في تاريخ الشعوب هامات شامخة، لا يمكن تجاوزها عند قراءة الأحداث والحقائق، فهي جزء حي من ذاكرتها الحية، ورمز عنفوانها وكبريائها، صنعت البطولة وقهرت المستحيلات.
إن ما يمنح هذه الهامات بريقها اللامع، أنها تأتي في لحظة حرجة وخطرة، كما هو الحال في العدوان على اليمن، الذي أنجب كوكبة من اA271;بطال شكلوا بوجودهم مرحلة انتقال مفصلية من حال الوصاية والخضوع إلى حال الكرامة وتحقيق النصر، بما تمتلكه من وعي وقدرة على التصدي والمواجهة، وتوجه مبدئي وثابت نحو الحرية والاستقلال، هذه الهامات شأنها شأن كل اA271;بطال تدون التاريخ وتصنع المجد على أكتافها.
عامان من الصمود اليمني اA271;سطوري في وجه مؤامرات الغزاة، ونجاح باهر في إدارة المعركة بعقلية فطنة، ومن الطبيعي أن يستوقفنا هذا النجاح الباهر على كافة المستويات العسكرية والأمنية، لنبحث عن السر وراء كل الانتصارات العظيمة التي حققها الشعب اليمني في مواجهة العدوان.
تقول الحقائق التاريخية بأنه من الصعب في الحروب الكبرى أن يتم التوافق بين إدارة المواجهة المباشرة مع العدو بنفس العزيمة التي تؤمن المناطق التي تسيطر عليها. تشير بعض الدراسات إلى أنه من النادر جداً أن تحافظ الدول التي تخوض معارك دولية على أمنها الداخلي، حيث إن التركيز على معركة المواجهة ينعكس سلباً على الوضع الأمني داخلياً، فتحدث ثغرات كثيرة في الأمن الداخلي، ورأينا ما حدث ويحدث من تفجيرات دموية في دمشق وبغداد، بل في أقوى الدول العظمى التي تملك أحدث اA271;جهزة اA271;منية والعسكرية، والتي تمكنت العصابات من اختراق أجهزتها اA271;منية، كما حدث في بروكسل ولندن وباريس.
أما في اليمن فقد كانت نتائج التوفيق بين معركة المواجهة ومعركة الأوضاع الأمنية مغايرة تماماً لما تقوله الوقائع التاريخية، حيث كان النجاح في المعركتين، ففي موازاة نجاح الجيش واللجان في معركة المواجهة، هناك نجاح للأجهزة الأمنية في تثبيت الأمن والاستقرار، فقد أثبتت اA271;جهزة اA271;منية مدى فعاليتها ونجاحها في الحفاظ على الوضع الأمني مستقراً، وهو ما أثار ذهول اليمنيين والعالم، وجعلنا نبحث عن سر هذا النجاح الباهر، لنجد خلف هذا الصمود وخلف اA273;نجاز اA271;مني المذهل بطلاً عظيماً، لم تغره الأضواء والشهرة، ظل يعمل بصمت ونكران ذات من أجل تثبيت الأمن والاستقرار، حتى استشهد مع بداية العدوان، لكن بصماته ما تزال هي التي تسير أعمال الجهات الأمنية حتى اللحظة. إنه الشهيد البطل طه حسن المداني، مؤسس اللجان الشعبية واA271;منية، الرجل الذي عرفته الجبال والسهول والبحار، وعرفه اA271;عداء قبل اA271;صدقاء.
لقد جمع المداني بين العقلية الأمنية العميقة والمهارة العسكرية، وهو ما جعله متفرداً يقدم واحداً من أهم الأدوار في البلاد.
لقد كان بطل معركة اA271;من والمواجهة، يعرف جيداً كيف يحبط مؤامرات اA271;عداء ويصطاد جحافلهم في ميدان المعركة.
عين تصوب سهمها على العدو، وعين على مؤامرات خلايا العمالة والارتزاق. ويمكن القول إن رصاصة المداني النابهة قتلت العدو مرتين.

