فيما لم يحصد العدوان الامريكي السعودي في مواجهة طوفان الجيش واللجان، سوى الدخان، عاجزاً عن حمل جسده المغسول بالهزيمة والعار في رمال الساحل الغربي لمحافظة تعز، لازالت سمومه تقذف بديدان العفن النفطي وأدوات العمالة والارتزاق التي استبدلت المدينة بالجحيم، وذهبت بحقدها الدفين لتنثره في معظم مديريات محافظة تعز التي ظلت عالقة بين إشارات الموت والعمالة والانتصار. . يقول هوجو تشافيز (أينما وجدت السفارة الأمريكية فثمة مشكلة)، كم هي العبارة حقيقية؟ وكم هو المشهد اليمني اليوم أقرب لمفهومها وأفظع من مضمونها؟
فيما تقول الحقيقة هنا إنه أينما وجدت عناصر حزب الاصلاح، فثمة حرب دائرة، وثمة دماء مهدورة وخراب دائم.. لم يكتفِ حزب الإصلاح بسفك دماء الشعب وثقب ذاكرة الماضي، بل إنه يواصل مسلسله الاجرامي ليغرق البلاد في بحيرة دماء واسعة.
في الجهة الشمالية الغربية لمدينة تعز تقع مديرية شرعب السلام في مأمن من الحرب، إلا أن مسوخ الدم تحوم عليها من كل جانب، وتحاول أن تنهش سكون ليلها لتحوله إلى ظلام دائم كالذي فرضته في مديريات وأحياء تعز الأخرى.
ولانهم غارقون في العمالة حتى الثمالة، سعوا لفرض السواد المعتم على المدينة وضواحيها، لا يحبون العيش في الضوء، فيحاولون جاهدين سد أي منفذ للنور.

الإصلاح رأس الأفعى
الكثير من الاحداث والوقائع التي شهدتها مديرية شرعب السلام في الاونة الاخيرة، أثارت تساؤلات كثيرة، فيما تؤكد عزم دول العدوان جرها إلى دائرة الخراب عبر أدواتها الطامعة بأموال النفط التي تقيأت منها دماء الشعوب.
تلك الجرائم التي تسلسل حدوثها منذ عدة أشهر في المديرية، شكلت خيط المؤامرة وخطوطها العريضة، حتى ظهرت ملامحها جلية في نهاية ديسمبر الماضي، حينما أقدمت عصابات الاجرام القاعدية التابعة لحزب الإصلاح، على نصب كمين غادر في عزلة بني سبأ بالمديرية، أودى بحياة الشيخ صلاح الشرفي وشقيقيه محمد وعصام و2 من أقربائهم.
وبالنظر إلى مجريات الجريمة والاحداث التي سبقتها، تتكشف الكثير من الحقائق.
الشهيد الشرفي كان في طريقه لاخماد نار الفتنة في سوق الحرية شمال المديرية، أشعلها أحد عناصر الإصلاح يدعى عدنان المجيدي، فيما يؤكد الكثير أنها كانت عملية مدبرة ومفتعلة لاغتيال الشرفي وإشعال فتيل الحرب في الوقت نفسه.
وإذا ما نظرنا لملابسات الحادثة، فالقاتل المجيدي هو المرافق الشخصي للقيادي الاصلاحي في المديرية عبدالباسط الكامل، وكان من ضمن السجناء الذين فروا من السجن المركزي في تعز عندما اقتحمته مليشيات الإصلاح التي يقودها حمود سعيد المخلافي، في يونيو 2015.
وبالرغم من أن الجريمة البشعة كشفت وجه المؤامرة التي تدبرها العصابات في المديرية، إلا أنها أظهرت مدى حرص الاهالي وإدراكهم للمخطط العدواني، حيث سارعوا بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، بالقبض على 5 من أفراد العصابة.
ويطالب أبناء المديرية الجهات المختصة بسرعة القصاص بحق القتلة، وتنفيذ الحكم العادل فيهم ليكونوا عبرة لمن يحاول أن يثير الفوضى في المديرية.
الجريمة البشعة والوقائع التي أعقبتها تؤكد حقيقة واضحة عن نوايا العدوان لتفجير الحرب في المديرية، كما تتكشف خيوط عريضة تفضح العديد من الأمور الغامضة التي تتعلق بتواجد المسلحين في ذات المكان.
