فلسطين اليمنية (نجران وجيزان وعسير)
سليلة أفراس تحلَّلها بغلُ


المنطقة الشمالية اليمنية (عسير وجيزان ونجران) هي منطقة فسيفسائية من حيث النسيج القبلي والمذهبي، فكل المذاهب الإسلامية توجد في تلك المنطقة: المذهب الإسماعيلي والزيدي والشافعي والمالكي.. فبعد حروب خاضوها مع ملوك آل حميد الدين وأسرة الإدريسي، تمكن آل سعود من اجتزاء مناطق نجران وعسير وجيزان من أراضي اليمن التاريخية، ومن ثم التوقيع على اتفاقية الطائف التي كانت تجدد كل عقدين من الزمن بين الإمام يحيى والملك عبد العزيز.‏
لم تلتزم السعودية باتفاقية الطائف التي وقعت عام 1934، بل توسعت مئات الكيلومترات في الشمال اليمني، مستغلة هذه الاتفاقية، وهي تشمل أراضي اليمن (عسير وجيزان نجران)، مع أن الإمام يحيى كان يشدد على وحدة التراب اليمني رغم الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن، ولم تلتزم السعودية أيضاً بمعاهدة جدة الحدودية، ولا بملحقاتها، بل توسعت وحاولت أن تسيج سرقتها للأراضي ليس على الشريط الحدودي بل في أعماق اليمن.‏
تصل مساحة عسير إلى 81 ألف كيلومتر مربع (أي ضعف مساحة الكويت أربع مرات)، وعدد سكانها ما يقارب مليونين ونصف المليون, وتنقسم قبائلها إلى قسمين هما: عسير السراة (مغيد، علكم، ربيعة ورفيدة، بني مالك) وعسير تهامة (رجال ألمع)، وتمتاز منطقة عسير بمقومات استثمارية متنوعة في مجال الثروات المعدنية والذهب.
فيما تصل مساحة جيزان ١١٬٦٧١ كم مربع، وعدد سكانها يقارب مليونين, وتتميز جيزان بطبيعتها الخلابة وموقعها البحري الهام، ومن أهم جزرها جزيرة فرسان.
وتعد نجران (مساحتها 360,000 كم مربع، وعدد سكانها يقارب المليون), منطقة سهول خصبة ممتدة من الأراضي الصحراوية (الربع الخالي)، وقد دخلت ضمن حُكم السعودية عام 1934م. وهي المركز الروحاني للسليمانية الإسماعيلية؛ التي يبلغ تعداد أتباعها (جمهورها) مئات الآلاف، ويعيش أتباع الإسماعيلية في نجران منذ أكثر من ألف سنة، وكانوا أحد المذاهب الإيمانية الكثيرة التي تواجدت في بدايات الإسلام.
وتنتمي نجران إلى قبيلة يام وقبيلة وايلة وقبيلة المكارمة وقبيلة وادعة التي تنتسب جميعها إلى همدان.
لقد قام السعوديون أولاً بغزو إمارة الأدارسة المستقلة في منطقة عسير المجاورة لنجران، عام 1926م، ثم أتباع الإسماعيلية من قبيلة يام في نجران عام 1933م. ثم انتهت حرب نشبت مع اليمن حول منطقة عسير باتفاقية عام 1934.
ويُعد التمييز ضد أبناء المناطق المحتلة من قبل مملكة آل سعود له تفاعلاته وتطوراته الخاصة. فقد خرج عبد العزيز آل سعود، في مطلع القرن العشرين، لغزو أجزاء أخرى من الجزيرة العربية. واعتمد على تحالف أسرته وأسرة آل الشيخ مع أتباع محمد بن عبد الوهاب (مؤسس الإرهاب الديني في القرن الثامن عشر). وقد منح آل الشيخ شرعية دينية لآل سعود باعتبارهم الحُكام السياسيين، والذين تعهدوا كما يدعون زوراً بدورهم بالحفاظ على الإسلام.