ولادة البطل
ميدي الساحلية التي التهمت جحافل الغزاة، هي مسقط رأس الشهيد البطل طه المداني (أبو حسن)، عام 1979م، الرجل القادم من عبق التاريخ إلى أرق اللحظات الجامحة.
في تلك التربة الطاهرة لميدي العصية على العدوان، تربى الشهيد، وشرب نخوة اA273;باء والحرية التي ترجمها بصورة جلية على قمم جبال صعدة.
ويبدو أن صلابة ميدي ومنعتها أمام اA271;عداء كان لها دور في تشكيل شخصية الشهيد القوية.
كان والده السيد العلامة حسن بن إسماعيل يشغل منصب عامل قضاء ميدي، كان قضاء ميدي آنذاك رابع اA271;قضية التي تتكون منها محافظة حجة، كان طه متأثراً بوالده كثيراً، وكان يلازمه دائماً.
كان طه طفلاً ذكياً، حيث تعلم القرآن في سن مبكرة، وبعدها التحق بمدرسة الثورة التي درس فيها صفوفه الابتدائية (اA271;ول والثاني)، قبل أن ينتقل مع أسرته إلى محافظة صعدة ليكمل دراسته الابتدائية والإعدادية في مدارس صعدة، لتبدأ قصة كفاح ونضال طويلة، استمد منها العزة والكرامة، وتنفس في جبالها الشاهقة عبير الحرية.
لقد كانت طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية والجغرافية في محافظة صعدة، بمثابة الصورة التي رسمت ملامح الشهيد الفذة.
وحين بدأت ملامح الشباب عليه، سافر إلى العاصمة صنعاء في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وحصل على شهادة الثانوية العامة من مدرسة عبدالناصر، قبل أن يلتحق بكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، حتى تخرج منها عام 2003م.
خلال الفترة المبكرة من شبابه عرف المداني بصفات العصامية والاعتماد على النفس، حيث كان يحرص على أن ينجز كل شيء بنفسه، شجاعاً وصارماً بالقول والعمل.
وقد أتقن في تلك الفترة مهارات السباحة والرماية وقيادة السيارة بمهارة، كما يقول أصدقاء طفولته إنه كان شغوفاً بأعمال الزراعة وتربية النحل، حيث يتنقل بها في الجبال بهمة عالية وشجاعة منقطعة النظير مقارنة بمن كانوا في مثل سنه، ويبدو أن تعلقه الشديد باA271;رض كان له تأثير كبير في شخصية المداني التي اتسمت بالصلابة والمرونة.
وكان كثير السهر، يقضي ساعات الليل في حراسة الحقول ومزارع النحل، كان سكون الليل يعطيه وقتاً مناسباً للتفكير والتأمل في وضع البلاد، ولسان حاله يقول: لماذا يحدث هذا في بلدي؟ لماذا تغادر الطيور؟ أية وحشة تسكن الوطن؟
(إن هذا الشعب النبيل يستحق أن يعيش حياة كريمة)؛ هدف كان يراود أحلام الشهيد الذي لطالما سخر حياته لتحقيقه، مقدماً روحه الطاهرة في سبيل الوطن وشعبه.
كانت تلك اA271;سئلة التي تدور في ذهن الشهيد سبباً في سلب النوم من عينيه لسنوات طويلة، كما هو حال جميع الشرفاء في هذا الوطن.

صعدة والحرية
جغرافية صعدة وجبالها جعلته يتعلم فنون القتال، حيث يؤكد رفاقه أنه كان يتمتع بحس أمني عالٍ، ويستطيع أن يتحرك بسرية وحذر في مدن وقرى صعدة دون أن يدركه أحد.
وكانت لديه قدرة فائقة على التحليل والتحقيق والقيادة، ولا يتردد عن تقديم المساعدة للآخرين بكل نبل ومروءة.
