ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

جيورجيو كافييرو  @
لا يطرح التمرد الحوثي في اليمن أي تهديد لأمن السودان أو مصالحه الوطنية. وليس هنالك أي تاريخ لأي جماعة في اليمن تهاجم أو تهدد السودان. ولم يكن المواطنون السودانيون قلقين بشأن صعود الحوثيين إلى السلطة في صنعاء وأجزاء أخرى من اليمن منذ قرابة خمسة أعوام. 

ومنذ أن أطلقت السعودية والإمارات حملاتهما العسكرية المستمرة في اليمن في مارس 2015، لعب السودان دوراً مهماً في الصراع. فبالنسبة للذراع العسكري على الأرض في اليمن، لجأ السعوديون والإماراتيون إلى قوات مقاتلة متشددة من السودان تملك خبرة قتالية في دارفور وأجزاء أخرى من بلادهم. في واقع الأمر هنالك 8 آلاف إلى 14 ألف مرتزق سوداني، من ضمنهم مجندون أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 13 و17 عاماً، يقاتلون حالياً في صفوف التحالف ضد المتمردين الحوثيين. 
كانت مشاركة السودان في التحالف العربي مرتبطة كلها بالمال. فقد كانت القوات شبه العسكرية السودانية تقاتل في حرب اليمن الأهلية بسبب مشاكلهم الاقتصادية الكبيرة في الموطن وحاجتهم إلى الحصول على دخل. وكانت دول الخليج الفارسي المشاركة في التحالف تقوم بتعويض المرتزقة السودانيين والمجندين الأطفال بمبالغ تصل إلى أكثر من 10 آلاف دولار لكل مقاتل، مقابل المشاركة في القتال بشكل أساسي كجنود في سلاح المدفعية، في صراع نتج عنه أسوأ أزمة إنسانية مستمرة في العالم. هذا الإجراء جعل أعداد الضحايا من السعوديين والإماراتيين منخفضة نسبياً، لكن على حساب مئات السودانيين الذين خسروا أرواحهم في هذه الحرب. 
يأتي العديد من المقاتلين السودانيين في اليمن من الجنجويد (فرسان مسلحين)، وهي ميليشيا مؤلفة من عرقيات عربية من غرب السودان وشرق تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. وبالرغم من أنها تأسست في منتصف الثمانينيات، حصلت جماعة الجنجويد على اهتمام عالمي بعد أن مول نظام عمر حسن البشير الميليشيا لمحاربة الجماعات المسلحة في دارفور خلال العقد الأول من القرن العشرين. وبالتالي وصلت انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الجنجويد في دارفور إلى حد اتهام المحكمة الجنائية الدولية للبشير، جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية. وكما يشرح نبيل خوري من المجلس الأطلسي: "ذهبت بعض من أسوأ العناصر وبعض من أفقر العناصر إلى اليمن من أجل القتال المأجور من قبل السعوديين والإماراتيين. كما أن السودان فتح حدوده للمرتزقة من بلدان أفريقية للانضمام إلى القتال في اليمن". 
خدم الالتحاق بالتحالف مصالح البشير الجيوسياسية، لاسيما بعد أن اندلعت الأزمة في مجلس التعاون الخليجي في مايو/ يونيو 2017. بعد أن قطع التحالف السعودي والإماراتي العلاقات مع قطر، كان البشير يمر بظرف صعب من أجل الحفاظ على شراكته القوية مع الدوحة، وفي الوقت ذاته أيضاً من أجل الإبقاء على علاقات جيدة مع السعوديين والإماراتيين. كان البشير قادراً على القيام بذلك-ليس أقل- برفضه تأييد الحصار على قطر بالتزامن أيضاً مع قطع العلاقات مع إيران ودعم التحالف السعودي الإماراتي في اليمن. 
