ترجمة: انتصار سيف / لا ميديا

عادت أصوات المدفعية الثقيلة تدوي مرة أخرى في محافظة الحديدة اليمنية، بعد فترة من الهدوء النسبي 
في المنطقة الساحلية الاستراتيجية، حيث أطلقت ما لا يقل عن 66 قذيفة مدفعية، إلى جانب القصف المستمر من نيران المدافع الرشاشة الثقيلة على قرية الشيجان،  الاثنين الماضي (13 مايو)، حيث جددت القوات التي تقودها السعودية أعمال القتال في المنطقة بعد انسحاب الحوثي من الحديدة،  وهي الخطوة التي كانت الأمم المتحدة تأمل أن تجلب بعض مظاهر السلام إلى المنطقة.
يأتي الهجوم السعودي بعد أيام فقط من بدء الحوثيين انسحاباً أحادياً من مناطق موانئ الصليف ورأس عيسى والحديدة في محافظة الحديدة كجزء من انسحاب متبادل من المحافظة توسطت فيه الأمم المتحدة.
يأتي هذا الانسحاب بعد شهور من الإحباط من قبل فريق الأمم المتحدة المشرف على تنفيذ اتفاق الهدنة الذي توصل إليه الحوثيون والتحالف الذي تقوده السعودية في ستوكهولم بالسويد، العام الماضي، والذي سيشهد انسحاب الطرفين من الحديدة. لكن منذ توقيع الاتفاقية، عززت القوات السعودية وجودها العسكري في المحافظة، ورفضت عمليات الانسحاب الأحادية الجانب من قبل الحوثيين باعتبارها دعاية، مما أحبط الأطراف الدولية التي تسعى إلى إنهاء الحرب.
انتقد السفير البريطاني في اليمن مؤخراً الحكومة اليمنية المتحالفة مع التحالف السعودي، بسبب سخريتها من انسحاب الحوثيين. وقال مايكل آرون على موقع "تويتر": "المتهكمون اليمنيون والسعوديون [التحالف السعودي] الذين ينتقدون كل ما يفعله الطرف الآخر حتى لو كان إيجابياً، والذين يقولون إن الأمم المتحدة ساذجة، ويبدو أنهم يرون أن الحل الوحيد هو الحرب الدائمة في اليمن".
وقال المتحدث باسم الحوثي، محمد عبد السلام، الثلاثاء الماضي: "إن تصعيد العدوان من قبل التحالف الذي تقوده السعودية ومرتزقته في الحديدة بعد تنفيذ الجزء الأكثر أهمية من اتفاقية السويد، يكشف عمن يريد استمرار الحرب".

الحوثي إعادة الانتشار
بدأ المقاتلون الحوثيون بالانسحاب من الحديدة في ساعة متأخرة من صباح السبت (قبل) الماضي، وأفيد أنهم أكملوا المرحلة الأولى من انسحابهم الأحادي بحلول الاثنين الماضي. وقد أشرفت فرق الأمم المتحدة على إعادة انتشار قوات الحوثيين من ميناءي الصليف ورأس عيسى، المستخدمة في تخزين الحبوب والزيوت على التوالي، وأكدت الأمم المتحدة أن انسحاب قوات الحوثي من الموانئ الرئيسية في الحديدة مستمر وفقاً للخطة لليوم الثالث.
وفي بيان له قال رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار التابعة للأمم المتحدة مايكل لولسغارد: "راقبت فرق الأمم المتحدة الموانئ الثلاثة بشكل متزامن مع انسحاب القوات منها، وتولى خفر السواحل مسؤولية الأمن".
ووفقاً للأمم المتحدة، ستسمح إعادة الانتشار للمنظمة الدولية بالقيام بدور قيادي في دعم مؤسسة موانئ البحر الأحمر في إدارة الموانئ وتعزيز عمليات تفتيش الأمم المتحدة على البضائع.
وقد برر الحوثيون إعادة انتشارهم كخطوة ضرورية للتخفيف من معاناة المدنيين، ولتنشيط الحياة في صفقة سلام توقفت منذ شهور بعد فشل التحالف الذي تقوده السعودية في دعم جانبه من الانسحاب المتبادل.
في بيان صحفي، الاثنين الماضي، حث الحوثيون الأمم المتحدة على الضغط على التحالف السعودي لتنفيذ جانبها من اتفاقية ستوكهولم، لكنهم حذروا من استعدادهم للعودة إلى الموانئ في حالة عدم انسحاب التحالف.
وقال مسؤول حوثي رفيع المستوى لـ"مينت برس"، إن تنفيذ اتفاقية الهدنة من قبل التحالف ليس متوقعاً، مضيفاً: "لدى التحالف أجندة أخرى".

