بصمات الدب الروسي في الحرب الاقتصادية على اليمن
- تم النشر بواسطة حلمي الكمالي/ لا

لم يكتفِ العدوان الامريكي السعودي بارتكاب أبشع الجرائم بحق الابرياء في اليمن، وفرض حصار خانق من الارض إلى السماء، بل ظل يرمي بكل أحقاده الدفينة، ويشن حرباً اقتصادية بدأت بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، ضمن مخطط قذر كشف وجه العالم القبيح.
وبينما يخوض الشعب اليمني معركة الشرف الوطني، يواجه حرباً اقتصادية كبرى تحمل خلفها عفن أجندة اليمين المزايد وتجار الدم والحروب التي تتنطط من شبابيك الرجعية والاستعمار، لتبدو الحرب الاقتصادية الشعواء فضيحة كبرى تشير بوصلتها إلى عجز وفشل تحالف العدوان ومن ورائه دول الاستكبار العالمي، فالمشهد بشع ومخزٍ، كيف لا ودول العالم تجتمع لمحاربة ورقة نقدية!
الدور القذر للمنظمات الدولية
تتخذ الامم المتحدة ركناً ليس بعيداً عما يتعرض له الشعب اليمني من حرب تعسفية قبيحة، فهي حاضرة في كل قطرة دم تزهق هدراً، وفي كل لحظة بؤس يموت فيها طفل جائع.
تلعب الامم المتحدة دوراً فاضحاً بالعدوان على اليمن، بالتوازي مع الدور القذر الذي يمارسه البنك وصندوق النقد الدوليان، ما يؤكد صلة المؤسسات والمنظمات الدولية مع بعضها كغرفة عمليات واسعة تنتهج سياسة واحدة قائمة على الاستغلال ومحاربة الشعوب الحرة، فيما تبدو خيوطاً لشبكة عنكبوتية تقف على أطرافها قوى الرأسمالية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، سارقة عرق الشعوب وأحلامهم.
ففي 18 سبتمبر 2016 أعلنت الامم المتحدة عبر مبعوثها الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، أنها لا تدعم قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، فيما أقر البنك الدولي بتعامله مع البنك المركزي اليمني في صنعاء. إلا أن البنك الدولي وبعد 5 أيام فقط، أبدى دعمه لنقل البنك المركزي إلى عدن.
فئران غرف المعبد
لم يكن قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن قراراً سعودياً، بل كان قراراً أمريكياً بحتاً، تؤكده الكثير من المؤشرات من موقف الأمم المتحدة الداعم لنقل البنك، إلى جملة من الأحداث والوقائع لها علاقة بالهزائم العسكرية الفادحة التي تعرض لها تحالف العدوان، وعجزه عن إيجاد مبرر لدخول أمريكي مباشر في اليمن، خصوصاً في السواحل الغربية، الامر الذي دفع بالبيت الأبيض لاتخاذ قرار نقل البنك المركزي كخيار أخير راهنت عليه لزعزعة الجبهة الشعبية المتلاحمة ضد العدو، بحسب ما أكده الكثيرون.
وهو نفس الدور الخبيث الذي مارسته الإدارة الأمريكية في العراق وليبيا، والقائم على تجويع الشعوب لتنفيذ هيمنتها.
في حين يرى باحثون قانونيون أن قرار نقل البنك يعد قراراً تعسفياً وانتهاكاً للقوانين الدولية يضاف إلى رصيد الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوى العدوان وما تزال بحق اليمن وشعبه. مشيرين إلى أن القانونين اليمني والدولي ينصان على أن قرار نقل البنك المركزي قرار لا يمكن أن تمنحه أية جهة سياسية كانت أو حتى رئاسية، فهو قرار يقره مجلس النواب بالاجماع، وهو ما لم يحدث.
إن هذا القرار يعد تجاوزاً لحرمة القوانين والاعراف في صورة مخزية يتم فيها نسف الحياة في وقت يبدو أن الغوغاء أصبحت عادة متلازمة يمارسها فئران غرف المعبد الغربي ولوبياته.
