تقرير :عادل بشر / لا ميديا -
بعد عام كامل من وقوع المجزرة بحق 21 طفلاً من المصابين بـ«لوكيميا الدم» في مستشفى الكويت بصنعاء، ونحو 25 جلسة شهدتها قاعة المحكمة، أسدلت محكمة غرب الأمانة، الستار على هذه القضية، التي شغلت الرأي العام في اليمن فترة من الزمن.
وأصدرت المحكمة، أمس الأحد 24 أيلول/ سبتمبر 2023م، الحكم في جريمة الدواء الملوث الذي أودى بحياة 11 طفلاً من مرضى لوكيميا الدم فـي مستشفى الكويت بصنعاء، وتسبب بإصابة 10 آخرين بمضاعفات، بينهم طفلان بمركز الأورام في سيئون بمحافظة حضرموت، أواخر أيلول/سبتمبر 2022م.

وقائع الجلسة
خيَّم القلق والوجوم على القاعة الكبرى التي امتلأت بالحضور، وتدجَّت سحابة سوداء مخلوطة بالخوف والتوتر فوق وجوه المتهمين الذين احتلوا الركن الأيسر للقاعة، عدا المتهم الأول الذي جرت محاكمته طوال جلسات التقاضي وهو خلف القضبان.
توسط القاضي أسامة الجنيد منصة التقاضي، وبدأ بالنداء بالقضية، فاشرأبت الأعناق، ووقف نصف الحضور، أو يزيدون قليلاً، للاستماع لمنطوق الحكم.. أرهف الجميع السمع، صمتت الأفواه، وضجّت الصدور.
استهل القاضي الجنيد الجلسة، باستعراض جزء من أسباب وحيثيات الحكم، وما توصلت إليه المحكمة من إثباتات ودلائل، من خلال محاضر ضبط مجموعة أدوية خاصة ببعض المتهمين، منها دواء (methotrexate)، المُتسبب بالجريمة، وكذلك محاضر الإفراج عنها واستلام الأصناف وتسعيرتها، وغيرها من الوثائق التي تضمنها ملف القضية.
وجاء في حيثيات الحكم، أن ما ورد في تلك المحاضر “يؤكد وجود تزوير وتبديل للمحاضر من قبل الهيئة العليا للأدوية، حيث إن الثابت للمحكمة أن الأدوية التي أفرجت عنها الهيئة العليا للأدوية من منفذ الراهدة الجمركي، هي نفس دواء الـ(methotrexate) وهو نفس الدواء الملوث محل قرار الاتهام، وأن هيئة الأدوية قامت بذلك التزوير لإخلاء مسؤوليتها ومسؤولية من صرحت لهم بدخول ذلك الدواء وهما المتهمان الثاني فهد أبو بكر سالم، والرابع عبدالله العريقي”.
وبينت المحكمة تلك التأكيدات في عدد من النقاط -لا يتسع المجال هنا لذكرها- وخلصت جميعها إلى ذات النتيجة وهي “قيام الهيئة العليا للأدوية  بالتزوير في تلك المحاضر”، وأشارت المحكمة إلى أنها سبق أن قررت في الجلسة التي عقدتها بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر الجاري، تكليف النيابة بإحضار جميع الأدوية المتعلقة بالجريمة والمضبوطة لدى الهيئة العليا للأدوية، إلا أنه لم يتم إحضار سوى 9 فيالات فقط، وهي نفس التشغيلة محل قرار الاتهام، بينما الثابت لدى المحكمة أن الهيئة أصدرت، بعد وقوع كارثة الأطفال بنحو 15 يوماً، تقريراً بشأن بعض التشغيلات الدوائية المهربة، وتضمن التقرير في صفحته الأولى أنه تم سحب ما وُجد في السوق بكمية 73 فيالة بتشغيلات مختلفة، إلا أن الهيئة لم تنفذ قرار المحكمة بإحضارها كاملة.
وأشار القاضي الجنيد إلى أن الثابت للمحكمة أن الغرض من عدم إحضار الـ73 فيالة “حتى لا ينكشف أمر الهيئة العليا للأدوية”.
وتُعد هيئة الأدوية إحدى الجهات التابعة لوزارة الصحة، وتحت إشراف الوزارة والوزير شخصياً.

تقصير وعدم استشعار بالمسؤولية
وتطرقت حيثيات الحكم إلى مركز علاج الأورام السرطانية، حيث أفادت أن “مركز الأورام قصر في أداء مسؤولياته ولم يقم بتوفير أدوية السرطان التي توزع مجاناً لمرضى السرطان، رغم توفر الإمكانيات اللازمة للمركز، وكان عليه أن يقوم بإنزال مناقصات لوكلاء الشركات الدوائية، بتوفير أدوية السرطان ورسم سياسة متناسبة مع الظروف التي تمر بها البلاد من الحصار وصعوبة إيصال الأدوية، لكنه قصر وأهمل في أداء واجباته ومسؤولياته”.
وأضافت المحكمة أن “المسؤولين في وزارة الصحة وإدارة مركز الأورام، لم يستشعروا أن البلد يعيش في حالة حصار، وكان على المركز إيجاد بدائل ويسعى بكل الوسائل لتوفير الأدوية المنقذة للحياة مهما كلف الثمن”.. لافتة إلى أن “قيام مسؤولي المركز بتوفير أدوية منقذة للحياة يمثل جزءا من الصمود والتحدي في مواجهة العدوان على اليمن، كما أن فرض الحصار على اليمن لا يعفي مركز الأورام من توفير الأدوية المنقذة للحياة”.

