دمشق/خاص / لا ميديا -
فجأة، اندلعت مواجهات عنيفة، في السويداء جنوب سورية، التي تقطنها أغلبية درزية، بين الفعاليات المحلية في المدينة، ومسلحين من البدو، استدعت محاولات من وحدات الجيش، وقوى الأمن، للتدخل بداعي فض الاشتباك بين الجانبين، وسط اتهامات من فعاليات السويداء، بأن وحدات الجيش تدخلت لصالح المجموعات المسلحة، التي هاجمت المدينة، وتريد استغلال هذه الاشتباكات للسيطرة عليها.
أدت الاشتباكات إلى سقوط العشرات من الجانبين، بين قتيل وجريح، وتسجيل حالات نزوح جماعي، لأعداد كبيرة من المواطنين، هرباً من الاشتباكات وتمددها.
كان واضحاً جداً، أن ما يجري ليس مجرد حادث عادي، وإنما له امتدادات داخلية وإقليمية، أبعد بكثير من السويداء.
فالثقة مفقودة بين السلطات السورية الجديدة، والمجتمع الأهلي في السويداء، الذين يمثلهم بشكل خاص، الشيخ حكمت الهجري، الذي بدأ نشاطه قبل أكثر من عامين، عندما قاد حراكاً في المدينة، أيام نظام حكم الرئيس بشار الأسد، بسبب تفشي حالة الفساد التي سيطرت على مفاصل الحكم، وغياب الثقة بمؤسسات الدولة، وشكلت هذه الاحتجاجات تجمعا في ساحة وسط المدينة، سميت «ساحة الكرامة» وتمكنت هذه الحركة من احتكار القرار في السويداء وفعالياتها، لكن سجل يومها، أن السلطات العسكرية والأمنية، تعاملت مع الموضوع بهدوء، وبدون صدامات، رغم محاولات التحرش بالقوى الأمنية، ورغم أن الأمر أدى إلى خروج السويداء بشكل كبير، عن سيطرة الدولة.
وبعد سقوط نظام حكم الرئيس الأسد، ووصول حركة تحرير الشام (جبهة النصرة) ورئيسها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) لتولي السلطة في سورية، تعقدت الأوضاع أكثر، بين السلطات الجديدة، وفعاليات السويداء، بسبب عدم الثقة، الناتجة عن التشدد العقائدي لجبهة النصرة، والمجموعات المتحالفة معها، والتي تكفّر الدروز، وبسبب تخوف المجتمع الأهلي من حصول مجازر في مناطقهم، كما حدث في الساحل السوري، خاصة وأن اشتباكات جرت سابقاً في المدينة، وفي جرمانا وصحنايا بريف دمشق، التي تقطنها أغلبيات درزية، وأدت إلى سقوط العشرات بين قتيل وجريح.
كان لافتاً أن كل ما حدث جرى بعد يوم واحد، من زيارة رئيس السلطة الانتقالية أحمد الشرع، إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، وما تناقلته وكالات الأنباء، عن لقاءات إسرائيلية سورية رفيعة المستوى، جرت هناك، وتناولت بشكل خاص، الاستعدادات التي تجري لإنجاز اتفاق سلام بين الجانبين، ودخول سورية في الاتفاق الإبراهيمي، وما يتطلبه ذلك، من معالجة الأوضاع في السويداء، وفي شمال شرق سورية، حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية (قسد) على المنطقة، والمفاوضات التي تجري، بين السلطة السورية وقسد، لإنهاء حالة خروج المنطقة عن سيطرة الدولة السورية، والتغير المفاجئ في الموقف الأمريكي، الذي تبنى لأول مرة، وجهة نظر السلطة السورية، فيما كانت تقف سابقاً بشكل تقليدي مع قسد، في مواقفها ومطالبها.