حرب اقتصادية ممنهجة
لقد سبق قرار نقل البنك جملة من الخطوات التي نفذتها قوى العدوان عبر أدواتها، مثل سحب العملة المحلية وبمبالغ ضخمة من سوق التداول، وتحويلها إلى مأرب، وامتناع الكثير من رجال الأعمال والشركات عن إيداع أموالهم في البنك المركزي، كما لعبت المصارف الخاصة والبنوك الاهلية دوراً قذراً في إخفاء العملة المحلية وسحبها من السوق.
فيما اتخذت قوى العدوان، في وقت مبكر من الحرب، العديد من الاجراءات غير الأخلاقية ضد البنك المركزي، تمثلت في حجز تحويلات المغتربين اليمنيين، ومنع إيصال المعونات المالية من المانحين لمستحقي الضمان الاجتماعي، والمقدرة بـ900 مليون دولار، وحجز مستحقات شركات الاتصالات والشركات النفطية، ووقف تدفق المساعدات والمنح والقروض لليمن، وتجميد الإنتاج النفطي الذي تغذي إيراداته 70% من الموازنة العامة للدولة، واستهدف العدوان بطريقة مباشرة وغير مباشرة كافة الموارد والقطاعات الإيرادية، ومنع تدفقها الى البنك المركزي، وفقدت خزينة الدولة حوالي 90% من الموارد، كما خلفت هذه الإجراءات من قبل العدوان وأدواته في الداخل أزمة سيولة حادة في البلد تضررت جراءها الكثير من شرائح المجتمع اليمني.
(جوزناك) تفضح موسكو
لمواجهة أزمة السيولة النقدية بادر البنك المركزي في صنعاء إلى التفاهم مع روسيا لطباعة 400 مليار ريال يمني لمعالجة أزمة السيولة الخانقة، ووجه محافظ البنك المركزي آنذاك محمد بن همام، مذكرة بهذا الخصوص، وهو ما أكده في سبتمبر الماضي مسؤول في وزارة الخارجية الروسية، الذي قال إن جهوداً دولية أفضت الى اتفاق يقضي بطباعة 400 مليار ريال يمني بدون غطاء، كحل مؤقت لمواجهة أزمة السيولة، وتسليمها إلى البنك المركزي اليمني في صنعاء.
إلا أن روسيا نقضت الاتفاق دون أي مبررات عندما أعلنت حكومة الفار في 19 نوفمبر الماضي، عن وصول 200 مليار ريال قادمة من روسيا إلى البنك المركزي اليمني في عدن.
كما صرحت الخارجية الروسية، في نفس اليوم، أن المبلغ عبارة عن دفعة أولى من 400 مليار ريال سيتم إرسالها إلى عدن، قبل أن تؤكد مصادر مطلعة مقربة من العدوان وصول 200 مليار ريال دفعة ثانية إلى عدن، في 30 يناير الماضي.
هذا التحول الروسي المفاجئ يؤكد الكثير أن له علاقة بالسياسة التي تنتهجها روسيا بشأن اليمن، حيث يشيرون إلى أن روسيا تقايض بالملف اليمني بموقفها في سوريا، وتسعى من خلال ذلك، وتحت غطاء المجتمع الدولي، إلى التعامل مع الفار هادي بصورة منافقة لتمرر خيطاً يمكنها من التوازي لتحقيق مصالحها في المنطقة، فهي تحاول أن تلعب دوراً متنافراً في اليمن داخل سياسة المجتمع الدولي، يتعارض تماماً مع سياستها الأيديولوجية في المنطقة.
بينما يذهب البعض للقول بأن روسيا سعت بجانب تحقيق مقايضة سياسية، لكسب عائد مالي، مشيرين بذلك إلى ما كشفته مصادر مطلعة من تحالف العدوان بأن الفار هادي وقع عقداً في الرياض مع الشركة الحكومية الروسية (جوزناك)، التي تشغل مطبعة النقود الروسية، حصلت الشركة بموجبه على مبلغ مالي كبير مقابل طباعة العملة، وقد تمت التغطية من احتياطي النقد اليمني في الخارج.
