حسن حردان

حسـن حردان / لا ميديا -
يشكل استمرار القوات المسلحة اليمنية في إطلاق الصواريخ على كيان الاحتلال، ومنع السفن الذاهبة إلى موانئ فلسطين المحتلة من عبور مضيق باب المندب عبر البحر الأحمر، تطوراً مهماً في سياق دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية والحصار والتجويع، في حين تقف حكومات العالم متفرّجة على هذه المجزرة النازية الصهيونية، من دون أن تقدِم على أيّ إجراء لوقف هذه الجريمة المتمادية بحق الإنسانية.
على أنّ إطلاق الصواريخ اليمنية باتجاه كيان الاحتلال له تداعيات كبيرة على عدة مستويات، خاصة مع ظهور مؤشرات إلى عجز جزئي للمنظومات الدفاعية "الإسرائيلية" والأمريكية عن اعتراضها كلها.

أولاً: على المستوى الأمني والعسكري
1ـ إطلاق الصواريخ يكشف فشل العدو في ردع اليمن من ناحية، وقدرة اليمن على اختراق الدفاعات "الإسرائيلية" - الأمريكية من ناحية ثانية. وقد سجلت بعض هذه الصواريخ اختراقات لأنظمة الدفاع الجوي "الإسرائيلية"، بما في ذلك "حيتس" و"ثاد" الأمريكيتة، ووصلت إلى أهداف حساسة مثل "مطار بن غوريون" ومدينة يافا المحتلة؛ ما يكشف عن ثغرات في المنظومة الدفاعية "الإسرائيلية" ويثير تساؤلات حول فاعليتها.
2ـ تهديد استراتيجي متزايد: استخدام حركة أنصار الله لصواريخ باليستية فرط صوتية، مثل "فلسطين 2"، يزيد صعوبة اعتراضها، إذ تتمتع هذه الصواريخ بقدرة على المناورة والتهرّب من الرادارات بسرعات عالية. وهذا يمثل تحولاً استراتيجياً يغيّر قواعد الاشتباك ويجبر كيان الاحتلال على التعامل مع تهديد جديد بعيد المدى.
3ـ استنزاف القدرات الدفاعية "الإسرائيلية"، إذ يتطلب اعتراض الصواريخ إطلاق صواريخ اعتراضية باهظة الثمن. ولهذا فإنّ استمرار إطلاق الصواريخ اليمنية، حتى لو تمّ اعتراض معظمها، يمثل استنزافاً اقتصادياً للمنظومات الدفاعية "الإسرائيلية" والأمريكية.

ثانياً: على المستوى السياسي والمعنوي
1ـ ضــــربــــة للمعنــــويـــات "الإسرائيلية": إنّ نجاح الصواريخ في الوصول إلى عمق فلسطين المحتلة، حتى لو لم تتسبّب بخسائر بشرية أو مادية كبيرة في بعض الأحيان، يشكل ضربة معنوية كبيرة للمستوطنين الصهاينة، ويزيد إحساسهم بانعدام الأمن، كما يجبرهم على اعتياد نمط إطلاق الصواريخ من اليمن ما دامت الحرب في غزة مستمرة.
2ـ تهشيم صورة الردع "الإسرائيلية" - الأمريكية: يؤدي الفشل المتكرّر لمنظومات الدفاع في اعتراض بعض الصواريخ، واستمرار أنصار الله في إطلاقها، رغم الهجمات ضدّهم، يضعف صورة الردع لكلّ من كيان الاحتلال والولايات المتحدة.
3ـ زيادة الضغط على الحكومة "الإسرائيلية": إنّ استمرار إطلاق الصواريخ يفاقم الضغوط الداخلية على الحكومة "الإسرائيلية"، التي تقف عاجزة عن وضع حدّ لهذا التحدي، لاسيما بعد فشل القوة الأمريكية في تحقيق هذا الهدف.
4ـ رسائل سياسية: إطلاق الصواريخ يحمل دلالات ورسائل سياسية واضحة، منها التأكيد على دعم غزة، وإثبات القدرة على إيصال الضربات رغم البعد الجغرافي، وتحدي الهيمنة الأمريكية و"الإسرائيلية" في المنطقة.

ثالثاً: على المستــوى الاقتصـــادي
ألحقت هجمات اليمن على السفن الذاهبة إلى موانئ فلسطين المحتلة، في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أضراراً اقتصادية كبيرة بالكيان الصهيوني؛ فقد أدت إلى شلّ النشاط في ميناء "إيلات الإسرائيلي" (أم الرشراش الفلسطيني) بشكل كامل، وتحدثت أنباء عن نية فصل أكثر من نصف عدد موظفي الميناء.
كما أدّت الهجمات إلى ارتفاع تكاليف التأمين نتيجة ارتفاع المخاطر في البحر الأحمر، ما يزيد الأعباء المالية على الشركات والمستهلكين، فيما يؤدي إطلاق الصواريخ بين الوقت والآخر إلى شلّ حركة الملاحة في مطار اللد، وكذلك النشاط الاقتصادي، إذ يضطر "الإسرائيليون" إلى النزول إلى الملاجئ، ما يترك تأثيراً مباشراً على بقاء عمل المستثمرين والشركات الأجنبية، بسبب غياب الاستقرار الأمني.

رابعاً: أسباب عجز المنظومات الدفاعية
تشير التحقيقات الأولية إلى عدة أسباب محتملة لفشل بعض عمليات الاعتراض، منها:
1ـ تقنيات التشويش المتقدمة التي باتت تتمتع بها الصواريخ اليمنية، والتي يمكن أن تعطل أنظمة الرادار "الإسرائيلية".
2ـ سلوك الصواريخ مسارات غير عادية وغير متوقعة، ما يجعل اكتشافها واعتراضها في الوقت المناسب أكثر صعوبة.
3ـ حمل الصواريخ رؤوساً حربية، وتتميّز بالقدرة على المناورة، وبسرعة فائقة (ماخ 5 وما فوق) بعد دخولها الغلاف الجوي، ما يجعل اعتراضها تحدياً كبيراً لأنظمة الدفاع الجوي.
4ـ تعاني الصواريخ الاعتراضية من مشاكل فنية في بعض الحالات، مثل حصول "خلل فني" في الصاروخ الاعتراضي نفسه.
5ـ مع ارتفاع وتيرة إطلاق الصواريخ، قد تشكل الكمية تحدياً للمنظومات الدفاعية التي قد لا تتمكن من التعامل مع كلّ صاروخ على حدة بكفاءة 100%.
بشكل عام، يمثل استمرار إطلاق الصواريخ اليمنية على "إسرائيل" تحدياً متعدد الأبعاد، يبرز هشاشة الأمن "الإسرائيلي" في مواجهة تهديدات بعيدة المدى، ويضع ضغوطاً كبيرة على القدرات الدفاعية والاقتصادية لكيان الاحتلال وحلفائه، وألا حلّ لهذا التحدي اليمني، خصوصاً بعد أن فشلت القوة الأمريكية في منع اليمن من مواصلة قصف الكيان "الإسرائيلي" وفرض الحصار البحري عليه، واضطر إلى طلب وقف النار مع اليمن عبر وساطة عُمانية، ما يؤكد ألا حلّ أمام كيان الاحتلال لوقف إطلاق الصواريخ اليمنية وفك الحصار البحري، إلا بوقف حرب الإبادة التي يشنها ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفك الحصار المفروض عليه.

أترك تعليقاً

التعليقات