راسم عبيدات

راسم عبيدات / لا ميديا -
اليمن دائماً يقرن القول بالفعل بالوقوف إلى جانب شعبنا وقضيتنا ومظلوميتنا وحقوقنا، وهو ينطلق في ذلك من مواقف قومية عروبية ووطنية وعقدية وإنسانية. وعندما يعلن "المرحلة الرابعة من التصعيد" بالقول إنه سيستهدف كل السفن التي تحمل البضائع لـ"إسرائيل" وبغض النظر عن جنسيتها، ليس فقط في البحر الأحمر، بل في كل الممرات المائية من بحر متوسط ومحيط هندي وحتى رأس الرجاء الصالح، وهذا قرار استراتيجي كبير، له دلالات كبرى أيضاً، وهو يشكل تحديا لأمريكا ولبريطانيا على وجه التحديد اللتين تقودان العدوان على اليمن، واللتين شكلتا أيضاً ما عرف بـ"حارس الازدهار"، تحت ذريعة ضمان حرية الملاحة والتجارة الدولية في البحر الأحمر، هذه الذريعة المعلنة من أجل الدفاع عن مصالحهما وعن المصالح الاقتصادية "الإسرائيلية" وضمان وصول البضائع إليها.
اليمن باتت قوة إقليمية في المنطقة وأمن البحر الأحمر والملاحة والتجارة الدولية، وخلق معادلة وجبهة إسنادية استراتيجة بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه، والعمل على وقف العدوان "الإسرائيلي" الهمجي عليه، وربط الاستهداف للسفن "الإسرائيلية، بوقف العدوان على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية غذائية وطبية ومحروقات بشكل كاف للقطاع، اليمن رسم معادلة استراتيجية وجبهة إسناد فاعلة، لعبت دوراً بارزاً في التأثير على الاقتصاد "الإسرائيلي" المصاب بأزمات عميقة. فهذا الحصار البحري شلَّ الموانئ "الإسرائيلية" وبالذات ميناء "إيلات" كمرفأ اقتصادي وسياحي، وبنسبة لا تقل عن 95%، والموانئ الأخرى حيفا وأسدود، والمتوقع مع الانتقال إلى المرحلة الرابعة من التصعيد اليمني، أن تتأثر حركة التجارة والاستيراد والتصدير فيها بشكل كبير.
أمريكا و"إسرائيل" وقوى الغرب الاستعماري، لم يتوقعوا أن تكون الجبهة اليمنية لاعباً مقرراً في أمن البحر الأحمر، وأن تصبح كلمتها مساوية لكلمة أمريكا العاجزة عن الردع والتدخل وخوض حرب شاملة مع اليمن، فهي تدرك أنها لن تنجح في إلحاق هزيمة استراتيجية باليمن صاحب التاريخ الذي يشهد له بأنه كسر وهزم كل الغزوات والحروب التي شنت عليه، عثمانية تركية، وبريطانية، وصولاً إلى الحرب التي شنتها عليه ما عرفت بقوى التحالف لمدة تسع سنوات وماتزال.
تاريخ اليمن حافل بالعزة والكرامة والمواقف القومية العروبية، وقيادته تمتلك إرادتها وقرارها السياسي، ورغم كل الخراب والدمار والحصار والثمن البشري الباهظ الذي دفعته في الحرب العدوانية التي شنت عليها لكسر إرادتها وفرض الوصاية عليها لم تستسلم ولم ترفع الراية البيضاء، بقيت متمسكة بمواقفها وثابتة على مبادئها وقيمها ومعتقداتها، كما أن قيادتها تتميز بامتلاكها إرادتها وقرارها السياسي المستقل.
اليمن السباق دوماً لدعم الشعب الفلسطيني، ليس فقط من خلال المسيرات والمظاهرات المليونية التي تجوب شوارع المدن اليمنية وساحاتها، بشكل أسبوعي، بل رغم كل حالة الضنك والفقر التي يعيشها أهل اليمن بفعل الحصار والتجويع، إلا أنه كان السباق لجمع التبرعات لأهلنا وشعبنا في قطاع غزة وبملايين الدولارات.
اليمن لم يتأخر في فتح جبهته الإسنادية بعد اندلاع معركة 7 أكتوبر، ففي أواخر تشرين الأول/ أكتوبر قصف ميناء "إيلات" أم الرشراش بالمسيرات والصواريخ الباليستية. أواخر ذات الشهر كان قطاع غزة على موعد مع عملية الإسناد الأولى التي نفّذتها القوات المسلحة اليمنية، مستهدفةً بالصواريخ الباليستية والمجنّحة والطائرات المسيّرة عمق كيان الاحتلال.