وبين هذا وذاك يبدو الموقف الروسي الواضح في دعم العدوان بشكل أو بآخر أشبه باللص الذي قبض عليه في المسجد وقام برفع أذان الفجر عند منتصف الليل، فالدور الروسي الصامت لما تقتضيه مبادئها وتوجهاتها التي تقاتل من أجلها، لم يكن حياداً، بل كان تدخلها سافراً لعبت فيه روسيا دوراً قذراً في الحرب الاقتصادية على البلد.
ويبدو أن التغيرات الملحوظة في السياسة الخارجية الروسية في المنطقة مؤخراً سيكون لها تداعيات خطيرة قد يخسر معها الدب الروسي الكثير من الرهانات.
في خزنة الرياض
بالرغم من اعتراف الفار بوصول 400 مليار ريال إلى عدن، فإنه لم يتم صرف مرتبات الموظفين. وكانت الخارجية الروسية صرحت أنها وافقت على إرسال المبلغ إلى عدن، شريطة أن يتم صرف مرتبات الموظفين في كل أنحاء الجمهورية، إلا أنه لم يحدث ذلك، وتبخرت المليارات، كما تبخرت المليارات من عائدات النفط والغاز والضرائب، التي تستحوذ عليها أدوات العمالة والارتزاق منذ عامين.
يقول أحد العائدين من السعودية إنه دفع مبلغاً وقدره 50 ألف يمني في منفذ الوديعة رسوم ضرائب لدخول بلده. وهذا المنفذ الذي يشرف عليه المرتزق هاشم الاحمر، يحصد 27 مليون ريال يومياً، حسب تقارير أوردتها مصادر مقربة من العدوان.
وهنا لا نجد إجابة حول مصير تلك المليارات إلا أنها في خزينة الرياض أكثر من كونها في جيوب العملاء، ولا نستبعد أن يكون جزء كبير منها قد تم إرساله لدعم الحملة الانتخابية لترامب.
تجربة العراق
وبالرغم من أن تسليم رواتب الموظفين من مسؤولية حكومة الانقاذ، إلا أنه لا يمكن أن نتهمها بالتقصير، فما يواجهه البلد من حرب عدوانية قذرة ليس بالامر السهل، كما أن هناك انعداماً شبه تام لمصادر السيولة، وغياباً لأهم مصادر الدخل القومي النفط والغاز الواقع تحت سيطرة قوى العدو، وحصاراً خانقاً، بالاضافة إلى تدمير غالبية المصانع والمؤسسات التشغيلية والمزارع، إلا أنه من المفترض أن تبحث الحكومة عن حلول سريعة وبديلة لمعالجة أزمة السيولة.
يقول خبراء اقتصاديون إنه بإمكان حكومة الانقاذ أن تطبق تجربة العراق لمواجهة أزمة السيولة في الوقت الراهن، فهي طريقة مجدية ولاقت نجاحاً باهراً في العديد من الدول، فعندما تعرض العراق لازمة سيولة كبيرة بالعملة المحلية بسبب الحصار الاقتصادي الخانق الذي استمر لمدة 13 سنة منذ حرب الخليج الثانية وحتى الغزو الامريكي، اضطرت السلطات العراقية لطباعة عملة محلية جديدة وفرضها بالسوق عبر آلية مالية تضمنت توفير السلطات للعملة الصعبة لشراء الاحتياجات الخارجية.
الجائعون يصنعون الكرامة
بينما يتم تجويع الشعوب لتكون ذليلة تستجدي الحياة من المرجفين، يجوع الشعب اليمني من أجل الكرامة.
أكثر من 14 مليون جائع مقاوم، إنها صورة أشبه بالمهمة تشير إلى قاعدة حتمية أصبحت في الافق في اليمن فقط، الجائعون وحدهم من يصنعون الكرامة.
