد، ولا يزال بعض الوهج راكدًا أسفل الرماد. ومع حلول كل ذكرى للاستقلال والثورة والتمرد على الظلم، يحاول البحرينيون إحياء ما تبقى في نفوسهم من أمل للتغيير أو قطف أولى ثمار ثورتهم.
لم تبالِ الحكومة بالمسيرات والمطالبات الثورية، بل اتخذت إجراءات أمنية للتضييق على المتظاهرين، وهو ما ضاعف من أعدادهم، ودفع المتظاهرين إلى ارتداء الأكفان، وبدأت (مظاهرة الأكفان)، وبعدها مظاهرات ومسيرة بالسيارات، ومنها إلى مظاهرات مليونية، ثم جمعة الغضب. واستمرت هذه المظاهرات بتعدد أشكالها، وكان مضمونها واحداً، وهو (إسقاط نظام الظلم وإرساء نظام العدالة).
أثناء الثورة وبعدها تعرضت التنظيمات السياسية والشخصيات المعارضة لضربات أمنية كثيرة خلال مسيرتها، حيث سنت الحكومة قوانين في ملاحقة أي منتقد حتى لأداء البرلمان، فهي تلاحق المغردين، والتهمة الجاهزة دائمًا هي التحريض على كراهية النظام أو إهانة هيئة نظامية، وهو ما حدث مع قيادات جمعية الوفاق البحرينية المعارضة؛ كونها من أقوى حركات المعارضة في البلاد، حيث تم اعتقال أمينها العام، علي سلمان، ووجهت إليه المحكمة تهمة التحريض العلني على النظام الدستوري للبلد، وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات.
لم يعد خافيًا على الدول العربية والأجنبية وحتى المنظمات الحقوقية تدهور وضع حقوق الإنسان في البحرين خلال الفترة الأخيرة، وبالتحديد منذ اندلاع الثورة البحرينية، وهو ما دفع 32 دولة إلى الإعراب عن قلقها من سجل البحرين في مجال حقوق الإنسان، ومناشدة السلطات البحرينية حماية حرية التجمع السلمي ومعالجة ما يقال عن ممارسة التعذيب بحق السجناء، لكن المنامة لم تُعِرْ أي اهتمام لهذه الأصوات والمناشدات.
تراقب المنظمات الحقوقية عن كثب خروقات حقوق الإنسان وانتهاكاتها، وترصد هذه المنظمات استمرار التعدي على حرية الرأي والتجمع والمعتقد، وانتهاك حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين وممارسات التعذيب وتكريس عقوبات الإعدام وإسقاط الجنسية، وهو ما دفع 16 منظمة عربية وأوروبية إلى توجيه خطاب لمجلس حقوق الإنسان، تطالب فيه الدول الأعضاء بتعيين مقرر خاص للبحرين، وإنشاء لجنة تقصي حقائق؛ للتحقيق في الانتهاكات المبلغ عنها بتكليف من الأمم المتحدة، والضغط على الحكومة البحرينية لمنح المقررين الخاصين المعنيين بالتجمع السلمي وبالتعذيب حق زيارة البحرين، والسماح لممثلي منظمات حقوق الإنسان المستقلة بدخول البلاد دون عوائق؛ لدراسة حالة حقوق الإنسان، وإطلاق سراح جميع سجناء الرأي دون قيد أو شرط، وفي مقدّمهم الشخصيات السياسية والحقوقية البارزة.
وطالبت هذه المنظمات مجلس حقوق الإنسان بدفع السلطات البحرينية إلى إعادة النظر في أحكام الإعدام الصادرة منذ بدء الثورة البحرينية، ووقف جميع المحاكمات ذات الدوافع السياسية، وإسقاط جميع التهم ضد المعارضين، مشيرة إلى أن القضاء في البحرين غير مستقل، وهو ما أكده البرلمان الأوروبي، الذي أصدر قرارًا بإدانة استمرار السلطات البحرينية في إصدار أحكام الإعدام بحق المواطنين، مطالبًا بتعليق تلك الأحكام، معربًا عن قلقه إزاء حالات انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، مشددًا على ضرورة الالتزام بالمعايير الدولية المتعلقة بالمحاكمات العادلة.
الصحفيون البحرينيون والأجانب لم يسلموا من حدة النظام وتشدده، حيث أكدت منظمة (مراسلون بلا حدود) أن ما مجموعه 12 صحفيًّا محترفًا وغير محترف يقبعون حاليا في سجون البحرين، وطالبت المنظمة بإطلاق سراح جميع الصحفيين المحتجزين بتهم ملفقة.