حيث تشير المعلومات إلى أن عزلة بني سبأ تعتبر ملاذاً للقتلة والفارين من وجه العدالة منذ فترة ليست بالقليلة، فهي تضم إلى جانب عناصر القاعدة والإصلاح، عدداً من قُطاع الطرق وتجار الدم والارتزاق، إلا أنه بالمجمل تؤكد الشواهد أن حزب الإصلاح يحرك هذه العصابات ويستخدمها لخدمة أجنداته، ما يستدل به البعض بمقتل الشيخ علي حمود في 2012، وهو من أبناء عزلة بني سبأ، والذي كان على خلاف مع بعض قيادات حزب الإصلاح.
إلى ذلك، يؤكد أهالي المنطقة أن قائد العملية الإجرامية في حق الشيخ صلاح الشرفي وأخويه، المدعو معاذ الفقيه، والذي لقي مصرعه في العملية الجبانة، كان أحد المرافقين للقيادي المرتزق حمود سعيد المخلافي، والذي تم إرساله للمنطقة لاثارة الفوضى.
هنا يتضح وبشكلٍ واضحٍ وجلي، وبعيداً عن التأويلات، أن ما يحدث في المديرية هي مؤامرة كاملة تديرها دول العدوان، وتنفذها أدواتهم وأذنابهم في الداخل، ممثلين بحزب الإصلاح ومليشياتهم وبعض قيادات أحزاب اللقاء المشترك الموالية للرياض، وليس كما تروج له أبواق العمالة والارتزاق بأن الجيش واللجان يسعون للسيطرة على المديرية البعيدة عن مواقع الاشتباك، لأنه ليس من المنطقي أن تسعى قوات الجيش واللجان لفتح جبهة خلف مناطق الاشتباك، والتي تعتبر امتداداً لظهيرها، فبالرغم من محاولات الاستفزاز والاغتيالات التي طالت قيادات تتبع القوى الوطنية، إلا أن قوات الجيش واللجان نأت عن الدخول الى مسرح العمليات، حتى لا تكون ذريعة لتفجير الوضع في المديرية، وتكفلت الأجهزة الامنية في إدارة الاحداث بالتعاون مع مشائخ وأعيان المديرية، في الوقت الذي كانت العصابات تهدف لجر قوات الجيش واللجان إلى المديرية لتبرير تفجير الوضع عسكرياً، حيث تناقلت قناة (الحدث) السعودية خبر استشهاد الشرفي وأخويه على أنها تمكنت من صد زحف حوثي على المديرية، حسب تعبيرها، ما يؤكد أن ما تمارسه العصابات في المديرية عملية ممنهجة ومعدة مسبقاً، تهدف لجر قوات الجيش واللجان إلى معركة واسعة الخاسر فيها أبناء المديرية.. وبين هذا وذاك تبرز أحداث ما قبل الجريمة مشيرة لجامعي حطب الفتنة ومن يريد إشعالها ليستبدل نقاء المديرية بالخراب والدمار.

العدو يسعى لتغطية فشله
منذ قرابة العامين لم يحقق العدو السعودي أي نصر عسكري بامتداد جغرافية اليمن التي تسورها سواعد الجيش واللجان، وما كان على العدو الذي خسر معارك البر والبحر والجبال والصحراء، إلا أن يحلق بطائراته فوق سماء الوطن قرية قرية وبيتاً بيتاً، لينقب عن أوساخه التي زرعها منذ زمن، ويوقظ أدواته التي صرف عليها مليارات الدولارات، كي تحدث ولو ضجيجاً يسد به جعبته المثقوبة بالهزيمة والانكسار، ويسعف آماله المنكوبة، ويتباهى أمام العالم بأنه لا زال قادراً على إحداث المتغيرات في ساحة مضرجة بدماء مرتزقته.
وبعد افتقاده كل أوراقه العسكرية والسياسية، ذهب العدو للاتكاء على من تبقى من أذياله، حاملاً ما تبقى لديه من أموال يذروها في الأفواه المتعطشة كي يسمع أصواتها ويسجل انتصاراً عظيماً بها، إلا أنه لا يحصد شيئاً سوى الدخان، وتلك الادوات التي حاولت أن تثير بعض الزوابع في بعض المديريات، لم تحدث إلا ضجيجاً لفظت بعده أنفاسها الأخيرة.