عاش المداني لحظات مفصلية في تاريخ اليمن الحديث، إلا أن السنوات الأولى من شبابه التي عاشها في محافظة صعدة تزامناً مع الظروف الصعبة التي يعيشها أبناؤها في ظل التهميش والظلم والطغيان المتعمد من قبل قوى النفوذ المهيمنة على قرار البلد، أثرت بشكل كبير على حياة الشهيد الذي عاش تلك التجربة، وولدت في أعماقه ضرورة الوقوف في وجه الظلم والاستبداد ومواجهتهما.
كانت صعدة بالرغم من المؤامرات التي تتعرض لها حية ومغمورة بروح التحدي والنضال، حيث كان أبناؤها أكثر وعياً بخطورة ما يجري في البلاد، ملهمين بقضايا اA271;مة، ومستلهمين قيمهم ومبادئهم الوطنية والدينية في إنعاش الجسد العربي الهامد، وضرورة مواجهة المخاطر التي تحدق بالمنطقة العربية واA273;سلامية.
استطاع المداني من تلك النافذة الضيقة أن يرى وجه المنطقة والعالم المظلم، ويرى وجه العدو الحقيقي المتربص خلف عباءات النفط وأنظمة الفانتازيا المزيفة، ليصرخ مع اA271;حرار من على جبالها الشاهقة في الـ12 من ديسمبر 2002م، الشرارة الأولى لانطلاق المسيرة القرآنية التي غيرت مجرى التاريخ لاحقاً.. هذه الحياة ليست حياتي، ملبياً نداء الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، في تحرير اA271;مة من عفن الوصاية والعمالة المزمن في حياة اA271;نظمة والشعوب.
ومنذ تلك اللحظة التاريخية التي عصفت بزمن الخضوع والحرمان، انطلق الشهيد في ميدان الكفاح والنضال يخوض معارك الحرية والكرامة، ليعلنها صرخة مدوية في وجه المتآمرين في شهر مارس 2003، في جامع الهادي بصعدة، عندما صرخ برفقة زملائه اA271;حرار بصوت عالٍ يشق جبال العبث والخراب (الموت A271;مريكا.. الموت A273;سرائيل)، بعد يوم فقط من الغزو اA271;مريكي للعراق. وكان الرئيس السابق علي عبدالله صالح حاضراً في الجامع، وهو في طريقه إلى السعودية، وقد نجا الشهيد من حملة الاعتقالات التي تعرض لها شباب المسيرة آنذاك.

الاعتداءات والمعتقل
تحرك الشهيد بعد ذلك برفقة الكثير من الشباب الواعين بخطورة الوصاية القائمة، والمتحمسين لمواجهة الهيمنة الأمريكية الغربية في المنطقة، وإعلان صوت الحق، ليبدأ رحلة نضال وكفاح طويل أطلق فيها المداني ورفاقه صرخات الغضب من على منبر الجامع الكبير بصنعاء، وكان من الطبيعي أن تغيظ صرخة اA271;حرار كيد الحاقدين والعملاء الذين لم يلبثوا أن أقدمت عصاباتهم اA273;جرامية على شن جملة من الاعتداءات الوحشية على اA271;حرار، تعرض المداني في إحداها لإصابة بالغة في رقبته كادت أن تفتك به.
وبالرغم من الاعتداءات والتهديدات التي تلقاها المداني ورفاقه، إلا أنها لم تثنِ الشهيد عن مواصلة مشواره في طريق الكرامة، وكمصير حتمي للأحرار الذين يشبهونه اعتقل المداني في نهاية أغسطس من العام 2003م، أثناء اختباراته النهائية في سنته الدراسية الأخيرة بكلية الشريعة والقانون، وأودع في سجن اA271;من السياسي بصنعاء، قبل أن يتم ترحيله إلى سجن اA271;من السياسي في صعدة، ليدفع ضريبة الحرية والكرامة 3 سنوات قضاها في السجن، قبل أن يتم اA273;فراج عنه في اتفاقية وافقت عليها السلطة بإطلاق سراح اA271;حرار نهاية العام 2006م عقب نهاية الحرب الثالثة.
