أثار الصراع الاماراتي السعودي في عدن أجندات كثيرة، وأظهر نوايا خبيثة إلى سطح المشهد، فبقدر الخلافات الإماراتية السعودية العميقة، إلا أن الكثيرين يرون عكس ذلك تماماً، وأن الصراع القائم يفتح ملفات عديدة وخطيرة تؤكد ضلوع قوى غربية ودولية وراء الصراع الذي يفتح الافق لصراعات طويلة قد تشعل حرباً كونية.
تجلت النتائج الاولية للصراع الذي لم ينتهِ في الامد الحاضر، من خلال تواجد سعودي مكثف في عدن، مصحوباً بانتشار واسع لميليشيات الإصلاح، وتوسع نشاط القاعدة في عدة مدن جنوبية، بينما أفضى إلى انكسار واضح لقوات الغزو الاماراتية في معارك الساحل الغربي.
الصراع الذي أثار حفيظة الكثير من الموالين للعدوان والمحايدين، أبقى الفصائل الجنوبية على حالها تغوص في سبات عميق، وتقتل بعضها البعض، فيما ظل الشارع الجنوبي المكبد بالتناقضات أرضاً خصبة لتمرير مشاريع العدوان.
فخلال معارك دموية وصراعات فتاكة بين قوى الاحتلال وأدواتها، يعيش أبناء الجنوب حالة من الرعب والقلق، فيما لم يجد الشرفاء منهم متسعاً للتعبير عن الوجع المتفاقم في شارع مكتظ بالنفايات الخارجية والعملاء والقوادين لم تجمعهم سوى روابط الارتزاق والعمالة، فلا مشروع وطني ولا دولة في توجهاتهم، يقاتلون ويقتتلون لمصلحة العدو الذي ينكل بهم.
الصراع الذي نتج عنه قمة ثلاثية عاجلة في الرياض بين الفار هادي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد، لتهدئة الوضع، تكللت بالفشل عندما أرسلت السعودية سريتين عسكريتين إلى السواحل الغربية للبلاد، ما يؤكد أن السعودية عازمة على إزاحة التواجد الإماراتي في المشهد الجنوبي لتعزيز مواقفها عند الامريكي المستاء من ضمور نتائج الحرب على اليمن.
فالصراع القائم بين قوى الغزو الإماراتية والسعودية في جنوب اليمن، يظل في محل تفسيرات كثيرة تفضي في مجملها إلى أن الصراع لم يعد مجرد اختلاف مصالح الاعداء، وإنما مؤامرة قذرة تدار من غرفة عمليات العدوان، يديرها محرك الحرب الأمريكي، الذي يسعى جاهداً وبشتى الوسائل لتمرير مشروعه التدميري في اليمن.
مؤامرة أمريكية قذرة أدواتها الإمارات والسعودية، ووقودها أبناء الجنوب الذين وقعوا ضحية في فخ العدوان ومغرياته.
وكما أن الصراع القائم يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك حجم الهوة بين أطماع الإمارات والسعودية، وسذاجة الأطراف الداخلية والقيادات الخبيثة التي تلعب بالنار، وحجم المأزق الذي دخلت فيه السعودية بإيعاز من أطراف كبرى، إلا أنه يؤكد انهزام دول تحالف العدوان وعجزهم عن تحقيق نصر عسكري أمام قوات الجيش واللجان الشعبية، كما عبر عنه الكثير من المحللين العسكريين.
ومن منظور آخر، يرى بعض المحللين السياسيين أن السعودية وجدت نفسها خالية الوفاض من أي مكسب سياسي طيلة عامين من الحرب، فقوات الجيش اليمني ولجانه تتوغل داخل أراضيها، وتتقدم بشكل يومي، وتسيطر على عدة مدن، هذا الامر يدفع بالعدو السعودي للاتجاه نحو المناطق الجنوبية لاحتواء المشهد الذي تسطو عليه الإمارات، حيث قامت قبل أيام بإرسال سريتين عسكريتين إلى الساحل الغربي، لقيادة عمليات التحالف، كخطوة لإضعاف التواجد الإماراتي، والتمسك ولو بمكسب ضئيل يعفيها من دفع ضريبة الحرب بمفردها.
من جانب آخر، اعتبر الكثير من المحللين السياسيين الموالين العدوان أن حزب الإصلاح وراء ما حدث في عدن، مؤكدين أنه يسعى لزعزعة الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها الإمارات، حيث نشر الكاتب الإماراتي خالد القاسمي، عبر سلسلة من التغريدات في حسابه الرسمي بـ(تويتر)، اتهامات لحزب الإصلاح بأنه وراء ما يحدث في الجنوب، وأكد أن حادثة مطار عدن، الأحد قبل الماضي، كشفت الدور الخبيث لهذا الحزب أمام أبناء الجنوب، مشيراً إلى أن أبواق الحزب الإعلامية بدأت ببث سمومها ضد الإمارات.