إسقاط الجنسية أيضًا من المعارك التي انتهجتها الحكومة البحرينية ضد المعارضين لسياستها، فبات من الطبيعي أن تُسقط الحكومة الجنسية عن أبناء بلدها وتعطيها في المقابل للأجانب، حيث أفاد حقوقيون بأن عدد حالات إسقاط الجنسية بلغ 253 حالة، لافتين إلى أن بعض المواطنين الذين أسقطت جنسيتهم لم توجه له تهمة، أو يتم التحقيق معهم، ولم يرتكبوا أية مخالفة قانونية. وشدد هؤلاء الحقوقيون على أن إسقاط الجنسية في أي مكان يعد تنفيذ إعدام للحالة المدنية للشخص، عندما يتحول إلى عديم الجنسية بين ليلة وضحاها.
استخدمت السلطات البحرينية فئة الأطفال كورقة ضغط على ذويهم المعارضين، فبعضهم أسقطت الحكومة عنهم الجنسية بعد إسقاطها عن آبائهم المعارضين، والبعض الآخر تم اعتقالهم، وحرموا من حقهم في التعليم، حيث تكشف التقارير أن سجون البحرين تضم عددًا كبيرًا من القاصرين القابعين في السجن دون توجيه تهم لهم، فمنذ عام 2011 وبالتحديد بعد انطلاق الحراك الشعبي في 14 فبراير، تم تسجيل قرابة 960 حالة اعتقال، بينهم 241 طفلًا معتقلًا عام 2015 فقط، وهو ما يتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل الموقعة منذ 1990.
الوضع خارج السجون بالنسبة للأطفال لم يختلف كثيرًا عن داخله، حيث إن نحو 37 جنينًا ورضيعًا قتلوا بالغاز المسيل للدموع، فيما سقط ما لا يقل عن 13 طفلًا برصاص القوى الأمنية.
النظام البحريني ومنذ انطلاق الثورة في الـ14 من فبراير2011 وحتی الیوم، لم يعمل علی تحقيق تطلعات الشعب، بل بقي مصرا علی التعامل الأمني مع الثوار، ورفع بذلك نسبة اعتقال رموز المعارضة، واعتمد سياسة الزج بالمعارضين وراء القضبان، إذا ما صدر عنهم أي موقف معارض لسياسات أسرة آل خليفة، ناهيك عن الإعدامات الميدانية التي نفذتها قوی الأمن ضد عشرات الشباب، لا لذنب سوی بسبب مشاركتهم في التظاهرات السلمية، وإعدام آخرين منهم من خلال تعذيبهم في السجون.
لم يقدم المجتمع الدولي شيئاً للثورة البحرينية، وأصر علی اعتماد الصمت المطبق، وتماهى مع الانحياز الأعمی لممارسات النظام البحريني.
ثورة البحرين ليست طائفية كما يدعي البعض، ولم تستمد طاقتها من الخارج، ولم تكن في يوم من الأيام تستخدم العنف والتطرف. الشعب البحريني وطيلة فترة احتجاجاته التي تعود لـ(انتفاضة الكرامة) التي انطلقت في تسعينيات القرن المنصرم، لم يكن في يوم من الأيام يعول علی دعم خارجي أو دعم منظمات المجتمع الدولي، وبالرغم من ذلك فإن هذا الشعب لازال مصرا علی بناء مجتمع أساسه المساواة والحرية والعدالة، وفقا لمبادئ المواطنة وليس الانتماء المذهبي أو الطائفي أو العرقي. ولهذا فإننا لم نتصور أن أي خيار آخر قد بقي أمام النظام العميل الخانع للتعامل مع الثورة البحرينية سوی الاستجابة لطموحات الشعب التحررية.
إن 14 أغسطس يعود مجدداً وبقوة بعد طول غياب، إلى مركز التاريخ في البحرين، بعد أن كان في هامشه، بسبب تزييف النظام لتاريخ شعب البحرين، واستبداله بأساطير القبيلة. تاريخ يمثل الاستقلال عن المستعمر البريطاني، ويوم التحرر من استبداد الحكم القبلي، إنه أغسطس التمرد والاستقلال في وقتٍ واحد.
فهل يعي النظام القابع في قصور الرياض هذه المرة مكر التاريخ، الذي لا يكرر نفسه، وإن كررها فمرة في شكل ملهاة ومرة في شكل مأساة، وفي ما يبدو أن 14 فبراير سيكون كل عام مأساة بالنسبة للنظام الخليفي.
شعب البحرين ثائر منذ 36 عاماً، مطالباً بحقوقه المشروعة التي كفلتها له جميع القوانين والشرائع السماوية والوضعية.
قدم التضحيات تلو التضحيات، مستخدماً أروع الطرق وأجملها وأكثرها حضاريةً وسلامةً في إيصال مطالبه للجهات المعنية، وبالمقابل واجهت الحكومة هذا الهيجان الشعبي المسالم بأبشع الطرق وأكثرها همجية ووضاعة عندما سمحت للقوات السعودية بعبور الحدود لكي تقتل وتبطش بشعبها المسالم وتهدم مقدساته وتحرق القرآن وتعتدي على النساء والأطفال وتقتل الشيوخ والشبان.
