العميد عابد الشرقي

العميد عابد الشرقي / لا ميديا -
أزعم أنني قد كتبت كثيرا عن الشهداء العظماء، وأعترف أني أول من يتأثر بمن أكتب عنهم، فأغبطهم وأتمنى لو أني كنت معهم، أو حتى أنني تشرفت بمعرفتهم يوما ما. واليوم وجدت نفسي مدفوعاً للكتابة عن الشهيد "أبو أحمد محظة" وعلى غير عادة تملكتني حالة من الدهشة وأبهرتني المعلومات وأنا أسمع عنه وبدا لي أني سأشاهد عملاقا ضخما وعنيفا. والصدمة أنني أشاهد صورا لمجاهد معاق سلاحه عكازه!
متوسط القامة، ذو بنيةٍ عادية، كما لو أنني أعرفه منذ زمن طويل، فقسمات وجهه تدلك على ذلك المقاتل اليمني العادي الذي يتحدث عنه العالم بانبهار ويخشاه العدو أكثر من أي شيء آخر. في المواجهات تجد جيش المرتزقة يفر أمامه، ترتعد فرائصه لسماع اسمه، فيفر شاردا تائها في الوديان والشعاب وكأن "عزرائيل" هو من يلاحقه، ووقع عكازه أشد عليه من سماع دوي الانفجارات وهدير القذائف والعيارات.. إنه الشهيد أبو أحمد محظة.. إنه الموت بعينه الذي يلاحق العدو، وفي الوقت نفسه هو الأنس والطمأنينة للمجاهدين، كل المجاهدين.

ضرب به السيد القائد المثل في همته ونشاطه رغم إعاقته الشهيد عبدالفتاح مطلق البراش من مواليد 1983 في بني معاذ بمحافظة صعدة، أحد أبرز المجاهدين في المنطقة العسكرية المركزية. التحق بالمسيرة القرآنية نهاية الحرب الرابعة، وشارك في الخامسة. إنه أحد أهم القيادات التي شاركت في الحرب السادسة، ثم في كتاف والقطعة وقحزة وعمران وعدن وتعز وجيزان ونهم التي قادها بكل جدارة واقتدار. كان بعكازه الذي يعرف به يقف شامخا كالطود العظيم، لم يتزحزح أمام الزحوفات التي كانت تشن على جبهة نهم باتجاه صنعاء، وكأنما كان عكازه ضمن منظومات أنصار الله التي يفاجأ بها العدو بين الحين والآخر.
كان أبو محظة (رحمة الله عليه) محل ثقة القيادة ويقوم مقام نائب قائد الجبهة، المجاهد/ عبدالخالق بدر الدين الحوثي. يكفيه فخراً أن ذكره السيد القائد في إحدى المحاضرات وضرب به المثل في العزيمة والهمة العالية رغم إعاقته.
وقال عنه الرئيس الشهيد صالح الصماد إنه الشهيد الذي لم تمنعه إعاقته من مواصلة الجهاد، ولو أنه ترك الجهاد لكان معذورا، كونه معاقاً، ولعذره الجميع فيما لو تخلف عن القتال.

كسر زحفا قوامه 50 جندياً هو وثلاثة من رفاقه
استطاع في الحرب السادسة أن يكسر زحفاً قوامه 50 جنديا مع بعض رفاقه، واستطاع أن يبرز كأحد أهم القيادات في المعركة.
يقول عنه المجاهد/ عبدالملك الصيلمي: "إذا أردت أن تعرف الشجاعة الحيدرية ستجدها في الشهيد أبو أحمد محظة. وإذا أردت أن تتعرف على التولي الصادق والتسليم ستجده من خلال شخصية الشهيد أبو أحمد محظة".
كان مقداماً في مقدمة الصفوف في كل المعارك. في الجنوب، على سبيل المثال، كان العدو يصعد في المعركة بأكثر من 200 غارة في اليوم الواحد، وكان أبو أحمد ثابتاً لم يتزحزح، وكان في مقدمة المقتحمين في جولة السفينة ودار سعد واتجاه المطار. كان بطل كل المواقف العظيمة.

في الحرب نأنس به
ويتذكر المجاهد الصيلمي أنه في الجنوب حوصر مع مجموعة من رفاقه، وكان الرصاص يستهدفهم من كل جانب، وكان ورفاقه منبطحين لشدة ما يصب عليهم من الرصاص، وفي نهاية اليوم وصل أبو أحمد محظة ومعه عدد من المجاهدين وفكوا عنهم الحصار. يضيف المجاهد الصيلمي أنه لشدة الفرح والمعنوية التي شعر بها ورفاقه المحاصرون ساعة وصول أبو أحمد محظة وقفوا غير مبالين بالرصاص الذي يصب عليهم، حتى أن اثنين من رفاقه جرحا في تلك الأثناء عندما وقفا أثناء المعركة، وتمكن الشهيد من فك الحصار عنهم.
ويواصل القول بعد أن سكت للحظات: "كان الشهيد أبو أحمد محظة يمثل الطاقة المعنوية للمجاهدين، وكنا أينما وجدنا عكازاً وساقاً واحدة شعرنا بالأنس والمعنوية، وعرفنا أن أبو أحمد موجود معنا. فإذا أردت أن تعرف أبو أحمد محظة تعرفه من خلال المواقف إذا قرحت المعركة".

