لماذا نقول إن نهج المقاومة ضروري الآن؟!
- عدلي عبد القوي العبسي الأحد , 11 مـايـو , 2025 الساعة 1:08:05 AM
- 0 تعليقات
عدلي عبد القوي العبسي / لا ميديا -
المقاومة هي الأسلوب الثوري الواقعي المنطقي الضروري والفاعل الذي أثبت جدواه ونجاعته في مواجهة الشر الإمبراطوري العالمي الراهن، والمتمثل في الغرب الأطلسي الإمبريالي الذي يضم دولاً استعمارية برجوازية فاشية تغزو منطقتنا الآن، وتستخدم الكيان الصهيوني، الذي زرعته هنا، كخط أمامي متقدم لتحقيق أغراضها في الهيمنة والسيطرة الإمبراطورية على الأرض والثروة والمواقع الاستراتيجية، والذي هو حقاً بمثابة كيان وظيفي يعد ذراعها الإمبريالية الأساس في المنطقة أو مخلب القط لها بحسب تعبير القائد العظيم الراحل جمال عبد الناصر.
هذه القوى العالمية والدول العظمى، التي تمثل مصالح البرجوازية الإمبريالية، تعمل على نقيض ادعاءاتها الإنسانية والحضارية، ولا تقيم وزناً للحقوق الإنسانية والأعراف والقوانين الدولية والأديان، وتعتدي بشكل همجي ووحشي غير مسبوق على شعوبنا العربية المقهورة والمستضعفة في فلسطين وسورية ولبنان واليمن، في هجمة فاشية إمبريالية عنيفة غير مسبوقة، تمارس فيها جرائم الإبادة الجماعية، ومحاولات تصفية وجود هذه الشعوب، والنيل من آدمية مواطنيها وطمس كينونتهم وقتل طموحاتهم وأحلامهم في التنمية والاستقرار والسلام والعدالة والعيش الكريم.
لقد أدخلونا حقاً في قلب الجحيم الإمبريالي الصهيوني الذي أشعلوه في منطقتنا، حقداً وصلفاً وطمعاً، معبئين بكل صنوف الشحن العقائدي والعرقي، ومدفوعين بمنطق الفكر الاستعماري البربري وغرائز وشهوات الأطماع الاقتصادية النهمة التي لا حدود لها!
نعم، هذا هو واقع الحال المرير والصادم الآن في منطقتنا العربية و”الشرق أوسطية”، والمستمر منذ سنوات عديدة، حيث تتصاعد وتشتد هذه الهجمة الإمبريالية الفاشية الصهيونية الوحشية وغير المسبوقة في بشاعتها وجنونها، يقودها حكام مجانين “فاشيست” يضمرون حقداً وكراهية لا حد لهما، لكل ما هو عربي وإسلامي وشرقي، وكل ما هو خارج أيديولوجيتهم الفاشية العنصرية الاستعمارية المجنونة الحاقدة على الإنسانية والحياة وقيم الحق والخير والجمال.
الهجمة الجديدة، منذ سنتين، نلمس فيها متغيراً سياسياً جديداً ومخيفاً، يضفي عليها طابع الرعب السياسي الاجتماعي التاريخي، والذي لم نشهد مثله في التاريخ إلا في مرات قليلة، ولم نرَ ما يضاهيه بشاعة إلا في زمن المغول في القرون الوسطى، حيث نشهد الآن صعود النازيين الجدد إلى السلطة أو عصابات اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني وفي أمريكا الترامبية وأجزاء من أوروبا، وهو ما جلب إلى عالمنا ومنطقتنا سياسات مدمرة هجومية توسعية حاقدة، تتوسل كل أساليب الحروب الجديدة الناعمة والخشنة بأجيالها الثلاثة الأخيرة، تحركها دوافع أيديولوجية حاقدة شيطانية مجنونة وأزمات اقتصادية برجوازية طاحنة غير مسبوقة تعكس نفسها في بروز وصعود وعدوانية هذا المد الفاشي الاستعماري الكارثي على شعوب العالم وشعوب منطقتنا بشكل أكبر!
أعداء الشعوب هؤلاء، بربريو الحضارة المعاصرة، مغول العصر، بعد أن انكشفت كل استراتيجياتهم وأطماعهم السوداء وأكاذيبهم وادعاءاتهم الحضارية والإنسانية، يوصلوننا في نهاية المطاف إلى استنتاج حاسم وعميق حول ماهية السياسة الثورية الواقعية المطلوبة في التعامل معهم؛ حيث لا ينفع معهم إلا المواجهة الثورية العنيفة، والتصدي الحازم لكل مؤامراتهم، وفضح كل أساليبهم المخادعة وأعذارهم الواهنة المضللة، دون وجل أو خوف.
