محاكم تفتيش في القرن الـ21 تشرعنها الأمم المتحدة
بيشــــــــة..

يدرك اليمنيون منذ بدء العدوان السعودي الأمريكي على بلادهم، أنهم يقعون تحت حصار بري وبحري وجوي تفرضه دول العدوان، إمعاناً في تعذيب اليمنيين، وزيادة لمعاناتهم جراء العدوان الغاشم؛ ولذلك فإن بدء العدوان والحصار قد عطّل العديد من الأنشطة التجارية المرتبطة بالخارج وسفريات المواطنين، إلا في حالات الضرورة القصوى، يلجأ اليمنيون فيها إلى المرور عبر مطار (بيشة) أو منفذ (الوديعة) البري اللذين حددهما العدوان كمنافذ إجبارية للمتوجهين إلى اليمن والمغادرين منها، لدواعي التفتيش، منذ عام ونيف، حين بدأت عدوانها على الشعب اليمني.
في الجزء الشرقي من منطقة عسير يقع مطار بيشة الذي خصصته السعودية مكاناً لهبوط أي طيران متوجه إلى اليمن أو مغادر منها إجبارياً لدواعي التفتيش، ويعبر هذا المطار بشكل يومي ما لا يقل عن 300 مسافر، يحمل البعض منهم جوازات سفر أجنبية، بينما الغالبية من المسافرين يحملون جواز سفر اليمن، وهم من الطلاب في جامعات عربية، أو من المرضى الذين تقطعت بهم سبل الحصول على العلاج داخل الوطن كمرضى القلب والفشل الكلوي والتهابات الكبد والسرطان.
وعلى الرغم من أن طيران (اليمنية) منذ أن عاود نقل المسافرين اليمنيين إلى أرض الوطن أو حملهم في رحلة البحث عن الدراسة أو العلاج، قد اقتصر خط سيره في الغالب بين عواصم ثلاث بلدان شريكة في تحالف العدوان، هي الخرطوم في السودان والقاهرة بمصر وعمّان بالأردن، لكن السعودية تتعمد المرور عبر مطار بيشة كإجراء تعسفي لإعادة تفتيش المسافرين اليمنيين بشكل يعد انتهاكاً صارخاً لكرامتهم، دونما مبرر، لاسيما وأن المسافرين وأمتعتهم تخضع للتفتيش في كل المطارات وفقاً للقوانين الدولية المنظمة لأمن المطارات.
وتزيد مطارات تلك العواصم الإمعان في انتهاك الحقوق المدنية للمواطنين اليمنيين، دون مراعاة للمرضى والطلاب والأكاديميين، بأنه بمجرد أن تطأ قدما اليمني بلاط تلك المطارات يتلقى أمراً قهرياً (اذهب لتصوير جواز سفرك)، ويحدث الأمر ذاته في مطار صنعاء، غير أنه في مطار صنعاء لا يتلقى الأمر القهري، بل يقوم موظفو المطار بتصوير الجواز بأنفسهم.
وبحسب موظفين في طيران (اليمنية)، فإن صور الجوازات تُسلم لقائد الطائرة مع كشف بأسماء المسافرين لتسليمها إلى مندوب المخابرات السعودية في مطار (بيشة)، مما يجعل كل مواطن يمني يمر عبر بيشة عرضة للاعتقال لمجرد منشور في (فيسبوك) أو تغريدة على (تويتر)، تبين موقفه المناهض للعدوان السعودي الأمريكي، خصوصاً أن السعودية تفرض رقابة مشددة على مواقع التواصل الاجتماعي في أراضيها، وترتكز قائمة أهداف طيرانها على منازل المواطنين بحسب بلاغات لا تسعى للتأكد من صحتها.
وتُجمع صور الجوازات في مغلف مرفقاً بها قائمة بأسماء كافة الركاب على متن الرحلة، إلى قائد الطائرة ليقوم بتسليمها إلى مندوب المخابرات السعودية في مطار بيشة، وهو مطار محلي يقع على بعد 2كم بالاتجاه الشرقي لوسط مدينة بيشة إحدى مدن منطقة عسير جنوب غرب السعودية، أعدته المملكة لاستكمال إجراءات انتهاك الحقوق المدنية والشخصية للمسافر اليمني بصورة مُذلة، علاوة على المعايير المشددة والاستثنائية التي تعتمدها مطارات القاهرة والخرطوم وعَمّان في تفتيش الأمتعة والجوازات بحق اليمنيين، حيث لا يكتفون بالتدقيق الآلي عن جواز السفر، بل يقومون بأخذ صور شخصية للمسافرين اليمنيين، استعداداً لتقديمها إلى المخابرات السعودية في مطار بيشة. 
