دور عُمان المتوازن في سياسة المنطقة قد لا يدوم

ترجمة:  محمد ابراهيم زبيبة-
سيجرد نيوباور 
حضر الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، مؤخرًا جلسة برلمانية استثنائية في مدينة سيئون التابعة للحكومة. ومن بين المواضيع التي نوقشت تقرير أعده قادة القبائل، وقد تمكنتُ من الحصول عليه. ويشرح التقرير الوضع الأمني الهش في محافظة المهرة، الشرقية. وحصلتُ أيضًا على نسخة من اتفاق من صفحتين تم التوصل إليه بين زعماء قبائل المهرة وقائد التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وقد انعقدت الجلسة البرلمانية وسط توترات متنامية بين الإمارات وعُمان بشأن الحرب في اليمن، بما في ذلك قرار السعودية نشر خمسة آلاف جندي على الحدود اليمنية، العُمانية بالإضافة إلى إرسال الآلاف من مقاتلي الميليشيات (من بينهم مقاتلو القاعدة في شبه الجزيرة وسلفيون متطرفين). وتحتفظ دولة الإمارات أيضًا بعناصر استخباراتية في المهرة، وقد جعلت من نفسها حليفاً رئيسياً للرياض، مما جعلها تلعب دوراً مهماً في واشنطن، حيث أقنعت إدارة ترامب بقبول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وريثًا للمملكة.
في خضم هذه التطورات، حكمت السلطات العمانية يوم 10 أبريل على أربعة إماراتيين وعُماني واحد بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة التجسس. وقد وصل الإماراتيون الأربعة –الذين قاموا بتجنيد العماني– إلى السلطنة في خريف العام الماضي كجزء من عملية استخبارية، وذلك بعد أن تم الكشف عن مجموعة جواسيس لهم. وبعد اعتقالهم، وصل رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو إلى مسقط في زيارة مفاجئة لإجراء محادثات مع السلطان قابوس. وعلى الرغم من أن عُمان و"إسرائيل" لا تتمتعان بعلاقات دبلوماسية رسمية، إلا أن مسقط دعمت بنشاط ومازالت عملية السلام "الإسرائيلية" الفلسطينية على مدى العقود القليلة الماضية، وحافظت على علاقات متميزة مع "الدولة اليهودية".
وبعد شهر من اكتشاف السلطات العمانية مجموعة الجواسيس، استجاب قابوس رسميًا لجهود إماراتية لشراء أراض وممتلكات في مواقع استراتيجية في جميع أنحاء السلطنة، وفي المنطقة الحدودية الشمالية مع الإمارات على وجه الخصوص. وفي نوفمبر من العام الماضي، أصدر قابوس مرسومًا ملكيًا يحظر على غير المواطنين امتلاك الأراضي الزراعية والعقارات في البريمي ومسندم وظفار والظاهرة والمنطقة الوسطى وشناص وليوا والجبل الأخضر وجبل شمس ومواقع تراثية وبالقرب من المناطق الاستراتيجية.
ومما زاد هذه التوترات قرار متحف اللوفر أبوظبي بنشر خريطة جديدة تم فيها تسمية مسندم كجزء من دولة الإمارات العربية المتحدة.
ان هذا التوتر الأخير بين الجارتين الخليجيتين يشبه محاولة سابقة من قبل حاكم الأمر الواقع الإماراتي الأمير محمد بن زايد للإطاحة بقابوس في عام 2011 من خلال إنشاء شبكة تجسس تستهدف الحكومة العمانية وجيشها.

