اليمن بالحبر العبري -
سلط بروس جونز، الزميل في مركز «تالبوت» للأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا التابع لمعهد بروكينجز، الضوء على خيارات الغرب في مواجهة هجمات جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين) على السفن التجارية المتجهة إلى الكيان الصهيوني في البحر الأحمر، مشيرا إلى 3 احتمالات رئيسية.
ذكر جونز، في تحليل نشره بموقع مجلة «فورين بوليسي»، أن البحر الأحمر هو أكثر المسطحات المائية إثارة للجدل في التاريخ، فقد كان موقعاً لمنافسة القوى العظمى لمدة 500 عام على الأقل، بدءاً من بحث البرتغاليين عن الطريق البحري إلى آسيا، وصولاً إلى الحرب الباردة، ويظل الرابط التجاري الأكثر أهمية بين آسيا وأوروبا.
وأضاف أن سفن الحاويات تمثل العمود الفقري للتجارة اليوم، خاصة تجارة الطاقة، التي يعبر منها 7.1 مليون برميل من النفط و4.5 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي مضيق باب المندب (المدخل الجنوبي للبحر الأحمر) يومياً، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
لذا فإن الهجمات التي تشنها قوات الحوثيين على السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني في الأيام الأخيرة تنطوي على احتمال حدوث اضطراب كبير، خاصة بعدما توقفت شركات شحن الحاويات في العالم، بما في ذلك (MSC) و(Maersk) و(Hapag-Lloyd) و(Cosco)، عن إرسال السفن عبر هذه البحر الأحمر خوفاً من الخسائر في الأرواح أو الأضرار.
ومن هذا المنطلق جاء تشكيل قوة بحرية جديدة بقيادة الولايات المتحدة، تحمل لقب «حارس الازدهار»، وهي تحالف بحري لحماية الشحن من هجمات الحوثيين، ستعمل تحت رعاية آلية موجودة مسبقاً، وهي القوات البحرية المشتركة، وهو أكبر تحالف بحري لـ»مكافحة القرصنة والإرهاب» في العالم، ويعمل انطلاقاً من البحرين.
وحتى الآن، انضمت 9 دول رسمياً إلى القوة البحرية الجديدة، رغم أن بعضها قدم مساهمات متواضعة للغاية مثل كندا، التي أرسلت 3 ضباط ولم ترسل أي سفن حتى الآن، فيما تفيد تقارير بأن دولا أخرى وافقت بهدوء على المشاركة أو المساهمة بالقوة.
ومن هذه الدول الهند، التي تضع هجمات الحوثيين بعض مصالحها على المحك، خاصة في ظل العدد الكبير من الهنود بين أطقم الخطوط التجارية الكبرى، وهي حتى الآن ليست جزءاً من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لكنها تساهم بسفينتين في هذا الجهد بشكل مستقل.
وهنا يشير جونز إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا أسستا منذ فترة طويلة قواعد في جيبوتي لاستعراض القوة عبر البحر الأحمر، وانضمت إليها مؤخراً اليابان والصين، ويعمل الاتحاد الأوروبي انطلاقاً من القاعدة الفرنسية لدعم عملية أتالانتا، وهي قوة عمل لمكافحة القرصنة تحمي التجارة في البحر الأحمر وخليج عدن، إلى جانب قوة المهام المشتركة 151 بقيادة الولايات المتحدة، والتي لها المهمة نفسها.

عدم التناظر
ومع ذلك فإن المناوشات بين هذه القوات وبين الحوثيين بدت معركة غير متناظرة بشكل مدهش، إذ باستخدام حفنة من الصواريخ والطائرات المسيّرة، نجح الحوثيون في تعريض أحد أهم شرايين الاقتصاد العالمي للخطر.
وأدى عدم التماثل إلى تركيز بعض النقاش على تكلفة الطائرات المسيرة مقابل تكلفة الصواريخ المستخدمة للدفاع عن السفن، وهو ما يراه جونز قياسا خاطئا، موضحا أن «القياس الصحيح هو تكلفة الصاروخ مقابل تكلفة الهدف».
وأضاف: «إذا نجح هجوم بطائرة مسيّرة فقد يؤدي إلى تدمير سفينة تبلغ قيمتها أكثر من 50 مليون دولار وتحمل بضائع تجارية من المحتمل أن تكون في نطاق 500 مليون دولار، وفي بعض الحالات ضعف هذه المبالغ».
ويلفت جونز إلى مشكلة حقيقة أخرى تتعلق بحجم السفن في القوة البحرية وترسانتها، فالسفن الأساسية المستخدمة في هذه العمليات هي مدمرات الولايات المتحدة من طراز (Arleigh Burke)، بالنسبة للمملكة المتحدة، التي تبحر بترسانة مكونة من 60 صاروخاً تقريباً، وهي مفيدة لإسقاط الطائرات المسيرة أو الصواريخ. لكن الوتيرة التي يشن بها الحوثيون الهجمات تجعل السفينة الحربية الواحدة عرضة لاستهلاك ذخيرتها في غضون بضع ساعات إلى أسابيع، ما يجعلها بحاجة إلى التناوب، ولا توجد طريقة لتجديد هذه الصواريخ في البحر.
وإذا واصل الحوثيون وتيرة الهجمات وكان لديهم إمدادات ثابتة من الطائرات المسيّرة والصواريخ، وهو ما يبدو مرجحا وفق تقدير جونز، فإن تكلفة الحفاظ على عملية مرافقة بحرية، بما في ذلك تكاليف تشغيل السفينة الحربية الواحدة، سترتفع بسرعة إلى مليارات الدولارات.

