قد يكون الرئيس دونالد ترامب على شفا تفجير شرارة مجاعة شاملة في اليمن – كل ذلك بسبب التحول الخفي في توجيه رسائل تحمل مخاطرة بقطع الإغاثة الإنسانية عن بلد مزقته الحرب.
جيسيكا شولبيرغ و ريان غريم| موقع “هافينغتون بوست” الأمريكي:  
حثت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ولأكثر من عام التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بعدم مهاجمة أو محاصرة ميناء الحديدة الهام الواقع على الساحل الغربي لليمن. حيث حذرت إدارة أوباما أن الجزء الأكبر من الإمدادات الإنسانية التي تدخل اليمن تتدفق من خلال الحديدة، ومهاجمة الميناء الذي يسيطر عليه الحوثيون من المرجح أن يخرجه عن العمل.

وقال عمال الإغاثة لموقع هافينغتون بوست أن التحالف الآن، جنبا إلى جنب مع الحكومة اليمنية الاسمية برئاسة عبد ربه منصور هادي، تقوم بإعادة توجيه السفن الإنسانية والتجارية التي تنقل المواد الغذائية بعيدا عن ميناء الحديدة. إن إعادة التوجيه هذه في حد ذاتها تعتبر ضربة قوية لجهود الإغاثة. ولكن يمكن أيضا أن تكون مؤشرا للقيام بهجوم وشيك.

وقال جيمي ماكغولدريك، منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة أنه طوال الأسابيع الماضية أرسل التحالف سفنا بدلا من الحديدة إلى ميناء عدن الأصغر، يبعد حوالي 250 ميلا. وقال كريستوف مورارد، ضابط لوجستي في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والذي يرأس مجموعة من المنظمات غير الربحية العاملة معا في اليمن، أن العاملين في المجال الإنساني في اليمن قد لاحظوا “تراجع حاد” في عدد السفن التي تصل إلى ميناء الحديدة “.

يتزامن تحويل مسار السفن مع الضربات الجوية للتحالف على الحديدة والهجوم العسكري الذي شنته القوات التي تقودها السعودية لاستعادة المخا، مدينة ساحلية أخرى تبعد حوالي 100 ميل إلى الجنوب. وقال مورارد أن التقاء هذه الأحداث أدى بعمال الإغاثة لوضع خطة طوارئ في حالة انتقل التحالف من المخا وأغلق الحديدة في محاولة لاستعادتها من الحوثيين.

قال ماكغولدريك عن التحالف “من الواضح أن لديهم بعض الخطط العسكرية للميناء. أنها جزء لا يتجزأ من محاولة للسعي لتسليح الاقتصاد.”

ويقول مسؤولون بالحكومة الأمريكية السابقة وعمال الإغاثة الحاليين أن أي جهد يبذل من قبل التحالف المنحاز لهادي لاستعادة الحديدة من المرجح أن يتسبب في إغلاق الميناء لفترة طويلة من الزمن. حتى أن أي وقف على المدى القصير لتدفق السلع من خلال الحديدة سيؤدي لقطع المساعدات الغذائية لإنقاذ حياة لليمنيين الذين هم على حافة المجاعة.

وقال أربعة مسؤولين في الإدارة الأميركية الحالية والسابقة لهافينغتون بوست أن إدارة أوباما، التي واجهت انتقادات من جماعات حقوق الإنسان لدعمها العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية، اتخذت موقفا متشددا ضد مهاجمة التحالف لموانئ البحر الأحمر – وخصوصا الحديدة. وضغط أوباما على وجه التحديد بشأن المسألة عندما زار العاهل السعودي الملك سلمان البيت الأبيض في 2015.

حتى في أفضل السيناريوهات إذا استعاد التحالف بنجاح الميناء من الحوثيين فإن المعركة ستخلق خطوط أمامية حول الحديدة، وهناك ما يكفي من الأسباب للاعتقاد بأن الحوثيين سيقومون بمحاولات متكررة لاستعادتها. وقال مسؤول كبير في الإدارة السابقة عمل في المنطقة مشيرا إلى مدينة عدن الجنوبية كمثال على ذلك أن “مرور المواد الغذائية من خلال هذه الخطوط سيكون صعبا مثل المرور عبر أي خطوط أخرى من خطوط المعارك”. عندما استعاد التحالف عدن في 2015، كان ميناء عدن غير قابل لوصول المساعدات الإنسانية لمدة أربعة أشهر، هذا ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية في ذلك الوقت.