من ثم ترك آل سعود نجد في عهدة خبراء في الشعائر الدينية، وهو المطوعون، فتولوا مسؤولية تعليم القوة القبلية الناشئة الخاصة بالإخوان، الذين ساعدوا على غزو ما تبقى من الأراضي التي تشكل الآن المملكة العربية السعودية. إن تلك الأرجاء الشاسعة ذات ثروات نفطية هائلة تستغلها السعودية منذ عشرات السنين بحكم الأمر الواقع، ومنها عسير ونجران وجيزان, فقام الإخوان (النظيرة لعصابات الهاجاناه اليهودية) بتحويل السكان الذين تم غزوهم قسراً إلى تفسيرهم الضيق للإسلام، وقاموا في الكثير من الأحيان بارتكاب عمليات قتل جماعي, في وضع لايشبهه أي وضع آخر غير وضع الشعب الفلسطيني من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني (هذا الكيان المصطنع والمغتصب والأشبه بكيان آل سعود) لأرضهم وتاريخهم ودمائهم.
أحداث أبريل 2000
في مطلع عام 2000، وفي استفزاز واضح للمجتمع الإسماعيلي، وفي انتهاك لحقهم في الحرية الدينية، أعدت السلطات السعودية ونفذت خطة تفصيلية لإغلاق مساجد الإسماعيلية والقبض على المصلين في يوم احتفال أتباع الطائفة الإسماعيلية بعيد الفطر.
أمر وزير الداخلية الأمير نايف بأن تقوم الشرطة بإغلاق مساجد الإسماعيلية يوم 3 يناير 2000م، وأن (تفرض الحراسة وتقبض على أي شخص يمر وتنسب الاتهامات إليه),وقبل أربعة أيام من احتفال الإسماعيلية بالعيد، أصدرت وزارة الداخلية خطة أمنية تفصيلية وسرية تأمر بإغلاق 20 مسجداً في مدينة نجران, كما أمرت الخطة بأن تغلق الشرطة كل مساجد الإسماعيلية الواقعة خارج مدينة نجران.
فبعد إغلاق السلطات مساجد الإسماعيلية في يوم عيد الفطر الخاص بالطائفة، بلغت العلاقات المتوترة بين الإسماعيلية في نجران وسلطة آل سعود نقطة الذروة لدى اعتقال رجل دين من الطائفة الإسماعيلية.
ففي 23 أبريل 2000 اقتحم عناصر من الشرطة المحلية وهيئة الأمر بالمعروف والتحقيقات الجنائية، مسجد خشيوة، وقاموا باعتقال رجل دين من أصل يمني، هو محمد الخياط، بتهمة ما سماه الأمير في ما بعد، عمل السحر, واحتج الطلاب داخل المسجد حين بدأ المسؤولون يصادرون كتبهم الدينية أيضاً.
وحين بدأ إطلاق النار قبل غروب الشمس أو في ذلك الوقت تقريباً، تفرق الحشد، لكن قوات الأمن اعتقلت أكثر من 500 شخص, وتوجه أغلب المتظاهرين من هوليداي إن إلى مسجد منصورة.
واستهدفت بعض عمليات الاعتقال أشخاصا من أتباع الإسماعيلية يشغلون مناصب حكومية حساسة ولم يكن لهم أية صلة بالأحداث. 
وحكمت الرياض على 17 شخصاً من الطائفة الإسماعيلية بالإعدام، وعلى زهاء 65 آخرين بالسجن مدى الحياة..
وخففت أحكام الإعدام إلى أحكام بالسجن، كما خفضت مدة السجن، وأصبحت أطول مدة قائمة هي 10 أعوام, بالإضافة إلى الفصل من العمل, حيث أجبرت السلطات السعودية 449 موظفاً حكومياً على الأقل من أتباع الطائفة الإسماعيلية، على الاستقالة، وتم فصل آخرين دون منحهم اختيار العمل في مكان آخر, إلى جانب (منعهم من السفر إلى الخارج لمدة عامين), أما من كانوا طلابا عندما تم اعتقالهم، فلم يتمكنوا من استئناف دراستهم بعد الإفراج عنهم.. وبالإضافة إلى المشاركات الفعلية والمزعومة في أحداث 23 و24 أبريل 2000، قامت السلطات السعودية بحبس، بمحاكمات وبدونها، من جرؤ على التحدث علناً عن الأحداث, ووجهت سلطات الإحتلال السعودي للمشاركين في غضب أبريل 2000م, عدة اتهامات منها: الاتصال بالقنوات التلفزيونية الخارجية، والخروج عن طاعة ولي الأمر، وتشويه سمعة المملكة في الخارج.