وخلال فترة السجن يقول أصدقاؤه إن الشهيد كان له دور كبير في تقديم المساعدة لزملائه من خلال إدارتهم وتدبير شؤونهم والمحافظة على معنوياتهم، وقد أدى بروز شخصيته القوية في سجن اA271;من السياسي بصعدة إلى إثارة مخاوف السلطة من تأثيره على السجناء الذين أبدوا قناعاتهم به، فقررت نقله إلى سجن قحزة قبل خروجه بفترة وجيزة.

الحروب الـ6 والقيادة
تزوج المداني عقب خروجه من السجن ببضعة أسابيع قبل أن تتفجر الحرب الرابعة في 26 يناير 2007م، وهنا أطلقت بندقية الشهيد الرصاصة اA271;ولى في حياته العسكرية، لتثبت بجانب وطنيته العالية عقلاً عسكرياً كبيراً وموهبة عملاقة في إدارة المعارك بخطط استراتيجية أذهلت الجميع. حيث كان له دور بارز في انتصار اA271;حرار في قرية الطلح وآل مزروع التي شهدت أعنف المعارك وقتئذ، ليجرح في إحداها، ولم يلبث حتى تلتئم جراحه ليقود معركة الصمود في آل الصيفي التي توجت بنصر عظيم.
وحين تجلت حكمته أكثر وأكثر في إدارة الحرب، أوكل إليه السيد عبدالملك الحوثي مهمة تحرير منطقة ضحيان، فقدم نموذجاً عسكرياً في غاية التكتيك في إدارة حرب المدن والقرى.
وبعد نهاية كل حرب كان المداني يخوض معارك السياسة، فقد مكنته تجربة الحرب بجانب خبرته العسكرية من اكتساب حنكة سياسية وثقافة واسعة لامتناهية أعطته مكانة كبيرة داخل حركة أنصار الله، حتى أسند إليه السيد القائد مهمات عديدة لإدارة ملفات معقدة مع أحزاب ومشائخ وعلماء تمكن من إدارتها بأسلوب مبهر.
وعندما انفجرت الحرب الخامسة في الـ8 من مايو عام 2008م، برز الشهيد البطل مرة أخرى قائداً لفرقة خاصة من المقاتلين اA271;حرار، تمثلت في صد هجوم الدبابات والمنجزرات عن مدينة ضحيان وقرى الصعيد، ومنطقة آل حمدان الصحراوية بمديرية سحار التي وضع لها الشهيد خطة عسكرية مذهلة تتناسب مع طبيعتها الجغرافية المفتوحة أدت إلى نصر كبير عرف لاحقاً بمقبرة الدبابات.
وحين شنت السلطة حربها السادسة في الـ10 من أغسطس 2009م، أُسندت للشهيد البطل مهمة الدفاع عن منطقة الصعيد، حيث تمكن من إدارة ما عرف بمعركة المقاش في مواجهة زحوفات مجندي الفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها آنذاك المرتزق علي محسن الأحمر، وعلى مدى 6 أشهر من الحرب التي انتهت بنصر كاسح، كانت بصمة الشهيد البطل في كل لحظة تقدم وانتصار.
عقب انتهاء الحرب السادسة، أوكل السيد القائد عبدالملك الحوثي إلى الشهيد تأسيس الدائرة اA271;منية وإدارتها بشكل مستقل عن الجانب العسكري، التي عرفت في ما بعد اللجنة اA271;منية العليا، بعد ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014م.
