إن أقارب الملك سلمان المقربين لا يحكمون السعودية فحسب، وإنما هم معه أيضاً في مجال العمل.
تمتلك أكبر شركة تجارية استثمارية سعودية أسسها أحد أبناء الملك -وهي الآن تدار من قبل شخص آخر - حصة كبيرة في تكتل يقوم بأعمال حكومية واسعة النطاق، بما في ذلك شراكة بناء السفن مع شركة الدفاع الفرنسية، وتقول شركة أصغر أسسها ابن آخر له، إنها تستثمر في مجال الرعاية الصحية والاتصالات والتعليم وغيرها من المجالات الخاضعة للوائح أو التي تمولها الدولة؛ ولا تبدو أي من صراعات المصالح تلك مخالفة للقانون.
لكن شقيقهم الآن - وريث العرش محمد بن سلمان - يقود حملة واسعة النطاق ضد من سماهم (الفاسدين)، والتي أزاحت ما لا يقل عن 11 أميراً من بني سعود، إلا أن مصالح أسرته المباشرة المعقدة والسرية على الأغلب تثير الأسئلة حول ما يعنيه هذا الاتهام في مملكة لا يحتوي القانون فيها على نظام معين، ولا حتى القليل مما يملكه القانون في البلدان الأخرى التي تصفه وتحرمه كتعامل ذاتي.
حتى الآن لم تتضمن القوانين السعودية الصادرة بمرسوم ملكي أو المستمدة من الشريعة الإسلامية، سوى القليل من التنظيم، أو أنها لم تشتمل على تنظيم للأسرة المالكة الممتدة وعملائها الأقرب، ولم تكشف الأسرة عن مصادر دخلها أبداً، ولا عن مقدار العائدات النفطية، ولا عن مقدار ما يكسبونه من عقود وصفقات الدولة، أو كيف بإمكانهم أن يطيقوا تكاليف نمط عيشهم الفخم.
فلم يوضح الملك سلمان من أين حصل على المال لشراء تلك المنازل الفخمة في لندن بمبلغ قدره 28 مليون دولار، وكذلك فعل ابنه، فلم يسبق لولي العهد محمد أن بين كيف تمكن من سحب أكثر من 500 مليون دولار مقابل يخت بطول 440 قدم، كان قد ترصده يوماً، وقرر أنه من الضروري امتلاكه.
وقد حاولت المملكة - ملكية مطلقة - أن تخلق نظاماً قضائياً مستقلاً لتعديل الادعاءات، وإذا كان الفساد يعرف بأنه ربح خاص على نفقة الدولة العامة، فإن تلك الممارسات سوف تنتشر بشكل كبير إلى حد يبدو عليه أن أي تدابير بسيطة لتغيير ثوري هي ملاحقة اختيارية.
تقول كاثرين ديكسون، باحثة في منظمة الشفافية الدولية التي درست صناعة الدفاع السعودي: (إنها ممتدة من مسرحية الطاغية)، (استخدام موارد الدولة لأهدافك الخاصة لا يزال مقبولاً إذا كنت جزءاً من الجماعة الحقيقية أو من الزمرة الملكية؛ ولكن لأن الفساد هو ما يشغل الناس فإنه يستغل كصرخة عامة تبرر لحملة التصفية)، وقارنت هي وآخرون بين حملة الأمير محمد وبين حملة مكافحة الفساد تلك التي يقودها الرئيس شي جينغ بينغ في الصين، وتلك التي يقودها الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا، حيث غالباً ما تكون الدعوى القضائية مدفوعة سياسياً.
وكان قد تم اعتقال ما يقارب 500 شخص بتهمة الفساد، كجزء من الحملة، ويحتجز الكثيرون منهم في فندق ريتز كارلتون في ما قد يكون أفخم سجن في العالم!
أعلن مجلس الوزراء السعودي، الثلاثاء، أن جميع الاعتقالات تمت (بناء على أدلة محددة على ارتكاب جرائم أو مخالفة جنائية وانتهاك غير مشروع).
وأضاف المجلس قائلاً: (القانون يحمي حقوق المتهمين، والحقائق المتعلقة بالجرائم في جميع مراحل التحقيق والإجراءات القضائية).
