الكرامة لا تقبل التجزئة
 

مبارك حزام العسالي

مبارك العسالي / لا ميديا -
في زمن تتكالب فيه قوى العدوان على أوطاننا، تتشابه الجراح، وإن اختلفت الجغرافيا. اليمن الجريح، وفلسطين الأسيرة، يعيشان المأساة ذاته، ويتشاركان الوجع نفسه: الحصار، القصف، الاحتلال، التواطؤ الدولي، والصمت العربي المخزي. وبينما تتوالى المؤامرات، يظل نبض الأمة في صدور الشرفاء يتحدى كل محاولات الكسر والإخضاع.
منذ اندلاع العدوان على اليمن قبل عشر سنوات، لم تكن المعركة مجرد نزاع سياسي، بل كانت استهدافاً لروح اليمن وإرادته الحرة. سعت قوى الخارج إلى تمزيق البلاد، وتغذية الانقسامات، ونهب الثروات، وفرض وصايات سياسية واقتصادية... لكن اليمنيين -رغم الجوع والدمار- لم يفرطوا في قرارهم المستقل، ولم يقبلوا أن يكون وطنهم مجرد ورقة في صفقات الإقليم.
لقد تحوّل اليمن إلى ساحة اختبار لإرادة الشعوب في مواجهة أعتى التحالفات العسكرية. وبينما أرادوا إذلاله، صار اليمن مثالاً في القدرة على تحويل الحصار إلى فرصة للاعتماد على الذات، وبناء قوة رادعة هزّت موازين المنطقة. وقد اتضح ذلك جلياً في عمليات الإسناد المستمرة للشعب والمقاومة الفلسطينية في غزة، وطرد البوارج والقطع العسكرية الأمريكية من البحر الأحمر.
في قلب الصراع العربي - الصهيوني، لا تزال فلسطين تختصر كل معاني الصمود، وتفضح كل وجوه الخيانة. الاحتلال الصهيوني يمعن في القتل، سرقة الأرض، هدم البيوت، استباحة المقدسات... لكن المقاومة -رغم الحصار والتجويع- تحفر في الصخر طريق التحرير.
ما يجري في غزة ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل معركة وجود تذكّر الأمة بأن عدوها واحد، مهما حاولت الأنظمة المطبّعة أن تغيّر البوصلة. إن دماء الأطفال على شواطئ غزة هي ذاتها دماء الأطفال في كل المحافظات اليمنية، والرصاصة التي تقتل فلسطينياً هي ذاتها التي تقتل يمنياً، وإن اختلفت الأيدي الضاغطة على الزناد.
أخطر ما يواجه الأمة اليوم ليس سلاح العدو فقط، بل الانقسام الداخلي الذي يحوّل الخلافات السياسية إلى معاول تهدم الجدار المتبقي من وحدتنا. في اليمن، ساهمت الانقسامات في إطالة أمد الحرب. وفي فلسطين، ضاعت فرص كثيرة بسبب الانشقاقات بين الفصائل. والشيء نفسه يحدث اليوم في لبنان.
التاريخ يعلمنا أن كل مشروع تحرر يبدأ بالوحدة الداخلية، وأن النصر لا يمكن أن يولد في أجواء التشظي. لقد انتصرت حركات التحرر في الجزائر وفيتنام وجنوب أفريقيا لأنها أدركت أن الخلافات ينبغي أن تُعلَّق أمام بوابة المعركة.
منذ فجر التاريخ، كانت الشعوب الحرة تعرف أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعاً. في ثورات اليمن ضد الاستعمار البريطاني، وفي انتفاضات فلسطين منذ البراق حتى الانتفاضة الكبرى، كان العدو دائماً هو نفسه: مشروعاً استعمارياً استيطانياً يريد محو الهوية، والسيطرة على الأرض والثروة والقرار.
اليوم، نحن أبناء هذا الإرث النضالي، علينا أن نكون أوفياء لدماء الشهداء، وألا نفرط في الأمانة التي حملوها.
ختاماً: المعركة طويلة؛ لكن اليقين أقوى من اليأس. ما دام في الأمة أحرار، ستظل راية التحرير مرفوعة، من صنعاء إلى غزة، ومن عدن إلى القدس. هناك خيط واحد يربط المقاومة والصمود. علينا أن نفهم أن مواجهة العدوان الخارجي تبدأ أولاً بترميم البيت الداخلي، ثم مد الجسور بين جبهات الصمود في كل أرجاء الوطن العربي والإسلامي؛ فالحرية لا تعرف جغرافيا، والكرامة لا تقبل التجزئة.

أترك تعليقاً

التعليقات