استطاع الشهيد البطل أن يدير الجهاز اA271;مني بدهاء منقطع النظير، وتمكن من فرض حالة أمنية مستقرة لم تشهدها البلاد من قبل، حتى عرفت صعدة آنذاك بأنها (المحافظة التي لا يُسرق فيها أحد)، وتناقل الناس أخبار ترك السيارات مفتوحة بكل أمان، حيث كانت دوريات الأمن التي يديرها المداني تجوب شوارع وأزقة المحافظة ليل نهار، وتقدم الخدمات للمسافرين وتؤمنهم في صورة متفانية لم يشهد لها مثيل منذ زمن اA271;نبياء، فاستحق الشهيد لقب مهندس اA271;من اA271;ول عن جدارة.
تلك الصورة اA271;منية التي فاح عبير نجاحها حدود الشرق والغرب، لم تكن لتعجب ذوي العاهات الخبيثة من قوى الرجعية الجهوية المتغلغلة في أجهزة السلطة، حيث عمدت مليشيات تتبع عثمان مجلي إلى إثارة الفوضى بعمليات سلب ونهب لممتلكات المواطنين في مدينة صعدة لتشويه صورة اA271;من والسلام القائم، إلا أن تلك الأعمال التخريبية واجهت مصيرها الأخير في الـ20 من مارس 2011م، عندما وجه السيد القائد، الشهيد بمهمة تحرير المدينة، وبعبقرية عسكرية لا يضاهيه فيها أحد، تمكن الشهيد من تحريرها في غضون يومين فقط، وبدون أية خسائر تذكر.
تميز الشهيد البطل بذهنية عسكرية عالية فاقت كل ما تتضمنه العلوم العسكرية واA271;منية التي تدرس في الأكاديميات العسكرية الدولية كما يقول متخصصون، في وقت ذهبت مراكز عالمية لدراسة خطط المداني العسكرية واA271;منية التي ينتهجها في إدارة بلد مكتظ بالسلاح كاليمن.
وقد وصف أحد أصدقائه بأن فلسفة المداني العسكرية تتلخص بعبارة واحدة هي: (كانت الطلقة النارية لديه هي الضربة الأخيرة للعدو، وليست الضربة الأولى).

رجل الأمن الأول
عقب ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014م، برز دور الشهيد المداني رجل اA271;من اA271;ول في أهم وأخطر مرحلة مفصلية في تاريخ البلد، حيث قام بتشكيل ما يسمى اللجان الشعبية واA271;منية التي كانت مهمتها الحفاظ على اA271;من الداخلي للبلاد والمحافظة على مؤسسات الدولة بما فيها الوحدات العسكرية.
يقول اللواء جلال الرويشان، وزير الداخلية آنذاك، معلقاً على الدور البارز الذي قدمه الشهيد بعد الثورة: لولا حنكة ودهاء المداني لكانت وزارة الداخلية في مهب الريح.
حينها تقلد المداني منصب عضو اللجنة اA271;منية العليا، باA273;ضافة إلى مستشار لوزير الداخلية، ومشرف اللجان اA271;منية بعد الإعلان الدستوري في 7 فبراير 2015م، عندما تسلمت اللجنة الثورية العليا قيادة البلاد.
وقف المداني، الرجل الذي خلقه الرب A273;دارة أخطر لحظة مصيرية في البلد، على رأس الجهاز اA271;مني، مشهد أمني عالٍ، لا مثيل له على اA273;طلاق في أحسن الأحوال من قبل، تقول الوقائع بأن رجال اA271;من يكتشفون منفذ الجريمة بعد وقوعها، أما في عهد المداني فلا مكان للجريمة وأدواتها كما تقول الحقائق.
بدأ المداني كبطل أسطوري، يلاحق فلول الارتزاق وتجار الدم، ونأى بعاصمة البلاد عن المخاطر، وأحبط مئات العمليات اA273;رهابية، وبدت صنعاء بوجوده عاصمة الحب والسلام، كمدينة جراتس النمساوية التي لم تشهد طلقة رصاصة واحدة منذ قرون.