تشير دراسات ميدانية إلى أنه وبالرغم من انعدام ونقص المواد الغذائية بسبب الحصار وأزمة السيولة النقدية، يعيش البلد وضعاً مستقراً، حيث لم يظهر أي خوف أو هلع من المواطنين، بل على العكس يزدادون ثباتاً وصموداً، ولازال اليمنيون يحشدون الحشود ويجمعون الااموال والقوافل ويرفدون الجبهات في صورة صمود وعزة لم يشهد لها مثيل قط.
لقد كسر اليمنيون القواعد، حيث يرادف الجوع معنى العزة والشموخ، كما حطموا قوانين الطبيعة والكون عبر العصور.
يأبى الشعب اليمني أن يركع لاحد، كما أنه لا يقبل أن يتلقف الفتات الذي تنفقه ماكينات الرجعية والاستعمار، لانه لا يتسول الحياة من البشر، بل يصنعها.
معركة شرف ووجود
إنها معركة شرف ووجود في مواجهة أقذر مؤامرة عرفها التاريخ، يتصدى اليمنيون لها عن جدارة، يكسرون رهانات الاعداء، ويمزقون أعمدة الحصار الخانق الممتد من الارض حتى السماء. وقد أثبت الشعب اليمني أنه أقوى من كل أسلحة العالم ومؤامراته، فبينما يتزاحم المصريون على رغيف الخبز، يتوافد اليمنيون إلى جبهات القتال، ويواجهون العالم ببطون خاوية.
لن تجوع الأسود
بقدر ما يرتكب العدوان من جرائم بشعة بحق البلد، فإنه يوقظ طاقات اليمنيين الذين تفجرت إبداعاتهم في كل المجالات، ويواجهون كل مؤامراته، يتقاسمون رغيف الخبز، ويثبتون للعالم أن الدفاع عن الأرض لا توهنه الظروف القاسية، وأن الكرامة مسألة ضرورية للحياة مثلها مثل الهواء والماء.
تقول الحقائق إنه لا يمكن أن يجوع شعب يصنع المجد ويقهر المستحيلات، ويدرك تماماً عدوه الحقيقي، في حين يلخص يوسف الفيشي، عضو المجلس السياسي الاعلى، عبارة تجسد معنى أقرب للمشهد: (لن تجوع الاسود وفي جوارها حُمر وحشية).
وأخيراً.. لا خيار أمام الشعب العظيم الذي يقاوم الصواريخ والبرد والجوع، سوى الانتصار.. وسينتصر.
وبينما يخوض الشعب اليمني معركة الشرف الوطني، يواجه حرباً اقتصادية كبرى تحمل خلفها عفن أجندة اليمين المزايد وتجار الدم والحروب التي تتنطط من شبابيك الرجعية والاستعمار، لتبدو الحرب الاقتصادية الشعواء فضيحة كبرى تشير بوصلتها إلى عجز وفشل تحالف العدوان ومن ورائه دول الاستكبار العالمي، فالمشهد بشع ومخزٍ، كيف لا ودول العالم تجتمع لمحاربة ورقة نقدية!
الدور القذر للمنظمات الدولية
تتخذ الامم المتحدة ركناً ليس بعيداً عما يتعرض له الشعب اليمني من حرب تعسفية قبيحة، فهي حاضرة في كل قطرة دم تزهق هدراً، وفي كل لحظة بؤس يموت فيها طفل جائع.
تلعب الامم المتحدة دوراً فاضحاً بالعدوان على اليمن، بالتوازي مع الدور القذر الذي يمارسه البنك وصندوق النقد الدوليان، ما يؤكد صلة المؤسسات والمنظمات الدولية مع بعضها كغرفة عمليات واسعة تنتهج سياسة واحدة قائمة على الاستغلال ومحاربة الشعوب الحرة، فيما تبدو خيوطاً لشبكة عنكبوتية تقف على أطرافها قوى الرأسمالية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، سارقة عرق الشعوب وأحلامهم.
ففي 18 سبتمبر 2016 أعلنت الامم المتحدة عبر مبعوثها الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، أنها لا تدعم قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، فيما أقر البنك الدولي بتعامله مع البنك المركزي اليمني في صنعاء. إلا أن البنك الدولي وبعد 5 أيام فقط، أبدى دعمه لنقل البنك المركزي إلى عدن.