بربرية سعووهابية على الهويات
 العرقية والدينية
إثر إدخال نجران نطاق المملكة العربية السعودية بناء على اتفاقية 1934م مع اليمن، تعهد الملك عبد العزيز لقبيلة يام في نجران أن يحترم حقوقهم الدينية والإثنية, إلا أنه مع ازدياد نشاط الدولة المركزية المحتلة بالتوسع في التعليم العام وتحسين البنية التحتية وجهاز الدولة، فقد راحت هذه الوعود تتآكل, وجاء من خارج نجران وجيزان وعسير مدرسون ومهندسون وموظفون ليديروا الشؤون المحلية، ويُدخلوا إلى التعليم مقررات وهابية الطابع، ويقوموا بتشييد مساجد وإعداد برامج اجتماعية متأثرة بالفكر الوهابي.
تم تهجير الكثير من قبائل عسير ونجران وجيزان وتشتيتهم, وتم استجلاب الكثير من السعوديين والمجنسين وتوطينهم بدلاً عن السكان الأصليين, ويقترن موضوع تطبيع الوافدين أساس نقطة الخلاف على الأرض اليمنية التي سلبتها السعودية, حيث تبني السلطات السعودية المحتلة مدن الإسكان المجاني، وتوفر الخدمات البلدية، وتوزع قطع الأرض على هؤلاء الوافدين الجدد على المنطقة, وتم إنشاء بلدية صغيرة عام 2000م تقريباً، وبدأت في التوسع منذ ذلك الحين لتوفير الإسكان والخدمات المدنية للسعوديين والمجنسين القادمين من خارج هذه المناطق.
ويتم استبعاد أبناء نجران وجيزان وعسير من المشاركة الفعالة في الشؤون العامة المحلية من جانبين هامين. فعامة لا يمكنهم الوصول إلى مناصب حكومية رفيعة أو إسماع أصواتهم في المجالس البلدية والإقليمية، كما أن ممثليهم نادراً ما يُدعون للمشاركة في المبادرات الوطنية الهامة.
ويتلقى أبناء عسير ونجران وجيزان القليل من الاستفادة من الجمعيات الخيرية السنية التي تعمل في هذه المناطق. وتمول الجمعيات الخيرية هناك، والتي تسيطر على مجريات العمل فيها حكومة ال سعود، بناء المساكن والمساجد لليمنيين الوهابيين الذين انتقلوا إلى هذه المناطق أثناء الاضطرابات في اليمن. 
كما شهدت عسير ونجران وجيزان ارتفاعاً حاداً في نسبة الفقر بين سكانها، خلال الأعوام الماضية، تم ضم خمسة آلاف عائلة من هذه المناطق ضمن الإعالة الاجتماعية. وذلك على الرغم من أن هذه المناطق تشهد نمواً مذهلاً في العمل بمناجم الرخام والمعادن والنفط من قبل شركات المساهمون فيها من خارج المنطقة، ولا توظف إلا القليل من سكان المنطقة في مناصب الحراس, بالإضافة إلى تسخيرهم لأبناء هاتين المنطقتين كعمال بالمناجم. 

