فهم طبيعة الصراع.. قبل أن نلقي السلاح
- محمد الفرح السبت , 15 نـوفـمـبـر , 2025 الساعة 12:14:44 AM
- 0 تعليقات
.jpg)
محمد الفرح / لا ميديا -
تابعتُ برنامجًا على قناة «الجزيرة»، وفيه سجالٌ ومناظرة بين طرفين: الأوّل يدافع عن سلاح المقاومة، والآخر ضد سلاح المقاومة.
واستغربتُ جدًّا أن الطرف الثاني يرتكز في مجمل كلامه ومنطقه على أن إلقاء السلاح والتحول لحكومات مدنية سيُبعِد الذرائع تمامًا، فبعد أن تتحول بلداننا إلى حكومات مدنية، لن يبقى لإسرائيل ذريعة لمهاجمتها.
وهذا منطق غريب جدًّا من عدّة نواحٍ:
أوّلاً: هو غير واقعي؛ فـ»إسرائيل» هاجمت لبنان قبل أن يوجد حزب الله، وكان لبنان دولة مدنية آنذاك، واحتلت فلسطين قبل وجود حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وبقية الفصائل.
في المقابل كلُّ مستوطن وكلّ مغتصب في كيان العدو هو شخصٌ مسلّح ومدرب على السلاح، حتى النساء والأطفال، وهي من تدعم المليشيات في أماكن عدّة، بشكل مباشر أو عبر أدواتها في المنطقة.
ثم إن كيان العدو أبعد عن المدنية من «داعش»، فهو كيان محتل متوحش قائمٌ على تصوّراتٍ دينيةٍ توراتية، ذات طموحاتٍ تاريخيةٍ خرافية، وأحزابه تُقِرّ بذلك في برامجها الداخلية ويصرّح بذلك قادته علناً، ومنهم نتنياهو، حين تحدّث عن مشروع «إسرائيل الكبرى»، وهي بدورها لن تكون إلا محطةً نحو مشروعٍ أوسع للسيطرة على المنطقة.
إلقاء السلاح، في هذا السياق، لا يعني السلام، بل يعني إزالة عقبةٍ من طريق الاحتلال. إنك حين تُسقط سلاحك لا تُسقط عدوان العدو، بل تُسقط وسيلة الردع التي تمنعه من التمادي.
ثانياً: في معالجة هذه المسألة من جذورها، أرى أننا نعاني إشكاليةً كبيرةً في سوء فهم طبيعة الصراع مع العدو، وعدم إدراكٍ كافٍ لطبيعة العدو الذي نواجهه. فالكثير من الأنظمة أو النخب السياسية تتعامل معه كما لو كان خصمًا عاديًّا يمكن الوثوق بعهوده ومعاهداته، وهذا غير صحيح.
القرآن الكريم -كلام الله الذي خلق الناس وهو الأعلم بأحوالهم وطبائعهم، والقائل: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ» [النساء: 45]- قد بَيَّن صفاتهم أنهم ينكثون العهود، وأن سمتهم الغدر والخيانة، فقال سبحانه: «أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» [البقرة: 100]، وقال تعالى: «فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ» [المائدة: 13].
وكشف لنا مستوى كراهيتهم وانزوائهم على أنفسهم وعنصريتهم وأنهم يحقدون على من سواهم، ولا يرون أن البقية بشر يستحقون الحياة، وأنهم المعني بعمارة هذه الحياة ومن هذه المنطلقات يتعاملون معنا. قال سبحانه: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ» [المائدة: 18]، وبيّن أيضًا نظرتهم لأنفسهم حين قال تعالى: «وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى» [البقرة: 111]، وقال جلّ شأنه: «وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا» [البقرة: 135].
هذه الآيات تشرح لنا طبيعة فكرٍ يرى نفسه متفوّقًا على غيره، ومن هنا تنطلق سياسات الغرور والتفرقة والتاريخ والحاضر يؤكد ذلك ويشهد بتحققه في الواقع.
بالتالي علينا أن نفهم أنّ السلام لا يُطلَب من موقع الضعف، وأن السلاح ليس المشكلة، بل غيابه. فالسلاح هو المشكلة الحقيقية بالنسبة للعدو، لأنه العقبة التي تمنعه من التمدّد.
الخلاصة: إننا بحاجة إلى أن نعود لفهم عدونا من خلال القرآن الكريم، كما قال الله تعالى: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ» [النساء: 45]، لنعرف كيف وصفهم الله، وما طباعهم، وما الأساليب التي يسلكونها، وما هي سياساتهم ومجالات الصراع معهم وكيف يتقنون دائما سياسة التفريق وسياسة التطويع وكيف يمتهنون سياسة الإفساد والإضلال، ولهم أساليب واسعة سواء ترغيب أو ترهيب، إغراء وإغواء، حرب نفسية وفكرية، وأساليب الترويض والاستدراج، ولهم أدوات ووسائل يستخدمونها منها منظمات ووسائل إعلامية ووسائل تثقيفية ويتحركون في مجالات واسعة لا يركزون على الحرب العسكرية بمفردها، بل يستهدفون الناس في كل المجالات، بما فيه الجانب الأخلاقي والقيمي والإيماني.
وهنا يجب أن ندرك طبيعة الصراع معهم من خلال القرآن الكريم ونفهم مجالاته الواسعة وآفاقه الكبيرة، ونفهم الحلول في مواجهتهم فالله لم يقدمهم بذلك المستوى من الخطر إلا وقدم الحلول في مواجهتهم، عندها فقط ندرك أن التفريط بالقوة هو تفريطٌ بالسيادة، وأن من لا يملك القدرة على الدفاع لا يملك القرار في السلم ولا في الحرب.










المصدر محمد الفرح
زيارة جميع مقالات: محمد الفرح