غازي المفلحي / لا ميديا -
هناك من اليمنيين وممن يعدون أنفسهم مثقفين أو أكثر فهما من الآخرين، من يقفون في صف العدوان، بل يبررون له كل ما يرتكبه من مجازر في حق أبناء وطنهم، ويبحثون عن تعريفات بديلة للعدوان الظالم والدموي والحصار والحقد الشامل على اليمن أرضا وإنساناً والجريمة التاريخية التي ترتكب بحق اليمن بشكل مختلف.
وفي محاولة لتقليد الغرب في ما تسمى «حرية الرأي والتعبير»، يجمع هؤلاء بين العدوان والقوى المدافعة عن الوطن في مصطلح «أطراف متحاربة»، ويرون في مسألة الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك حرية شخصية، أما تأييد العدو والمحتل فهو ليس سوى مجرد وجهة نظر، بالنسبة لهم.
وفي هذا التقرير سنحاول كشف حقيقة حرية الرأي والتعبير في الولايات المتحدة والدول الغربية، بخاصة في أوقات الحروب.

غزوات أمريكية
بالرغم من ادعاء الولايات المتحدة والدول الغربية مركزية حرية الرأي والتعبير في دساتيرها وقيمها، إلا أن هذه الدول في الحقيقة تقمع هذه الحريات ولا تسمح بها عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا لتلك الدول سواء في السياسات الداخلية أو الخارجية. تقمعها بـ«الإرهاب الناعم» وتسكتها وتخفي الحقائق، وأحيانا يصل الأمر لاستخدام القوة.
والحقيقة تُقتل في الدول الغربية بطرق خفية تسمح لأمريكا والغرب ادعاء احترام حرية الرأي، وابتزاز واتهام الآخرين بعدم احترامها.
عندما تشن أمريكا عدوانا أو غزوا فالأصوات المعارضة لها لا تظهر إلا في إطار مناكفات ومكايدات اليمين واليسار والأمريكي وبشكل مقنن لا تؤثر على مسار وأهداف «الفيل» و«الحمار» الأمريكيين النهائية.
وحتى كتاب الرأي في الصحف القومية الأمريكية يتوجب تزكيتهم من الكونجرس ولكن عندما توجد بعض الآراء الشعبية أو المؤسسية المستقلة المعارضة بوضوح لسياسات أمريكا واعتداءاتها فإنها تقمع فعلا ولا يسمح لها بالظهور.
في مناسبات كثيرة منعت الولايات المتحدة عرض أفلام تنتقد حروبها، مثل غزو العراق وأفغانستان وتدخلها في حرب الخليج سابقا.
كما مُنع ممثلين أمريكيون وغربيون من المشاركة حتى في بعض مسرحيات وفعاليات بسبب آرائهم المناهضة لبعض الغزوات الأمريكية ومناهضتهم للصهيونية.
من ضمن الأفلام التي منعت في الولايات المتحدة، مجموعة من الأفلام الوثائقية بعنوان «جذور غضب المسلمين»، والتي تتهم الصهيونية بأنها السبب الرئيسي وراء نقمة المسلمين على الغرب، وأعدها الصحفي البريطاني روبرت فيسك، وهو صحفي بارز حاصل على جائزة الصحافة البريطانية لعام 1995م كأفضل صحفي بريطاني قادر على عرض الأخبار السياسية الدولية وتحليلها. وسبب المنع أنها أثارت غضب اللوبي الصهيوني، الذي هدّد شبكة التلفزيون بسحب الإعلانات ذات المردود المادي منها.

قتل الصحفيين
حرية الإعلام المباشر ونشر المعلومة انكشف زيفها من خلال التعتيم الذي مارسته الإدارة الأمريكية على حظر نقل وقائع الحرب على أفغانستان والعراق وقتلها الصحفيين الذين حاولوا تغطية تلك المعارك.
