الكاتب بيتر ساليسبيري (الجارديان البريطانية)
إن الصراع الدبلوماسي بين هذه الدولة الصغيرة الغنية بالغاز وبين جيرانها يهدد بفضح الجانب المظلم لعلاقات بريطانيا والولايات المتحدة مع دول الخليج.
أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر أنها تعاود قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر خلال هذا الأسبوع، وفي تصاعد متسارع قامت بإغلاق حدودها أمام الطائرات والسفن القطرية، وقالت دول الخليج إنه على المواطنين القطريين في بلدانها أن يغادروا خلال أسبوعين.
إنه من غير الواضح كيف ستحسم الخلافات، لكن السعودية وجيرانها يعدون خطة للحصول على الدعم الغربي من خلال اتهام الدوحة عاصمة قطر بدعم ومساندة المجموعات الإرهابية من القاعدة والولاية الإسلامية.. كيف وصلنا نحن إلى هناك؟ قبل 2011 عرف الغرب الكثير عن قطر الإمارة الخليجية الصغيرة التي كان سبب شهرتها الرئيس هو أنها أغنى بلد يحصل فيه المواطن على أعلى دخل في العالم، بفضل كميات هائلة من البترول وقلة من السكان؛ لكن كاضطرابات انتشرت على امتداد الشرق الأوسط والقادة الذين بدوا مثل كتل حجرية ثابتة بدأت تتساقط، يظهر للعيان بطل متمرد ثائر غير متوقع على الساحة: قطر الصغيرة وخدمة أخبارها العربية والإنجليزية (الجزيرة).
لم يكن الجميع سعيداً: قال الرئيس علي عبدالله صالح قبيل عزله باختصار: (كانت الإمارة تملك الكثير جداً من الأموال، وأرادت أن تصبح لاعباً كبيراً في المنطقة). وقال مجادلاً إن قطر حاكت مؤامرة ضد الحكومة اليمنية لتثبت حضورها.
بدأ الأجانب بمراقبة الإمارة الطموحة من خلال عدة عناوين في سياستها الخارجية وصفقات العقارات والأملاك العينية المتزايدة (تمتلك قطر ما تبلغ قيمته 5 بلايين جنيه استرليني من العقارات في لندن بما فيها شارد وهارودس).
لقد كان من الصعب معرفة كيف التهرب من قطر؟! فمنذ 2011 دعمت الدوحة الجماعات المتمردة في سوريا وليبيا، لكنها أيضاً أرسلت قواتها لقمع التظاهرات وإيقاف الاضطرابات في جارتها البحرين؛ كان هذا التناقض يعطي نموذجاً لبلد مستقل نفذ ضربات متبعثرة ومتفرقة وفي أوقات مع سياساتها المتناقضة تبذل جهداً في سبيل تعزيز مكانتها مهما كان الثمن الذي تدفعه.
تحتضن قطر إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط التي هي بمثابة محور عملياتي ولوجيستي لعب دوراً هاماً في العمليات الأمريكية في العراق، ومنه انطلقت قناة (الجزيرة) ونقدها الصريح, وبينما كانت قطر تحافظ على علاقاتها مع واشنطن استطاعت أن تبني جسوراً مع إيران، وأن تعزز الروابط بينها وبين حماس وحزب الله، كلا التنظيمين اللذين وضعتهما الولايات المتحدة في قائمة الإرهاب. وبمقارنة جيدة اهتمت قطر أيضاً بالتعمق في علاقاتها مع إسرائيل.
بشكل غير مفاجئ حرفت مقاربتها في السياسة الخارجية بعضاً من حلفائها في الاتجاه الخاطئ, قال حينها عضو مجلس الشيوخ جون كيري: (لا تستطيع قطر أن تكون حليفة لأمريكا في يوم الاثنين وترسل المال إلى حماس في يوم الثلاثاء!).
