إميلي ميليكن- ريسبونسيبل ستيت كرافت
ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

 تدرك الصين أنه بعد انتهاء الحرب، ستحتاج اليمن إلى ملايين الدولارات لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، وبتواصلها مع كل الأطراف ستضمن، بغض النظر عن النتيجة، أن شركاتها ستكون في وضع مناسب للفوز بهذه العقود المربحة.
في مايو وقع المتمردون الحوثيون على مذكرة تفاهم مع “مجموعة أنطون” لخدمات حقول النفط الصينية والحكومة الصينية وذلك للاستثمار في مجال التنقيب عن النفط في البلد. وذكرت وسائل إعلام تابعة للحوثيين أن الاتفاق جاء بعد مفاوضات عدة وتنسيق مع عدد من الشركات الأجنبية من أجل إقناعها بالاستثمار في قطاع النفط المتخلف للبلد.
وعلى الرغم من أن “مجموعة أنطون” لخدمات حقول النفط ألغت في وقت لاحق تلك الاتفاقية، إلا أن اتفاق التنقيب عن النفط مع الحوثيين يؤكد أن بكين تعترف ضمنياً بالمتمردين -الذين أقاموا علاقات دبلوماسية رسمية فقط مع إيران وسورية حتى الآن- كهيئة حاكمة في اليمن، وفي نفس الوقت لاتزال تؤكد علناً أن الحكومة اليمنية هي الجهة الشرعية في الدولة.
وفي معرض تأكيده لعلاقة بكين المتنامية مع الحوثيين أشاد أحد أعضاء المكتب السياسي للجماعة علي القحوم بالصين قائلاً إنها “برزت بدور محوري، وأنها تقوم بإبرام اتفاقات من شأنها إعادة السكينة والسلام والعلاقات الدبلوماسية بين دول المنطقة”. وكان القحوم يشير إلى الاتفاق السعودي الإيراني الأخير الذي توسطت فيه الصين والذي قد ينسب إليها الفضل، أيضاً، في الخطوة الدبلوماسية الأخيرة في اليمن بين السعودية والحوثيين.
وما يثير الدهشة هو أن اتفاق التنقيب عن النفط والعلاقات المتنامية بين الحوثيين والصينيين لم تقابل بأي رد فعل علني من قبل أكبر عدو للحوثيين: السعودية. فعدم الإدانة من قبل الرياض يشير إلى أن المملكة على الأقل تتسامح مع الاتفاق ومع علاقات بكين مع الحوثيين، خاصة إذا كانت الحكومة الصينية ستلعب دوراً أساسياً في إنهاء حرب كلفت الرياض مليارات الدولارات.
غير أن الصين لا تتدخل في الجانب الحوثي وحسب. فقد التقى القائم بأعمال السفارة الصينية تشاو تشنغ بالسفير السعودي لدى اليمن محمد بن سعيد آل جابر لمناقشة آخر التطورات في اليمن وكيفية التوصل إلى حل سياسي. يأتي هذا الاجتماع بعد سلسلة من الاجتماعات بين تشنغ وأعضاء من مجلس القيادة الرئاسي بمن فيهم الرئيس رشاد العليمي وزعيم المقاومة الوطنية طارق صالح ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.
وعلى الرغم من كونه يمثل جزءاً اسمياً لا غير من مجلس الرئاسة فقد ظلت بكين تعمل على تطوير العلاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي لسنوات. وبالإضافة إلى اللقاء مع الزبيدي حافظت الصين لمدة طويلة من الزمن على خطوط تواصل مفتوحة مع الجماعة الانفصالية. وفي حين أن الصين بشكل عام تعارض قضية استقلال الجنوب، مع ذلك فقد تمكنت من الاستفادة من علاقتها مع المجلس الانتقالي وحثه على التمسك باتفاقات تقاسم السلطة مع الحكومة اليمنية. بعد الاتفاق الإيراني السعودي أثنى مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي على الصين لدورها البناء الذي لعبته في الشرق الأوسط.
ولكن لماذا تحاول الصين إقامة علاقات مع أطراف متعددة في حرب لم تحظ باهتمام دولي يذكر في السنوات الأخيرة؟
إن التدخل الصيني في اليمن أبعد ما يكون عن وصفه بـ”الجديد”. فالعلاقات الدبلوماسية بين اليمن والصين تمتد إلى عام 1956 عندما كانت اليمن في الواقع هي أول دولة في شبه الجزيرة العربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية. ومنذ الوحدة اليمنية في العام 1990 وقعت الصين اتفاقيات لبناء محطات لتوليد الطاقة بالغاز الطبيعي في اليمن، وتوسيع موانئ الحاويات في عدن والمخا وكانت نشطة في قطاع إنتاج النفط في اليمن. كما بدأت الصين أيضاً بتطوير الاتصالات مع الحوثيين في وقت مبكر من العام 2011.
يأتي انخراط بكين في اليمن على خلفية الزيادة الكبيرة في نشاطها الدبلوماسي على امتداد الشرق الأوسط وأفريقيا، ويبدو أنها تضع نفسها كبديل غير متدخل للولايات المتحدة. وبهدف توسعة نفوذها في المنطقة شنت الصين هجمات دبلوماسية متعددة بما في ذلك التوسط في اتفاقية تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية الأخيرة، وكذلك استضافة قمم الدول العربية مع الصين وقمة مجلس التعاون الخليجي الصيني. مع احتفاظ الصين بعلاقات إيجابية مع كل الأطراف في اليمن وكذلك كل داعمي الحرب (الرياض وأبوظبي وطهران) يمكن أن تكون عملية السلام في اليمن هي أحدث إنجاز تتباهى به بكين في نشاطها الدبلوماسي.
ولكن بينما تسعى بكين بالتأكيد لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية في المنطقة للتنافس مع الولايات المتحدة قد يكون هناك المزيد مما هو على المحك عندما يتعلق الأمر بتدخلها المحتمل في اليمن. وبالتحديد تعتبر الصين تأمين الوصول إلى الموارد والأسواق الحيوية بمثابة مكاسب مالية غير متوقعة.
تدرك بكين أنه بعد انتهاء الحرب ستحتاج اليمن إلى ملايين الدولارات لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. وبالتواصل مع كل أطراف الحرب ستضمن أنه بغض النظر عن النتيجة، فإن الشركات الصينية مثل شركة هندسة الموانئ الصينية “تشاينا هاربور إنجينيرينغ كومباني” ستكون في وضع مناسب للفوز بهذه العقود المربحة.
ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن الموقع الاستراتيجي لليمن في الخليج يجعلها أكثر جذباً لبكين. حيث إن جزءا كبيرا من تجارة الصين مع أوروبا يمر عبر خليج عدن والبحر الأحمر، في حين ينتقل النفط الصيني المستورد من الشرق الأوسط وأفريقيا عبر باب المندب ومضيق هرمز. وبما أن الصين تتمتع بالفعل بإمكانية الوصول إلى هذه الممرات المائية الاستراتيجية، فإن تأمين الوصول إلى الموانئ اليمنية يمكن أن يساعد في تعزيز مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة ويضمن الوصول إلى طرق التجارة العالمية.


 مجلة إلكترونية أمريكية 
تابعة لمعهد كوينسي
13 يوليو 2023