كاتلين جـونسـتون*
ترجمة خاصة عن الألمانية: نشوان دماج / لا ميديا -

كثير ممن يسمون "معارضي الحروب" لا يحبذون فكرة ضرورة أن تفقد الولايات المتحدة الأمريكية تفوقها الأحادي على خيرات كوكبنا. لكن إذا كان ينبغي للسلام أن يأتي فلا بد للإمبراطورية الأمريكية من أن تذهب، تماماً كما فعل أسلوب الحياة الغربي الذي قام على جبال من الجثث
إن من يعتبرون أنفسهم "معارضي الحروب" هم على أية حال لا يحبذون فكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تفقد هيمنتها الاحتكارية على الشؤون العالمية، وأن الفرصة متاحة لبناء عالم خالٍ من الإمبريالية الأمريكية.
بحسب تقارير، فإن "إسرائيل" شنت في الأيام القليلة الماضية هجوما على جنوب لبنان بقنابل عنقودية وقذائف فسفور أبيض، وقصفت قطاع غزة، وأطلقت صواريخ على دمشق؛ وذلك لأن "إسرائيل" دولة تستمد وجودها من الاعتماد على الوحشية العسكرية المستمرة.
لكي تستمر "إسرائيل" في الوجود، كدولة فصل عنصري إمبريالية هي قائمة اليوم، لا بد لها من شن حروب في جميع الأوقات وعلى جميع الجبهات، سواء ضد جيرانها أم ضد الشعب الفلسطيني الذي تزداد وحشية ضده. إذا توقف قصفها فإن "إسرائيل"، كما نعرفها اليوم، ستنتهي، لأن شعبها لن يوافق أبداً على القمع والاستبداد وعمليات القصف غير القانونية التي ترتكبها دولته.
السلام و"إسرائيل" الحالية مفهومان متنافيان. يمكن أن يكون لديك سلام أو "إسرائيل" الحالية، وليس كلا الأمرين.
الدولة التي لا يمكن أن توجد بدون حرب مستمرة ليست في الواقع دولة على الإطلاق. الأمر بالنسبة لها عبارة عن عملية عسكرية دائمة، مع قليل من ضواحي بلدات ومدارس. إن دولة لا يمكن أن توجد بدون حرب دائمة شبيهة بمنزل لا يمكن أن يوجد بدون أعمال صيانة دائمة. فإذا كان منزلك يحتاج إلى أعمال صيانة فقط لمنعه من الانهيار، فإما أنك ستكون جديداً تماماً على الأسلوب الذي تم بناؤه وفقاً له، وإما ستقوم بتغييره.
ينطبق ذلك على "إسرائيل"، وعلى نطاق أوسع، ينطبق أيضاً على النظام العالمي الذي يشبه حكم الأوليغارشية، والذي يتمركز بشكل فضفاض حول الولايات المتحدة الأمريكية.
إن هذه الإمبراطورية المركزية الأمريكية، التي تضم "إسرائيل"، تعتمد اعتماداً كلياً على حرب لا نهاية لها من أجل البقاء.
إذا فقدت القوة العسكرية وظيفة الأداة التي يمكن من خلالها لهياكل السلطة تنفيذ أجنداتها، فإن هذه الإمبراطورية ستتوقف بالضرورة عن الوجود؛ لأنه لا شيء يمنع الدول الأخرى من ممارسة سيادتها على المسرح العالمي.
ستتحرك العملات والموارد والتجارة فجأة في مسارات مختلفة تماماً.
هذا من شأنه أن يدمر ليس فقط الإمبراطورية الأمريكية، بل وكذلك الدول الاتحادية واقعاً كما نعرفها. فبدون القدرة على تنظيم العالم بالوحشية والعقوبات، لن يكون للولايات المتحدة الأمريكية، إذا كان من الضروري أن تبقى موجودة، من إمكانية للتعرف عليها على الإطلاق. إذ إن كل ما سوف يتبقى منها سيضطر إلى تطوير نوع مختلف تماماً من الاقتصاد. لم تحقق الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها الاقتصادية على "السوق الحرة"، كما يتخيل بعض أتباع الرأسمالية المتعصبين، بل لقد اصطادتها من الأنهار عبر طعم هو دم الإنسان.
إن "اقتصاد" الولايات المتحدة الأمريكية، إذا كان يمكن للمرء عموماً أن يطلق عليه هذا الوصف، لا يتم المحافظة عليه من خلال غابة مبهمة تماماً من المديونية والتعسف البيروقراطي للصلاحية المطلقة فحسب، بل من خلال اتفاقية بترودولارية بشأن إنتاج الأسلحة والتحالفات العسكرية، ومن خلال أعمال عدائية لا نهاية لها في الوحشية، وآلة الدعاية الأكثر تطوراً. إن الولايات المتحدة الأمريكية بنيت على الحرب، وشيدت على أساس الحرب، ومدعومة بالحرب. وعندما تنتهي الحروب، ستنتهي أمريكا التي نعرفها.
أشير إلى هذا الأمر بادئ ذي بدء، لأن أولئك الذين يعيشون منا في أي جزء من الإمبراطورية المركزية الأمريكية يجب أن يكونوا على دراية بأن طريقة الحياة التي اعتدنا عليها مبنية على جبل متزايد من العظام البشرية. وأشير إليه ثانياً، لأن من المهم في رأيي، بالنسبة لأولئك الذين هم دعاة سلام، أن يكونوا واضحين تماماً بشأن ما يريدون.
إن الرغبة الصادقة في السلام تعني الرغبة في إنهاء قتل الناس الذين يعيشون في أجزاء أخرى من العالم، أكثر منها في الحفاظ على الوضع الراهن.
كثير من الناس الذين يطلقون على أنفسهم "معارضي الحرب" هم في الواقع غير مرتاحين لفكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية ستفقد مركزها في التفوق أحادي القطب على شؤون كوكبنا وأنه سيتعين عليها بعد ذلك اغتنام فرصة وجود عالم خالٍ من الإمبريالية الأمريكية. عندما يُطرح السؤال حول ماهية السلام حقاً وما يعنيه حقاً، فإن العديد من الأشخاص الذين تحمل طوفان من الدم البشري أنماط حياتهم لا يريدون حقاً السلام على الإطلاق.
لكن على الأقل يجب أن يكونوا صادقين مع أنفسهم في هذا الصدد. على الأقل يجب أن يعترفوا لأنفسهم بأنهم يتشبثون بأيديهم وأقدامهم بنموذج تحت عباءتهم المضادة للحرب، والتي لا تعد أرض بنائها وطوبها وقذائفها سوى القتل الجماعي المستمر.

* كاتلين جونستون صحفية مستقلة تقيم في ملبورن بأستراليا.
الموقع: (deutsch.rt)