ذكرت رسائل البريد الإلكتروني المخترقة لهيلاري كلينتون أن قطر هي الراعي السري لداعش و(الجماعات المتطرفة الأخرى في المنطقة).
إن جيران قطر في الخليج العربي أقل اهتماماً بالنهج الغريب الذي رسمه حمد بن خليفة آل ثاني، الأمير الذي قدم ليقوم بانقلاب ناعم عام 1995، فقد كان ينظر لحمد باعتباره متمرداً أضعف اتحاد الخليج، وتدخل في شؤون الأنظمة المجاورة الأخرى, كان يأمل قادة الخليج أن تتحسن الأوضاع بتنحي حمد عن نصبه لابنه ذي الـ33 عاماً، خصوصاً بعد أن استدعى الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الأمير الشاب إلى العاصمة السعودية الرياض، وطلب منه أن يتعهد بالولاء للمملكة؛ لكن في 2014 كان السعوديون مغتاظين للغاية من تهور تميم في سياساته، لدرجة أنهم سحبوا دبلوماسييهم ودبلوماسيي حلفائهم في المنطقة من الدوحة, وبالرغم من أن سفراءهم عادوا أخيراً إلى سفاراتهم، إلا أن التوترات لم تحل أبداً كما ينبغي، وهذا ما يفسر التطورات في هذا الأسبوع.
إن المشكلة بالنسبة لقادة الغرب هي أن الاتهامات الموجهة لقطر تلقي الضوء على انحياز أوسع لتناقضهم في تعاملاتهم مع دول الخليج، فعلى سبيل المثال انتقدت السعودية أيضاً لدعمها للجماعات الإسلامية في سوريا، وفي مذكرات مسربة لها اعتبرت كلينتون السعودية راعياً للجماعات السنية المتطرفة المسلحة إلى جانب قطر، وأفادت تقارير في هذا الأسبوع أن تقريراً لحكومة المملكة المتحدة ذكر أن السعودية هي الراعي الرئيس للجماعات الإرهابية المرتبطة بجماعة شباب بريطانيا (Young Britons) المتشددة.
دعم قطر للجماعات المتطرفة ليس هو المشكلة الحقيقية بالنسبة للرياض وأبوظبي، بل علاقاتها مع الإخوان المسلمين وعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران وأسلوب قناة (الجزيرة) الناقد الذي غالباً ما يستخدم ضد دول الخليج الأخرى.
تعتبر السعودية نفسها مهيمنة ومسيطرة على الإقليم، لذا فهي متعبة ومريضة إزاء قطر التي تمتنع عن الامتثال لسياستها الخارجية.
إن هذا يجعل الغرب في وضع محير: فبالنسبة للمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، فإن قطر هي أهم محطة استثمار في مجال الطاقة التي ضخت بلايين الدولارات مقابل تسهيلات تصدير الغاز التي بدورها تلعب دوراً هاماً في أسواق الطاقة الأمريكية والأوروبية. الدوحة مستثمر كبير في الأسواق الخارجية، وقد تعهدت بإنفاق 5 بلايين جنيه في المملكة المتحدة قبيل (بريكسيت) خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي, وتملك الولايات المتحدة 10.000 جندي في القاعدة الجوية (العديد)، وستجتهد في البحث عن وطن جديد لقواتها وطائراتها, بشكل غير منطقي الدوحة أيضاً معنية باستضافة كأس العالم 2022، ولا تستطيع قوى الغرب أن تختار طرفاً بهذه البساطة.
تعثر باراك أوباما بعلاقات بلاده المتناقضة مع دول الخليج التي اعتبرها تعاملات مزدوجة, سجل خلفه دونالد ترامب نقطة في أول رحلة خارجية له التي كانت بمثابة استراحة في إطار العلاقات مع ممالك الخليج، في خطوة قد تدفعه فعلاً لقطع علاقاته مع قطر، وستوجب عليه الآن أن يتعامل مع الأزمة الدبلوماسية التي تهدد برفع الغطاء عن الجانب المعتم من تلك العلاقة.