وفي سياق العجز والفشل الذي يجنيه العدو في السواحل الغربية للبلاد، يذهب لتغطية هزائمه منتقماً لاحقاده، ليشعل فتيل الاحتراب في مديرية شرعب السلام، عبر أدواته التي تحاول أن تثير الفوضى في المديرية منذ أشهر.
وبالرغم من أن العدو لم يحقق شيئاً في الجهة الساحلية الغربية لمحافظة تعز، إلا أنه استطاع عبر أدواته القذرة أن يشعل نيران الحرب في معظم مديريات المحافظة، فيما لا زال يبث سمومه في المديريات الأخرى التي نأت بنفسها عن نيران الحرب منذ اشتعالها.
وبالرغم من أن مديرية شرعب السلام تفادت الوقوع في دائرة الاشتباك، إلا أن الأحداث الأخيرة عرت المنفذ الذي يقف خلف الستار، حيث تشير الادلة بالوقائع إلى أن قيادات حزب الإصلاح هم وراء كل ما يحدث من أعمال إجرامية في المديرية، لغرض خدمة أجندات العدو ومشاريعه الهدامة.
مع ذلك يشير آخرون إلى أن إقدام العدو على فتح جبهات في هذه المناطق يدل على عجزه وفشله في إدارة المواجهة أمام صلابة الجيش واللجان التي قضت على أحلامه وأطماعه، لتبقى خياراته الأخيرة إشعال النيران في كل ربوع الوطن، A273;حداث أكبر قدر ممكن من الخراب والدمار والدماء، وليس لكسب ورقة عسكرية أو إحداث متغير حقيقي في معركة يدرك العدو نفسه أنه خسرها، وأن تحقيق نصر عسكري بات مستحيلاً، ما يعني بحسابات الحرب خيار المهزوم.

تاريخ متخم بالجرائم
عملية الكمين الغادر الذي تعرض له الشرفي، لم تكن الأولى، فقد شهدت المديرية أحداثاً ووقائع كثيرة منذ بداية العدوان، حيث يؤكد الكثير أنها على علاقة بالجريمة وبالهدف الذي يراد منها.
حيث تعرض القيادي الإصلاحي عبدالجبار عبدالسلام الحميدي، في نوفمبر الماضي، لمحاولتي اغتيال في المديرية، تعرض في الثانية لاصابات بالغة نقل على إثرها إلى صنعاء، ومن ثم إلى القاهرة. وبالنظر لمجريات الحادثة وملابساتها، سنجد أن الدافع الوحيد من ورائها كان إشعال فتيل الحرب والفتنة في المديرية، حيث بادر زبانية الإخوان إلى توجيه التهم للجيش واللجان، إلا أن الحقائق اتضحت، حيث صرح شقيق عبدالجبار، سنان الحميدي، عبر تسجيل فيديو نشره في عدة مواقع إخبارية بعد الحادثة بأسبوع، أكد فيه أن من يقف وراء عملية اغتيال شقيقه هو توفيق عبدالملك الحميدي، ابن عمه، وأحد قياديي الإصلاح البارزين، والذي يقود أحد فصائل المرتزقة في مدينة تعز.
سنان أفاد أن عملية الاغتيال كانت على خلفية خلافات بين أخيه توفيق وبشأن قطع أراضٍ، إلا أن الكثير يرون غير ذلك تماماً، حيث أكد مقربون من الحميدي أن السبب الحقيقي وراء الاستهداف هو رفض عبدالجبار فتح جبهة في المديرية، وجر الجيش واللجان إلى ساحة حرب، وهو الأمر الذي أوعزت به قوى العدوان للمدعو توفيق، مشيرين إلى اللقاء الذي جمع قيادات المرتزقة في عدن، بداية نوفمبر الماضي، وحضره توفيق الحميدي، وإلى عملية استهداف الحميدي بعد أسابيع قليلة من عودة توفيق إلى تعز.