تحيرنا تلك الإنجازات العظيمة التي نسجتها خيوط عبقريته الفطنة، ونحن نلمس إنجازاً أمنياً فظيعاً في زمن أفظع.. هذا الرجل العظيم العابر لأحلام الناس، A261;A165;A247;A260;A166;A193;ئ A243;A166;A247;A248;A188;A224;A166;A173; A165;A247;A176;A266; A175;A204;A170;A238; A165;A247;A228;A166;A211;A236;A172;، بطل من زمن آخر.
تميز المداني بدهاء الساسة العظام وشجاعة الفارس المقدام ونباهة رجل اA271;من الذي لا تغمض عيناه، كل هذه الصفات جعلت من المداني رجل المهمات الصعبة وأحد أهم رجال الجيش واA271;من في البلد في لحظة تاريخية مصيرية.

استشهاد البطل
لقد اهتز العالم من أقصاه إلى أقصاه لثورة أيلول (سبتمبر) المباركة التي استأصلت أذيال الوصاية اA271;جنبية.
وفتح اA271;شرار أعينهم على الخطر الداهم، ودب الصراخ في كل بقاع النفط تدعو المرتزقة من كل مكان إلى الوقوف في وجه هذا الهول القادم من أرض الإيمان.
وما إن بدأ العدوان السعودي الأمريكي على اليمن في 26/3/2015م، حتى انطلق أبو حسن المداني مع الرجال لمواجهة العدوان، ولم يكتفِ بدوره اA271;مني، بل اندفع مع اA271;بطال إلى جبهات الشرف الوطني.
كان لابد للرجل الذي جسد معاني الحرية والكرامة، ودافع عن حقوق المواطن منذ نعومة أظافره، أن يندفع للدفاع عن الوطن، لتكون محطة تاريخية أخرى في حياة الشهيد البطولية، شهدت أعظم دور بطولي يمكن أن تشهده الحروب عبر التاريخ.
بجانب إيمان الرجل القوي بالدفاع عن الوطن، تشدنا عقليته ودهاؤه في إدارة المعارك بخطط عسكرية وأمنية عالية الدقة، وإنه لمن النادر أن يحدث ذلك.
انطلق المداني إلى جبهات الشرف الوطني، وقاد فرقاً كبيرة من المجاهدين، هزم العدو عشرات المرات، وكبدهم خسائر فادحة، حتى نال الشهادة في الخطوط اA271;مامية في 15 شعبان 1436هـ الموافق 5/6/2015م.
لقد خسر الوطن أحد أهم أعمدته الوطنية، إلا أنه لا عزاء للأبطال، فخلف الموت رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يواصلون المشوار، ويرسمون حلم الوطن بدمائهم.
 
من يكمل السطور الفارغة
تأسرني بطولات الرجل A271;صرخ كيف استطاع أن يخلد كل هذه البطولات بزمن قياسي وبظرف غير اعتيادي.
يحدثني أحد رفاق الشهيد: لقد كان أبو حسن رجلاً بسيطاً بمظهره، عميقاً بتفكيره، بشوشاً بتعامله، وحاداً بقراراته، صديقاً للأرض، محباً للشهادة، لقد كان أبو حسن رمزاً للوطنية الحقة.
لقد استشعرت روح البطل وأنا أستمع لحكايات أصدقائه ورفاقه، فقد رأيت من خلال عيونهم عظمة الرجل، وكم خلد من ذكريات عطرة في قلوب أصدقائه ومحبيه، كما خلد البطولة في تاريخ اليمن المعاصر.
وأنا أستمع لحديث الرجل خيل في ذاكرتي كأني أرى عبدالرحمن الغافقي وهو يشق بسيفه البحر، ويفتح أبواب اA271;ندلس مهيمناً على أوروبا.
يضيف آخر معلقاً على بطولات الرجل التي لا تنتهي: لقد كانت كل لحظات حياته بطولة.
أشرد بذاكرتي إلى عظماء التاريخ الذين يشبهون الشهيد بالبطولة والنضال، A271;رى إنجازه اA271;مني الذي لا يقارن، فيشهد الزمان: لا أحد يشبه الشهيد، إنه فريد عصره، A271;تذكر كلام السيد القائد حينما قال في الشهيد: أبو حسن كثير المعونة قليل المؤونة.
