ترجمة خاصة : زينب صلاح الدين-

ديميتري سايمز 

خلال القمة مجموعة الـ20، وفي وقت سابق من هذا الشهر، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبعد المقابلة، أعلن بوتين أن روسيا والسعودية قد وافقتا على تمديد اتفاق قطع إنتاج النفط لـ9 أشهر قادمة. وعندما تم اعتماد التمديد بعد عدة أيام، وصف الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو، الصفقة بـ"زواج كاثوليكي"، وتفاخر بأنها ستستمر إلى "الأبد". 
إن هذا التعاون بين كلا الدولتين يمكن أن يكون قد فاجأ عدداً من المراقبين الدوليين قبل بضع سنين. في ذلك الوقت، اتضح أن السعودية وروسيا قد توجهتا لتصفية حساباتهما حول سوريا وأسعار النفط عالمياً. ومع ذلك يبحث حالياً وبشكل متصاعد أحد أقرب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط وكذلك أحد خصومها الرئيسيين، عن أرضية مشتركة لهما. 
في وقت يغادر فيه العديد من المستثمرين الأجانب روسيا، تقوم السعودية باستثمار مليارات الدولارات في الاقتصاد الروسي. علاوة على ذلك، تقوم السعودية وروسيا بالتنسيق معاً للتأثير على أسعار النفط عالمياً. وفي حالات قليلة وقفت السعودية إلى جانب روسيا ضد الولايات المتحدة. على سبيل المثال، عارضت الرياض بشكل علني فرض مزيد من العقوبات الأمريكية على موسكو، وامتنعت عن عدد من التصويتات الأممية التي تدين أعمال روسيا في أوكرانيا. 
أخبر دمتري فرولوفسكي -وهو محلل جيوسياسي مقيم في موسكو- "ذا ديلي كولر" بأن مستوى التعاون الحالي بين السعودية وروسيا "لم يسبق له مثيل". 
حيث أوضح: "إن الالتقاء مع السعودية بعد عدة أعوام مضت هو مفاجئ بمختلف الأشكال للاستراتيجيين الروس أنفسهم، لأنه لم يكن أحد يتوقع أن الحملات الروسية العسكرية في سوريا ستسهم في تحسين العلاقات مع ممالك الخليج الفارسي إلى هذا الحد". 
كان لدى الرياض وموسكو علاقة مثيرة للجدل تاريخياً. كما حدث مؤخراً في العام 2013، حين حاول رئيس المخابرات السعودي الأمير بندر بن سلطان أن يقنع بوتين بأن يغير موقفه حول سوريا من خلال رفع احتمال دخول الإرهاب في ألعاب سوتشي الأولمبية، وفقاً لتقرير نشرته "التلغراف". 
ومع ذلك، فإن السياسة الخارجية لإدارة أوباما في الشرق الأوسط، جعلت السعودية تُعيد النظر في تقربها من موسكو. كانت الرياض تشعر بالقلق من استقبال إدارة أوباما للربيع العربي، والذي أطاح بعدد من الديكتاتوريين في المنطقة. وعندما وقعت الولايات المتحدة على الاتفاق النووي الإيراني في 2015، ندمت المملكة على تلك الخطوة، واعتبرتها خيانة. 
ومن ناحية أخرى، خلف التدخل العسكري الروسي في سوريا انطباعاً قوياً عند السعودية. وهكذا، في وقت سعت فيه السعودية إلى التحوط برهاناتها ضد واشنطن، بدت روسيا خياراً قوياً. 
في 2016، وقعت السعودية وروسيا على أول صفقة متعلقة بالحد من إنتاج النفط لمكافحة هبوط أسعار الطاقة. وزار الملك سلمان موسكو في السنة التالية. 
الاقتصاد يأتي بشكل تصاعدي في مقدمة التعاون الروسي السعودي. وبينما تجنب عدة مستثمرين غربيين روسيا بعد ضمها القرم في 2014، قامت الرياض بدلاً من ذلك بتوسيع دورها الاستثماري في الدولة. ففي 2015، تعهدت السعودية باستثمار 10 مليارات دولار في روسيا. وقد تم -منذ ذلك الحين- استثمار ربع هذا المبلغ. 
في أكتوبر، أصبح صندوق الثروة السيادية في السعودية شريكاً لصندوق الاستثمار الصيني الروسي، وقد أسهم بـ500 مليون دولار في المشروع. وفي ذلك الشهر أيضاً وعدت السعودية بأن تقدم 5 مليارات دولار لمشروع الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي، بواسطة شركة الغاز الروسي "نوفاتك". 