الموت شنقاً في طابور الصباح
ترتفع حدة الغبن بالظلم من نظام المملكة بشكاوى متكررة لأبناء المناطق المحتلة من الاستبعاد من ضمن نظام التعليم، وصفتها خبيرة التعليم النجرانية فاطمة آل تيسان في بيانها عام 2006 أمام مركز الحوار الوطني، بأنها تخضع لأصحاب الدعوة الوهابية, وهو الأمر الذي تسبب في فصلها من عملها, ومن موضوعات على الإنترنت، علق أحد المدونين قائلاً: (سكان نجران وجيزان وعسير محرومون منذ عقود من دخول الجامعات والمعاهد ومراكز التدريب العسكرية): (لا يوجد إسماعيلي أو زيدي أو شافعي في الكلية العسكرية أو القوات الجوية, ولأنهم يمنيو الأصل وتوجد لديهم عرقية واحدة، فهم يخشون منها), وذهب العام قبل الماضي أكثر من مائة جيزاني ونجراني إلى الأردن لدراسة علوم الطيران، وهو مجال محظور عليهم دراسته بالمملكة العربية السعودية.

دائرة عمل الموت
ذكر تقرير خاص صدر عام 2002م أن (عدد العمال من أبناء نجران وجيزان وعسير الذين يعملون في القطاعين المدني والعسكري، لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة في كل قسم), ومنذ زمن طويل يشتكي الكثير من أبناء عسير ونجران وجيزان استبعادهم من المناصب القيادية باعتبار أن هذه من المشكلات الأساسية, فهم يشغلون أقل من 2 في المائة من المناصب العليا.
وفي ما يخص العمل بقطاع التعليم، لا يعرف (رجلاً أو امرأة من أصحاب الأرض يشغل أو تشغل منصباً قيادياً، حتى في مقصف المدرسة), فالوظائف يشغلها مستوطنون من خارج المنطقة وهم على درجة مهارة أدنى من التربويين المنتمين لأرض نجران وجيزان وعسير المؤهلين, كما أن التمييز يوجد في صفوف المستويات الوظيفية الأدنى أيضاً. 
وبالنسبة لهذه الوظائف يكتب الأمير خطاب التعيين إلى وزارة الداخلية ويقول إن تعيين هذا الشخص من خارج المنطقة هو لصالح السلام والاستقرار، وهم يفضلون تعيين الأشخاص من خارج المنطقة. وأسباب استبعاد السكان المحليين، أن الموظفين المحليين تربطهم الصلات بالسكان المحليين وهم في مراكز تخولهم الإلمام بما يجري وإفشاء (أسرار) المنطقة للمجتمع الأوسع (أي بلادهم الأصلية اليمن)، لكن في الأغلب هم لا يحبون السكان المحليين. وعلى النقيض، فإن علاقاتهم بمن استجلبوهم خارج المنطقة هي علاقة ثقة وأمن, ويتخذ التمييز الرسمي في التوظيف (القطاعين العام والخاص) هيئة تفضيل السكان السعوديين الذين استوطنوا عسير ونجران وجيزان من بعد احتلالها، على أبناء المناطق الأصليين.

حريات مسلوبة
يدأب المسؤولون السعوديون على الإضرار بالمذهب الإسماعيلي، وفي فتوى صدرت بتاريخ 8 أبريل 2007، عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المنبثقة عن مجلس كبار العلماء، والمُكلفة بالتفسير الرسمي للشريعة والممارسات الإسلامية، ورد أن مؤسس الإسماعيلية أصله مجوسي، (وإن الإسماعيليين كفار فساق فجار ملحدون زنادقة), وبيانات كهذه التي تصدر عن رجال الدين التابعين للدولة، تضع الخاتم الرسمي بالموافقة على تفسير للتاريخ الإسلامي يقلل من قدر الإسماعيليين, وهو الأمر الذي أدى ولايزال للقيام بأعمال إرهابية ضد أبناء نجران, كان آخرها استهداف مسجد تابع للطائفة الإسماعيلية بمنطقة نجران, أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 12 على الأقل في 26 أكتوبر الماضي، وتبناه داعش.