حرب اليمن والتطويق الاستراتيجي
بعد أيام فقط من تنصيب الرئيس دونالد ترامب عام 2017، أرسلت السعودية قوات إلى المهرة بعد أن غادرتها القوات الخاصة الإماراتية. وكانت قد أبقت الإمارات قوات خاصة هناك منذ عام 2015، ولكن على الرغم من سحب قواتها، إلا أن ضباط المخابرات لا يزالون في مكانهم. وكان مبرر السعودية لدخول المهرة –التي تقع على بعد 1300 كيلومتر تقريباً من مناطق القتال التي يقاتل فيها التحالف السعودي الحوثيين– هو توزيع المساعدات السعودية على اليمنيين واستعادة السيطرة على مطار الغيضة، وهو المطار الوحيد لمدينة الغيضة، العاصمة الإدارية للمحافظة. وتم إنشاء سجن في المطار ولا يزال موجوداً منذ ذلك الحين.
إن قرار عمان عدم المشاركة في الحرب اليمنية مستمد من سياستها الخارجية القائمة على الحياد، وكذلك جغرافيتها، والتي تشمل الحدود العمانية الطويلة مع اليمن بطول 288 كم, والصلات الوثيقة بين العمانيين وقبائل المهرة، الذين يحملون عادة الجنسية العمانية (وكذلك السعودية والإماراتية). في الواقع، بسبب الروابط الجغرافية والقبلية، إلى جانب الروابط التاريخية العميقة، كانت المهرة عملياً بمثابة منطقة عازلة عمانية ضد الحرب في اليمن.
وفي ضوء هذه العلاقات الطويلة الأمد، اعترضت القبائل المحلية بسرعة على قرار التحالف الاستيلاء على مطار الغيضة. وبسبب المعارضة المحلية، توصل قائد التحالف في المهرة، العميد عبد العزيز الشريف، والقبائل إلى اتفاق في مارس 2017 يقضي بعدم استخدام المطار إلا للجهود الإنسانية وعدم تحويله إلى قاعدة عسكرية.
ومع ذلك، انتهك التحالف الاتفاق بشكل سريع وقام بتحويل المطار إلى قاعدة عسكرية. وأصبح المطار الآن يستقبل طائرات التحالف العسكرية بشكل يومي، وصار يُمنع جميع المدنيين، بمن فيهم السكان المحليون، من دخول أماكن عملهم حيث تتمركز طائرات الأباتشي وتخزن الأسلحة.
وقد أخبرني مسؤول قبلي محلي أنه لم يتم حتى الآن إيصال أي مساعدات من التحالف.
وبالتوازي مع استئناف السيطرة على المطار، أجبر هادي المحافظ محمد عبد الله كدة, الذي بقي في منصبه فترة طويلة، على الاستقالة بعد أن عارض الوجود السعودي، وعين بدلاً عنه راجح سعيد باكريت، وكان تعيينه فعالًا من أجل قمع المعارضة الأولية ضد وجود التحالف في المحافظة.
ومنذ ذلك الحين, بدأ النشر التدريجي والثابت للقوات السعودية، بما في ذلك في المناطق الساحلية في المهرة حيث تم إنشاء 26 نقطة تفتيش. وتقع القيادة الساحلية للسعودية في وسط مدينة نشطون الساحلية، وهي الميناء البحري الوحيد للمهرة. ولأن جميع القرارات النهائية يعود اتخاذها لقائد التحالف، يتمتع الحاكم الجديد بسلطة محدودة على هذه القوات، وقام هادي بفصل جميع المسؤولين المحليين الذين احتجوا في البداية على الوجود السعودي في المهرة.
هذا وتتظاهر القبائل المحلية منذ عام 2017 ضد الوجود السعودي في نشطون. وهي مظاهرات سلمية إلى حد الآن, لكنها تجوب جميع أنحاء مديريات المهرة التسع.
وفي نوفمبر 2018، قُتل اثنان من المتظاهرين على أيدي الميليشيات اليمنية التي تدعمها السعودية في منطقة الحوف. وفي وقت لاحق، انطلقت حملة قمع ضد المتظاهرين والقبض على قادتهم –بعد اختراق هواتفهم– بأوامر من القيادة المشتركة السعودية الإماراتية في محافظة حضرموت.
وكانت قبائل المهرة قد قالت إن معسكرات الجيش يجب أن تدار من قبل السكان المحليين. وكان قد توصل التحالف والسكان المحليون إلى اتفاق للقيام بذلك، لكن سرعان ما انتهك التحالف الاتفاقية، وتم ملؤها بموظفين من خارج المحافظة، معظمهم من محافظة أبين حيث تم تدريبهم من قبل القوات السعودية والإماراتية، وعندما وصلوا إلى المهرة، تم تقديمهم على أنهم أعضاء من خفر السواحل اليمني، وكانوا مرتديين للزي، لكنهم كانوا في الواقع أعضاء ميليشيات خارجة على الدولة اليمنية، حيث كان بعض مقاتلي الميليشيات هؤلاء جزءًا من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
كما تم نشر قوات سعودية مباشرة على طول الحدود العمانية اليمنية، حيث نصبت هذه القوات 20 نقطة تفتيش عسكرية ومخيمًا كبيرًا في حوف (المقر الرئيسي).
وفي مارس 2018، توصل قائد التحالف السعودي إلى اتفاق مع زعماء القبائل المحلية والمتظاهرين، ممثلين بالسلطان عبد الله عيسى العفرار (العفرار هو حفيد السلطان الأخير للمهرة وسقطرى). ونص الاتفاق على النقاط التالية:
أولاً: مغادرة القوات السعودية للمطار وتسليم إدارته للمدنيين.
ثانياً: لن يخدم المطار أي أغراض عسكرية.
ثالثًا: انسحاب السعودية من ميناء نشطون البحري.
رابعا: انسحاب السعودية من معبر صرفيت وشحن الحدودي مع سلطنة عمان، وهو المعبر الحدودي الوحيد الذي لايزال مفتوحاً، حيث وأغلقت السعودية بقية معابر المهرة الحدودية مع اليمن.
خامساً: إدارة المطار والمعابر الحدودية ستكون على السلطة المحلية.
وبحسب مسؤول قبلي, انتهت الاحتجاجات بمجرد التوصل إلى الاتفاق، لكن السعودية لم تنتهكه فحسب، بل واصلت إرسال المزيد من القوات والأسلحة إلى المهرة.
لقد كان مبرر السعودية لإقامة نقاط تفتيش على طول الحدود اليمنية العمانية وعلى طول الخطوط الساحلية هو القضاء على تهريب الأسلحة وتهريب المخدرات إلى الحوثيين، لكنها حيلة لها أبعاد جيوسياسية أيضاً. وقد أثنى وزير الدفاع السابق، جيمس ماتيس، على قابوس لالتزامه بالسلام والاستقرار الإقليميين، بتشديده على قضية تهريب الأسلحة في المهرة. وتم تأكيد موقف واشنطن من خلال زيارة وزير الخارجية، مايك بومبيو، إلى مسقط في يناير 2019.


* "ذا ناشيونال انترست"
5 مايو 2019