لأن الحوثيون يسيطرون على المراكز السكانية الرئيسية في الجزء الغربي من البلاد، فإنه من غير الواضح ما إذا سيكون التحالف قادرا أو مستعدا لتوزيع المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء اليمن إذا نجح في الاستيلاء على الحديدة. وقال مسئول سابق ثان في الإدارة “إذا تخيلنا سيناريو حيث الجزء الأكبر من السكان يقع تحت سيطرة أحد الإطراف – بغض النظر عن من هو هذا الطرف – بينما يتم التحكم بالقناة الرئيسية لتقديم المساعدات والمواد الغذائية التجارية من قبل الجانب الآخر، فتلك بحق حقيقة كارثية”.

وبالرغم من الضغوط التي قامت بها إدارة أوباما إلا أن التحالف لم يترك دائما موانئ البحر الأحمر وشأنها.

قال السناتور كريس ميرفي، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، “أنا لا أعرف حقا ما إذا كان هناك الكثير من القيود في إدارة أوباما. نحن نظل نقول لهم لا لقصف المدنيين ولا للاستفادة المزدوجة من أهدافا مدنية إلا أنهم مستمرون في القيام بذلك. لست متأكدا ما إذا كان لدينا الكثير من السيطرة على ما كانت تقوم به السعودية والإمارات قبل تولي إدارة ترامب”.

دمرت الضربات الجوية في 2015 بعض الرافعات التي كانت تستخدم لنقل البضائع من السفن. العام الماضي، قصف التحالف الجسر الرئيسي الذي يربط مدينة الحديدة بصنعاء عاصمة اليمن – وهو هدف أدرجته الولايات المتحدة على قائمة الأهداف الممنوع قصفها. الجهود التي بذلتها إدارة أوباما للتحقيق في جرائم الحرب تحت مراقبتها كانت في كثير من الأحيان وفي أحسن الأحوال فاترة.

وفي الوقت نفسه، فإن التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يعتمد على الولايات المتحدة في الدعم العسكري والغطاء الدبلوماسي في حربه ضد الحوثيين في اليمن، أخذ اعتراضات واشنطن بعين الاعتبار. حيث قال المسؤول السابق الأول “عندما رأينا انخفاضا في تدفق الغذاء والدواء، فإننا ردينا على الفور وعموما سترون تحسنا في الكميات التي تمر . لقد كان شيئا نقوم نحن بمراقبته باستمرار.”

ورفضت وزارة الخارجية التعليق على ما إذا كان موقفها من استعادة التحالف للسيطرة على الحديدة قد تغير في ظل إدارة ترامب. إلا أن البيت الأبيض لم يرد على التعليق. وقال مسؤولون حاليون وسابقون أن تخفيف الضغط من واشنطن على التحالف قد يدفعهم إلى المضي قدما في عملية استعادة السيطرة على الحديدة – ويبدو أن إدارة ترامب لن تفعل شيئا لوقفه.

سفير الإمارات العربية المتحدة يوسف العتيبة، الذي تدفع بلده لأخذ الميناء، شهد نجمه صعودا مع انتخاب ترامب. منذ شهر يونيو وهو يقوم بتوجيه مستشار البيت الأبيض وصهر ترامب جاريد كوشنر في سياسة الشرق الأوسط.

يوم الخميس، اجتمع وزير الخارجية ريكس تيلرسون مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة لليمن ونظرائه من السعودية والإمارات وسلطنة عمان والمملكة المتحدة لمناقشة الصراع. قراءات وزارة الخارجية في الاجتماع أشارت للعملية التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الصراع والحاجة إلى التسليم غير المقيد للمساعدات الإنسانية. كان غائبا بشكل واضح من القراءات أي ذكر، كما كان يتم أدراجه في التصريحات السابقة، للحاجة لوقف إطلاق النار في اليمن. يتم تحليل قراءات وزارة الخارجية بعناية كلمة كلمة من قبل فريق من الخبراء يدركون أن حتى تغيير طفيف في الصياغة يمكن أن يرسل إشارة ذات مغزى.
(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

يتتبع شبكة نظام الإنذار المبكر للمجاعة مسارات ندرة الغذاء في جميع أنحاء العالم عن طريق مقياس من واحد إلى خمسة. المرحلة الخامسة هي المجاعة. ويقدر أن ما بين سبعة و عشرة ملايين شخص في اليمن هم في المرحلة الثالثة، مرحلة الأزمة. هؤلاء السكان، على الأقل اثنين مليون شخص هم في المرحلة الرابعة، مرحلة الطوارئ.

وقال جيريمي كونينديك، كان مدير المساعدات في حالات الكوارث الخارجية في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية حتى الشهر الماضي “إذا كان هناك خلل خطير لهذا المنفذ، أعتقد، أنه سيكون كافيا لدفع البلاد إلى المجاعة”. وردد المسؤول السابق الأول “إذا كانوا سيعزلون الحديدة، تستطيع أن ترى عدة محافظات في اليمن ربما قد تتحول إلى مجاعة”.