خلال غزو العراق قصفت القوات الأمريكية فندق فلسطين وقتلت عددا من الصحفيين الأجانب بينهم صحفيون من إسبانيا وفرنسا وأستراليا ودول أخرى أجنبية وعربية، بالرغم من علم القوات الأمريكية بوجود الصحفيين في الفندق. وردت الولايات المتحدة على طلب إسبانيا «إيضاحات» حول الجريمة، بأن الفندق كان هدفا مشروعا وقد أطلقت منه النيران.
وتساءلت منظمة العفو الدولية حينها: هل ذلك الاستهداف محاولة لدفع الصحفيين للتخلي عن تغطية معركة بغداد؟!
كانت تلك هي الحقيقة، فالقوات الأمريكية أعلنت بهذه الجرائم أن الصحافة التي تدعم وجهة النظر الأمريكية هي فقط المرحب بها، ورأت في البقية شهودا مزعجين على مذابحها.
وكان من ضمن القتلى صحفية أردنية وصحفيون أمريكيون أيضاً، كما قتل مصور وكالة «رويترز» الفلسطيني مازن دعنا برصاص الجنود الأمريكيين أمام سجن أبو غريب، وتم اعتقال عشرات الصحفيين.
وقد أطلقت جمعية «مراسلون بلاد حدود» على يوم 8 أبريل 2003 «الثلاثاء الأسود» للصحافة الدولية بسبب عمليات القتل الكثيرة التي ارتكبتها القوات الأمريكية بحق الصحفيين.

حرية بـ«خطوط حمراء»
هناك العديد من انتهاكات حرية الرأي والتعبير القريبة التي قامت بها الولايات المتحدة والمرتبطة بشكل رئيس بمصالح اللوبي الصهيوني وكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يعد أداة مهمة لتحقيق مخططاتها.
فالولايات المتحدة الأمريكية لا تكفل الحرية إلا لمن يتماهى مع مخططاتها ولها «خطوط حمراء» أمام من يقترب من مصالحها أو من اللوبي الصهيوني، فهناك العديد من الولايات الأمريكية التي لا يحق فيها لأي أمريكي أن ينتقد كيان الاحتلال الإسرائيلي، وإذا ما تجرأ أحد على فعل ذلك فإنه يعرض نفسه للعقاب.
من الشواهد على ذلك اعتذار صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن نشر كاريكاتير عام 2019 يظهر فيه رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هيئة كلب إرشاد يقوده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي يبدو كفيفا ويضع على رأسه قبعة بما يعكس سيطرة اللوبي الصهيوني وتأثيره في سياسات الإدارة الأمريكية.
وقد اعتذرت الصحيفة تحت ضغط ممثلي اللوبي الصهيوني الذين رأوا في الكاريكاتير فضحا لسيطرتهم المطلقة على الإدارات الأمريكية، ولم تكتف بذلك، بل أطلق مدير المطبوعة آرثر غريغ سالزبرغر «إجراء تأديبيا» ضد المسؤول عن النسخة الدولية الذي اختار نشر كاريكاتير الرسام أنطونيو موريرا أنتونيز. كما قرر التوقف عن نشر رسومات كاريكاتير تعرضها شركة خارجية.

أمريكا الحقيقية
قال الكاتب والباحث الألماني غريت ماوتنر، في مقال له نشره موقع «نيو إيسترن آوت لوك» عام 2020، إن حرية التعبير تعرضت للاعتداء في الولايات المتحدة على الرغم من أنه يتم التعتيم على حالات كهذه فيما تواصل واشنطن التبجح بالشعارات الفضفاضة عن حرية التعبير.
وأضاف ماوتنر أن الحقائق تظهر انتهـاك الولايات المتحــــدة لأبسط مبادئ حريــــة التعبير، وأن مستشارة ترامب كيليان كونواي كانت تعتمد مجموعة من المصطلحات الجديدة بما فيها مصطلح «حقائق بديلة» في محاولــة للالتفاف على الحقائــق.