عبدالجبار الحميدي بالرغم من انتمائه لحزب الإصلاح المؤيد للعدوان، إلا أنه سجل موقفاً مغايراً لتوجه الحزب، حيث صرح برفضه أية محاولة قد تنقل الحرب إلى المديرية، وكان ضمن الذين وقعوا على وثيقة سميت السلم الاجتماعي في المديرية، في سبتمبر الماضي.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار الدلائل والاعترافات التي صرح بها شقيق عبدالجبار الذي ينتمي لحزب الإصلاح، فإننا أمام سياسة واضحة ينتهجها الحزب، تقتضي بمفهومها تصفية كل الاصوات التي تعارض بعض سياسات الحزب، بدليل الكثير من الوقائع المشابهة، حيث تشير الشواهد إلى أن قرار تصفية عبدالجبار الحميدي هو ذات القرار الذي أودى بحياة الأمين المساعد لحزب الإصلاح في مدينة تعز صادق منصور الحيدري، في 18 نوفمبر 2014، قبل 4 أشهر من بداية العدوان، حيث أثبتت الادلة الامنية تورط حزب الإصلاح بالجريمة، وذلك على خلفية موقف الحيدري الرافض لسياسة الحزب الرامية إلى جر تعز إلى حرب مبكرة.. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاتهامات الموجهة لحزب الإصلاح، تبدو الحقيقة أكثر وضوحاً حينما ندقق جيداً بتصريحات الحيدري الذي تبنى موقفاً دعا فيه أبناء تعز إلى عدم الدخول في أي صراع، وهو ما صرح به في اجتماع عقدته قيادات حزب الإصلاح في مدينة تعز، بالإضافة إلى رفضه إرسال مقاتلين إلى مدينة إب لمساندة الحرب التي يشنها عناصر الحزب والقاعدة ضد الجيش واللجان في المدينة آنذاك، ما جعل قيادة الحزب تتخذ القرار بتصفيته بعد 12 يوماً فقط من الاجتماع الذي خرج منه غاضباً. والجدير بالذكر أن الحيدري كان قد وافق على اتفاقية قدمها الجيش واللجان بشأن تجنيب مدينة تعز ويلات الحرب، وهو ما اعترف به القيادي المرتزق حمود سعيد المخلافي، في وقت لاحق، على شاشة (الجزيرة).

يقظة الأهالي أحبطت المؤامرة
الحزب الذي تنفس رائحة الدم منذ ولادته، ظل منغمساً في إزهاق أرواح اليمنيين، وملوثاً في قطع رقاب الخصوم والحلفاء والأصدقاء، وهو ما يؤكد انتهاج رموزه سياسة دموية أشبه بالمافيا التي لا يمكن أن تتردد بتصفية أقرب المخلصين لمجرد إبداء رأيهم في أمر ما.
وبين تلك الشواهد والاحداث التي تؤكد ضلوع أدوات العدوان بتفجير الوضع في المديرية، لم يمر على حادثة استشهاد الشرفي بضعة أسابيع، حتى قام مسلحون يقودهم أحد عناصر الاصلاح في مديرية شرعب السلام، يدعى وليد جوبح، باقتحام سجن المديرية وتهريب أحد السجناء وتسليمه لغرمائه الذين باشروا بقتله في منطقة الافيوش شرق المديرية، في محاولة أخرى لاثارة الفوضى، إلا أن أبناء وعقلاء المديرية هبوا لاحتواء الوضع قبل أن تستغله أبواق العدو المتربصة، حيث عقدوا اجتماعاً طارئاً أفضى إلى عزل مدير أمن المديرية رزاز سفيان الكامل، لتورطه بتسليم السجين للمدعو جوبح، ونقل مهامه لمدير المديرية العقيد علي الشعز، فيما فر المدعو وليد جوبح إلى عزلة بني سبأ التي تتمركز فيها عصابات الاجرام، ما يشير إلى ضلوع العدوان عبر أدواته بتفجير الحرب في المديرية.. ومع كل ذلك لم تكن المديرية قد سلمت من مكائد العابثين، فلم تمر على هذه الحادثة سوى بضعة أسابيع حتى عين القيادي المرتزق عارف جامل أحد الموالين للعدوان يدعى فاروق الصوفي مديراً لأمن المديرية، ما يؤكد إصرار العدو وعزمه على تفجير الصراع بأية وسيلة، لكن أبناء المديرية كانوا بالمرصاد مرة أخرى، وأحبطوا هذه المؤامرة، وتم تشكيل لجنة أمنية بقيادة الشيخ أحمد سيف من أبناء المنطقة والمعروف بمواقفه الوطنية.
