الأديبة والشاعرة د/ ابتسام المتوكل:
لا توجد كلمة أخيرة في الحب  و(شذى الجمر) أخذ النصيب الأوفر

تميّزت بقصائد مصقولة صافية بعيدة عن لغة شعرية لغيرها، وضخت فيها من فكرها وعمق تأملها، مما جعل منها لغة تمتلئ وتتوهج بالثراء في سياقات وأساليب هندسة تركيب لم يعرفها أي شعر إلا شعرها. 
لقد كتبت شعراً غزيراً نراه في عظمة قصائدها وشموخ نماذجها، كما استطاعت أن تعيد للشعر دوره الحيوي.. وتتميز، أيضاً، بموهبة نادرة وثقافة واسعة، من خلال شلال شعرها الوثير. هكذا هم الشعراء الكبار، لا يمكن أن ينضووا في بوتقة واحدة.. إنها شاعرة تخوض في تضاريس دقيقة من الشعر والأدب والسياسة.. وهي شخصية إنسانية ووطنية بامتياز، ورئيسة الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان، التي كان لها دور كبير في كشف جرائم العدوان السعودي.. إنها الشاعرة الدكتورة ابتسام المتوكل.
 في البداية لو تحدثنا عن دور الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان؟
أهم دور أراه للجبهة الثقافية بمواجهة العدوان هو بلورة موقف ثقافي يمني ينتمي لليمن، ويواجه العدو ويرفضه، ويرفض كل محاولات إدخال خطاب تبريري أو تمريري لهذا العدوان ولصوره المتعددة، وخاصة الصورة الثقافية لهذا العدوان، لأن الجبهة الثقافية قامت على أساس وعي خالص بأن هذا العدوان هو في أساسه ومنشئه هو عدوان ثقافي، عدوان على هويتنا الثقافية، محاولة استلاب ثقافي. المعركة هي معركة ثقافية تحولت إلى مواجهات عسكرية وتأييد وجهات النظر الثقافية التي تريد أن تستلب اليمن ثقافة وحضارة ووطناً.

 هل نستطيع أن نتحدث عن نسبة معينة من النجاح؟
أكيد في تقييمي الشخصي إن الصمت الذي كان مخيفاً في الفترة الأولى من العدوان، تحول إلى مواجهات ثقافية معلنة مكتوبة، وقفات، قصائد، ديوان، شعر، فعاليات، ندوات... كلها استنهضت الضمير الثقافي اليمني لقول كلمة لا في وجه العدوان السعودي.. وبطبيعة الحال راكمت مجموعة من الأسماء الثقافية التي تقف في مواجهة العدوان وترفضه وتحاربه بالكلمة وبالقصيدة وكل أشكال التعبير الثقافي.

 برأيك من سيحاسب النظام السعودي على كل جرائمه؟
طبعاً الإدانة موجودة وكاملة، لا تحتاج أن نعتبرها في مواجهة النظام السعودي، لكن نحتاج إلى مراكمة وعي ثقافي يلاحق هذا الملف، ملف محاسبة العدو السعودي على ما اقترفه بحق الحضارة وبحق الموروث وبحق الإنسان بحق الحقوق، ثقافة الحقوق التي انتهكت، ثقافة الموروث الثقافي الذي لا بد أن يحميه العالم وصمت عنه، ثقافة الحصار الذي مورس على الشعب اليمني بأسره، وما ترتب عليها من أضرار صحية واقتصادية ونفسية.. هذه لا بد أن يُشتغل على ملفات فيها. طبعاً الجانب الحقوقي سيكون مشتغلاً في الدرجة الأولى، لأننا نريد أن نراكم ملفات حقوقية لا تسقط بالأقدمية، خصوصاً في الجرائم الكبرى التي تعمد العدو السعودي ارتكابها بحق اليمنيين في مستويات متعددة.