كما اتهم حزب الإصلاح بـ(الإرهاب)، وقال إن حزب الإصلاح حرك شبكاته الإرهابية لترويع الآمنين من أبناء عدن.
من جانبه، نشر الكاتب السعودي جمال خاشقجي، المقرب من الإخوان، تغريدة على حسابه في (تويتر)، أكد فيها أن ما سماه (الشطر الجنوبي) من اليمن بحاجة لتدخل سعودي يحميه من مغامرات مستعجلة، تهدد هدف عاصفة الحزم، مشيراً إلى أن السعودية هي من ترى الصورة كاملة.
ويرى مراقبون أن الخاشقجي بدأ هو الآخر يستخدم النغمة الانفصالية عندما قال (الشطر الجنوبي)، في محاولة لاستمالة الشارع الجنوبي المؤيد للانفصال، والذي بدأ يتماهى مع الغزل الإماراتي الذي يستغل المزاج الانفصالي المناوئ للإخوان.
مهما تباينت الرؤى والتحليلات، يجزم الجميع بأن احتدام الصراع في الساحة الجنوبية هو مسوغ لمشروع التقسيم والاقلمة، حيث يسعى الامريكيون من خلال خلق الصراع الإماراتي السعودي، إلى إظهار حدة الانقسامات بين الاطراف الجنوبية لفرض مشروعها التقسيمي حسب معايير الولاء لقوى الاستعمار.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار فقوى العدوان الإماراتية والسعودية أدوات في محرك العدوان الامريكي ورهائن قرار البيت الأبيض، والفصائل الجنوبية وقود لهذه القوى ورهائن المشروع التدميري، فالجميع يد
ور في حلقة مفرغة، أدوات رخيصة تباع وتشترى وتقتل داخل مربع ضيق وتحت لافتات عريضة إماراتية وسعودية.
فيما يرى آخرون أن خطورة الصراع في المناطق الجنوبية تتمثل في التنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة) المنخرطة في معادلة الصراع، والتي تتسع رقعتها شيئاً فشيئاً، حيث إنها قد تكون مبرراً لتدخل أمريكي مباشر في اليمن، وقد تسعى قوى أخرى بجانبها إلى أن تتواجد بنفسها، وتفتح صراعاً دولياً تذوب فيه كل الصراعات المفتعلة بين فصائل الارتزاق.
بالمجمل، يمكن القول بأن الصراع الحاصل اليوم بين تحالف قوى الاستعمار، لم يكن مفاجئاً، بل هو نتيجة طبيعية لتحالف مبني على مصالح قائمة على قهر شعب نبيل ومظلوم، وإجهاض ثورته، ورفض خروجه من تحت الوصاية الامريكية الخليجية.
ما عاد للتضليل مجال، فالمناطق الجنوبية التي تعتبرها الاطراف الجنوبية محررة، فهي قابعة تحت الاحتلال الإماراتي السعودي من جهة، وتحت احتلال قاعدي داعشي يلتهم جغرافية الجنوب من جهة أخرى.
نحن الآن أمام نزاع خطير يهدد أبناء الجنوب كافة، فصراع المصالح لن يستثني أحداً، كما أن التحشيد والتحالفات المتباينة وانقسام المشهد بين مؤيدين للإمارات من ناحية وبين مؤيدين السعودية من ناحية أخرى، يخلق وضعاً مخيفاً يفتت لحمة المجتمع الجنوبي ومستقبله، حتى إذا افترضنا حدوث فك الارتباط في المستقبل، فالجنوب مهدد بالتقسيم لدويلات متعددة سعى العدو الامريكي لرسمها مبكراً.
ومن جانب آخر، أكد مسؤولون مقربون من هادي أن السعودية رفضت طلب مليار دولار كان تقدم به هادي لدعم خزينة البنك المركزي في عدن، الامر الذي علق عليه البعض أن السعودية بجانب دعمها لميليشيات هادي لا تعول عليه مطلقاً، بل تسعى من خلال ذلك لابعاده كلياً من المشهد.
إلى جانب ذلك، يبقى هادي مجرد أداة رخيصة تحركها قوى الاستمعار حسب أهوائها، بينما يظن من فر من البلاد بالخزي والعار أنه رقم يمكن أن يفرض نفسه في ساحة ضيقة يغيب فيها الجنوب وأبناؤه.
وبالاخير، تبقى حماقات الاطراف الجنوبية المنغمسة في مستنقع العدوان هي التي أوصلت الوضع إلى منعطف خطير يضع الجنوب اليمني على موعد مع الخراب والتمزق بين مؤامرات قوى الاستعمار وبين حماقات الفصائل الجنوبية المتناحرة.