كل هذا الأحداث مؤشرات واضحة للمشروع التخريبي الذي يعده تحالف العدوان عبر جحافله لاخضاع أبناء المديرية، وجعلها ساحة حرب دموية انتقاماً من مواقفها الوطنية، وإشباع رغبة العدو الحاقد الذي يسعى جاهداً لاراقة دماء الشعب اليمني.
إلى ذلك، يشير بعض المحللين إلى أن الموقع الجغرافي لمديرية شرعب السلام كان له دور كبير في ما شهدته المديرية من أحداث مؤخراً.
فشرعب التي تبعد حوالي 30 كيلومتراً شمال غرب مدينة تعز، تشكل موقعاً مهماً، فهي تتاخم محافظة إب من الشمال، ومن الشرق تقف في صدر المدينة وعلى الخط الرئيسي المؤدي إلى ذوباب والمخا، ومن الغرب تلتقي مع شرعب الرونة التي تمتد غرباً إلى مقبنة وحيس باتجاه الحديدة، فيما جبالها الشاهقة توفر منظراً عاماً من على قممها لمدينة المخا والمناطق الساحلية الغربية.
وهو ما جعل الكثيرين يرون بأن العدو إلى جانب أنه يسعى لخراب المديريتين، فإنه يسعى أيضاً لتوظيف جغرافيتهما لخدمة مشروعه، وتحقيق مكسب عسكري، حيث يشيرون إلى أن العدو يسعى للسيطرة على جبال شرعب الشاهقة المطلة على الساحل، وقطع الطريق باتجاه الحديدة، وهو ما يبدو جلياً، حيث تتركز العصابات الإجرامية الإصلاحية في عزلة بني سبأ ووادي نخلة وسوق الحرية، وهي مناطق مهمة تشكل قوساً جغرافياً واسعاً يحاذي محافظة إب من مديرية حزم العدين، وتلتف باتجاه الساحل الغربي المؤدي إلى الحديدة.
ويدللون على ذلك بأن الأحداث الأخيرة التي يقوم بها عملاء العدوان في المديرية، تأتي بالتزامن مع الهزائم الساحقة التي يتلقاها العدو في الساحل الغربي.

محاولة اجترار الماضي
وبين التاريخ والجغرافيا شكلت شرعب السلام محور ارتكاز لاحداث سياسية لعبت دوراً هاماً في تاريخ اليمن المعاصر، حيث كانت المديرية مركزاً كبيراً للجبهة الوطنية الشعبية التي ظهرت مطلع ثمانينيات القرن الماضي، والمدعومة من الحزب الاشتراكي الحاكم في جنوب اليمن آنذاك.
وكانت حاضنة لاكبر تجمع لعناصر الجبهة، وهو ما يشير أيضاً لأهمية موقعها الجغرافي الاستراتيجي المتاخم للمناطق الساحلية، والذي استغلته قيادة الجبهة في جنوب اليمن لتهريب الأسلحة للمناطق الشمالية عن طريق كهبوب والوازعية إلى شرعب.
وما يجب الالتفات إليه أن العدوان الامريكي السعودي سعى لتوظيف جغرافية المديرية مبكراً، حيث أقدمت عناصر القاعدة على مهاجمة الأجهزة الأمنية في منطقة الأشاعر وحزم العدين، في يوليو الماضي، ما أسفر عن استشهاد 20 عنصراً أمنياً، وهو ما يشير إليه عسكريون بأن العدو يحاول السيطرة على المديرية والمناطق المحاذية لمحافظة إب، حتى يعزلها وليرسخ فكرة الأقاليم، وهو ما أوحت إليه وسائل إعلام العدو بعد دخول قوات الجيش واللجان وسيطرتها على المناطق، قائلة بأن تعز أصبحت محاصرة، في إشارة واضحة لمشروع العدو التخريبي.