إنه لمن الصعب أن تختصر حياة بطل رسم بدمائه حلم وطن وسخر حياته لإحياء آمال أمة كالمداني بطل من عيار ثقيل في زمن خطير للغاية.
الساحة الحمراء في موسكو ليست شيئاً مقارنة بما يسطره اليمنيون من دور للبطولة، وجيفارا مات، لكن طه لم يمت.
سطروا أحلامنا القسرية، وجعلوا لحياتنا الجسيرة معنى، وكان الله أقرب إليهم من حبل الوريد.
سأترك الصفحة البيضاء بيضاء كما هي، فإني لا أجد من بياض روحه الطاهرة إلا أن أقف إجلالاً واعتزازاً بعظمته.
كان المداني روحاً وطنية أصيلة حشدت التاريخ والحضارة، وجمعت بين صلابة اA271;رض وأصالتها، وجسدت قيم اليمني العظيم ومبادئه الدينية واA271;خلاقية والوطنية.
حمل هموم الوطن على عاتقه، ولم يكن يحب الظهور على الشاشات، كان يجسد قيم الإنسان اليمني اA271;صيل ومبادئ القائد العظيم.
كان كاA271;نبياء علماً وحكمة، وكالجبال صلابة، وكاA271;رض ألفة، مبتسماً دائماً، يمشي بهدوء، وكالريح يعصف باA271;عداء في ميدان المعركة. إنه بطل من أبطال التاريخ، تحتاج اA271;رض لعقود من الزمن حتى تنجب بطلاً بملامحه، ويشهد العالم مدانياً آخر..
وحتى تلك اللحظة يأتي على مخيلتي لتمرير جسر يوسف الفيشي للمرة المليون في قصيدته برثاء الشهيد:
يا سيد اA271;فعال لا لا لم تمت
فينا فعالك قدوة وأواها
ما زلت حياً فالدماء تقدست
بل أثمرت وتخلدت أفواها
وخلف القصيدة يردد اليمنيون واليمنيات بصوت الفخر والاعتزاز: (A275; A275; لم يمت إنه معنا في كل لحظة، وسيبقى معنا وفينا ومع اA271;جيال إلى اA271;بد).

رسالة إلى البطل
لقد عرفتك اليمن بمعاني البطولة الحقيقية المجوهرة، في باطن الواقع، والشامخة كشموخ جبال اليمن الشماء.. كانت صنعاء أكثر جمالاً وأنت تقف مع رجالك اA271;منيين في كل أزقتها، تشعون ضياءً كنور قمر تشرين الذي يخترق هدوء باريس بعد منتصف الليل كل عام.
لا أحد عظيم وخارق كأنت، الكل- سواك- في مأمن من الشهادة التي لا تستعجل إلا العظماء، أولئك الذين يشبهونك.
في حياتك وفي استشهادك، صنعت سقفاً عالياً ومتفرداً لا يمكن لأحدٍ مجاراته!
إنها سيرة بطل يمني عظيم سخر حياته كلها في سبيل البلد، وكم من اA271;بطال العظام أنجبتهم هذه اA271;رض المقدسة، يخوضون معارك العزة والكرامة، ويقدمون أرواحهم فداء للوطن الجامح، يحرسون الوطن المسور بدمائهم في الجبال والأودية والقرى والشطآن، يقاومون عفن الغزاة ولهيب الشمس وأدخنة البارود، ويدوسون بأقدامهم الطاهرة جحافل العدو ومرتزقته.
باA271;خير لا تموت السنون، وقبل أن تأذن شمس كل يوم بالرحيل، تلد أرحام اليمنيات في كل ليلة بطلاً وبطلة يرسمون حلم اليمن السعيد بدمائهم الزكية، ويدافعون عن الوطن والعزة والكرامة.