ووصف ماكغولدريك، منسق الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، الحديدة بأنها “شريان الحياة الذي نستخدمه لتوفير 80٪ من الاحتياجات الإنسانية في البلاد”. تأتي 20 في المئة الأخرى عن طريق عدن. ولكن ميناء عدن، الذي لم يتم بناءه لخدمة البلد بأكمله، هو أصغر في الحجم من الحديدة ومعزول جغرافيا عن معظم سكان اليمن.

وقال ميرفي “نحن نلام حاليا عن البؤس البشري داخل اليمن، والظروف هناك تجعل اليمنيين متطرفين ضد الولايات المتحدة. يجب أن تحاول سياستنا تخفيف البؤس البشري وليس اتخاذ خطوات من شأنها أن تزيد منه. هذا أمر سيئ من منظور أخلاقي ولكنه أيضا سيئا حقا من منظور الأمن القومي. أي شيء يزيد من الكارثة الإنسانية التي تتكشف في اليمن سيكون سيئا بالفعل بالنسبة لأمريكا “.

لم يرد التحالف لطلبات متعددة للحصول على تعقيب من خلال عدة قنوات. لكنه دافع عن العمليات العسكرية في جميع أنحاء موانئ البحر الأحمر في الماضي باتهام الحوثيين بتهريب الأسلحة من إيران خلال الميناء ومنع تدفق المساعدات.

نفى ماكغولدريك أن هناك أي “تحويل شامل” من المساعدات الإنسانية من قبل الحوثيين، وقال ان جزء البحر الأحمر المؤدي إلى الميناء هو “واحد من أكثر الامتدادات المائية حراسة في هذا الجزء من العالم.”

وقال ماكغولدريك ” الكثير من عدم قدرتنا على جلب البضائع عن طريق الحديدة تم حظره من قبل التحالف السعودي. انهم يسيطرون على خطوط الشحن. ويتحكمون في القوارب التي تأتي”.

كانت هناك دائما فصائل داخل وزارة الخارجية أرادوا إعطاء السعودية والإمارات المزيد من الحرية لخوض الحرب ضد الحوثيين. الهجمات اللفظية العادية لترامب على إيران، التي تساعد في تسليح الحوثيين، قد شجعت اولئك الذين روجوا للتشدد في وزارة الخارجية.

وقال السفير السابق لدى اليمن جيرالد فيرستاين إذا نجح التحالف في السيطرة على الحديدة وإصلاح البنية التحتية المدمرة، وجعل الأولوية لجلب المساعدات الإنسانية من خلال الميناء “يمكن أن يكون في الواقع تطورا إيجابيا جدا” في الصراع. وأضاف “لكن كل ذلك هو محط علامات استفهام”.

يرى متشددين مناهضين لإيران أن الحرب ضد الحوثيين هي حرب بالوكالة ضد إيران، ولكن وكالات الاستخبارات الأميركية التي تتولى اعتراض الاتصالات تبين أن إيران حثت في الواقع الحوثيين بعدم شن الحرب. إلا أنه عندما بدأ الصراع كانت إيران سعيدة لتقديم أسلحة إلى الحوثيين، من أجل أن تتسبب في مشاكل لمنافستهم في المنطقة، السعودية.

وقال مسؤولون في الإدارة الحالية والسابقة أنه أثناء ولاية إدارة أوباما كان هناك البعض في وزارة الخارجية الذين لم يعترضوا على محاولة التحالف الذي تقوده السعودية لاستعادة السيطرة على الحديدة وغيرها من موانئ البحر الأحمر. وقال المسؤول السابق الثاني لقد كانوا يعتقدون أن فقدان ميناء (والإيرادات التي تأتي من تشغيله) يمكن أن تحقق للحوثيين “موقف تفاوضي أكثر قبولا”. من الممكن أن يأتي، ولكن يمكن أن يكلف ذلك المجاعة.

وكان آخرون في الإدارة السابقة مشككون في هذا المنطق. واضاف المسؤول ان “التحالف يقصف البلد بشده منذ عامين من الآن”. “كل تقدم من قبل التحالف كان من المفترض أن يكون مغيرا للعبة التي من شأنها أن تجلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات. [وقالوا] فقدان عدن سيكون مغيرا للعبة التي من شأنها أن تجلب الحوثيين إلى طاولة – لكنها لم تغير وضعهم كثيرا”.

وقال المسؤول السابق الأول “هناك أناس قد تعتقد أن هذه وسيلة لإنهاء الحرب بسرعة. وهذا خيال.”
*جيسيكا شولبيرغ : مراسل الشؤون الخارجية في هافينغتون بوست
*ريان غريم: مدير مكتب هافينغتون بوست في واشنطن

ترجمة: جواهر الوادعي: المراسل نت