ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين 

في الواقع إن ولي العهد السعودي صاحب التأثير القوي الأمير محمد بن سلمان، يعتبر (مهندس الإصلاح)، كما وصفته تقارير إعلامية عديدة، ومع ذلك هنالك اختلاف أو فرق بين إصلاح بيت بني سعود وتحرير المجتمع الذي يهيمن عليه.
تشارلز لين *
حتى إنه كان من البديهي قبل أن يدخل جمال خاشقجي -وهو ناقد لولي العهد في المنفى- القنصلية السعودية في إسطنبول منذ أسبوع، ألا يعود منها وهو على قيد الحياة.
إن نظام (إم بي إس) كما يطلق على ولي العهد، قد أثار الفضول -وفي كثير من الأوساط التفاؤل- من خلال تغيير بعض سمات نظام عائلته الأكثر رجعية، فصار بإمكان النساء قيادة السيارات الآن؛ وتم افتتاح دور للسينما، ويتحدث (إم بي إس) عن وادي السيليكون بإعجاب، وهو يسعى للتواصل مع وسائل الإعلام الأجنبية، وللإجابة على أسئلتهم بصراحة واضحة.
ومع ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يتابعون عن كثب ما يقوله (إم بي إس) في الواقع، إنه لمن الواضح أن اتساع الحرية الشخصية لا يمثل أولويته العليا، ولم تكن أبداً كذلك، وهدفه هو أن يقوم بتحديث المملكة السعودية كي تكون مهيأة لتحمل الظروف الاقتصادية والجيوسياسية الجديدة للقرن الـ21، في ظل وجود (إم بي إس) ذي 33 عاماً، على العرش لمدة طويلة جداً.
يرغب ولي العهد في أن يكون اقتصاد المملكة السعودية مستقلاً نوعاً ما وأقل اعتماداً على النفط، وأن تكون قواته العسكرية والاستخباراتية أكثر قدرة على قتال إيران؛ وإن تحديث معايير الجندر وإعداد قائمة تضم بعض أفراد العائلة المالكة الفاسدين، قد يساعده في كسب دعم سياسي لمجموعة أهدافه في الداخل والخارج.. ومع ذلك يصبح أي شخص يحاول أن يشكك في خطط (إم بي إس) أو في التقدم الذي يحاول إقناعهم به -وهذا أقل بكثير من حقه في أن يتخذ قرارات بالنيابة عن حوالي 33 مليون شخص في المملكة في المقام الأول- عرضة للاعتقال أو السجن، أو لما هو أسوأ من ذلك.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم إلقاء القبض على مجموعة مما لا يقل عن 9 ناشطات في مجال حقوق الإنسان، منهن رئيسة هيئة المطالبة بحصول المرأة على رخصة القيادة، في شهر مايو، وقد اتهمن بالخيانة، وحكم عليهن بالسجن لمدة 20 عاماً.
يمثل (إم بي إس) ما يسميه العالم السياسي صموئيل بي هنتنغتون (الملك الحداثي)، لكن الصعود على قمة مجتمعات فقيرة وغير قادرة على العيش بشكل مستقل ومضطربة، يواجه مثل هؤلاء الحكام في مثل هذه الحالة، ما يسمى (مأزق الملك)، كما يطرح هنتينغتون: كي تقوم بعمل إصلاح ما بشكل سريع، يكفي أن تسترضي الطبقة الوسطى والموظفين المدنيين والمثقفين، لكن لا تستطيع القيام بنفس الشيء بالنسبة للقطاعات التقليدية من رجال الدين.
وكان ملكان محدثان سابقان مثل هيلا سيلاسي الأول إمبراطور إثيوبيا، ومحمد رضا بهلوي شاه إيران، كلاهما قد تم إسقاطهما في نهاية المطاف؛ الأول كان عبر انقلاب عسكري في 1974، والآخر كان عبر ثورة بدأت عام 1978.
وتجربة هذين الاثنين توضح كم هو صعب بشكل يفوق التصور بالنسبة لحاكم محدث أن يسيطر على القوى الاجتماعية التي تتسبب بها أفعاله؛ أن يزعزع الاستقرار وأن يوطده في آن واحد.
يبين تحليل هنتنغتون أنه بالنسبة لمحدث مثل (إم بي إس) لا يعد ترهيب أو سجن أو ربما قتل معارضيه انحرافاً عن خططه، بل هو نتيجة متوقعة لهم.
كتب هنتنغتون في نصه الكلاسيكي بعنوان (الهدف السياسي من تغيير المجتمعات)، عام 1968: (الملوك الذين يسعون بشكل مستمر للإصلاح يصبحون بشكل متزايد، معتمدين على القمع المطلق من أجل إبقاء أنفسهم في السلطة).
قبل 10 أعوام من الثورة التي أحضرت آية الله الخميني في النهاية إلى السلطة في إيران، لاحظ هنتنغتون أن سياسة الشاه السرية قد لعبت (دوراً فعالاً في الكشف عن الأعداء وعن أعداء النظام المحتملين)، ووصف الكاتب ذلك التكتيك -بشكل تنبّئي- باعتباره مؤشراً على ضعف النظام، وكتب هنتنغتون (الإصلاح والقمع كلاهما يمثلان مظهرين من مظاهر مركزية السلطة والإخفاق في توسيع المشاركة السياسية، ونتيجتهما المنطقية هي إما التمرد أو الثورة).
في النهاية سنرى ما إذا كان هذا التحليل ينطبق على (إم بي إس) والمملكة العربية السعودية، رغم أن هذا لا يساوي شيئاً أن يتنبأ هنتنغتون أيضاً بعدم الراحة وخيبة الأمل التي قد يشعر بها شخص مثل خاشقجي تجاه حاكم مثل (إم بي إس).
كتب هنتنغتون: (إن الشخصية المشتركة في كل الممالك التقليدية هي البيروقراطية الحديثة والمتقدمة والمتعلمة التي تكافح بضميرها، بينما تحاول أن تحقق التوازن بين الإصلاحات التي قد تتمكن من الترويج لها من داخل النظام مقابل المكافآت التي حصلت عليها للمشاركة في هذا النظام).
رغم أنه ليس بالضبط بيروقراطياً، عمل خاشقجي سابقاً في عديد من المناصب الحكومية وشبه الحكومية مختلفة في الوسائل الإعلامية السعودية الخاضعة للرقابة الشديدة، وعمل مساعداً حينها للسفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمير تركي الفيصل.
وفي مرحلة معينة -مع ذلك- انتهى خاشقجي إلى القول بأن ضميره لن يسمح له بعد الآن أن يعمل مع النظام.
كتب في أول عمود له في (ذا بوست)، قبل أكثر من عام بقليل: (لقد كان من المؤلم بالنسبة لي أن يتم اعتقال عدد من الأصدقاء منذ عدة أعوام، وألا أتمكن من قول شيء إزاء ذلك، فلم أكن أريد أن أخسر وظيفتي أو حريتي، وقد قلقت على عائلتي)، (لكني الآن اتخذت خياراً مختلفاً، تركت منزلي وعائلتي ووظيفتي، وها أنا أرفع صوتي عالياً). ويدور السؤال الآن حول ما إذا كان قد أخرس هذا الصوت إلى الأبد.
* كاتب رأي (واشنطن بوست)
8 أكتوبر 2018