ليست هذه الإجراءات التعسفية بحق المسافرين وحسب، فبعد مرور ما لا يقل عن ساعتين على إقلاع الطائرة من أحد المطارات الثلاثة أو من مطار العاصمة صنعاء، يكون اليمني على موعد آخر مع الإجراءات التعسفية، حيث الهبوط الإجباري في مطار بيشة، يطلب كابتن الطائرة من المسافرين إخفاء هواتفهم وإبراز جوازات السفر، ليصعد إلى الطائرة ثلاثة من عناصر الاستخبارات السعودية على فترات متباعدة، يطلب كل واحد منهم تسليمه الجوازات، ويدقق في هوية المواطنين واحداً تلو آخر، فيما يقوم عمال الشحن والتفريغ في المطار بنقل كامل الأمتعة والحقائب الخاصة بالمسافرين اليمنيين إلى داخل مبنى المطار للبدء بتفتيشها مجدداً، على الرغم من أن المطار ليس دولياً، وغير مؤهل لاستقبال الكم الكبير من المسافرين والأمتعة، فيتم حجز المواطنين لساعات طويلة، في تعدٍّ صارخ وانتهاك للقوانين والإجراءات الأمنية والأعراف الدبلوماسية، إذ إن إجراءات كهذه ليست من اختصاصهم، بل هي من اختصاص سلطات المطار الذي أقلع منه المسافر أصلاً.
ويصف المسافرون اليمنيون بأن السعوديين يمعنون في إهانة المسافر اليمني بتلك الإجراءات، ويجتهد الضباط في إثبات وقوع اليمنيين تحت السطوة والسلطة السعودية، من خلال صعود عناصر المخابرات إلى الطائرة، والتدقيق في هويات المسافرين ببجاحة وتغطرس. 
ينفق المسافر اليمني نحو ست ساعات في محاكم التفتيش اللاقانونية التي تفرضها السعودية، إذ تتعمد السعودية إهانة المسافرين من خلال إلزام الطيران اليمني بالتوجه إلى مطار بيشة، مما يسبب الكثير من التعب والإرهاق للمسافرين، وفي ظل هذه الإجراءات المتعنتة فقد زادت مدة الرحلة ضعفين عما كانت عليه في السابق، فالرحلة التي كانت مدتها ثلاث ساعات، صارت الآن تسع ساعات، فضلاً عن أنه يُتعمد إبقاء الطائرة في بيشة لمدة تصل إلى ما يربو على ست ساعات بحسب مزاجية عناصر الأمن السعودي.
حنان حسين، مبتعثة يمنية غادرت البلاد منذ أشهر بغرض تحضير رسالة الدكتوراه، فكان عليها المرور بمطار بيشة، وهنالك حاول ضباط مخابرات النظام السعودي مضايقتها واستفزازها، لكن موقفها كان صلباً، ولم تمنحهم فرصة لإشباع ساديتهم، بإذلالها والانتقاص من كرامتها، مستندة إلى شرعية موقفها وبطولات الجيش واللجان الشعبية التي يسطرونها في صد قوى العدوان ومرتزقته.
قام عناصر الأمن السعودي باحتجازها والتحقيق معها، والعبث بأغراضها الشخصية وأوراقها، وتفتيشها بطريقة مستفزة، تتضمن إذلالاً واستهانة بالمواطن اليمني، تقول حنان: (لقد كان تعاملهم متغطرساً ومستفزاً يتعمدون فيه الإذلال، لا لشيء سوى أننا يمنيون، خلال ثلاث ساعات ونصف كانوا يرون صمود اليمن بجيشه ولجانه الشعبية، وأنا أرى فيهم وجع تسعة أشهر.. رأيت فيهم الأشلاء والدماء والتدمير الذي حل بوطني).
لحظات عصيبة مرت على حنان، وأسئلة عبثية متخمة بنهم إشباع الذات والسطوة السعودية وُجهت لها، لكنها تجيب عليها بشجاعة المقاتل في الجبهة، ووعي القانوني المدافع عن دماء أبناء وطنه. ومن ضمن أسئلة التحقيق التي وُجهت لها: (أنتِ ما تحبي السعودية؟ قلت له: لا أحب القتلة الذين يرسلون صواريخهم لقتلنا وتدمير وطننا وقتل الأبرياء).
وتضيف: (لقد هددوني بإعادتي إلى صنعاء، حيث قال لي: (رح نستأجر لك باص ونعيدك صنعاء)، محاولاً إذلالي، فقلت: مرحباً بعودتي لها، لأني لم أغادرها هاربة، بل لغرض الدراسة لأسابيع وأعود).
بلغة القانون وقوة الحجة واعتزاز اليمني بكرامته، واجهت حنان غطرسة السعوديين، (فقال أبو خالد، ضابط الاستخبارات: لن تقلع الطيارة إلا الساعة العاشرة ليلاً.. قلت له: إن الاستقواء والغطرسة على من يكون تحت رحمتكم وفي مطاركم، ليست من شيم الرجولة، عليك أن تثبت قوتك في مواجهة الآخر وهو قوي، تغطرس على الأمريكان مثلاً، وليس على اليمني الذي شكلتم حلفاً دولياً لإذلاله، ومع ذلك لا يزال صامداً وقوياً، فاشتعل غضباً وصرخ: أنا ما حد يحتقرني حتى أبوي. واستدعى ضابط أمن المطار، وعندما كانوا يقلبون في أوراق رسالة الدكتوراه، ولمجرد أن قرأوا العنوان وهو (السياسة الجنائية في مواجهة الإرهاب)، جن جنونهم، وبوقاحة سألوني: لماذا تكتبين عن الإرهاب؟ وكأنهم شعروا بأنهم المقصودون، وقال إنه سيتصل بالسفارة.. فقلت له: السفارة التي في الرياض لا تمثلني ولا تمثل أي مواطن يمني شريف.. هي فقط تمثل هادي.. قال: أنتِ لماذا تخافين من السفارة؟.. فقلت: لا أخاف الخونة).