كما لاتزال عمليات تأجيج الصراعات المذهبية المنتهجة من قبل سلطة الحكم في الرياض وحلفائها الدينيين (الوهابيين) تتزايد يومياً وبشكل مسعور ضد حريات السكان الأصليين في المناطق المحتلة, ففي مقابلة أجراها مشعل بن عبدالعزيز أمير نجران مع صحيفة الحياة المملوكة لأسرته، في 4 يناير 2005م, قال رداً على سؤال عن مدى توافر الحريات الدينية للإسماعيلية والزيدية في نجران، إنه يدعو (المراسل شخصياً إلى زيارة المعابد في نجران وزيارة الشخص الذي يُعتبر رقم واحد بالنسبة للإسماعيليين، وهو الشيخ المكرمي، ليسأله عن حرية الممارسات الدينية) (معابد مصطلح يستخدمه المسلمون عادة للإشارة إلى الممارسات الدينية لغير المسلمين).
وفي أبريل 2000، وصف الأمير مشعل رجل الدين الإسماعيلي محمد الخياط بأنه (ساحر) يسكن المملكة العربية السعودية بصفة غير قانونية، وقامت الحكومة باعتقاله (بعد وصولها إلى أدلة غير قابلة للدحض بأنه يمارس السحر ويعلمه بانتظام).
ومن خلال الرأي السعودي الغالب الذي يصم الإسماعيليين كطائفة دينية مشبوهة يتجسد في السياسات التمييزية والتي تنتهك الحريات الدينية للمجتمع الإسماعيلي, تمنع السلطات الأمنية والإدارية الإسماعيليين بصفة مباشرة من ممارسة شعائر دينهم أو نشر معتقداتهم على أتباع الطائفة, وتدعم سلطات آل سعود مادياً مساجد ورجال الدين السنة، لكن لا تفعل المثل مع الشخصيات أو المساجد الإسماعيلية, كما يتحامل المسؤولون السعوديون نحو الممارسات الإسلامية المختلفة، خاصة الإسماعيلية، وهو ما يظهر في ترويج الدولة للمذهب الوهابي بين أطفال المدارس، والتقليل من شأن المعتقدات الإسماعيلية والزيدية وكذلك الشافعية بالنسبة لأبناء عسير وجيزان.
وقامت السلطات السعودية مرات عدة بنفي الداعي الإسماعيلي، أو احتجازه، أو تحديد إقامته، وبات محظوراً على الداعي الخروج لنشر الدعوة بين الناس والصلاة معهم.
ويواجه أتباع المذاهب الشافعية والزيدية والإسماعيلية في عسير وجيزان ونجران قيوداً رسمية على حرية ممارسة الشعائر الدينية, كما أنهم لا ينالون فرصة (الاهتمام بشؤون عقيدتهم، وبناء المساجد أو توسيع المساجد القائمة، والحصول على الكتب الدينية، وتقديم المشورة الدينية لمن يريدونها والمهتمين بها).
وتوجد في عسير ونجران وجيزان مساجد كثيرة لجماعة الوهابية، ومساجد قليلة متفرقة للإسماعيلية والزيدية والشافعية والمالكية، على الرغم من أن الإسماعيليين والزيدية والشافعية ما زالوا أكثر عدداً من السنة القادمين من خارج المنطقة والذين استوطنوا بها مؤخراً.
وتراقب السعودية كل المواد المطبوعة التي تدخل المملكة أو المنشورة بالمملكة, فقائمة المواد المحظورة تزداد شمولاً حين تتعلق بالكتابات الدينية لمسلمين لا يلتزمون بالآراء الدينية التي يفضلها رجال الدين الوهابيون.
وحتى حيازة الكتب الدينية يمكن أن تستدعي التدخل الحكومي ومصادرتها، وبالذات الكتب التي تضم تعاليم الإمام علي والإمام زين العابدين، ويتم استبدالها بكتب لـ بن عثيمين وبن باز، وهما من أبرز رجال الدين الوهابيين.
