أنس القاضي / مرافئ لا -

يحاول «المجلس الانتقالي» في جنوب اليمن، بأن يسوّق لمشروعه السياسي على أساس من تعدد الجهات الجغرافية للبلاد، وأمست مقولة «جنوبيون» هي المشروعية المتوهمة للانفصاليين الجدد. وتلعب هذا المقولة دوراً تخريبياً مضاداً للوحدة الاجتماعية الوطنية اليمنية، وصولاً إلى حد اعتبارها مُسلّمة لا تناقش. والخطورة لا تكمن فقط في ترديدها من قبل دعاة الانفصال، بل وأيضاً من قبل المناهضين للنزعة الانفصالية أو المتعاطفين مع مظلومية حرب صيف 94. 
 نعت الجنوب ينصرف إلى الانسان اليمني الذي يعيش في المحافظات الجنوبية من الوطن، فالأصل بأن هذا الانسان يمني. حقائق التاريخ اليمني ومساره الاجتماعي المتطور النزاع للاندماج والتلاحم، منذ إنشاء أول دولة وطنية يمنية حديثة (شمال البلاد عام 1918، وفي جنوب الوطن عام 1967)، أن الهوية التقدمية المتطورة للشعب في جنوب الوطن وشماله يمنية لا ريب فيها، ولا مبرر واقعي للردة عنها إلى هويات مضادة للمستقبل، سواء كانت مختلقة من قبل الاستعمار كهوية «الجنوب العربي»، أو هويات تعود لزمن التشظي الإقطاعي (قاسمية، صليحية، رسولية، قعيطية، كثيرية، حوشبية ..الخ).
مفاهيم مثل «حق الشعب في تقرير المصير»، و«الحكم الذاتي»، لا تنطبق على وجود تعدد في التجمعات السكانية القاطنة في الجهات الجغرافية للبلاد، بل تقوم على أساس وجود قوميات مضطهدة محرومة من حقوقها المدنية، فيكون من العدل أن تقيم دولة خاصة بها لتمارس حقوقها المدنية وتتمتع بثرواتها. وهذه الأسس لا تنطبق على إشكالية القضية الجنوبية اليمنية التي تسببت بها حرب 94. والعالم اليوم يتجه نحو الوحدة والاندماج والتكتلات الدولية الكبيرة بين دول مختلفة قومياً ودينياً، ومن قارات مختلفة، لا نحو تفكيك ما يؤلف وحدة اجتماعية تاريخية ثقافية. 
إن رفضنا للنزعة الانفصالية لا يعني إنكارنا للمظلومية التي تسببت بها حرب 94 العدوانية، بل ندعو لحلها على أساس من الهوية اليمنية والسيادة الوطنية والعدالة والديمقراطية، والثورة ضد تحالف «7-7». 
ونتذكر اليوم ما قاله عبد الله باذيب في مواجهة الانفصاليين القدامى: 
«إن دعوتنا إلى الوحدة اليمنية ليست نزوة مؤقتة أو عاطفة غامضة، ولكنها دعوة وطنية صادقة عميقة يؤكدها منطق التاريخ والمفهوم العلمي للشعب الواحد، وتفرضها الروابط الأصيلة المشتركة وضرورات الكفاح المشترك. إن الضمان الوحيد لإنجاز أهدافنا الوطنية في التحرر الوطني الكامل والوحدة هو ربط قضيتنا الوطنية باليمن الأم... الشيء الثابت والأساسي والخالد هو وحدة شعبنا اليمني في الجنوب والشمال... ليس هناك يمنان، ولا جنوب ولا شمال، بل يمن واحد، وشعب يمني واحد». (الطليعة، العدد 9، 20 ديسمبر 1959).