النطق بالحكم
بعد ذلك تلا القاضي أسامة الجنيد منطوق الحكم، الذي تضمن 16 بنداً، قضت بإدانة فيصل محمد عوض وفهد أبو بكر محمد سالم وعبدالله رشيد العريقي، بالتسبب بالخطأ بقتل 11 طفلاً من مرضى لوكيميا الدم، وإصابة 10 آخرين بمضاعفات خطيرة.. وإدانة الهيئة العليا للأدوية بتقديم مساعدة للمدانين الثلاثة.
وكذلك إدانة كل من صلاح عبدالواحد العامري، صلاح عبدالله غانم الحميري، هيثم البكاري، وعمرو رشيد العريقي ببيع أدوية مهربة وبالتهم المنسوبة إليهم في قرار الاتهام.. وبراءة المتهم يوسف علي صويلح من التهم المنسوبة إليه.
كما قضى منطوق الحكم، بمعاقبة المدانين فيصل عوض وفهد أبو بكر سالم وعبدالله رشيد العريقي بالحبس مدة سنة مع وقف التنفيذ، وإلزامهم بدفع ديات القتل الخطأ وتسليمها لأولياء دم الأطفال الـ11 المتوفين، وكذلك دفع مبلغ أحد عشر مليون ريال لأولياء دم الأطفال المتوفين، مقابل أغرام ومخاسير التقاضي، ودفع مبلغ عشرين مليون ريال، تُسلم لأولياء أمور الأطفال الـ10 المصابين، تعويضاً لهم عن الأضرار التي تعرضوا لها ومقابل نفقات التقاضي.
وقضت المحكمة بمعاقبة الهيئة العليا للأدوية، بدفع غرامة مبلغ وقدره عشرة ملايين ريال لصالح وحدة لوكيميا الأطفال بمستشفى الكويت الجامعي، وإلزام الهيئة بدفع مبلغ عشرة ملايين ريال لأسرة كل طفل متوفى، وخمسة ملايين ريال، لكل طفل مصاب، تعويضاً لهم عن الأضرار التي تعرضوا لها، وإلزام الهيئة، أيضاً، بمعالجة الأطفال العشرة المصابين بالمضاعفات، على نفقتها الخاصة.
كما قضى منطوق الحكم، بمعاقبة المدانين صلاح الدين عبدالواحد العامري وصلاح عبدالله غانم الحميري وهيثم البكاري وعمرو رشيد العريقي بدفع مبلغ ثلاثمائة ألف ريال عن كل واحد منهم وتسلم للخزينة العامة للدولة.. وإحالة شركة CELON LABS (سيلون لابز) الهندية، للتحقيق مع ممثليها بواقعة صناعة دواء (methotrexate) مُبكتر، والمتسبب بقتل وإصابة الأطفال الـ21، وعلى النيابة الرفع بقرار الاتهام وتقديم الشركة للمحاكمة عاجلاً.. وكذلك إحالة عبدالملك سلطان فاضل إلى النيابة العامة للتحقيق معه بواقعة تهريب أدوية (methotrexate) المبكترة والمتسببة بالجريمة، وسرعة تقديمه للمحاكمة.
وتضمن منطوق الحكم، إلزام وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية ومكاتب الصحة في محافظات الجمهورية، ووحدة مكافحة التهريب، بتحمل مسؤولياتهم القانونية وتطبيق وتنفيذ التشريعات القانونية الخاصة بالصحة والرقابة على سوق الأدوية والتأكد من مدى التزام المنشآت الطبية والصيدلانية بالمعايير الطبية، وإلزام هيئة الأدوية بالرقابة على مصانع الأدوية المحلية والخارجية، التي تورد أدوية للجمهورية اليمنية، والتأكد من مدى التزام تلك المنشآت بالمعايير الصحية وشروط التصنيع حسب مواصفات الصحة العالمية، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه المخالفين.
وكذا إلزام وزارة الصحة بتوفير أجهزة فحص أدوية العقامة للمختبر المركزي الوطني للرقابة الدوائية وتوفير كافة الاحتياجات اللازمة للمختبر عاجلاً، وإلزام وكلاء الشركات الدوائية الخارجية الممتنعين عن التوريد إلى اليمن، بسبب الحرب والحصار، بأن يقوموا بالتوريد كما كان الوضع قبل الحرب، وفي حال امتناعهم يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمه، بما في ذلك تقديمهم للمحاكمة بتهم الإضرار بالأمن الصحي للجمهورية اليمنية، وكذلك إلزام وزير الصحة والمركز الوطني لعلاج الأورام بتوفير الخدمات الطبية لعلاج الأورام وتطوير القدرات والكفاءات العلمية والعملية للعاملين وتأهيلهم وتوفير الدعم اللازم للمستشفيات التي يوجد فيها أقسام خاصة بلوكيميا الدم، وإلزام وزير الصحة ومدير مستشفى الكويت الجامعي بالعمل بما جاء في توصيات اللجنة عن المركز الوطني لعلاج الأورام وتوفير الاحتياجات اللازمة لوحدة لوكيميا الأطفال بمستشفى الكويت، وإلزام النيابة العامة بمصادرة وإتلاف أدوية الـ(methotrexate) بجميع التشغيلات والمضبوطة بحوزة المدانين.
وحمّل منطوق الحكم الأمم المتحدة وتحالف العدوان على اليمن المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية نتيجة الحصار وصعوبة إيصال الادوية والمستلزمات الطبية إلى اليمن.