وحتى ذلك الوقت شكل قرار البشير إبقاء السودان في التحالف العربي عاملاً ساهم في إنهاء فترة حكمه من الثلاثة عقود في أبريل. إلى جانب موجة الغضب الناجم عن الفساد والفقر والبطالة، كانت المعارضة الواسعة لدور السودان في صراع اليمن موضوعاً لمعارضي البشير في احتجاجاتهم في العامين 2018 و2019. وستبقى مشاركة الدولة المستمرة في ذلك القتال مصدراً للنزاع خلال فترة الانتقال الهشة. 
ارتكب أعضاء الجنجويد السابقون، الذين ينتمون حالياً إلى قوات الدعم السريع، أعمال عنف مدمرة ضد المحتجين في الخرطوم في الثالث من يونيو. وتفيد التقارير بأن الإجراءات القمعية تلك أعقبت اجتماعات بين مسؤولين رفيعي المستوى من المجلس العسكري الانتقالي ونظرائهم في الرياض الذين منحوا قادة الجيش السوداني الضوء الأخضر لارتكاب مثل هذا العنف لإنهاء الاحتجاجات. هكذا ظهرت قوات الدعم السريع للعيان كنوع من القوة البديلة للسعودية والإمارات تعمل في العاصمة السودانية وفي اليمن. 
يواصل المواطنون السودانيون المطالبة بالحكم المدني والديمقراطية والمساءلة والشفافية وحماية حقوق الإنسان في مواجهة الجبروت العسكري الذي أبدى استعداده لقصف وتعذيب واغتصاب المحتجين العزل. هؤلاء المحتجون يرون إمكانات بلدهم وقد أصبحوا محبطين من عقود من الفساد وسوء الإدارة والصراعات المسلحة غير المنتهية التي أعاقت تطور الدولة. يمتلك السودان مصادر طبيعية قيمة، وزراعته الغنية يمكن أن تطعم جزءاً كبيراً من العالم العربي، في حين يواجه احتياجات أساسية في الوطن. ومع ذلك وبسبب الظروف الاقتصادية القاسية في السودان، والتي زادت بسبب العقوبات الأمريكية، أوضح عشرات الآلاف من السودانيين أن أفضل خيار لهم هو أن يأخذوا السلاح للمحاربة في صراع مرعب، حيث لا يوجد للسودان أي مصالح وطنية واقعة تحت الخطر. 
تدرك دول الخليج الفارسي التي تخوض حربها في اليمن أن وجود حكومة يقودها المدنيون في الخرطوم يعني انسحاب حتمي من التحالف السعودي الإماراتي، حيث إن لدى كلٍّ من السعودية والإمارات حصصاً كبيرة في الحكومة السودانية "المؤقتة" بقيادة المجلس العسكري الانتقالي، على أن تحافظ على قبضتها على السلطة. وأي حكومة في الخرطوم تكون صديقة للسعودية والإمارات سوف تتلقى الدعم من دول مجلس التعاون الخليجي، بغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب ضد مواطنيها. وبالنظر إلى أن القيادة في السودان قد وعدت بمواصلة قتال الحوثيين، ستواصل السعودية والإمارات بدورهما تعزيز شرعية المجلس العسكري الانتقالي. 
وبالمثل، في مصر دعم القادة السعوديون والإماراتيون نظام عبد الفتاح السيسي كخيار وحيد لهم قابل للتطبيق في ضوء البدائل. يخشى العديد من السودانيين من أن تتحول دولتهم مثل مصر في هذه النقطة، خصوصاً وأن بعض دول مجلس التعاون الخليجي قلقة من صعود الإسلاميين إلى السلطة مكان البشير. إذا استمرت الحرب الأهلية في اليمن، يحتمل أن يستخدم السعوديون والإماراتيون قوتهم المادية ضد قادة الجيش لضمان استمرار توافد المزيد من المرتزقة السودانيين والمجندين الأطفال للقتال ضد المتمردين الحوثيين. وفي الأثناء سيشجع الدعم الذي تقدمه دول الخليج للمجلس العسكري الانتقالي السلطات العسكرية السودانية في استمرار حملاتها ضد الناشطين والمنشقين والجماعات المعارضة. 


*  "لوب لوغ" (موقع مدونة إلكترونية أمريكية)
24 يونيو 2019