فئران غرف المعبد
لم يكن قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن قراراً سعودياً، بل كان قراراً أمريكياً بحتاً، تؤكده الكثير من المؤشرات من موقف الأمم المتحدة الداعم لنقل البنك، إلى جملة من الأحداث والوقائع لها علاقة بالهزائم العسكرية الفادحة التي تعرض لها تحالف العدوان، وعجزه عن إيجاد مبرر لدخول أمريكي مباشر في اليمن، خصوصاً في السواحل الغربية، الامر الذي دفع بالبيت الأبيض لاتخاذ قرار نقل البنك المركزي كخيار أخير راهنت عليه لزعزعة الجبهة الشعبية المتلاحمة ضد العدو، بحسب ما أكده الكثيرون.
وهو نفس الدور الخبيث الذي مارسته الإدارة الأمريكية في العراق وليبيا، والقائم على تجويع الشعوب لتنفيذ هيمنتها.
في حين يرى باحثون قانونيون أن قرار نقل البنك يعد قراراً تعسفياً وانتهاكاً للقوانين الدولية يضاف إلى رصيد الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوى العدوان وما تزال بحق اليمن وشعبه. مشيرين إلى أن القانونين اليمني والدولي ينصان على أن قرار نقل البنك المركزي قرار لا يمكن أن تمنحه أية جهة سياسية كانت أو حتى رئاسية، فهو قرار يقره مجلس النواب بالاجماع، وهو ما لم يحدث.
إن هذا القرار يعد تجاوزاً لحرمة القوانين والاعراف في صورة مخزية يتم فيها نسف الحياة في وقت يبدو أن الغوغاء أصبحت عادة متلازمة يمارسها فئران غرف المعبد الغربي ولوبياته.
حرب اقتصادية ممنهجة
لقد سبق قرار نقل البنك جملة من الخطوات التي نفذتها قوى العدوان عبر أدواتها، مثل سحب العملة المحلية وبمبالغ ضخمة من سوق التداول، وتحويلها إلى مأرب، وامتناع الكثير من رجال الأعمال والشركات عن إيداع أموالهم في البنك المركزي، كما لعبت المصارف الخاصة والبنوك الاهلية دوراً قذراً في إخفاء العملة المحلية وسحبها من السوق.
فيما اتخذت قوى العدوان، في وقت مبكر من الحرب، العديد من الاجراءات غير الأخلاقية ضد البنك المركزي، تمثلت في حجز تحويلات المغتربين اليمنيين، ومنع إيصال المعونات المالية من المانحين لمستحقي الضمان الاجتماعي، والمقدرة بـ900 مليون دولار، وحجز مستحقات شركات الاتصالات والشركات النفطية، ووقف تدفق المساعدات والمنح والقروض لليمن، وتجميد الإنتاج النفطي الذي تغذي إيراداته 70% من الموازنة العامة للدولة، واستهدف العدوان بطريقة مباشرة وغير مباشرة كافة الموارد والقطاعات الإيرادية، ومنع تدفقها الى البنك المركزي، وفقدت خزينة الدولة حوالي 90% من الموارد، كما خلفت هذه الإجراءات من قبل العدوان وأدواته في الداخل أزمة سيولة حادة في البلد تضررت جراءها الكثير من شرائح المجتمع اليمني.
(جوزناك) تفضح موسكو
لمواجهة أزمة السيولة النقدية بادر البنك المركزي في صنعاء إلى التفاهم مع روسيا لطباعة 400 مليار ريال يمني لمعالجة أزمة السيولة الخانقة، ووجه محافظ البنك المركزي آنذاك محمد بن همام، مذكرة بهذا الخصوص، وهو ما أكده في سبتمبر الماضي مسؤول في وزارة الخارجية الروسية، الذي قال إن جهوداً دولية أفضت الى اتفاق يقضي بطباعة 400 مليار ريال يمني بدون غطاء، كحل مؤقت لمواجهة أزمة السيولة، وتسليمها إلى البنك المركزي اليمني في صنعاء.
