خـاص دمشق  - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
أنهت الحرب العدوانية الإرهابية الشرسة على سورية عامها العاشر ودخلت عامها الحادي عشر، ولا تزال لدى تحالف العدوان الأوهام بتحقيق مشاريعه الاستعمارية، وفي مقدمتها مشروع الشرق الأوسط الجديد في سورية والمنطقة، لكن هذه الأوهام تتلاشى وتنهار.
عشر سنوات شكلت أكثر من ضعف الزمن الذي استغرقته الحرب العالمية الثانية، وتحالف عدواني ضم خلال أول اجتماع لما سمي زوراً وبهتاناً "أصدقاء سورية" الذي عقد في تونس 120 دولة، وهو أكبر بكثير من عدد الدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية، وبتمويل فاق تكاليفها بعدة أضعاف، بعدما فتحت لهذا العدوان خزائن الخليج وفي مقدمته بنو سعود وضخوا فيها باعتراف المجرم حمد بن جاسم 138 مليار دولار، لكن هذه التكاليف بلغت 1,2 تريليون دولار باعتراف تقرير أوروبي صدر قبل أيام، وقال إن الحرب في سورية فاقت عشرة أضعاف ميزانية الاتحاد الأوروبي.
كما سخر لهذه الحرب الأشرس في التاريخ ضد شعب مسالم كالشعب السوري، قطعان من الإرهابيين والمرتزقة من حوالي مئة دولة، نفذوا عملياتهم وإرهابهم بإشراف مباشر من غرفتي عمليات ضمت ضباطاً كباراً، من أمريكا و"إسرائيل" وتركيا والسعودية وقطر والأردن ودول أخرى، تمركزت الأولى (الموك) في الأردن والثانية (الموم) في تركيا، ومن أجهزة استخبارات أشرفت بشكل مباشر على العمليات، وتم تزويدهم بأحدث معدات التسليح والاتصالات والتشويش، وسخر لهم حشد من وسائل الإعلام قارب الألف، منها أكبر وسائل الإعلام الغربية، من محطات تلفزيونية وإخبارية وإذاعات وصحف ومواقع الكترونية، مارست أضخم علمية تزوير وتضليل في التاريخ واضطرت خلالها عدة وسائل إعلامية عالمية للاعتراف بتزوير تقاريرها، ومنها "بي بي سي"، "رويترز"، و"سي إن إن".
كما سخرت لها الأمم المتحدة ومؤسساتها وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي؛ لكن الفيتو الروسي الصيني كان لهم بالمرصاد ومنعهم من تكرار الخداع والغش الذي مارسوه في ليبيا.
كما سخروا منظمة الأسلحة الكيميائية، وفبركوا تقارير من خلال مندوبين كتبوا تقاريرهم المعدة سلفاً عن بعد، لأن أقدامهم لم تطأ المواقع التي استخدم فيها الإرهابيون أسلحة كيميائية، بهدف اتهام الجيش السوري باستخدامها، واتخاذ ذلك ذريعة للعدوان على سورية وضرب الجيش السوري ومؤسسات الدولة، وذلك بإشراف مباشر من أجهزة المخابرات الغربية وفي مقدمتها البريطانية تحديداً، التي تشرف مباشرة على عمل تنظيم الخوذ البيضاء، الذي يتبع جبهة النصرة الإرهابية، والمكلف بتنفيذ هذه العمليات الكيميائية، فيما كلفت المخابرات الفرنسية بالإشراف المباشر على هجمات العصابات الإرهابية على المطارات ومواقع الدفاع الجوي السوري واستهداف الطيارين. وما تم في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية رأيناه في كافة منظمات الأمم المتحدة ومؤسساتها الأخرى، الأمر الذي وضع الأم المتحدة في موضع شك، وستكون المطالبة بإيجاد منظمة جديدة أحد مفرزات التغير الذي نراه في التوازنات الدولية الجديدة التي تتشكل.
كان قادة حلف العدوان يتوقعون سقوط سورية في براثن العصابات الإرهابية خلال فترة لن تتعدى شهرين، أو ثلاثة أشهر في أسوأ الأحوال. وحدد وزراء خارجية تحالف العدوان سبعة مواعيد للاحتفال بسقوط دمشق. لكن كل هذه المواعيد والأوهام ذهبت أدراج الرياح، فتوقف الوزراء عن تحديد مواعيد لاحتفالهم الشيطاني، وما زالوا يحلمون بموعد لن يأتي ولن يحدث.