وتجبر السلطات أطفال هذه المناطق على الانخراط في التعليم الديني السني بالمدارس، ويغرس المدرسون من خارج المنطقة الأفكار الوهابية قسراً في أذهان الطلاب، ويهددونهم بالرسوب إذا لم يشاركوا، ويطلبون من التلاميذ أن يجلبوا كتب دين تتبع مذاهبهم (الإسماعيلي والزيدي) ثم يعرضونها على الفصل للتقليل من شأنها وملاحقتها باللعنات، ويتم إنزال عقوبات قاسية بالمُدرسين والطلاب الذين يتحدون هذه الممارسة.
وفي عام 1999 (1420هحرية) حاول مُدرسون معينون من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أن يجبروا أطفال المدارس من الإسماعيليين في نجران على التحول إلى المذهب الوهابي, واستعانوا بالضرب والتهديدات وتخفيض الدرجات الدراسية تحت المستوى المطلوب لدخول الجامعات والحصول على وظائف, وانتهى المطاف ببعض الطلاب في المحكمة، وتم الحُكم عليهم بالسجن والجلد في مكان عام.
ودخل العديد من أبناء نجران السجن وتم استبعادهم من شغل أي أعمال حين فضلوا ألا يشاركوا في محاضرات تبشيرية لمُحاضرين وهابيين.

ميزان مقلوب على نخلة مملكة العدوان
السياسات التمييزية بناء على الهوية الدينية تشوب أيضاً نظام العدالة, ومن مجالات التمييز لا يمكن أن يصبح الشخص قاضياً في المحاكم الشرعية في السعودية إلا إذا كان من السنة, وبالنسبة لنجران، فإن القضاة السنة ينظرون كل القضايا، بما في ذلك قضايا الأحوال الشخصية مثل الزواج (يضطر الإسماعيليون إلى عقد مراسم الزواج مرتين، مرة سراً طبقاً لتقاليد الزواج الخاصة بهم والمتبعة، ومرة رسمياً أمام قاضٍ سني)، وفي مسائل الميراث والتركات.
كما تتميز أحكام المحاكم ضد الإسماعيليين بسبب انتمائهم الديني, ففي 10 مايو 2006، رفض قاضٍ في جدة السماح لمحامٍ إسماعيلي بعرض قضية موكله بناء على كونه إسماعيلياً لا أكثر. وصور الصحفي قنان الغميدي ما دار بين المحامي والقاضي في صحيفة الوطن السعودية اليومية: قال القاضي: سأسألك سؤالاً وسوف تجيب بصراحة. فقال المحامي: حسناً، فسأل القاضي: هل أنت من [قبيلة] يام؟ وأجاب المحامي: نعم، فسأل القاضي: هل أنت سني أم إسماعيلي؟ فأجاب المحامي: إسماعيلي، فقال القاضي: خذ بطاقة [المحاماة] وتوكيلك واخرج، لأنني لن أقبل أي شيء منك. واتصل بموكلك [وقل له] إنه يمكنه الحضور وحده أو أن يبحث عن محامٍ (سني). 
وفي منتصف مارس 2006، ألغى قاضٍ في منطقة عسير زواج رجل إسماعيلي من امرأة سنية، والسبب كان (أن العقد غير صحيح لعدم الكفاءة الدينية لأن الشيعة ليسوا بأكفاء لأهل السنة)، وما زال الحُكم سارياً حتى الآن.
وفي قضايا أخرى ترتفع حدة التمييز بناء على الانتماء المذهبي, ومن القضايا التي حظيت بالاهتمام الدولي قضية هادي المطيف، الذي زعمت السلطات السعودية بأنه تفوه بكلمتين مهينتين عام 1993م أثناء صلاة العصر، مع مجندين في مركز تدريب للشرطة بالقرب من نجران. واستدعى كبير قضاة نجران المطيف بناء على تهمة (سب الرسول). وبإجراء مقابلة هاتفية معه من السجن، قال المطيف لـ هيومن رايتس ووتش, قام القاضي (بسؤالي إن كنت مسلماً أم لا لأنني أتبع الطائفة الإسماعيلية. وتحدثوا إليّ وكأنني لست مسلماً، وسألوني: كم مرة تصلي في اليوم؟ وجعلوني أصلي أمامهم). ولدى نهاية الجلسات الست، حكم القاضي على المطيف بالإعدام.