ويكفينا، مثالاً، ما حدث لدمشق ولبنان والضفة وغزة، وما يجري الآن في بلدنا، من هجمات استعمارية وقحة شديدة الانحطاط، وبأساليب متنوعة مباشرة وغير مباشرة، تحمل معها كل أنواع وأشكال الخراب والدمار والويل لهذه الشعوب!
على هذا، وانطلاقاً من صدمة المرحلة التي نعيشها وبشاعة وكثافة الهجمة الاستعمارية الفاشية غير المسبوقة التي نعيشها الآن، يصبح من الصواب القول إن المقاومة الآن لها الأولوية في الخطط الاستراتيجية السياسية، وهي الحق، وهي صوت الضمير، وهي نداء الواجب والكرامة، وهي الشرعية الحقيقية، وهي بداية طريق الخلاص والانعتاق، في إطار من تحرك القوى المقاومة الواعية جماهيرياً وسياسياً واجتماعياً وتنظيمياً وعسكرياً، صوب امتلاك زمام المبادرة وتبني استراتيجية جديدة للكفاح المسلح والتحرر الوطني.
ولأن أي مد استعماري فاشي هو ظاهرة قبيحة بشعة خارج الحضارة والانسانية، وأشبه ما يكون بوباء سياسي اجتماعي اقتصادي فكري قاتل مدمر، يشكل تهديداً لوجود الشعوب والدول في المنطقة، تهديداً لأمنها واستقرارها وكرامتها وتنميتها ومقدراتها وطموحاتها؛ فمن الواجب -إذن- مكافحته والعمل على تدميره واستئصاله من عالمنا، بشتى السبل والوسائل الممكنة.
وعندما يتعرض شعب من الشعوب لهجوم وحشي بربري، مثل هذا الذي يحصل هذه الأيام لشعوبنا العربية، يصبح الفعل الثوري المقاوم هو الرد الحضاري والأخلاقي والإنساني الواجب اتخاذه، وأي تخلٍّ عنه أو تخاذل أو تجاهل له يعد انحطاطاً وتجرداً من الإنسانية والأخلاق والحضارة، ولا مجال للإمعان كثيراً في منظورات الحسابات العقلانية والغوص في متاهات التنظير حول علاقات القوة (والتي لا يصح النظر لها أو التبرير لها إلا في حدود معينة وظروف معينة). كما لا يصح الانجرار خلف دعاوى التشكيك والانبطاح والخنوع والإصغاء إلى مثقفي السخرية والازدراء، فهؤلاء البرجوازيون هم خارج نطاق التغطية الآن، خارج الواقع والواقعية، انتهازيون ومستلبون، انهزاميون، وخارج وعي اللحظة التاريخية الراهنة.
نعم، المقاومة يا أحبتي، هي القضية الأولى على سلم الأولويات، ولا تأخير أو تأجيل، لأنها معركة قسرية فُرضت علينا، ولا بد من نشر ثقافة المقاومة في أوساط الجيل الجديد، والبداية من المدرسة والنادي والمعسكر الصيفي... ويكون التثقيف والتوعية بأهمية المقاومة ومفاهيمها وقيمها وأساليبها وتاريخها ومدارسها وإنجازاتها ومعاركها البطولية، وإعطاء جرعات معرفية مكثفة عن السلاح والقتال العسكري، وتكثيف برامج الإعداد والتدريب والتنظيم والتجهيز والتخطيط الاستراتيجي.
وهي لا تقتصر فقط على الجانب الحربي العسكري، بل وتشمل كل أنشطة التحريض والتنوير والتثقيف والدعوة إلى التزام الفكر الثوري المقاوم والحرب الإعلامية والنفسية والدعائية والحشد الجماهيري والاحتجاج والعصيان المدني والمد بالمال وكافة أنواع الدعم الفني واللوجستي.
وهناك عدد لا يحصى من الأدوات والوسائل والطرق الممكنة لدى المقاومة إذا أرادت تأديب العدو ومواجهته وإضعافه وتدميره.
من العبث التفكير حد الاستغراق والشلل في سمات الخطاب المقاوم الراهن، الذي تنتهجه وتتبناه بعض قوى المقاومة المتعددة، وفي الصدارة منها الإسلامية، أقصد التفكير في خصائص وسمات هذا الخطاب؛ تأخره أو بساطته أو رعونته أو أخطاءه، أو ماضويته، أو مبالغاته أو أوهامه، فنحن لسنا مجتمعات متقدمة متطورة حتى نطالب قوى المقاومة بأن يكون خطابها وأساليبها ووسائلها خارج عملية الانعكاس الاجتماعي لثقافتنا وقيمنا وواقعنا الاجتماعي المتأزم وظرفيتنا الراهنة.