إلا أن روسيا نقضت الاتفاق دون أي مبررات عندما أعلنت حكومة الفار في 19 نوفمبر الماضي، عن وصول 200 مليار ريال قادمة من روسيا إلى البنك المركزي اليمني في عدن.
كما صرحت الخارجية الروسية، في نفس اليوم، أن المبلغ عبارة عن دفعة أولى من 400 مليار ريال سيتم إرسالها إلى عدن، قبل أن تؤكد مصادر مطلعة مقربة من العدوان وصول 200 مليار ريال دفعة ثانية إلى عدن، في 30 يناير الماضي.
هذا التحول الروسي المفاجئ يؤكد الكثير أن له علاقة بالسياسة التي تنتهجها روسيا بشأن اليمن، حيث يشيرون إلى أن روسيا تقايض بالملف اليمني بموقفها في سوريا، وتسعى من خلال ذلك، وتحت غطاء المجتمع الدولي، إلى التعامل مع الفار هادي بصورة منافقة لتمرر خيطاً يمكنها من التوازي لتحقيق مصالحها في المنطقة، فهي تحاول أن تلعب دوراً متنافراً في اليمن داخل سياسة المجتمع الدولي، يتعارض تماماً مع سياستها الأيديولوجية في المنطقة.
بينما يذهب البعض للقول بأن روسيا سعت بجانب تحقيق مقايضة سياسية، لكسب عائد مالي، مشيرين بذلك إلى ما كشفته مصادر مطلعة من تحالف العدوان بأن الفار هادي وقع عقداً في الرياض مع الشركة الحكومية الروسية (جوزناك)، التي تشغل مطبعة النقود الروسية، حصلت الشركة بموجبه على مبلغ مالي كبير مقابل طباعة العملة، وقد تمت التغطية من احتياطي النقد اليمني في الخارج.
وبين هذا وذاك يبدو الموقف الروسي الواضح في دعم العدوان بشكل أو بآخر أشبه باللص الذي قبض عليه في المسجد وقام برفع أذان الفجر عند منتصف الليل، فالدور الروسي الصامت لما تقتضيه مبادئها وتوجهاتها التي تقاتل من أجلها، لم يكن حياداً، بل كان تدخلها سافراً لعبت فيه روسيا دوراً قذراً في الحرب الاقتصادية على البلد.
ويبدو أن التغيرات الملحوظة في السياسة الخارجية الروسية في المنطقة مؤخراً سيكون لها تداعيات خطيرة قد يخسر معها الدب الروسي الكثير من الرهانات.
في خزنة الرياض
بالرغم من اعتراف الفار بوصول 400 مليار ريال إلى عدن، فإنه لم يتم صرف مرتبات الموظفين. وكانت الخارجية الروسية صرحت أنها وافقت على إرسال المبلغ إلى عدن، شريطة أن يتم صرف مرتبات الموظفين في كل أنحاء الجمهورية، إلا أنه لم يحدث ذلك، وتبخرت المليارات، كما تبخرت المليارات من عائدات النفط والغاز والضرائب، التي تستحوذ عليها أدوات العمالة والارتزاق منذ عامين.
يقول أحد العائدين من السعودية إنه دفع مبلغاً وقدره 50 ألف يمني في منفذ الوديعة رسوم ضرائب لدخول بلده. وهذا المنفذ الذي يشرف عليه المرتزق هاشم الاحمر، يحصد 27 مليون ريال يومياً، حسب تقارير أوردتها مصادر مقربة من العدوان.
وهنا لا نجد إجابة حول مصير تلك المليارات إلا أنها في خزينة الرياض أكثر من كونها في جيوب العملاء، ولا نستبعد أن يكون جزء كبير منها قد تم إرساله لدعم الحملة الانتخابية لترامب.