خيارات سلبية
وإزاء ذلك، يرى جونز أن الغرب يواجه 3 خيارات، لكل منها جوانب سلبية خطيرة:
الخيار الأول: أن يعيد توجيه الشحنات التجارية بعيدا عن البحر الأحمر، في الوقت الحالي، وحتى يتم تجميع قوة الحماية البحرية، وهو ما تقوم به شركات الشحن التي بدلت طريق البحر الأحمر إلى الطريق الطويل حول رأس الرجاء الصالح قبالة جنوب أفريقيا.
ويشير جونز، في هذا الصدد، إلى أن ذلك حدث ذلك من قبل، عندما تم إغلاق قناة السويس نتيجة للحروب العربية الصهيونية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. لكن التجارة البحرية كانت آنذاك تمثل جزءا صغيرا من التجارة العالمية قياسا بما تمثله الآن.
ومن شأن تغيير المسار عبر رأس الرجاء الصالح أن يطيل وقت عبور السفن وتكلفة وقودها من الموانئ الآسيوية إلى الموانئ الأوروبية، بنسبة تصل إلى 60٪ فضلا عن مضاعفة تكاليف شركات الشحن، التي ستمررها بدورها إلى المستهلكين، فضلا عن عرقلة إنجاز أعمال التصنيع العالمية في الوقت المناسب.
ويرى جونز أن هذا الخيار قد يكون محتملا لمدة أسبوع أو أسبوعين، لكن إذا استمر لفترة أطول فإن تعطيل سلاسل التوريد البحرية العالمية سيكون كبيراً.
الخيار الثاني: مهاجمة مصدر الصواريخ والطائرات المسيّرة، للقضاء على تسلحه أو لردع هجماته. وهنا يلفت جونز إلى أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يواجه انتقادات بالفعل لأنه لم يأذن بعد بهذا الخيار.
لكن جونز يرى أن الكلام عن هذا الخيار سهل؛ لكن تحقيقه أقل سهولة، إذ لن يكون من الصعب للغاية على قوات الحوثي إخفاء قواتها ومخزونها من الطائرات المسيّرة والصواريخ من الاستهداف الأمريكي، وعليه فإن أي هجمات من مجموعتين هجوميتين لحاملات طائرات أمريكية في المياه القريبة يجب أن تكون واسعة النطاق إلى حد كبير.
الخيار الثالث: توسيع التحالف البحري. وهنا يشير جونز إلى أن التحالف القائم لم تنضم له ألمانيا، ما عرضها لبعض الانتقادات؛ لكن سبب عدم مشاركتها يبدو وجيهاً، إذ هناك مطالب متزايدة على البحرية الألمانية المتواضعة في مياه شمال أوروبا، «حيث يستعرض الروس عضلاتهم»، حسب تعبيره.
وأضاف أن الولايات المتحدة طلبت من أستراليا الانضمام للتحالف، لكنها قدمت حجة مضادة مفادها أنه من الأفضل نشر قدرتها البحرية المتواضعة في غرب المحيط الهادئ.
ومن الممكن أن تساهم اليابان في التحالف، خاصة أن لها قاعدة في جيبوتي، حسب توقعات جونز، وربما الصين، التي تملك قاعدة قريبة وسجل طويل من المساهمة في عمليات مكافحة القرصنة في المحيط الهندي.
وإزاء الاحتمال الأخير، يشير جونز إلى «معضلة» بالنسبة للغرب، الذي سيكون مخيرا بين أن يدفع منفرداً ثمن حماية التجارة البحرية العالمية، التي تعد الصين أكبر مصدر لها والمستفيد الرئيسي منها، أو قبول المشاركة الصينية في التحالف البحري، وبالتالي المساعدة في تسهيل نمو الصين وقدرتها على تقديم نفسها كقوة بحرية كبرى.
ويخلص جونز إلى أن هناك تناقضاً عميقاً بين واقع العولمة، التي تعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية وعلى الصين، وواقع التنافس الجيوسياسي، حيث تبرز أهمية القوة البحرية بسرعة باعتبارها بُعداً مركزياً، لافتا إلى أن التوترات والخيارات السيئة باتت كثيرة في البحر الأحمر، لكنها أيضاً نذير بخيارات أكثر صرامة ومياه مضطربة في المستقبل.

 بروس جونز
 «فورين بوليسي»