كان من أول المدافعين عن صنعاء 
أما المجاهد أبو صقر الشتيوي فيقول: عندما وصل العدو إلى النقطة الأمنية في سوق نهم، كان الشهيد أبوأحمد محظة أول الواصلين من المجاهدين للجبهة، وكان ممن استطاعوا أن يوقفوا الزحف، وكان من أول من ثبت الوضع الدفاعي، بعد الله سبحانه وتعالى، ولم يتمكن العدو من التقدم شبرا واحدا بعد وصول الشهيد (رحمة الله عليه) والمجاهدين الذين تداعوا للدفاع عن صنعاء العاصمة. وكان الركيزة الأساسية في وقف الزحوفات، حتى بدأت مجاميع المجاهدين بالوصول للمنطقة، وكان يديرها من جبل المنارة إلى جبل يام بكل كفاءة واقتدار".
اشتهر بين رفاقه المجاهدين بأنه أول المقتحمين، يتقدمهم في جميع المعارك، حتى في أصعب التضاريس والقمم الشاهقة، ومقولته: "الحقوا بعدي، أنا قدامكم"، في أذن كل مجاهد.
ويجد المجاهدون في طريقته تلك دافعاً معنوياً عالياً ليلحقوا به أينما تقدم واقتحم، مهما كانت الظروف وصعوبة الموقف.

يقول أبو تراب نجم الدين إن الشهيد استدعاه ذات ليلة وطلب منه اللحاق به لتطهير سلسلة جبلية كانت تؤذي المؤمنين وتعيق تحركاتهم، تسمى تباب نجران وجيزان، لصعوبتها ووعورة تضاريسها بالقرب من حيد الذهب في نهم، فقلت له إننا بدون استطلاع والوقت ليل كيف يا أبو أحمد؟
قال: إلحقني، لدينا توجيه من أبو يونس. فذهبنا واستطلعنا في الليل، وعدت وجهزت السرية التي أقودها واستعنا بالله، ووصلنا إلى ساحة الولاء وأدينا الولاء وتقدمنا لتطهير التباب في الليل الدامس، ومعنا أبو أحمد محظة في المتراس المتوسط يقود المعركة بكل عزيمة وإصرار وهمة عالية إلى جواري في المترس الثاني.
وفعلاً، لم يصبح الصباح إلا وقد طهرنا تلك التباب كما كان يقول أبو أحمد محظة، ولم ينصرف إلا بعد أن ثبت الوضع الدفاعي بعد التطهير الكامل لتباب نجران وجيزان في جبهة نهم.

كان كتلة من المعنوية والهمة العالية 
كان المجاهدون يتعجبون منه وهو يتقدمهم في المعارك والاقتحامات وهو يقول لهم: الحقوا بعدي، أنا قدامكم، بل كان يسبقهم كما يقول المجاهد الخميني.
صعدوا برفقته إلى جبل الشبكة، وهو طريق وعر وصعب، مشياً على الأقدام، وكانوا صائمين، فسبقهم أبو أحمد محظة ووصلوا بعده وهو ينتظرهم هناك.
كان يدير المعركة من قلبها ويعقد اجتماعاته من مقدمة الجبهة، حتى لا تحدث زحوفات وهو بعيد عن الجبهة.

سلاحه عكازه 
يقول المجاهد عبدالعالم المتوكل: "طلبنا منه ذات مرة أن يحدد لنا مكاناً نجتمع فيه لسماع محاضرة للسيد القائد (حفظه الله)، فقال: أنا في الشبكة، وهو مكان شاهق صعب الوصول إليه حتى على الرجال الأصحاء، كان يعقد اجتماعاته هناك، وفعلاً، صعدنا إليه وكلنا دهشة من نشاطه وعزيمته القوية".
يصفه المجاهد عبدالعالم بالقول إنه كان شخصية استثنائية ونموذجاً يقتدى به. كان سلاحه الشخصي عكازه، فهو لا يحمل بندقا أو مسدسا، سواءً كان مقتحما أو يصد زحفا أو يقود سرية، وكان بذلك يخلق معنوية عالية للمجاهدين وهو يتقدمهم بعكازه.
كان وهو يتولى قيادة عمران، يتنقل بعكازه من جهة إلى جهة، يقود العمليات بصورة عجيبة وبعزيمة وإرادة قوية تجعل الإنسان يستغرب. وهو بتلك الهمة العالية يجسد ما قاله الشهيد القائد بأنه لا إعاقة أمام المؤمن المجاهد وإنما الإعاقة في النفوس.
كان يتحرك بفاعلية ونشاط وإرادة، وهو رجل بناء، بنى ثقافيا وعسكريا العديد من المجاهدين الذين كانوا نسخة منه في النشاط والإرادة.
يولي الجانب الثقافي جل اهتمامه، كما يقول المجاهد عبد العالم. وأكثر ما كان يحثنا على الاهتمام بهدى الله. كان يقول: "احنا بالهدى كل شي وبدون الهدى ولا شي"، مصداقا عمليا لما كان يقوله القائد العلم السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي كان يقول: يجب أن نعطي الهدى أولوية قبل الزاد والسلاح والغذاء.
وهو المبادر المجسد لمقولة الشهيد القائد: "إن المبادر هو المتحكم بالمعركة".
ويواصل المجاهد عبدالعالم المتوكل: "كنا في لحج، وقبل أن يجتمع أفراد أبو أحمد محظة بادر واقتحم حتى وصل الحوطة، التي كانت مقراً لـ"داعش" و"القاعدة"، وهناك حوصر وصبر ولم يرتبك أو يتزلزل، حتى جاءت التعزيزات، وثبتوا وواصلوا ثباتهم حتى وصلوا إلى عدن، فقد كان يعرف عظمة الجهاد وما يعنيه الجهاد ومعنى أن تكون مجاهدا في سبيل الله".