وبالنسبة للشؤون الداخلية فقد احتجز الصحفي الكندي إدوارد أو، وتم منعه من تصوير مظاهرة للهنود الحمر احتجاجا على تنفيذ مشروع خط أنابيب للطاقة بولاية داكوتا، وتمت مصادرة هاتفه وكاميرا التصوير. وفي 2014 احتجزت السلطات الأمريكية، بحسب الباحث، 14 صحفيا أثناء «اضطرابات فيرغسون» التي حدثت عقب مقتل الشاب الأسود، مايكل براون، في 9 أغسطس 2014، على يد الشرطة الأمريكية.
2013 تجسســة الحكومـة الأمريكيـة على الأمريكيين وجمعت 3 مليار معلومة استخباريــــــة والواقع والتاريـــخ الأمريكيــان يزخران بكثير من هذه القصص التي تعرف العالم بالنهــج الأمريكــي الحقيقي، وإن كانت في الماضي أكثر انفضاحا من اليوم. كفضيحة «المكارثيــة» في الأربعينيـات والخمسينيـات من القرن الماضي، وهي أسلوب توجيه اتهامات بالتخريب أو الخيانة دون مراعاة للأدلة، ويشير المصطلح إلى السناتور الأمريكي جوزيف مكارثي، وهو جمهوري من ولاية ويسكونسن.
وقد انتشرت المكارثية في الولايات المتحدة خلال الفترة المعروفة باسم «الذعر الأحمر الثاني»، وتميزت بقمع سياسي متصاعد وحملة لنشر الخوف من التأثير الشيوعي، على المؤسسات الأمريكية، ومن تجسس العملاء السوفييت، وتم اتهام الكثير من الأمريكيين بأنهم شيوعيون أو متعاطفون مع الشيوعية.
وكان ضحايا المكارثية الأكبر هم موظفو الحكومة، العاملون في صناعة الترفيه، والأكاديميون ونشطاء النقابات العمالية.
وعانى كثير من الناس من فقدان وظائفهم أو تدمير حياتهم المهنية، كما تعرض البعض منهم للسجن.
 
الحرية مقموعة في أوروبا
القارة العجوز (أوروبا) ليست أفضل من أمريكا، وحرية الرأي والتعبير مكفولة إذا كانت فقط كما تود الحكومات ولوبي رأس المال اليهودي. عام 2019 في أوروبا وفي قلب مدينة فيينا، العاصمة النمساوية، هتفت جموع من الناس حول دار «آرتيس» للعرض: «نريد مشاهدة الفيلم!»، بعد أن ألغَت المنشأة الثقافية النمساوية العرض الأوّل لفيلم «يلا يلا» أو (Yallah Yallah) الذي حضر مخرجه الأرجنتيني كريستيان بيروفانو خصيصاً لمشاهدته، والذي اضطر إلى إلقاء كلمته في الشارع عن أول إنتاج مشترك أرجنتيني ـ فلسطيني. وسبب الإلغاء أن الفيلم لم يعجب القوى الصهيونية كالعادة، لأنه يتيح للجمهور حول العالم معايشة ما يجري خلف الحواجز العسكرية والجدران الرمادية الكئيبة، من خلال واقع كرة القدم المقيّدة تحت الاحتلال الصهيوني.
ومما طفا من أحداث قمع الصحافة في أوروبا، مداهمة الشرطة البريطانية مبنى صحيفة «الغارديان» بعد نشرها التسريبات التي أدلى بها إدوارد سنودن (الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي). ومسحت كافة البيانات في وحدات التخزين بحواسيب الصحيفة!
أثناء المظاهرات التي خرجت ضد قانون العمل الجديد في فرنسا، أجبرت الشرطة الفرنسية مصورا فوتوغرافيا بمدينة رين على مسح الصور التي التقطها للمتظاهرين، وفي المظاهرة نفسها تعاملت بخشونة مع 3 مصورين صحفيين!
في ألمانيا، فتحت السلطات دعوى قضائية ضد مراسلين يعملان لصالح صحيفة «فوكس» الألمانية الأسبوعية، بتهمة نشرهما «وثائق سرية للدولة» تتعلق بفعاليات دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية إبان حرب العراق.