وعندما فشل الوكلاء من قطعان الإرهابيين والمرتزقة، ظهر الأصلاء، فتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والكيان الصهيوني بشكل مباشر، تارة لدعم عمليات المجموعات الإرهابية، وتارة عبر تنفيذ اعتداءات هنا وهناك، ثم حضروا بشكل مباشر من خلال السيطرة على مناطق استراتيجية، كما هو حال الأمريكيين في منطقة التنف، عند مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، أو في حقول النفط والغاز لسرقة ثروات الشعب السوري، وكذاك حال التركي بقيادة حكومة أردوغان الإخوانية، فيما العدو الصهيوني يحاول جاهداً وباستمرار خلق قواعد اشتباك جديدة، يستعيد فيها حرية حركته في العدوان لكن بدون أي نجاح.
وعندما فشلوا في الميدان السوري والولوج منه للسيطرة على كامل المنطقة وعلى ثرواتها وإرادة شعوبها، وسعوا عدوانهم نحو العراق واليمن ولبنان. لكن حلف المقاومة ومحاربة الإرهاب، كان يرسخ جذوره ويثبت إمكاناته، وانتقل من مرحلة الدفاع السلبي، إلى مرحلة الدفاع الإيجابي، وهو يستعد للانتقال إلى مرحلة امتلاك زمام المبادرة، وتحديد المسارات، والهزيمة النهائية لمشاريع العدوان بالجملة، من مشروع الشرق الأوسط الجديد، إلى المشروع الصهيوني، إلى العثمانية الجديدة.
صحيح أن الجميع مأزوم، والجميع يتألم، لكن من يتابع مواقف وتصريحات أطراف تحالف العدوان هذه الأيام، يعرف أنهم أصبحوا في أزمات عميقة، ويدرك حجم الأزمات التي يعيشونها جراء تهاوي مشاريعهم، وفشل اعتداءاتهم، من سورية إلى اليمن مروراً بالعراق ولبنان، وفي كل منطقة أشعلوا حروبهم الإرهابية فيها، سعياً وراء حلم موعود وأمل مفقود، بالسيطرة على كامل المنطقة وعلى ثرواتها وإرادة شعوبها.
ورغم المكابرة التي مازلنا نسمعها من تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين ومن معهم في تحالف العدوان، حول الحل السياسي في سورية، فإن الوقائع تؤكد أن كل هذه التصريحات ليست سوى اجترار لكلام لم يعد موجوداً على الأرض، بعد التغيرات الميدانية التي فرضتها انتصارات الجيش العربي السوري وصبر وصمود الشعب السوري، وبدأت مؤشرات هزيمة المشروع تتبدى عند تحالف العدوان بتصريحات ومواقف تبدو خجولة في تعابيرها لكنها تحمل في جوهرها محاولات للنزول من الشجرة التي صعد إليها، وخاصة أدواته في السعودية وتركيا والكيان الصهيوني، والتقليل ما أمكن من الخسائر، وهم يدركون أن ما هو مطروح اليوم على الطاولة لن يكون أمامهم في المستقبل القريب.
تحاول الولايات المتحدة اليوم المراهنة الأخيرة على ما تبقى من أشلاء داعش، وما تقوم به مع الكيان الصهيوني من عدوان مباشر هنا وهناك، وعلى ما تمارسه من إرهاب اقتصادي وحرب نفسية على الشعب السوري. لكن سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، يعرفون نوايا واشنطن وتحالفها العدواني، ويعرفون الطريق لمقاومة ما تبقى في جعبة الأعداء من أوهام، رغم المعاناة ورغم الألم ومحاولات التجويع، ولن يكون هناك أي حل سوى ما يريده الشعب السوري ويوافق عليه، وسيأتي اليوم الذي ستعلن فيه سورية وكل من معها من حلف المقاومة ومحاربة الإرهاب انتصارهم، وعندها سنكون أمام منطقة جديدة معمدة بدماء الشهداء والجرحى، وصلبة كصبر السوريين ومقاومتهم، لكنها ستكون خالية من الإرهاب والأعداء، وسيكون ذلك مقدمة لتوليد المنظومة الإقليمية والدولية الجديدة التي تتشكل من رحم انتصارات سورية ومن معها في حلف المقاومة ومحاربة الإرهاب، على المشاريع الصهيونية الأمريكية، وعندها سيكون لنا حديث آخر.