لكن المحكمة لم تعلن عن أية تهم معينة أو دليل محدد أو حتى عن أسماء هؤلاء المعتقلين، وقد بدأت الموجة الأولى (من الاعتقالات) مباشرة بعد ساعات من قرار ملكي اتخذ من قبل لجنة التحقيقات الواقعة تحت إشراف الملك الذي ترك لهم القليل من الوقت للاستجواب، تقع المحاكم تحت سيطرة فعلية للملك وولي عهده، ولم يكن من الواضح أي فرع من فروع نظام المحاكم سوف يستمع إلى القضايا، أهو نظام المحاكم الشرعية الرئيسية أم مجلس أكثر تخصصاً من محاكم التظلم التي تعالج الشكاوى الإدارية؟
قال ديفيد أوتاواي، زميل في مركز ويلسون - مركز أبحاث غير حزبي: (هذا هو صندوق باندورا (في الميثولوجيا الإغريقية: صندوق حمل بواسطة شخص يسمى بندورا يحمل كل شرور وجشع البشرية) للبت في محاكمات الفساد)، (أين يجب أن تتوقف تلك المحاكمات في نطاق العائلة الملكية؟ هل هناك أي أمراء يمكن أن يظهروا براءاتهم؟).
يقول ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن يدرس أنظمة القوانين العربية: (لا يقصد بالقانون أن يحكم العائلة الحاكمة بأية طريقة مجدية أو أن يحكم العلاقات بين الأسرة الحاكمة والدولة)، ويضيف: (ففي نهاية المطاف يمكن للملك وبعض كبار أفراد الأسرة المالكة أن يفعلوا ما يشاؤون، ومن ثم تشريع ما يقومون به لاحقاً؛ فالافتقار إلى التنظيم في التعامل الذاتي الملكي يفتح الباب على مصرعيه لما قد يعتبر فساداً في الأنظمة الأخرى).
ويبدو أن العديد من السعوديين يستحسنون فكرة القمع، ثلثيهم تحت سن الـ30، لكن الكثيرين يشعرون بالإحباط بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وبعضهم قد يشعر بالرضى بعض الشيء، ولو كان ذلك تعسفياً واستبدادياً بالنسبة للعديد من الأغنياء وأصحاب النفوذ.
يقول ستيفن هيرتوغ، مساعد أستاذ في مدرسة لندن للشؤون الاقتصادية، ومؤلف كتاب في البيروقراطية السعودية: (سيكون لها شعبية مع عامة الناس الذين يرون الأجزاء الهامة من عائلة آل سعود كمحاولة لتأجير طبقة اجتماعية منغلقة غير خاضعة للمساءلة تؤيد هذه البيروقراطية الملكية، وكانت الأعمال السعودية تشكو من التعديات الملكية منذ عقود).

تبدو بعض القضايا واضحة المعالم: 
قضية واحدة تقول وسائل الإعلام السعودية الرسمية إن الأمير يعتزم التحقيق فيها، هي الفيضانات في جدة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص في 2009، وفي هذه القضية اتهم رجل أعمال سعودي بالفرار وبحوزته ملايين الدولارات المخصصة لنظام الصرف الصحي لمدينة جدة، وبعدم تركيبه لأي أنابيب.
كتب جمال خاشقجي، هذا الأسبوع، في جريدة (الواشنطن بوست)، وهو رئيس تحرير أهم جريدة سعودية، وهو الآن يعيش في الخارج: (كنا جميعنا نعرف، ولا أحد منا قام بالتبليغ عن هذا الأمر).
بعيداً عن تلك القضية، لم يبرز سوى عدد قليل من التقارير التي لم يتم الكشف عن هويتها التي تتحدث عن التهم المحتملة، وقد اتهمت حملة لوسائل الإعلام الاجتماعية المنسقة مهنياً- والتي يبدو أن الحكومة هي التي تنظمها - أهم معتقل الأمير متعب بن عبدالله، القائد السابق للحرس الوطني، وابن للملك السابق، بإثراء نفسه على حساب النفقات العامة عن طريق تحويل أموال الحرس الوطني لحسابه الشخصي، ونقلاً عن مصادر لم تذكر اسمها تشير تقارير إخبارية إلى أنه سوف يتم اتهامه بتعيين وظائف وهمية، وبدفع عقود متضخمة للشركات التي يملكها من أجل معدات شركة والكي تالكي والمعدات العسكرية الواقية من الرصاص، وشقيقه الأمير تركي بن عبدالله، الحاكم السابق للرياض، سيتم اتهامه بدفع عقود مبالغ فيها أيضاً من أجل مشروع مترو الأنفاق قيد الإنشاء في العاصمة.
ولكن في بلد اسمه على اسم العائلة الحاكمة يكون من الصعب تمييز الخط الذي يفصل بين المال العام والمال الخاص.
قال روبرت جوردان، سفير الولايات المتحدة إلى السعودية: (تستطيع لجنة مكافحة الفساد للأمير محمد بشكل أساسي أن تعتقل أي شخص لأي سبب يختارون تسميته فساداً، وهذا أحد خيوط شبكة الفخ المنسوجة).