وهذا هو المتاح حالياً، في ظل غياب وانحسار وتواري وانهزام القوى الاجتماعية السياسية التقدمية الديمقراطية المستنيرة والثورية، التي كان يفترض أن تكون هي التي تتصدر مشهد المقاومة الآن، كما كان الحال في فترة الزمن الثوري الجميل؛ ولكن للأسف، ليس بمقدورها ذلك الآن، وهي خارج التاريخ وخارج اللحظة ومغيبة ومستلبة تماما!
ولا مجال في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها شعوبنا المظلومة للحديث عن أي قضايا أخرى، والتي تصبح الآن هامشية وثانوية (مؤقتاً) بجانب قضية المقاومة، فالمقاومة أولاً وثانياً وثالثاً، ومن أجلها يتم تسخير وتكييف كل أنشطة الحياة الاجتماعية للناس، وأنشطة الدولة والمجتمع المدني، ومن أجلها يتم الخصم من الأحلام التنموية لمجتمعاتنا، والتي لا تتحقق إلا في أوقات السلم وفي ظروف مواتية أخرى، أحلام وطموحات هي جديرة بالتأجيل الآن، ولكن ليس فيما هو ضروري وأساسي من مستلزمات العيش الآدمي، وأشدد وأضع ألف خط تحت هذه العبارة (ليس على حساب ما هو ضروري وأساسي من مستلزمات العيش الآدمي وفي الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية)، ما يساهم في تحمل متطلبات المواجهة والمقاومة ضمن إمكانات القدرة البشرية المعروفة.
وهنا، لا مجال للتهاون مع الفساد الذي يشكل العمود الفقري للطابور الخامس والثورة المضادة، ولا مجال للتهاون مع التقصير بكل مناحيه وجوانبه، أو كل ما يساهم في إضعاف الجبهة الداخلية أو يخدم العدو من ظواهر وسلوكيات سلبية مدمرة في الوعي والإدارة والاقتصاد والسلم الاجتماعي والتماسك المجتمعي، وبالأخص هنا الانجرار إلى العصبيات المقيتة، الطائفية والعرقية والمذهبية والجهوية والتعاطي مع الاختلافات الوطنية خارج المناهج العلمية التي تقودنا إلى دمقرطة إدارة الحكم وتحقيق الشراكة الوطنية في إطار من الكل الوطني المتحد الديمقراطي.
وهنا تكمن ضرورة وأهمية الدعوة إلى الحوارات الوطنية بين الفرقاء الوطنيين، وضرورة تشكيل التحالفات الوطنية الشعبية القومية المقاومة، التي تؤكد على حل الاختلافات بالحوار، والالتقاء على قواسم مشتركة ضمن برامج وطنية ملتزمة، وتؤكد قبلاً التزام نهج المقاومة ضد العدو الصهيوإمبريالي.
وفي ختام هذه العجالة، أقول: إن من واجب كل مواطن عربي شجاع وحر وشريف الانخراط في المقاومة والالتحاق بميادينها وجبهاتها وساحاتها ومجالاتها المتعددة، وذلك في ما يستطيعه، وفي الأسلوب الملائم له، وحسب قدراته وإمكانياته ومهاراته.
وعلينا جميعاً، كجمهور مساند للمقاومة، أن نجعل من مجتمعاتنا وأوساطنا وبلداتنا ومدننا وقرانا وتجمعاتنا بيئات حاضنة شعبية لها، وتقديم كافة أوجه الدعم الممكنة، والانخراط في كل معاركها السياسية والفكرية والعسكرية والإعلامية والاجتماعية، والمثابرة والاستمرارية في الوقوف إلى جانبها وإسنادها، حتى نيل الظفر ودحر العدو، وإن طالت المعركة سنوات وسنوات.
الخطر قادم، ولا يستثني أحداً، ولا نظاماً أو دولة بعينها، الجميع في دائرة الخطر، حتى الدول والأنظمة التي تظن أنها في مأمن بذريعة كونها صديقة أو معتدلة (بحسب الوصف الإعلامي السياسي الغربي)، لأن الطور الجديد للهجمة الإمبريالية الصهيونية يتسم بالعدوانية والبربرية الفاشية الصريحة، حيث مطالبات التهجير والتدمير والإبادة والاستعباد والاستتباع، لمن يعتبرونهم “الهنود الحمر الشرق أوسطيين”!
المصدر عدلي عبد القوي العبسي
زيارة جميع مقالات: عدلي عبد القوي العبسي