من جانب آخر، يعتقد الكثيرون من أبناء المديريات التي تعيش في دائرة الصراع أن المرتزق حمود المخلافي سعى لتجنيب الحرب في المديرية، لكن إذا ما اعتمدنا هذا الطرح سيكون هناك عدد من التساؤلات التي يطرحها الكثير بشأن القيادي الإصلاحي حمود سعيد المخلافي، أحد كبار قادة العمالة والارتزاق، الذي يقود أكبر مليشيات الخراب ضد الجيش واللجان بمدينة تعز.
يعلق الكثير في أمور مهمة تفيد بأن المرتزق المخلافي لم يكن بوسعه أن يفتح جبهة لمليشياته في المديرية لاسباب كثيرة يوضحها مراقبون بأن المخلافي لا يملك أية حاضنة شعبية في المديرية التي يشكل غالبية أبنائها ووجهائها موقفاً صارماً ضد العدوان، مشيرين إلى أنه فضَّل فتح الجبهة وسط مدينة تعز تفادياً لتصادم وشيك مع أبناء المديريتين، وللتناقض الكبير بين الاهالي وبين مشاريعه الإجرامية، علاوة على أن المدينة مكان واسع تضم كل القتلة والمجرمين من مختلف المحافظات تحت قيادته، وهناك سيجد متسعاً لممارسة القتل والسلب في بيئة خصبة لا يجد فيها من ينافسه أو يقف في طريقه.
فيما يذهب آخرون إلى القول بأن المرتزق المخلافي لم يبتعد عما يجري من أحداث في المديرية، مشيرين للعصابات التي تعرضت لاولاد الشرفي، والتي فرت من السجن المركزي، وإلى قائد العصابة المرافق الشخصي للمرتزق المخلافي وارتباطه بأفراد العصابة بشكل أو بآخر.
وبين هذه الاراء وتلك يبقى المرتزق حمود سعيد المخلافي مجرد أداة رخيصة تديرها قوى العدوان وفق الزمان والمكان اللذين تقررانهما، كما هو حال بقية الادوات التي يحرث بها العدو كيفما يشاء.
وبالرغم من أن الاحداث الاخيرة التي شهدتها المديرية تضع علامات الاستفهام حول المغزى منها، يطرح الكثير من الحاقدين تساؤلات تدعي السخرية اللاذعة حول تفادي مديريتي شرعب السلام والرونة للحرب، حيث يضعون دائرة الشك والحقد، فيما الحقيقة تقول إنهم يدفعون ثمن الخيانة ببساطة.
وفي زخم الظروف والمؤامرات التي تدور في سائر البلاد، وبالرغم من الحاقدين والعابثين، كان صوت الشرفاء في شرعب السلام والرونة يطغى على أدوات الخبث والخيانة، حيث برز وجهاء وأعيان المديريتين في مواقفهم الشريفة، وعلى رأسهم العميد حميد علي عبده وبجاش علي بجاش مدير مديرية شرعب الرونة، وقناف الصوفي وأحمد سيف الذي شكل سداً منيعاً أمام محاولات العابثين بأمن المديرية، والكثير من مشائخ وأبناء المديريتين الذين تشهد لهم شرعب بمواقفهم الصارمة ضد كل من يسعى لاثارة النعرات فيها.. لم تجدِ كل محاولات العدوان نفعاً في تدنيس تراب المديرية الطاهر، كما أن العابثين الذين يمرحون اليوم سيلقون جزاءهم العادل.
وبين الاحداث والجرائم والمؤامرة يقف أبناء مديريتي شرعب السلام والرونة الشرفاء يداً واحدة وسداً منيعاً أمام كل محاولات العبث والخراب، ومثالاً للوطنية الحقة يرفعون اسم اليمن عالياً، ويبصقون في وجه العملاء والتافهين.
بالمجمل، يمكن القول بأن التداعيات الاخيرة في مديرية شرعب السلام بكل ما حملته من عنف وبشاعة، لم تأتِ من فراغ قطعاً، بل هي مؤامرة سعودية أمريكية ينفذها جحافل الإخوان.