أول من افتتح جبهة يام 
كان أول من افتتح جبهة يام بهدف الالتفاف على العدو. يقول المجاهد مرقال: "كنت مسؤول الهندسة في نهم، وذات يوم جاءني الشهيد أبو أحمد محظة والشهيد أبو صمود العماري، وقالا لي: اركب السيارة، لدينا عمل. حتى وصلنا إلى نهاية الطريق ثم واصلنا السير مشيا على الأقدام في طريقٍ وعرة جدا في جبل يام، وقال: لدينا مسار لازم تجهز نفسك والخُبرة، بانفتح من هنا مسار هجومي للالتفاف على العدو.
قلت له: كيف ونحن لا توجد معنا سوى عبوتين فقط ولن نستطيع تثبيت وضع بهما؟!
فقال: سنفتح المسار بالحاصل. وفعلا اقتحمنا حتى وصلنا إلى تبة طه، وقال: نبدأ وسيسمع الآخرون ويهبوا معنا عندما يسمعوا المعركة. وفعلا زرعنا العبوتين، وما إن سمع الآخرون حتى هب الجميع وأتوا لنا بسيارة مملوءة بالعبوات من صنعاء، وحضر المسؤول المركزي للهندسة يناقش معي كل متطلباتنا ويوفر ما نحتاجه من العبوات، وتحقق ما قاله الشهيد أبو أحمد محظة (رضوان الله عليه) أن نبدأ بالحاصل وسيساندنا الجميع".
وفي 16/7/2016م وبينما كان يوزع المسارات ويطوف على المقاتلين تم استهداف المنطقة بالهاونات، وأصيب بشظية دخلت من جنبه وخرجت من الجانب الآخر.
استشهد (سلام الله عليه) كراراً غير فرار، في مقدمة الجبهة وعلى خطوط التماس. استشهد ونال أمنيته بعد أن كان قبل استشهاده يتذكر رفاقه الشهداء ويقول: "لقد رزق الله رفاقنا الشهادة، إلا أنا!!".
ويتساءل متى يرزقه الله الشهادة التي يتمناها طوال سنوات جهاده، وكان له ما تمنى بعد ذلك الموقف بشهور قليلة ليرتقي شهيدا مع العظماء، بعد أن نكل بالعدو أشد تنكيل في كل المعارك التي خاضها ضد أعداء الله.
ومثل استشهاده أسعد خبر لدى العدوان ومرتزقته. لقد كانوا أسعد ما يكونون بذلك؛ لأنه كان يمثل لهم عائقا حقيقيا أحبط كل أعمالهم وزحوفاتهم ومحاولاتهم نحو صنعاء، وقد تداولوا أنباء استشهاده في وسائلهم الإعلامية واعتبروه نصرا لهم، واصفين استشهاده بأنهم تمكنوا من استهداف اليد اليمنى للقائد أبو يونس بحسب وصفهم. لكن أفراحهم لم تدم طويلا، فقد استشهد سلام الله عليه وترك من بعده ألف أبو أحمد محظة، من المجاهدين الصادقين المخلصين الذين نشؤوا وتربوا على يديه، والذين خلفوا أبو أحمد محظة وكانوا لهم بالمرصاد، وعلى أيديهم تم دحرهم إلى أبواب مأرب، أمثال الشهيد أبو يحيى حجر والشهيد سجاد مناخة وغيرهما.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار. والخزي والعار للظالمين الفجار. ولا نامت أعين الجبناء.

أترك تعليقاً

التعليقات

محمد البعداني
  • الأحد , 9 يـنـاير , 2022 الساعة 7:11:36 AM

كلاااام مؤثر وشخص عظيم ويجب ان تسجل هذه المقالات بماء الذهب كتاريخ عن شهدائنا العظماء