أنس القاضي / مرافئ لا -

أنا مُرسل من عند فلان، هذه المقولة الشائعة في الوعي الاجتماعي اليمني تختزل في مضمونها كثيراً من المقولات والممارسات السلبية المدمرة، ففي حركتها العملية تقوم بأدوار طفيلية وانتهازية وأنانية ولاشرعية ولاقانونية عديدة منافية للحق والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وتكاد تكون هي المعيار الحاكم للعمل المؤسسي والاجتماعي عموما! 
تقوم هذه المقولة كميزان تقدير ومعادلة تقييم، على أساسها يُعرف «الصائب» ممن عداه، فتجري المُعاملات وتنفذ الأوامر وتتم التوصيات والترشيحات من الوظيفية إلى السياسية على أساس من هذه المقولة، التي تغني عملياً عن الشهائد والأحكام والقدرات والمهارات والإمكانيات والكفاءات والخبرات العملية والعلمية المختلفة، بل تصبح أهم من الشهائد والخبرات والإمكانيات بالنسبة للأفراد، فحتى من يملكون ما يعطيهم شرعية الوصول إلى حق والاستفادة من مشروع أو العمل في مجال، حتى هؤلاء لا يكفي اقتدارهم الذاتي، ولا بد لهم من فلان أو «ظهر»، والمقولة لا تفيد فقط في الحصول على هدف، بل أيضاً في تبرئة من ينتهك قانوناً وقاعدة دستورية.  
رغم أن المقولة واحدة، إلا أنها تعكس فاعلية عدة روابط عصوبية، فدائماً ما يكون المُرسل مستنداً على فلان يشترك معه في عصبية مُعينة، كأن يكون من حزبه أو من منطقته أو من قبيلته أو من مذهبه أو من نقابته، ففي الواقع أن العصبيات الحاكمة للمجتمع اليمني ليست العصبيات البدائية كالمنطقة والقبيلة والأسرة والمذهب، بل أصبحت أشكال التنظيم الاجتماعية الجديدة التي تنتمي إلى المجتمع المتمدن كالأحزاب والاتحادات والنقابات والتيارات الثقافية والفنية، أصبحت أيضاً عصبيات مثلها مثل العصبيات القديمة والسابقة لدولة المواطنة.
من تطبيقات هذه المقولة المدمرة، ما حدث مع وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان، فبعد أن ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه، ويُرجح أن السبب نشاطه الإعلامي الدعائي المساند لتحالف العدوان، نجحت وساطة قبلية في الضغط السياسي على السلطة في صنعاء، ليفرج عن خالد الرويشان بعد يوم من اعتقاله. هذه الوساطة هي تعبير واضح عن فاعلية هذه المقولة، والركون إلى العصبية القبلية في مواجهة الرابطة الدستورية القانونية التي تحكم ممارسة الدولة. 
أياً كانت المبررات السياسية والأهداف الاجتماعية التي دفعت لإطلاق الرويشان، وبعضها قد تكون مبررات واقعية، من بينها المحافظة على العلاقة مع قبائل خولان الطيال، إلا أنها تنسف جهود بناء دولة النظام والقانون، وتهز أنصار ثورة 21 أيلول، مما يؤثر على الحماسة والاندفاع الثوري الهام استمراره خصوصا في ظرف مواجهة العدوان.