والمحتجز الأكثر شهرة من بين كل المعتقلين هو الأمير الوليد بن طلال الذي لا يبدو أنه بحاجة للكسب غير المشروع، فقد عرف عنه أنه أكبر مستثمر في سوق البورصة العالمي، وكأحد أغنياء العالم، ومصادر ثروته أكثر وضوحاً من غيره من غالبية الأمراء، وقد كان الأمير ناقداً لاقتصاد المملكة المنغلق والفساد المتفشي، وأفادت مذكرة دبلوماسية سرية عام 1996 أن الأمير أخبر السفير الأمريكي كيف أن حفنة من الأمراء تسيطر على مليارات من براميل النفط لدى البلاد يومياً، ووفقاً لتلك المذكرة فإن مشروع المسجدين المقدسين ومشروع الدفاع كانا سريين للغاية، ومرهونين بعدم وجود رقابة أو مراقبة من قبل وزارة المالية.
قدمت المذكرة التي تم الكشف عنها في مجموعة من وثائق الوزارة التي أصدرها (ويكيليكس) قبل 7 سنوات، مخططاً مفصلاً عن توريد الأموال لأفراد العائلة الحاكمة، إما من خزائن الدولة أو من خلال الأعمال التجارية الخاصة في نظام مبهم خلافاً لذلك.
تلقى مسؤول في السفارة لمحة لم يسبق لها مثيل حول التمويل الملكي عندما زار مكتب وزارة المالية للقرارات والقواعد عام 1996، حيث جاء الخدم لأخذ رواتب أسيادهم الملكيين، حيث تلقى الملك المؤسس مبلغ 270.000 دولار في شهر، في حين جمع أكبر أحفاد المؤسس مبلغ 8000  دولار في شهر، على رأس تلك المدفوعات والمكافآت من مليون دولار إلى ثلاثة ملايين دولار تم تسليمها للقول بأن تلك الأموال هي لبناء قصر.
 كان من المعروف أن الأمراء يقترضون المال وببساطة لا يعيدونه مرة أخرى، ما أدى إلى انهيار في البنك التجاري المحلي، وكان من المعروف أيضاً أنهم يلعبون دور الوكلاء الحصريين للشركات الأجنبية التي في المملكة، وعندما أنشأوا عملهم الخاص اعتمدوا في أغلب الأحيان على أحد المصدرين، إما الإنفاق الحكومي أو الدعم الحكومي.
قال دبلوماسي آخر كتب في مذكرة 2007: (الحكومة وعلى وجه التحديد وزارة المالية والشؤون الريفية والبلدية تقوم في أغلب الأحيان بنقل ملكية الأراضي العامة إلى الأمراء الذين بدورهم يقومون ببيعها بأعلى سعر لتجار العقارات)؛ مشيراً إلى أن الأمير بندر بن سلطان الذي كان لفترة طويلة سفيراً إلى الولايات المتحدة، والأمير عبدالعزيز بن فهد الابن المفضل للملك فهد، قد استفادا من مئات ملايين الدولارات من خلال بيع أرضية مقابل بناء قرية سكنية مخططة مركزية شمال جدة.
ربما كان البيان الأكثر شهرة هو ذلك الذي أدلى به الأمير بندر في مقابلة له مع قناة (بي بي إس) الأمريكية، حينما قال: (إذا كنت تقول لي إن بناء البلد بكامله وإنفاق 350 ملياراً على ذلك من أصل 400 مليار دولار التي أسأنا استخدامها أو وقع فيها خلل في 50 ملياراً، سوف أقول لك نعم، لكنني سآخذها في أي وقت).
كانت صفقات الأسلحة منذ عقود طويلة تشكل مصدر ثروة، وقد ذكرت وسائل الإعلام البريطانية أن الأمير بندر حصل على أيضاً أكثر من مليار دولار في المدفوعات السرية من (بي إيه إي سيستمز) من بين أكبر شركات الصناعات الدفاعية في العالم على مدى عقد من الزمان، وقد أصبح الطبيب الشخصي لعبد العزيز ابن الملك المؤسس مليارديراً لاشتغاله كتاجر أسلحة وكوسيط بين صانعي الأسلحة وأفراد العائلة المالكة.
يختم السيد ديكسون من منظمة الشفافية الدولية: (في البلدان الأخرى نتحدث عن الرشاوى الصغيرة، لكن في المملكة العربية السعودية نتحدث عن سرقة على نطاق واسع!).

من جريدة نيويورك تايمز 
تاريخ 7نوفمبر 2017