لبنان بين 7 أيار 2008 و7 آب 2025..زمن وتبدلات
- ميخائيل عوض الأثنين , 11 أغـسـطـس , 2025 الساعة 1:06:42 AM
- 0 تعليقات
ميخائيل عوض / لا ميديا -
1
البشرُ خطّاؤون، وأعظمُ خطاياهم أنهم يجترّون أنفسهم، ويقيسون الواقعَ والجاري بالماضي، ويتصرّفون بعقلٍ ماضويّ، فيخسروا ويتسبّبوا لأنفسهم بالأزمات والهزائم.
الأمس انتهى، ويسارع خطاه إلى زاوية النسيان. واليومُ وغداً ما فعلناه بالأمس واليوم.
2
ما إن اتخذت الحكومةُ اللبنانية قراراتٍ بخصوص السلاح، وتنفيذاً لأوامر وخطط وأوراق الحاكم المندوب السامي الأمريكي براك، حتى انبرت الألسنُ والأقلامُ تُذكّر وتحذّر من 7 أيار.
خطأ قاتلٌ إن فكّر قادةُ الثنائيّ بذلك.
3
في عام 2008 كان انتصارُ تموز الإعجازي طازجاً، والمقاومةُ وقاعدتُها وحلفاؤها في عزّ النشوة والاعتداد.
وكانت سورية قد خرجت وألقت العبءَ على الثنائيّ بإدارة النظام، وارتاحت وسدّت الباب الذي تأتي منه الريح، مع الترحيب بالأسد، واحتضانه من أمير قطر وأردوغان والرئيس الفرنسي بأعلى ذروته.
وكان معارضو وأعداء المقاومة في قمّة الانكسار والشعور بالفقدان والهزيمة.
كانت المقاومةُ وقادتها وكوادرها شابةً، مفعمةً بالمعنويات والثقة بالنفس والقوة.
كانت حكومةُ السنيورة ضعيفةً، معزولةً، مذمومةً، ولا تلوي على شيء.
كان في الجيش والمؤسسات آثارُ ما أسّس وصنع قائده الأسبق ورئيس الجمهورية إميل لحّود، الوطنيّ والمقاوم والسياديّ، والمشهود له بالرجولية والوطنية، وبرفضه تنفيذ أوامر الحكومة للذهاب بالجيش إلى الجنوب لتصفية المقاومة، ورفضه إملاءات وزيرة الخارجية الأمريكية، وقد أقفل الخطّ بوجهها عندما ذكّرته بأنها وزيرة خارجية أمريكا، فذكّرها بأنه رئيسُ جمهورية لبنان.
أين الأمسُ من اليوم أيها الواهمون المتذاكون؟!
الأهمّ: كانت المنظومةُ بخبثها المفرط تعيش زهواً، وتستثمر بالمقاومة والثنائيّ، ولم تكن قد أفرغت الخزائن والجيوب والمصارف والودائع، وغالبها مستفيدٌ مما استجلب النصرُ من ملياراتٍ للإعمار وتبييض الوجوه.
كانت الأحزابُ والقوى المعادية للمقاومة تستفيد من «مقاولة المليشيات»، وتستدرج نفوذاً وأموالاً بذريعة إعداد مليشيات لمحاربة المقاومة وتصفيتها، وجلّ المنتسبين بدافع الراتب والتعويضات، لا بقناعة أو استعداد للتضحية.
كانت الكتلةُ المسيحية الأهمّ على اتفاقٍ وتفاهم مع المقاومة بقيادة الرئيس ميشال عون.
كان الحلفاء نشطين موالين، يقبضون الملايين، ويبنون المجدَ والقصور، ويحصدون المكاسب والمناصب على ظهر المقاومة وإيران.
كان قائدُ الجيش، ميشال سليمان، يناور ويخادع بانتظار الوصول إلى القصر، ولن يصل إلا بموافقة الثنائيّ وتبييض صفحته.
4
جنبلاط أطلق الشرارة، فتلقّفها السنيورة والمبالغ المحققة بالمليارات.
الأمريكي كان بحاجةٍ لنصر بعد هزيمة العراق وتموز وغزّة، وانكفاء رايس، وانكسار «شرقها الأوسط»، وتأزّمات بوش الابن في سنة الانتخابات.