وبالذريعة ذاتها داهمت الشرطة الألمانية مبنى مجلة «Cicero» الألمانية.

«حرية النشر والتقطيع»
بالنسبة لحرب دول تحالف العدوان على اليمن والآراء المناهضة لها من داخل تلك الدول، فلا يوجد ما يستحق العرض والكتابة عنه، فبشكل عام كل رأي مخالف لتصرفات محمد بن سلمان في السعودية ومحمد بن زايد في الإمارات سيلاقي صاحبه مصيرا شديد القتامة، وهذا على مستوى الآراء المعارضة للسياسات الداخلية وما يتعلق بحقوق المواطنين وحقوق المرأة في قيادة السيارة! والذي أدى ببعض الأصوات إلى السجن لـ25 عاما وأكثر.
أما بالنسبة للآراء المعارضة للحرب العدوانية -أمريكية القرار وخليجية الواجهة- على اليمن فلم يسجل أو يرصد من عارضها من الداخل الخليجي خصوصا السعودي، ولم يتجرأ أحد في تلك الدول على التفكير في معارضتها. وحتى المعارضون السعوديون الذين في الخارج فإنهم ليسوا بمأمن من انتقام وبطش أيادي محمد بن سلمان، فهم يلاحقون ويصفون بأبشع الطرق، كما حصل مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي كان يعارض على خجل ويطالب بإصلاحات في السعودية، فلاقى مصيرا مروعاً بعد أن قتل وقطع بالمنشار وأخفي جثمانه إلى الآن.
كما استطاعت السعودية التجسس على بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» الذي يستخدمه بعض المعارضين السعوديين. استخدمته السلطات السعودية لكشف وتتبع أولئك المعارضين وأماكن تواجدهم في الخارج..ويرى بعض المراقبين أن تطبيق «تويتر» قد أصبح وسيلة محمد بن سلمان للوصول لمعلومات المغردين المعارضين له بعد أن استحوذ على نصيب الوليد بن طلال في حادثة اعتقال الأمراء ورجال الأعمال في فندق الريتز كارلتون عام 2017، ويصل نصيب الوليد بن طلال لأكثر من 5% من أسهم شركة تويتر، وهي ثاني أكبر نسبة مساهمة من بين جميع الشركاء، لذلك فقد صار لمحمد بن سلمان نفوذ قوي على التطبيق الذي يتهم وترفع ضده دعوى بعدم قدرته على حماية معلومات مستخدميه.
والحرب العدوانية على اليمن والتي جلبت للسعودية الويلات الاقتصادية والعسكرية وأدخلت العزاء إلى بيوت السعوديين وهو ما قال محمد بن سلمان إنه حريص على ألا يحصل، تعد فرضا مقدسا مسلما به لا يعترض عليه إلا خائن في السعودية والإمارات.
إذا كان هذان النظامان يطلقان صفة خائن على كل من يبدي ولو معارضة بسيطة لعدوانهما على اليمن، وبالتالي أليس من المفترض في المقابل أن أي مواطن يمني يؤيد العدوان أو يقف في صف المعتدي على بلده أن يوصف بالخيانة؟!
فللأسف، هناك من اليمنيين ممن يتدثرون بالقيم من مثقفين وصحفيين وناشطين، على اتفاق مع العدو وجرائمه ضد بلادهم وأبناء جلدتهم، لم يقتنعوا بشر العدوان الظالم والدموي والحصار والحقد الشامل على اليمن أرضا وإنساناً، ويظنون أن التصريح بالعداوة تجاه التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي سينتقص من ديكور القيم الإنسانية والتقدمية وغيرها التي يتذرعون بها.
ففي الوقت الذين يدعون فيه إلى تمثل هذه القيم تجدهم يتخلون عن أغلى وأسمى القيم، وهي القيمة الوطنية الجوهرية في كينونة الإنسان، فلا ولاء ولا غضب يظهر منهم لأجل الأرض والدم اليمنيين.