أياً كانت الأسباب المحلية والإقليمية، التي أدت إلى هذه الجولة من الصدام، فقد حسم الأمر في السويداء، بإنهاء سيطرة المجموعات المحلية على الوضع في المدينة، ودخول وحدات الجيش، وقوى الأمن، لفرض الأمن فيها، بعد تدخلات وضغوط داخلية وإقليمية ودولية، تحدث عنها الشيخ الهجري، الذي قال «تم فرض علينا البيان المذل، من أجل حقن الدماء... علينا الوقوف وقفة عز، في وجه حرب الإبادة التي نتعرض لها».
كما صدرت بيانات من فعاليات السويداء، رحبت بدخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع لبسط السيطرة على المراكز الأمنية والعسكرية، وتأمين المحافظة، ودعت كافة الفصائل المسلحة في المحافظة، للتعاون مع قوات الداخلية، وتنظيم سلاحها، بإشراف مؤسسات الدولة.
وبعد هذه البيانات، كان لافتاً أيضاً، ترحيب قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي «بموقف الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، ممثَّلة بالشيخ حكمت الهجري» مما يؤكد حل الخلاف بين الجانبين، وإعطاء تطمينات للهجري.
حسم الوضع في السويداء لصالح السلطة في دمشق، يدخل المدينة وسورية عموماً، في قائمة الانتظار، لمعرفة ما بعد هذه الخطوة.. هل سيكون تعميق منطق الدولة، والعدالة الانتقالية، أم سيفتح الباب أمام المزيد من عمليات القتل والانتقام؟
بعد السويداء، من المؤكد أنه سيتم حسم الوضع مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على أكثر من ربع مساحة سورية، في المناطق الشمالية الشرقية، والتي أصبحت في موقف أصعب، بعد تمكن السلطات في دمشق من إنهاء الوضع في السويداء لصالحها، خاصة وأن الموقف الأمريكي شهد تحولاً مفاجئاً ولافتاً، لصالح السلطات السورية، في اللقاء الأخير، الذي جرى مؤخراً في قصر الشعب، حيث مقر الرئاسة السورية، بين رئيس السلطة الانتقالية أحمد الشرع، وزعيم قسد مظلوم عبدي، وبرعاية وحضور المبعوث الأمريكي إلى سورية، توماس باراك، وبات من شبه المؤكد، أن يتم حسم موضوع قسد وفق رؤية وموقف السلطات السورية، والذي يعني إنهاء طموحات قسد بالحكم الذاتي، أو بالفيدرالية السياسية، مع الإقرار ببعض الحقوق للمكون الكردي، بما يخص الإدارة المحلية والثقافية واللغة.
الاستعجال لحسم موضوع السويداء وقسد، والذي يعني بسط سلطة القيادة السورية الجديدة، على معظم الجغرافية السورية باستثناء ما يحتله الكيان الصهيوني في الجولان، وتركيا في بعض مناطق الشمال، يمهد الطريق لزيارة الشرع إلى نيويورك، للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن الخطوة الأهم، المتوقعة في هذه الزيارة، هو ما تناقلته العديد من وسائل الإعلام، ووكالات الأنباء الموثوقة، عن استعدادات تجري لعقد لقاء بين الشرع ونتنياهو، في نيويورك أو واشنطن، وبرعاية الرئيس ترامب، ينتج عنه التوافق على خطوات السلام والتطبيع، ودخول سورية في الاتفاق الإبراهيمي، الذي سيمهد لتعميمه على معظم دول المنطقة، وفق الترتيبات التي ينص عليها مشروع الشرق الأوسط الجديد، بنسخته الترامبية، القائمة على الفيدراليات والتنمية الاقتصادية.
ما يجري يؤكد أن سورية والمنطقة، أمام أشهر قليلة حاسمة، وحافلة بالأحداث والتطورات المتسارعة، لتحديد مساراتها، ورسم خرائطها الجيوسياسية، وسط تساؤلات، هل سينجح مشروع الشرق الأوسط الجديد، بنسخته الترامبية، أم أنه سيكون لقوى المنطقة، الرافضة لهذه المشارع، كلمة أخرى؟