«لا» 21 السياسي -
حتى لا يكمل اليمنيون العام كاملاً في خانة اللا سلم واللا حرب، ولكي يصلوا إلى السلام الذي يلبّي شروطهم، أو الحرب التي تُمكّنهم من فرْض هذه الشروط، ومن أجل ألا يتحوّل التهديد باستئناف القتال إلى لازمة متكرّرة من دون تطبيق عملي، أتت رسائل قائد الثورة، السيّد عبد الملك الحوثي، خلال لقائه قبل الأخير بالوفد العُماني، حاسمة وواضحة، حيث قال لضيوفه: «لن يجوع الشعب اليمني بعد الآن»، مؤكداً أننا «سنستخدم كلّ ما لدينا من إمكانات لرفع الحصار عن الشعب اليمني، والاستفادة من موارده وثرواته».
إن إحدى الرسائل التي حُمِّلت للوفد العُماني إثر زيارته العاصمة اليمنية أواخر الشهر الماضي، مفادها أن «أمن إمدادات النفط السعودي والشركات النفطية في السعودية والإمارات وسلامتها مرهونان بوقف العدوان بشكل كلّي ورفع الحصار من دون مماطلة وتسويف».
ولتأكيد جدية تلك الرسالة أُعطيت القوات العسكرية المعنيّة الإشارة للجهوزية الكاملة بما يضمن نوعية المعركة، ولتشمل كلّ الساحات، بما فيها البحر الأحمر وباب المندب، و»أرامكو» في العمق السعودي، فضلاً عن العمق الإماراتي، لترفع صنعاء منسوب المواجهة عبر أربعة عناوين أساسية في وجه الرياض، التي أعلنت الموافقة المبدئية عليها على أن تخضع للتفاوض التفصيلي مقابل المطالبة بضمانات أمنية لها. والعناوين هي: رفع الحصار، عدم التدخّل في الشؤون الداخلية اليمنية، دفع التعويضات، والخروج من اليمن.
وتبع تلك الرسالة رسالة أخرى وأخيرة بعثت بها حشود مسيرة «الحصار حرب» إلى تحالف العدوان، وتضمنت رفض الشعب اليمني في أكثر من 14 ساحة وميداناً أي سلام يستثني الحصار، وأيّ هدنة لا يقبل فيها العدوان مطالب الشعب اليمني الإنسانية الملحّة التي لا يمكن المساومة عليها.
وهكذا رسالة تفهمها عواصم دول العدوان جيداً، وتذكرها بمسيرات مليونية مشابهة حملت العنوان ذاته في السابع من آذار/ مارس 2022، عندما أعلن الشعب تأييده «الخطوات العسكرية التي تتخذها القيادة كافة في ردع العدوان وكسر الحصار على الشعب اليمني»، ولم تمضِ سوى 5 أيام حتى جاءت رسائل القوات المسلحة ترجمة عملية لمطالب الشعب ضمن عمليات كسر الحصار الثلاث باتجاه العمق السعودي، وباتجاه عصب الاقتصاد السعودي.
ويلاحظ مسارعة الوفد العماني بالعودة مجدداً إلى العاصمة صنعاء بعد أسبوعين فقط من مغادرتها، وهو ما يشير إلى وصول الرسائل المشار إليها أعلاه سريعاً إلى من يهمه الأمر، وإن أبدى عدم اهتمامه بها. كما يدل على ظفر العمانيين بإجابات إيجابية ولو اضطرارية على الأسئلة المغلقة التي حملتها لهم القيادة.
وبغض النظر عن تواتر الحديث عن تفاهمات متعلقة بالملف الإنساني متضمناً الرواتب والمطار وميناء الحديدة والأسرى؛ إلا أن من الواضح تجاوز المفاوضات المكوكية هكذا ملف -وإن كان ذا أولوية- إلى ملفات أخرى، كاشتراط صنعاء قَبل أيّ حوار انسحاب القوات الخارجية من اليمن بدون قيد أو شرط.
فالأمر اتسع -كما يشير الزميل خالد العراسي- ليشمل كثيرا من الأمور الأخرى، بعد أن «أيقنت السعودية أنها الخاسر الأكبر، لاسيما بعد أن كانت قد أصيبت بتذبذب اقتصادي وعجز مالي كبير، وها هي اليوم في ظل السلام استعادت أنفاسها ويصعب عليها تخيل العودة إلى مرحلة مرمطة سمعتها وضرب أهم وأكبر منشآتها والإنفاق العسكري المهول دون أي منفعة، لأن العجلة عكسية بعد أن كانت السعودية مؤخرا تتجرع الهزائم تلو الأخرى، وتلك ذكريات تعيسة وكابوس مؤرق، والعودة إلى الحرب ستجعلهم يشعرون بأن كل ما مضى يعتبر نزهة بالمقارنة مع ما هو قادم، بعد تطور التصنيع العسكري، بينما كانت الإمارات تنهب ذهب ومعادن اليمن وثروته السمكية وتعمل في البحر الأحمر كحارس وخادم للكيان الصهيوني».
وبرغم ذلك يستمر الأمريكي في الضغط أكثر على السعودي من أجل إبقاء حالة اللا حرب واللا سلم هي السائدة؛ كونه مستفيدا من هذا الوضع أولاً، وراغباً ثانياً في أن يبقى اليمن ورقة ابتزاز في التوتّر بينه وبين ابن سلمان، والأخير سيكون معنياً أكثر من أي وقت مضى باتخاذ الخيار المناسب؛ فإما السعي وراء رؤية 2030، وإما البقاء خلف «باتريوت» وأمام «ذو الفقار»، حيث لا يمكنه حينها رؤية أي شيء.