طاهر علوان الزريقي / مرافئ -
احتلت الواقعية في الظرف الراهن مكان الصدارة، وإن كل فيلم لا يقرب الواقعية حتى لا نقول صورة طبق الأصل عن الواقع هو خارج الفعل السينمائي الهادف، وما أنتجته الصناعات السينمائية الغربية والمختلفة منذ بداياتها حتى اليوم لم يكن في أغلبها سوى امتصاص ساذج للعواطف والعقول والنقود وعملية رخيصة للخداع والأكاذيب، إنتاج استهلاكي كما آلاف السلع التي تسوقها وسائل الإعلام.
هناك طبعاً صنّاع الأفلام الهادفة والملتزمة والتي لا تحقق المداخيل الإيرادية الضخمة، ولكنها تحقق القدر الهائل من النجاح لدى المشاهدين، وعلى سبيل المثال لا الحصر فيلم «المدينة الزجاجية» الذي تتمحور أحداثه حول المصير الفاجع لسكان المدينة الزائفة والتي لا تحمل أي معنى من اسمها «المدنية» و«العمران»، «التحضر»، «المحبة»، بل هي الدمار الإنساني والعزلة والدهشة الإنسانية، هي الكبت والتفسخ وضياع الإنسان الاجتماعي، هي كل تلك الأحلام المقهورة التي لا تتحقق وتلك الأوهام التي تطاردها الناس كما تطاردهم، وحيث تختلط الأضواء الفاخرة بالزخارف والفخامة وبعلب الصفيح والأرصفة التي ظلت تتسع دائماً لملايين المتسكعين والمشردين المطرودين من «الجنة الموعودة»، حيث تولد مدينة الاستغلال والبترول والجشع مجرد كومة من الزجاج الهش باهت الألوان وتولد معها مؤشرات «حضارة» فاسدة تلفظ أنفاسها الأخيرة لأنها «حضارة العميان»، وهو الاسم الرمزي للمدينة حيث الناس يدركون العالم كما يوصف لهم بالصورة التلفزيونية أكثر مما يعرفونه عن طريق حواسهم ومعايشتهم ومعاناتهم وإدراكهم الخاص.