“لا” وكارثة الأطفال كقضية
وكان الأطفال من مرضى لوكيميا الدم في مستشفى الكويت بصنعاء، قد تلقوا بتاريخ 24-25 أيلول/ سبتمبر 2022، جرعة من دواء (methotrexate) المصنع لدى شركة CELON LABS (سيلون لابز) الهندية، ليتضح لاحقاً أن الدواء ملوث وأودى بحياة 11 طفلاً، وأدخل 10 آخرين العناية المركزة نتيجة للمضاعفات الخطيرة التي تسببت بها الجرعة الفاسدة.
وخلال الفترة الممتدة بين 24 أيلول/ سبتمبر و12 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تم التكتم على الجريمة، حتى تسرب الخبر إلى وسائل الإعلام والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، الذين نظموا، حينها، حملة للمطالبة بمكاشفة الرأي العام بتفاصيل الجريمة ومحاكمة المتسببين والمتورطين فيها علناً، فتم تقديم تسعة متهمين للمحاكمة، ونشر الإعلام الرسمي خبراً يتيماً عن الجلسة الأولى، وسُرعان ما خفتت القضية من جديد، وأدخِل الإعلام والرأي العام في سُبات مفتوح، ليجد أهالي الأطفال الضحايا أنفسهم وحيدين في معركة غير متكافئة، وأملهم الوحيد مُتعلق بعدالة المحكمة.
وكانت صحيفة “لا” الوحيدة التي أعادت إحياء القضية إعلامياً، من خلال الالتقاء بعدد من أهالي الأطفال الضحايا، وطرح مأساتهم ومعاناتهم أمام الرأي العام، وكذلك مواكبة مستجدات المحاكمة وحضور الجلسات ونقل مجرياتها بالكلمة والصورة.

محطات
منذ أواخر سبتمبر/ أيلول 2022 وحتى اليوم شهدت قضية وفاة وإصابة أطفال لوكيميا الدم، محطات عدة، نُلخصها في التالي:
23 تشرين الأول/ أكتوبر 2022: باشرت نيابة غرب الأمانة التحقيق في هذه القضية، وتوالت التحقيقات، حتى خلصت النيابة إلى قرار اتهام لتسعة أشخاص قدمته إلى محكمة غرب الأمانة.
25 تشرين الأول/ أكتوبر 2022: أوصى مجلس النواب في جلسته التي عُقدت بحضور وزير الصحة العامة والسكان، بتعويض أسر الأطفال الضحايا بـ10 ملايين ريال للوفيات و5 ملايين للمصابين، تدفعها وزارة الصحة، إلا أن الأخيرة لم تنفذ القرار.
13 كانون الأول/ ديسمبر 2022: عقدت محكمة غرب الأمانة أولى جلساتها للنظر في القضية.
15 آذار/ مارس 2023: وجه مجلس النواب مذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء أوضح فيها أنه تلقى شكوى من أهالي الأطفال الضحايا بأن الصحة “لم تلتزم بدفع المبالغ المقررة، وعليه يتم تنفيذ ما أُقر في الجلسة ما لم نحملكم المسؤولية كاملة”.
21 آذار/ مارس 2023: قررت محكمة غرب الأمانة إلزام الهيئة العليا للأدوية بصرف مبلغ مليون ريال لأسرة كل طفل متوفى ومصاب، كنوع من التعويضات المستحقة لهم، غير أن الهيئة استمرت في الرفض ولم تنفذ القرار إلا في أيلول/ سبتمبر 2023.
23 آذار/ مارس 2023م: وجه رئيس حكومة الإنقاذ مذكرة إلى وزيري المالية والصحة، حول مذكرة البرلمان بالتعويضات، طالباً منهما الاطلاع وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جلسة مجلس النواب.
4 نيسان/ أبريل 2023: وبعد نحو خمسة شهور من المتابعة لوزارتي الصحة والمالية، رفع أولياء أمور الأطفال المتوفين والمصابين جراء الجرعة الملوثة، شكوى إلى رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير مهدي المشاط، ناشدوه فيها التوجيه للجهات المعنية بتنفيذ قرار مجلس النواب، وحتى تاريخ النطق بالحكم لم يتم تنفيذ توصيات البرلمان.