وقال المطيف إنه عندما قام بالطعن في الحُكم، قال له كبير قضاة محكمة تمييز مكة: (أنتم قلة فاسدة، ولستم من الإسلام في شيء ولا بأي شكل من الأشكال، ولا دين لكم ولا ملة). وأيدت محكمة المانع يومها حُكم الإعدام بحق المطيف.
يُحكم على الطفل بالسجن ثلاثة أعوام لأنه ألقى بكرة قدم على مسجد وهابي, ويتطابق مصير هادي المطيف مع معيذ السالم البالغ من العمر 16 عاماً، وهو تلميذ بمدرسة هاشم بن عبد المالك الثانوية في نجران. ففي 4 مايو 2001 اعتقلته المباحث بعد أن استخدم، حسب زعمها، كلمات رأتها السلطات مهينة لرسول الله، حين غضب أمام مُدرسيه الذين كانوا يناقشون درجاته في الاختبار, ليحكم عليه بالإعدام، ليتم بعدها تخفيض الحكم إلى السجن 14 عاماً و4000 جلدة. 
وفي قضية ثالثة، حكمت محكمة نجران على الصحفي هادي الدغيس بالسجن ست سنوات و2400 جلدة جراء الاتصال بمكتب الدفاع المدني في الحادية عشرة مساء يوم 12 مارس 2004 وهو مخمور وإهانته للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والملك والسلطات, وكانت 80 من الـ 2400 جلدة التي تلقاها جراء شرب الخمر، والباقي جراء إهاناته المزعومة للملك والرسول.
وكان الدغيس اتصل بالدفاع المدني بعد أن اكتشف وجود طفل عالق وراء جدار. وخمن أن عدم الكفاءة في الرد على مكالمته  مع استغراق فريق الإنقاذ لساعات حتى وصل  هو شيء يريد الدفاع المدني إخفاءه. عادة ما يلقى الإسماعيليون عقوبات أكثر شدة من العقوبات التي ينالها السنة في جرائم مماثلة.
ومثل أعمال التمييز هذه تزيد من إحساس أبناء عسير ونجران وجيزان بأنهم مواطنون من الدرجة الأدنى في منطقتهم الأصلية، حيث يشكلون أغلبية كبيرة لازالت سياط وسيوف آل سعود المحتلة تسلخ بها ظهورهم وتقطع رؤوسهم ظلماً وجوراً وقهراً منذ ثمانية عقود.
لتبقى صلة الأصل للأرض الأم هي السمة البالغة عند كل يمني في هذه المناطق التي أخضعت منذ زمن لسيطرة كيان اغتصب الأرض، ويحاول جاهداً أن يغير الهوية, فقد رفضت قبائل نجران وعسير وجيزان ذات الأصول اليمنية طلب السلطاتِ السعودية تجنيد وتدريب شبابها كمرتزقة لحماية القوات العسكرية السعودية على الحدود المسروقة من اليمن.
حيث عرضت مؤخراً سلطات آل سعود التي تقود منذ عشرة أشهر عدواناً مع حلفائها الإسرائيليين والأمريكان, وخلال اجتماع للقبائل في نجران، راتباً شهرياً يصل الى ثلاثة آلاف ريال سعودي لكل شاب يوافق على العمل كمرتزق لحماية الجنود السعوديين من هجمات مسلحة يشنها الجيش واللجان الشعبية والثورية على المواقع الحدودية.
وأكد رجال القبائل أنهم لن يبيعوا نخوتهم وشهامتهم، ولن يغدروا بإخوانهم وأبناء عمومتهم في الجانب الآخر من الوطن الأم.
كما أن همجية المحتل لا تحترم الحدود والسيادة.. فاتفاقيات الإذعان من الطائف إلى جدة وسلسلات عقود الظلم والاستجبار والقتل.. لا تمسح التاريخ ولا تلغي يمنية (عسير ونجران وجيزان).