تجربة العراق
وبالرغم من أن تسليم رواتب الموظفين من مسؤولية حكومة الانقاذ، إلا أنه لا يمكن أن نتهمها بالتقصير، فما يواجهه البلد من حرب عدوانية قذرة ليس بالامر السهل، كما أن هناك انعداماً شبه تام لمصادر السيولة، وغياباً لأهم مصادر الدخل القومي النفط والغاز الواقع تحت سيطرة قوى العدو، وحصاراً خانقاً، بالاضافة إلى تدمير غالبية المصانع والمؤسسات التشغيلية والمزارع، إلا أنه من المفترض أن تبحث الحكومة عن حلول سريعة وبديلة لمعالجة أزمة السيولة.
يقول خبراء اقتصاديون إنه بإمكان حكومة الانقاذ أن تطبق تجربة العراق لمواجهة أزمة السيولة في الوقت الراهن، فهي طريقة مجدية ولاقت نجاحاً باهراً في العديد من الدول، فعندما تعرض العراق لازمة سيولة كبيرة بالعملة المحلية بسبب الحصار الاقتصادي الخانق الذي استمر لمدة 13 سنة منذ حرب الخليج الثانية وحتى الغزو الامريكي، اضطرت السلطات العراقية لطباعة عملة محلية جديدة وفرضها بالسوق عبر آلية مالية تضمنت توفير السلطات للعملة الصعبة لشراء الاحتياجات الخارجية.
الجائعون يصنعون الكرامة
بينما يتم تجويع الشعوب لتكون ذليلة تستجدي الحياة من المرجفين، يجوع الشعب اليمني من أجل الكرامة.
أكثر من 14 مليون جائع مقاوم، إنها صورة أشبه بالمهمة تشير إلى قاعدة حتمية أصبحت في الافق في اليمن فقط، الجائعون وحدهم من يصنعون الكرامة.
تشير دراسات ميدانية إلى أنه وبالرغم من انعدام ونقص المواد الغذائية بسبب الحصار وأزمة السيولة النقدية، يعيش البلد وضعاً مستقراً، حيث لم يظهر أي خوف أو هلع من المواطنين، بل على العكس يزدادون ثباتاً وصموداً، ولازال اليمنيون يحشدون الحشود ويجمعون الااموال والقوافل ويرفدون الجبهات في صورة صمود وعزة لم يشهد لها مثيل قط.
لقد كسر اليمنيون القواعد، حيث يرادف الجوع معنى العزة والشموخ، كما حطموا قوانين الطبيعة والكون عبر العصور.
يأبى الشعب اليمني أن يركع لاحد، كما أنه لا يقبل أن يتلقف الفتات الذي تنفقه ماكينات الرجعية والاستعمار، لانه لا يتسول الحياة من البشر، بل يصنعها.
معركة شرف ووجود
إنها معركة شرف ووجود في مواجهة أقذر مؤامرة عرفها التاريخ، يتصدى اليمنيون لها عن جدارة، يكسرون رهانات الاعداء، ويمزقون أعمدة الحصار الخانق الممتد من الارض حتى السماء. وقد أثبت الشعب اليمني أنه أقوى من كل أسلحة العالم ومؤامراته، فبينما يتزاحم المصريون على رغيف الخبز، يتوافد اليمنيون إلى جبهات القتال، ويواجهون العالم ببطون خاوية.
لن تجوع الأسود
بقدر ما يرتكب العدوان من جرائم بشعة بحق البلد، فإنه يوقظ طاقات اليمنيين الذين تفجرت إبداعاتهم في كل المجالات، ويواجهون كل مؤامراته، يتقاسمون رغيف الخبز، ويثبتون للعالم أن الدفاع عن الأرض لا توهنه الظروف القاسية، وأن الكرامة مسألة ضرورية للحياة مثلها مثل الهواء والماء.
تقول الحقائق إنه لا يمكن أن يجوع شعب يصنع المجد ويقهر المستحيلات، ويدرك تماماً عدوه الحقيقي، في حين يلخص يوسف الفيشي، عضو المجلس السياسي الاعلى، عبارة تجسد معنى أقرب للمشهد: (لن تجوع الاسود وفي جوارها حُمر وحشية).
وأخيراً.. لا خيار أمام الشعب العظيم الذي يقاوم الصواريخ والبرد والجوع، سوى الانتصار.. وسينتصر.
المصدر حلمي الكمالي/ لا