انسحاب الحوثي الثاني
يعد الانسحاب الحوثي الأخير هو المحاولة الثانية لتنفيذ أجزاء من اتفاقية ستوكهولم برعاية الأمم المتحدة، منذ أن تم التوصل إليها في ديسمبر الماضي، حيث سبق أن سلمت قوات الحوثي لأول مرة السيطرة على الحديدة إلى خفر السواحل في اليمن، في أوائل يناير الماضي، وهي خطوة كبيرة نحو تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
وقد فشل الانسحاب الأول بعد أن طالب التحالف السعودي الحوثيين بالانسحاب لمسافة 8 كيلومترات خارج المدينة، بينما ستبقى القوات السعودية على بعد نصف كيلومتر من حدود المدينة. إلا أن الحوثيين رفضوا هذا الاشتراط، معربين عن قلقهم من أن التحالف كان يستخدم الاتفاقية كذريعة للقيام باحتلال سريع للحديدة بعد مغادرة قوات الحوثيين.
الحديدة هي المدخل الرئيسي لمعظم واردات اليمن والمساعدات الإنسانية، حيث تعد شريان الحياة لملايين المدنيين الذين دفعوا إلى حافة المجاعة بسبب الحصار المفروض على الموانئ الرئيسية في اليمن من قبل التحالف الذي تقوده السعودية.

الموت من الجو للمزارعين والمدنيين
بينما جددت القوات البرية بقيادة السعودية أعمال القتال في محافظة الحديدة، ضربت الطائرات السعودية، الاثنين، أهدافاً مدنية في محافظة صعدة الشمالية ومحافظة الضالع الجنوبية الغربية.
وقُتل ما لا يقل عن 13 مدنياً، من بينهم نساء وأطفال، وأصيب أكثر من 10 آخرين بجروح بعد أن نفذت الطائرات الحربية التي تقودها السعودية، غارات جوية على شاحنة محملة بالفواكه في صعدة، وضربت غارة جوية منفصلة مناطق مكتظة بالسكان في الضالع.
في صعدة، قُتل مجموعة من المزارعين من محافظة حجة عندما استهدفت الغارات الجوية السعودية شاحنتهم التي تحمل المانجو على طريق سريع في حي المجاز، أثناء توجههم إلى سوق قطابر على الحدود اليمنية ـ السعودية.
وكانت جثة أحد أفراد عائلة سالم جابر موزعة في جميع أنحاء منطقة الهجوم وسط شحنة من ثمار المانجو المسكوبة. تمكن المسعفون من إنقاذ ضحية واحدة للغارة الجوية، والتي نُقلت إلى مستشفى الجمهورية في صعدة. "وجدنا البقايا المتفحمة لواحد فقط من الضحايا، وأصيب آخر بجروح خطيرة"، هذا ما قاله طبيب في موقع الهجوم لـ"مينت برس"، بينما كان زملاؤه يجمعون ما تبقى من أجزاء الجسم المتناثرة.
وجاء الهجوم بعد يومين فقط من غارة جوية سعودية قتلت امرأة و6 أطفال، وجرحت 11 طفلاً و5 نساء، في محافظة الضالع الجنوبية. وبحسب الشهود، فقد استهدفت الغارات الجوية منزلين.

أحمد عبدالكريم *
«مينت برس نيوز»
14 مايو 2019
* صحفي يمني يقوم بتغطية الحرب في اليمن،