 كشاعرة، كيف تنظرين إلى الفضاء الشعري اليوم؟
الشعر الشعبي هو الذي تفوق، مع العلم أن القصيدة اليمنية لمواجهة العدوان الرافضة للعنف والحرب، هي حاضرة، لكن الحقيقة ليس بقدرة القصيدة الشعبية، لأن القصيدة الشعبية واجهت أكثر، تحملت مسؤولية استنهاض الوعي الشعبي لمواجهة العدوان، واستطاعت أن تتفاعل معه ويتفاعل معها بشكل قوي. أستطيع أن أقول إن ديوان المواجهة في الشعر الشعبي كان مكتسحاً لأشياء كثيرة، لكن مع ذلك لا نغفل حضور قصائد الدكتور عبدالعزيز المقالح والشاعر معاذ الجنيد ومجموعة كبيرة من الشعراء، والجبهة الثقافية أصدرت ديواناً في الفترة الأولى من العدوان، قصائده كلها كانت في مواجهة العدوان، في رفضه ورفض كل أشكال العنف التي يمارسها العدو على الشعب اليمني، لكننا لا زلنا بحاجة إلى الكثير من المواكبة لرصد القصيدة اليمنية التي تعبر عما يتعرض له الإنسان اليمني، وما يتعرض له وجدان الضمير اليمني، وأنا أظن أنها لم ترصد إلى هذه اللحظة كما يجب، لم تُعمل ملفات، ولم تصدَر كتب، ولم يوثق لهذه اللحظة الشعرية المعبرة عن موقف يمني حقيقي يرفض العنف ويرفض القتل، يرفض العدوان ويواجهه بكل أشكال جمالية، ومنها القصيدة.

 هل تقصدين أن القصيدة الشعبية (الزامل) ترسخ في الواقع الشعري؟
نعم، عندما تسأل في الشارع أي يمني، ستجد الكثير ممن يحفظ قصائد وزوامل أشعار شعبية غنيت وقدمت. فالرواج والتفاعل الشعري كان مع القصيدة الشعبية.

 القصيدة كائن خفي متطور دوماً تعيش في الأعماق، فإذا قررت الخروج تدق جرس الأرق، فتستفز الشاعر.. متى تستفزك القصيدة؟
الآن القصيدة أصبحت عصية نوعاً ما، لأن ما يحدث على أرض الواقع أفقد القصيدة القدرة على التمثل الجوهري الملائم بالنسبة لي، فما حصل خلال العام وزيادة، جعل القصيدة بحاجة إلى محاولات لاكتمالها، لخروجها. الاستفزاز اليومي لما يحدثه العدوان، أصبحت القصائد مؤجلة، بحاجة إلى لحظة أخرى من محاولات الاكتمال. اليوم سنعيش مشاهد مؤلمة ومؤرقة، كأن الكلمات لم تعد قادرة على النطق لفظاعة ما يحدث، في توثيق ما يحدث بالشكل الشعري الجمالي المرضي، ولهذا يمكن المقال والكلمة والموقف والندوة تحاول الآن أن تحل المشكلة، إلى حين أن نجد وقتاً لمراضاة القصيدة كي تكون ابنة جمالية لتوثيق القبح والبشاعة التي بثها العدوان طيلة عام وزيادة.

 من أين تأتي القصيدة؟ وإلى أين تذهب؟
هذا سؤال عميق وفلسفي، لكنها تأتي من لحظة وجع وصدق ومعاناة جمالية يحولها الشاعر، فتذهب إلى المتلقي، إلى القارئ، إلى لحظة إنتاجها الثانية على يد قارئ.

 ما هو الكنز الذي أعطتك إياه الحياة وتفتخرين به؟
هناك أشياء كثيرة يمكن أن نراها، نتأملها، لكن بالفعل القدرة على الإحساس لالتقاط لحظات كثيرة، التعاطي مع العالم، مع الإنسان، مع الوجع، مع الجمال، مع الحياة. أعتقد أن هذه كنوز، والآن كيف نستطيع أن نرسمها، كيف نستطيع أن نتعاطى معها، كيف نستطيع أن نجسدها جمالياً وشعرياً.

 هل لك دواوين مطبوعة غير ديوان (شذى الجمر)؟
نعم، ثلاثة دواوين: ديوان (يشبه موتها) وديوان (فلأكن صديقة العائلة) وديوان (أرى عماي).. لكن (شذى الجمر) أخذ النصيب الأوفر، يمكن لأنه طبع طبعتين من الهيئة العامة للكتاب.

 كلمة أخيرة..
لا توجد كلمة أخيرة في القصيدة أو في الشعر أو في مواجهة العدو، ما زلنا في لحظة مواجهة مفتوحة مع القصيدة، مع العدو، مع حب اليمن.. ستظل الكلمة الأخيرة غير موجودة في هذا المجال، لا توجد كلمة أخيرة في الحب، ولا في الحياة، إلا أن تنتهي بهذه الحياة أو تنتهي منا ستدون الكلمة الأخيرة.