دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية (BND) وصفته بلاعب رهان سياسي يزعزع الاستقرار في العالم العربي من خلال الحرب بالوكالة في اليمن وسوريا
بن سلمان.. مقامر يراهن  على الأحصنة الخطأ

غوين داير (*): صحيفة (سايبرس ميل) القبرصية
زادت مخاوف دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية (BND) بحلول العام 2015، مما جعلها تحذر الحكومة الألمانية من محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، البالغ من العمر 30 عاماً. وكما نصت الرسالة، فإن (الوضع الدبلوماسي السابق الحذر الذي كانت تقوده شخصيات كبيرة في السن من الأسرة الحاكمة، يتم استبداله بسياسة متهورة للتدخل).. في ذلك الوقت، كان محمد بن سلمان، وزير الدفاع لعام واحد فقط، ولكنه بالفعل شن تدخلاً عسكرياً كبيراً في اليمن، وألزم السعودية بمساندة صريحة للثوار في سوريا.. واتخذ كذلك قراراً شديد الخطورة بخفض إنتاج البترول وهبوط أسعار النفط.

رهانات خاسرة
لا عجب إذن أن تصفه (BND) بـ(لاعب رهان سياسي يزعزع الاستقرار في العالم العربي من خلال الحرب بالوكالة في اليمن وسوريا)، إنه ليس مراهناً فقط، ولكنه شخص يراهن على الأحصنة الخطأ.
الرهان الخاسر الأول كان التدخل في اليمن من خلال حملة الغارات الجوية التي قتلت أكثر من 10.000 يمني، معظمهم من المدنيين، وكلفت المملكة عشرات المليارات من الدولارات.. سوَّق الأمير محمد بن سلمان الحرب على أنها عبارة عن تدخل حاسم وقصير سيقوم بهزيمة الحوثيين في اليمن، وإعطاء السعودية الخيار لنفسها باختيار الرئيس، فهي على سبيل المثال تتمسك بعودة عبد ربه منصور إلى السلطة. لقد تحولت إلى حرب استنزاف طويلة مكلفة، بينما الحوثيون لا يزالون يتحكمون بالعاصمة صنعاء، وهادي لا يستطيع العودة إلى البلد في القريب العاجل.
الرهان الخاسر الآخر لمحمد بن سلمان هو التزامه بدعم المتمردين السوريين، وهذا الرهان فشل عندما دخل الجيش السوري حلب في أواخر ديسمبر الماضي، بمساعدة روسيا وإيران.. لا توجد الآن أية مدينة من المدن السورية الكبرى تحت سيطرة المتمردين السوريين، بحيث ستضطر المملكة للبقاء مع نظام الأسد المنتصر والمنتقم.
إن رهان محمد بن سلمان الأكبر كان خطته باستعادة الهيمنة على أسواق النفط العالمية من خلال الخوض في منافسة جديدة, في الوقت الذي اتجه منتجو النفط الأمريكيون لإنتاج النفط الصخري، مما سيؤثر حتماً على المملكة.
لقد ظن أن الشركات المنتجة للنفط الصخري ستفلس بسبب تكلفته الباهظة إذا استمر انخفاض سعر النفط لفترة أطول.. بناء على هذا، قرر استمرار ضخ النفط بكميات عالية، وحثت السعودية شركاءها الأعضاء في منظمة أوبك للنفط على فعل الشيء نفسه. . أغلقت بعض الشركات عمليات الإنتاج للنفط الصخري ذات الفائدة القليلة، بشكل مؤقت، وبعض الشركات الصغيرة أفلست، لكن البقية يظهرون استعدادهم لزيادة الإنتاج في أقرب وقت لإنعاش أسعار النفط.. في تلك الأثناء كانت السعودية تنعم بـ100 مليار دولار سنوياً كاحتياطي نقدي لاستمرار الحكومة بتقديم الخدمات والدعم الحكومي.

اعتراف بالهزيمة
لقد اعترف الأمير محمد بالهزيمة، أواخر نوفمبر الماضي، فالسعودية وشركاؤها في منظمة أوبك للنفط وافقوا على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً، بينما ساهمت روسيا وكازاخستان بنصف مليون برميل أخرى، بحيث ارتفعت أسعار النفط إلى 55 دولاراً للبرميل، وانتعش التدفق النقدي السعودي، وتم كذلك تهدئة الضغوط السياسية داخل المملكة بسبب انخفاض الدعم الحكومي والأجور.
لكن الكثير من الناس يتساءل: ماذا كان سبب كل ذلك؟!
الأمير ليس أحمق، لكن كان يجب عليه أن يعرف أن التدخلات الأجنبية في اليمن نادراً جداً ما تنجح، والتدخل الروسي في سوريا يعني أن الأسد كان من المحتمل أن ينتصر، وأن الشركات الأمريكية ستنتظر حتى تنتهي ولايته.. في الحقيقة ربما هو يعرف ذلك.
المشكلة هي أن محمد بن سلمان في عجالة لاستخلاص النتائج الإيجابية، وذيوع صيته في هذا العمر المبكر، يدين به في كل شيء لوالده الملك سلمان الذي وصل العرش منذ عامين فقط، ويعاني من الخرف، حسب ما يفيد البعض، أما ابنه فلا يبدو من الواضح أنه سيكون خليفته.
ولهذا إذا كان هناك أمل بأن يخلف والده على عرش السلطة عند موت الملك سلمان، فيجب عليه أن يثبت جدارته بسرعة، ولهذا السبب فقد بادر إلى القيام بمثل هذه الرهانات العالية والمخاطرات الكبيرة، بينما نجاح واحد قد يحقق له كل شيء.. ربما لا يزال منتظراً فرصة أخرى.
* صحافي مستقل ينشر مقالاته في أكثر من 45 بلداً