وتواصل حنان قصتها مع الأمن السعودي في مطار بيشة: (موقف طاقم الطائرة كان رائعاً، حيث جاء أحدهم ليخبرني (لن تقلع الطائرة بدونك)، ليرفع معنوياتي ويؤازرني، بعد ذلك تم الإفراج عني وجوازي، وأقلعت الطائرة من مطار بيشة، الذي هو معد خصيصاً لإذلال المسافرين اليمنيين.. ويعد ذلك خرقاً آخر للقانون الدولي وحقوق الإنسان، فلا تقلع طائرة ولا تهبط إلا بإذن العدوان السعودي).
لقد انزاحت عنها بذاءة عناصر الأمن السعودي وصفاقتهم، وأفرغت ما بقلبها من حقد وغضب عليهم، تقول: (رغم الإرهاق والتعب وتوقف نظام التكييف في الطائرة، لكنني شعرت بنوع من الارتياح لأني أفرغت ما بقلبي لهم، وإن كانوا متغطرسين، فنحن صامدون). 
لم يثنِها ذلك الموقف، بل زادها قوة، وتتمنى أن تعود إلى الوطن بعد انتهاء العدوان ورفع الحصار، لكي لا تمر بطريق عودتها عن طريق بيشة، حتى وإن لم يحدث ذلك (فسأعود إلى وطني في كل الأحوال، وسألتقي المتغطرسين بقوة أكثر، فأنا مواطنة يمنية، وهذا يزيدني فخراً)، حد قولها.
مطار بيشة محكمة تفتيش تفرضها المملكة السعودية التي تقود حلفاً عدوانياً على اليمن، لإهانة المواطن اليمني وإذلاله تحت لافتة إعادة تفتيش المسافرين اليمنيين وأمتعتهم، على الرغم من أن الطيران اليمني قلَّصَ رحلاته منذ بدء العدوان السعودي الأمريكي لتقتصر على ثلاث عواصم مشاركة في تحالف العدوان، بموجب الحظر الجوي الذي تفرضه دول العدوان. 
الجدير ذكره أن هذا الانتهاك للقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، المتمثل في إقامة محاكم تفتيش بحق المدنيين دونما اشتباه، بل يسري على كل مواطن يعود إلى وطنه أو يغادر منه، يحدث على مرأى ومسمع من الأمم المتحدة ومجلس الأمن المخولين بحماية المدنيين أثناء الحروب وحفظ الحقوق الشخصية والمدنية، كما أن البر ليس بأفضل حالاً من الجو، بعد أن أوصدت سلطنة عمان - وهي الدولة المجاورة الوحيدة التي لم تشترك في العدوان على اليمن ـ منافذها البرية مع اليمن (شحن وصرفيت)، وقد كانا آخر منفذ بري يمكن لليمنيين الذين يريدون السفر للخارج عبره بدون صعوبات وعوائق، ليبقى المواطن اليمني إن أراد السفر للعلاج أو الدراسة، محصوراً بين خيارين لا ثالث لهما، هما محكمة تفتيش بيشة أو منفذ العبر بالوديعة. 
وبينما يتأخر المسافر جواً مدة ست ساعات في بيشة، فإن المسافر براً يقضى أياماً وأسابيع في عراء صحراء الوديعة، معرضاً للجوع والظمأ في انتظار السماح له بالعبور من قبل عناصر الأمن السعودي؛ حيث إن منفذ الوديعة استحدث مؤخراً لاستقبال المسافرين بعد أن تعطل منفذ حرض بمحافظة حجة جراء قصف طيران العدوان مدينة حرض بالكامل، فمنفذ الوديعة غير مأهول ولا توجد به فنادق أو مطاعم، ويعد مأساة أخرى يذوق فيها اليمني مرارة العدوان وبشاعة أخلاق العدو السعودي الأمريكي، بأنه لا يدخر سعياً في إذلال المدنيين من أبناء اليمن، مستغلاً حاجتهم إلى السفر.
كل ذلك لا يقودنا سوى إلى التأكد من أن الدول الإمبريالية المتوحشة تبدو كورمٍ خبيث ينخر جسد الإنسانية، لا يزداد إلا استشراءً وتوسعاً على حساب البسطاء والمستضعفين، ولا تتطور إلا وحشيةً وإجراماً، فمن الحصار التجاري والاقتصادي على كوبا وفيتنام مروراً بإيران، وصولاً إلى محاصرة المدنيين في اليمن وانتهاك الحقوق الشخصية للمواطنين، يتكشف إجرام الإمبريالية الأمريكية وأذرعها، وتتعرى الأمم المتحدة التي لطالما تسترت بقناع القانون الدولي ودعاوى حماية الحقوق والحريات.