البعض في موسكو متفائلون بأن العام 2019 سيكون عام خير للاستثمار السعودي في روسيا. أخبر كيريل ديميتريف -الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادية في روسيا- مؤخراً الموقع السعودي "أرقام" بأن روسيا والسعودية يسعيان إلى استثمار ملياري دولار في هذا العام في 25 مشروعاً مشتركاً ومختلفاً. 
وصرح أليكسي خلبنيكوف -وهو خبير في الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الدولية الروسي- أن الاستثمارات السعودية تساعد في إراحة روسيا من العقوبات الغربية عليها. 
وقال: "هم لا يبعدون الألم كلياً من (العقوبات الغربية)، ولا يحلون المشكلة بشكل كلي"، "إلا أنهم يشكلون أحد المصادر البديلة للاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الروسي". 
أضاف خلبنيكوف: "يوجد احتمال كبير، في المستقبل (مستقبل الاستثمار السعودي) يمكن أن يتزايد كون الديناميات مواتية". 
ورغم ذلك، قدم مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة سياسة موسكو، تقييماً أكثر تشاؤماً بشأن الآفاق طويلة الأجل للاستثمار السعودي في روسيا. 
وقال: "المشكلة هي أن السعوديين مستثمرون محافظون جداً، وروسيا سياسياً هي سوق خطرة جداً على الاستثمار فيها". 
واهتمامات السعودية الاقتصادية بروسيا قد خلقت قلقاً من المحاولات الأمريكية لرفع الضغط على الدولة. في مارس، عارض وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، علناً، مجموعة جديدة من العقوبات الأمريكية التي تستهدف موسكو. 
أوضح الوزير: "روسيا هي أكبر مزود غاز لأوروبا وأكبر مزود نفط للصين. إذا نفذت ]العقوبات الجديدة[ سوف تتأثر أوروبا والصين والعالم بأكمله". 
كما أن السعودية تكره أن تنتقد سياسة روسيا الخارجية. حيث في ديسمبر 2017 و2018 امتنعت المملكة عن التصويت على قرارين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، يدينان سلوك روسيا في أوكرانيا. هذه الخطوة سجلت تغييراً حاداً في السياسة. وفي أواخر 2016 دعمت السعودية قرارات مماثلة. 
من ناحيتها، حمت روسيا السعودية من الانتقاد الدولي بشأن عداء المملكة مع كندا ومقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي. 
أوضح خلبنيكوف أن الرياض وموسكو لديهما تفاهم سري على ألَّا ينتقد كل منهما السياسة الخارجية للآخر. 
وقال: "تتجنب روسيا تقديم التعليق أو الإدانات لحرب السعودية في اليمن، وبالمقابل تتخذ السعودية موقفاً حيادياً تجاه سياسة روسيا في أوكرانيا". 
ورغم العلاقات المتحسنة بين روسيا والسعودية، يؤكد كل الخبراء الروس لـ"ذا ديلي كولر" أن كلا البلدين لازالا بعيدين من الشراكة في ما بينهما. فلازال لدى السعودية وروسيا الكثير من صراعات المصالح. بالإضافة إلى ذلك يحد تحالف الرياض مع واشنطن وعلاقات موسكو القوية بطهران من قدرة كلا الدولتين على أن تصبحا شريكتين بشكل كامل. 
ومع ذلك تمكنت الدولتان حتى الآن من التقارب في ما بينهما أكثر رغم الاختلافات. وما يثير الإعجاب أكثر هو مدى هذا التطور المفاجئ الذي وقع تحت الرادار. وفي وقت دفعت السعودية فيه واشنطن بنجاح لرفع مشاركتها أكثر ضد إيران، حققت أيضاً نجاحات كبيرة مع منافس عالمي كبير للولايات المتحدة. وبرفع استثماراتها في روسيا وعقد صفقات النفط مع موسكو، ساعدت الرياض الكرملين على تجنب العزل الدولي، وعززت اقتصاده. 
قد لا تتجه السعودية وروسيا نحو عقد شراكة، ولكن يحتمل أن ترحب واشنطن بمسار علاقاتهما الحالية. 

"ذا ديلي كولر"
8 يوليو 2019