استجاب السنيورة بتحفيز وضغط من جنبلاط ووزرائه، فكانت عملية جراحية سريعة ونظيفة، وقد فرّ المسلّحون المجلوبون من عكار والبلدات كشركات أمن خاصة. باعوا أسلحتهم وذخائرهم، وأمّنهم حزب الله مكرّمين إلى عائلاتهم، والقوات التي زعمت يومها تجنيد عشرات الآلاف (لوائح القبض) لم تُطلق رصاصة، وجنبلاط استعجل الاحتماء بقصر خلدة عند حليف الحزب أرسلان.
والجيشُ والأجهزة وقفت على الحياد.
والمنظومةُ لم تُغطّ أو تُشارك، فقد احتمت بمظلّة بري، وورّطت الثنائيّ، وألزمته النظامَ وتأمينه، وأوهمت الحزب بقبول تفاهمات السلطة والمال والاقتصاد: «لنا ولكم السلاح والمقاومة».
كانت جولةً سريعةً نظيفة. والجيش استجاب لطلب بوش بتأمين الحريري والسنيورة وجنبلاط وحفظ حياتهم. أمّا السفير السعودي فهرب بليل على متن «شختورة» بحرية. والسفير الأمريكي غاب عن السمع.
كانت البيئةُ وموازين القوى والمصالح والمؤسسة العسكرية في خدمة الحسم ضد المغامرين والهامشيين. وكانت «إسرائيل» منشغلةً بالفضائح وترميم الهزيمة.
5
اليوم، الظروفُ والبيئاتُ وموازينُ القوة مختلفةٌ جوهريّاً.
المقاومة تلقت ضرباتٍ كاسرة، وخسرت الكثير، بما في ذلك ذريعةُ ووظيفةُ السلاح والتوازن ومنع «إسرائيل» من الحماقات.
«إسرائيل» في قمة وهم القوة والانتصار. ونتنياهو يستعرض عضلاته وتفوّقه، ويقصف ويغتال حيث يشاء.
المنظومة أتمّت خديعتها، وحمّلت الثنائيّ مسؤولية الانهيار الاقتصادي وتغطية نهب الودائع وتعطيل الدولة.
المعترضـــــــون علـــــى السلاح والمتضررون من هيمنة الثنائيّ وإدارته للتوازنات والمحاصصة مستنفرون للثأر واستعادة المكانة والدور. وأمريكا تمكّنت من وزارة الدفاع والعدل ومفاصل الدولة المؤثرة، تحت نظرٍ وبقبولٍ من الثنائيّ وتمنّعه عن المواجهة بذريعة «حماية الاستقرار». وبالخلفية تفاهمات إيرانية - أمريكية لإدارة المصالح في العراق ولبنان.
حلفاء المقاومة إما انقلبوا وإما نفضوا أيديهم أو يرتبون أوراقهم وأنفسهم مع مستهدفيها، أو يقفون على التلة بانتظار من ينتصر.
أما سورية فصارت على الضدّ، بل مصدر تهديد للمقاومة وإيران، بعد جولة العصف مع «إسرائيل»، منشغلةً بترميم أوضاعها، وأشبه بالمنكفئة، وعرضةً للتشهير والهجمات لمجرّد أن يصرّح مسؤولٌ أو وزيرٌ منها ويأتي على ذكر لبنان أو المقاومة.
قائد الجيش أصبح رئيساً، وبلغ ذروة ما يأمل. وقائد الجيش الجديد محكوم بتركيبة المؤسسة وقادتها وبقرارات السلطة السياسية، فالزمن إلى القصر طويل.
6
بين أيار 2008 وآب 2025 سبعة عشر عاماً، وحربٌ وتبدلاتٌ جوهرية، وتوازناتٌ مختلفة في كل البيئات، فما كان يصلح في 2008 صار كارثيّاً في 2025.
العام 2025، والمعطياتُ والواقعُ الجاري والتوازناتُ تفترض رؤيةً إبداعيةً ووسائلَ احتوائيةً، وخطاباً وطنيّاً جامعاً، وتصرفاتٍ موزونةً بميزان الذهب، وعملاً متقناً بمبضع جرّاح ماهر.
هل افتقد الثنائيّ وورثةُ الوصية ورجالُ السلاح للإبداعية والعقلانية؟
المؤكدُ والقاطعُ أنهم أذكياء ومبدعون وقادرون، ولهم كثيرٌ من عناصر القوة والقدرة، ومن غير المستبعد تفعيلها، وبأدوات ووسائل ووسائط مختلفة عمّا كان في أيار 2008.
فلكلِّ زمنٍ دولةٌ ورجالُ مقاومةٍ وأفعال.
كاتب ومحلل
سياسي لبناني
المصدر ميخائيل عوض
زيارة جميع مقالات: ميخائيل عوض