أنس القاضي / مرافئ لا -

 بعد أكثر من 2000 يوم من العدوان وتحولات الواقع تهاوى كبرياء المرتزقة المتعصبين، وتكشفت الحقائق للمغفلين، وظهرت النتائج لمن تعاملوا مع التدخل العسكري وفقاً للفكر التجريبي؛ يقر الجميع اليوم بوجود أطماع استعمارية توسعية في اليمن واحتلال مباشر في سواحله وجزره وحصار على البلد وتجارة بدماء اليمنيين والتعامل معهم ومع القيادات الهاربة في الرياض كمرتزقة، يقر بها الجميع في الساحة اليمنية، بمن فيهم الموالون للعدوان، أي أن كل اليمنيين باتوا يسلمون بحقيقة أن التدخل العسكري الذي بدا في 26 مارس 2015 هو عدوان، لكن مازال هناك بعضهم لتعصب شخصي ولانتهازية سياسية لا يريد التسليم بهذه الحقيقة كاملة، فيصر على وجود عدوان داخلي إلى جانب العدوان الخارجي!
الافتراض بوجود عدوان داخلي هو مبني أساساً عن متوهم بأن صنعاء انقضت على الأقاليم اليمنية، وهي أقاليم لم تثبت سياسيا وإداريا، وقرار شكل الدولة من خارج التوافق الوطني، كما أن مفهوم العدوان الداخلي يَفترض من أجل صحته وجود أكثر من هوية سياسية في البلد وأكثر من سيادة وجيش كحال السلطنات التي قضت عليها ثورة 14 أكتوبر، وهذه الأسس لا وجود لها. 
هناك حرب داخلية تُخاض بدماء وأجساد وأعصاب وخبز اليمنيين، وهذا أمر لا شك فيه، وهو مؤسف، لكن هذه الحرب التي تجري في داخل الجغرافيا اليمنية مرتبطة ارتباطاً تاماً بالعدوان الأجنبي، وقوات الجيش واللجان الشعبية لم تقاتل في الداخل إلا قوى عسكرية مرتبطة بالعدوان الخارجي تتلقى منهم السياسة والسلاح والمال، فلم يكن هناك مثلاً استهداف من صنعاء لتعز أو عدن أو لحج مبني على نزعة مناطقية أو مذهبية أو من أجل نهب أراضي وثروات هذه المحافظات، لم يوجد في الواقع التاريخي أي من هذه الدوافع التي يُمكن البناء عليها بأن صنعاء تقاتل لرغبة ذاتية من خارج مشروعية الثورة الشعبية والدفاع عن سيادة واستقلال اليمن ومحاربة الجماعات الداعشية.
الحروب الأهلية المرتبطة بالثورات الشعبية وبالعدوان الأجنبي أمر ثابت في مختلف التجارب العالمية؛ في البلشفية الروسية، في الفرنسية، في الماوية، في الفيتنامية، في اللاوسية، في مختلف هذه الثورات كان هناك من لهم مصلحة من الحرب على الثورة ومن لهم مصلحة من مساندة الأجنبي المعادي للثورة، وفي كل هذه التجارب لم تسمَّ الحرب الثورية عدوانا داخليا.