الشعوب لاتهزم، وإن كبرت قوة الحكومات أو اتحد الظلمة، ففي آخر المطاف ستنال الشعوب ما سعت إليه وناضلت من أجله، فهذه قوة آل سعود المدججة بأحدث السلاح الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، قد فشلت في كسر إرادة شعب البحرين، وهذا الدعم الأمريكي لحكومة المنامة قد تاه بين صرخات الثوار وقصائد الشعراء وأحلام المظاليم.
أصبح نظام الحاكم الأراجوز في البحرين عاجزاً أمام شجاعة الشعب، فباع البحرين بسعر بخس لآل سعود، ولكن شعب البحرين رفض التسليم، ففسدت الصفقة واحتارت عائلة آل خليفة بطريقة المواجهة لأن الفشل قادم لا محالة، هكذا إذا انتفضت الشعوب تصبح كالفيضان لا يقف أمامها حائل، فالجميع ينجرف أمامها متقهقراً من قوة الجريان، فكان شعب البحرين الثائر قد حطم كل القوى التي تقف حائلاً أمام حريته وحقوقه، وفضح كل المؤسسات التي تنادي بالمبادئ واحترام الحريات، وجرّدها من أغلفتها الجميلة البراقة، وأخرج حقيقتها القذرة للعيان.
رغم جميع المحاولات وحملات التحريض... ظلت الثورة شعبية بمعنى شمولها لجميع فئات الشعب ومكوناته، فلم تفلح خطط تمزيق الناس مذهبياً، وظلوا موحدين حول مطالب متواضعة ومنطقية لا يملك أحد القدرة على إنكارها، فمن يجرؤ في القرن الـ21 على استهوال المناداة بالانتقال من الحكم الملكي الاستبدادي المطلق إلى الملكية الدستورية.
إنه قدر البحرين... المملكة السعودية تجتاح البلد الصغير بجيوشها الململمة من كل أصقاع الأرض لتمنع هبوب نسمة التغيير وانتقالها إلى الداخل، فالمملكة تخشى الثورة وتسعى لتحاشي ساعة الحقيقة، ولذلك ألقت القبض على الشعب، وألقت في وجه ثورته المسالمة كل أنواع الاتهامات.
كانت البحرين (الشعب) في طليعة التقدم والتحضر الفكري والسياسي في المنطقة، وقدمت أمثولة في النضال ضد التخلف والهيمنة الاستعمارية، قدمت لجوارها أولى النقابات العمالية وأول الإضرابات والهبات الشعبية وأولى المسيرات الشعبية، وبعد أن كانت على أول الدرب النضالي في جميع حركات التحرر القومية واليسارية والإسلامية، ها هي تقدم اليوم ملحمة ملهمة في النضال السلمي من أجل التغيير والتحرر متحدة بكل أطيافها.
خنق بؤرة العدوى كان القرار منذ اللحظة الأولى، وحين لاحت مؤشرات رضوخ السلطات في المنامة لمطالب الثورة، اتخذ قرار إدخال (درع الجزيرة)، وامتدت إلى قلب الخليج حروب التدخل التي انطلقت في العدوان على سورية، وقبل أن تطال اليمن. أما الغرب الاستعماري فهو يواصل النفاق والكذب عن حقوق الإنسان، وحتى حين يعترف بجرائم القمع الوحشي، لا يبني على كلامه موقفا أو تدبيرا، فيستمر في تغطية الإرهاب والتوحش.
تحت ستار المدنية والتحضر والديمقراطية يبني الغرب هياكل التوحش، وينتج منها المزيد بحشد يختلط فيه عملاء الاستخبارات الغربية من اليساريين والليبراليين وفروع تنظيم الإخوان المسلمين بالمعاهد الوهابية التكفيرية المنتشرة في العالم، وتحت الستار نفط وغاز ونهب وصفقات أسلحة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وضحايا مضرجة بالدماء.
هذا هو قدر شعب البحرين.. المزيد من الصبر والتضحيات إلى أن تنقشع أحوال المنطقة والعالم، وتفرض توازنات جديدة يمكن معها إسقاط ذلك الجور والطغيان والتجبر الذي يمارس ضد الشعوب وحركات التحرر، وتسخر له ثروات طائلة لو وظفت لحساب برامج التنمية والتعليم والتحديث والعدالة الاجتماعية لأطلقت ثورة حضارية كبرى في جميع البلاد العربية... 
التحية للبحرين ولشركاء المصير في وطننا العظيم اليمن، والتحية والنصر لسورية العروبة ولبنان الحر، في مواجهة الآلة السعودية الخادمة المطيعة المنحطة للصهيونية الفاشية، حيث تعيش المملكة السعودية كوابيس خسارة نفوذها المتخيل بمساحة أطماعها وأوهامها وحقيقة انهزام تدخلاتها المكرسة لدعم التوحش.