وبالنظر لتطور الاحداث بهذه السرعة، وما رافقها من حملات إعلامية فجة، تؤكد الوقائع أن المديرية لم تعد قائمة في خيارات الحرب المؤجلة، بل يمكننا أن نحكم عليها بالفشل حتى اللحظة.
ويمكن أن نرى في ما يحدث في شرعب تكراراً لنفس السيناريو الذي أرادوه في مديرية عتمة بمحافظة ذمار، حيث أقدمت مليشيات الارتزاق التابعة لحزب الإصلاح، الشهر الماضي، على إثارة الفوضى في المديرية، إلا أنها منيت بالفشل، وتمكنت قوات الجيش واللجان من إخماد نار الحرب بغضون أسبوع فقط. وإذا ما أخذنا بالاعتبار ما حدث في عتمة والاحداث التي جرت في شرعب السلام، سنجد أن هناك تشابهاً واضحاً يفضي بمجمله إلى تخبط العدو وفشله الذريع في إدارة المعركة، فما الذي سيضيف لخياراته العسكرية أو الاستراتيجية من فتح معركة في عتمة، حتى ما إذا افترضنا سيطرة مليشياته على المديرية، إلا أن ذلك يؤكد قطعاً أن العدو بجانب أنه يسعى لتدمير منازل المواطنين وممتلكاتهم انتقاماً لخسائره المتراكمة، فإنه يبحث عن أي وهم تروجه أبواقه الاعلامية، ما يدل على حاجته الشديدة لتهدئة النفس الممزقة وصناعة انتصارات وهمية لا يمكن لها أن تسد الفراغ الواسع في جسد العدوان الواهن بقدر ما تسد ذاكرته المثقوبة.. إذ إن لا مفر من حقيقة واقعة تبدو أكثر وضوحاً تقول إنه كلما أفرط العدو بالاكاذيب فإنه يعجل بزواله.
وبين هذه التباينات والمزايا الجغرافية والسياسية التي تتمتع بها مديريتا شرعب السلام والرونة، يبدو أن التطورات القائمة في جبهات الساحل الغربي وعجز العدو عن اختراق حائط قوات الجيش واللجان، هي التي تدفع بالعدو لاثارة الفوضى في شرعب السلام وفي مديريتي مقبنة وحيس، التي شهدت أيضاً أعمال عنف لجماعات الارتزاق في الاسابيع الأخيرة، ما يعني محاولة تسخير لعبة الجغرافيا بالتوازي مع سقوط العدو في الساحل الغربي. وإذا ما كان ذلك فالنتيجة فشل حتمي لاية مغامرة يقدم عليها العدو في ظرف فات الأوان على أن يخوض تجربة الهزيمة للمرة الالف، فالذي لم يستطع النفاذ من قاع البحر منذ عامين، لا يمكنه أن يقفز فوق الجغرافيا الصلبة والجبال الشاهقة والرجال الأشداء حتى وإن قرر الانتحار.
وبما أن أبناء شرعب السلام والرونة أثبتوا قدرتهم على قطع أذيال العمالة والارتزاق من إدراكهم جيداً بخطورة اللحظة الزمنية ومؤامرات العدو على البلد، لم يكونوا ليقفوا عند التصدي لها داخل أسوار عزلهم، إلا أن يهبوا للدفاع عن الوطن من شماله إلى جنوبه، مندفعين بكل ما يملكون لمواجهة العدو الغاشم والتنكيل بجحافله.
حيث نفرت قبائل المديريتين عن بكرة أبيها منذ الوهلة الاولى للعدوان الامريكي السعودي، ورفدت الجبهات بالرجال والاموال، ليشهد أحد قادة الجيش واللجان على الدور الوطني الذي يقدمه أبناؤها، معلقاً أنه لا تكاد تخلو جبهة من جبهات الشرف الوطني إلا وكانت بندقية أبناء شرعب شاهدة على البطولة والانتصار.
وبالأخير، ورغم كيد العابثين، ستبقى شرعب السلام بلد السلام، أيقونة لامعة تعانق عنان السماء، مما يجسده أبناؤها لمعنى الحرية والكرامة في وطن نكاد نمسك خيوط الشمس حينما نتحدث عنه، ونستشعر وجودنا في هذه الارض التي تعبق برائحة الألفة والانتماء.