ومن بعد ذلك تواصلت العمليات العسكرية اليمنية نصرةً لغزة، لتتسع بالتدريج، وترتقي تبعاً للتطورات في القطاع، حيث المرجع لكلّ عمليات الإسناد. وفي الـ19 من نوفمبر، افتتحت صنعاء، عبر سيطرتها على سفينة "غالاكسي ليدر"، المعركة البحرية ضدّ الاحتلال "الإسرائيلي" في البحر الأحمر وبحر العرب.
وشملت الاستهدافات اليمنية ضدّ الاحتلال في تلك المرحلة السفن التي تحمل العلم "الإسرائيلي" وتلك التي تشغّلها أو تملكها شركات "إسرائيلية".
وبعد نجاحها في منع السفن "الإسرائيلية" من الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب، بدأت القوات المسلحة اليمنية مرحلةً جديدةً من معركة البحار، مع إعلانها الشروع في منع مرور السفن المتجهة إلى "إسرائيل"، من أي جنسية كانت، في 9 كانون الأول/ ديسمبر، إذا لم تدخل قطاع غزة حاجتُه من الغذاء والدواء.
انضمّت السفن الأمريكية والبريطانية إلى دائرة الاستهدافات اليمنية، عقب العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، في 12 يناير الماضي، عندما أبدت القوات المسلحة تصميمها على استهداف كل مصادر التهديد والأهداف المعادية، بحراً وبراً، دفاعاً عن البلاد وسيادتها.
لاحقاً، وتحديداً في 25 أبريل، ومع استمرار حرب الإبادة "الإسرائيلية" وتصعيدها ضدّ غزة، أعلن قائد أنصار الله، السيد عبدالملك الحوثي، نيته توسيع العمليات العسكرية لتطال المحيط الهندي أيضاً، وبعد 4 أيام فقط، استهدفت القوات المسلحة سفينةً "إسرائيلية" في تلك المنطقة.
أما الخامس من مايو الجاري، فمثّل فاتحةً لمرحلة جديدة من الإسناد اليمني للمقاومة الفلسطينية، عنوانها "المرحلة الرابعة من التصعيد"، كما جاء في بيان القوات المسلحة اليمنية، وهي مرحلة تشمل استهداف كل السفن التي تخترق قرار حظر الملاحة "الإسرائيلية".
يمكننا تصوّر وقع هذه الجملة على "إسرائيل" ودول العالم أجمع، التي شهدت كيف فرض اليمن حظره على الملاحة "الإسرائيلية" في البحر الأحمر. وفي غضون ذلك، يمكن توقّع الهواجس التي تراود الاحتلال وداعميه، وكل الجهات التي تفكّر في إرسال سفنها إلى "إسرائيل" عبر المتوسط، إذ إنّ سفنها ستكون عرضةً للاستهداف.
اشتمل بيان "المرحلة الرابعة من التصعيد" على نقطتين رئيستين. الأولى تتعلق باستهداف أي سفينة تتوجّه إلى الموانئ الفلسطينية في البحر المتوسط، الأمر الذي يعني فرض حصار على كل الموانئ في "إسرائيل"، وذلك بعد أن حاصر اليمن "إسرائيل" في البحر الأحمر، ملحقاً بها خسائر اقتصادية كبيرة.
أمّا النقطة الثانية، فهي مرتبطة مباشرةً بالتصعيد "الإسرائيلي" ضدّ رفح، بحيث ستكون أي شركة ترسل سفنها إلى "إسرائيل" معرضةً للعقوبات، بغضّ النظر عن جنسيتها.
اليمن واحدة من جبهات الإسناد المهمة، والتي سيتصاعد فعلها ويرتقي درجات أخرى في الاستهداف ويرفع من سقفه، وربما في ظل ما يتعرض له من قصف وعدوان على يد الطيران الأمريكي والبريطاني، وبعد سحب أمريكا لبوارجها ومدمراتها من البحر الأحمر، يصبح مقر أسطولها الخامس في البحرين وقواعدها العسكرية في العديد من دول الخليج عرضة للرد اليمني، والأيام القادمة ستكشف عن مفاجآت يمنية جديدة، فاليمن أهل القول والفعل والقرار والإرادة المستقلة، لا تثنيه التهديدات الأمريكية ولا البريطانية عن القيام بدوره وواجبه في دعم وإسناد الشعب الفلسطيني وقضيته.
اليمن ورغم حالة الخذلان العربي له والبعض الفلسطيني في الحرب العدوانية التي شنت عليه، من أجل فرض الوصاية عليه ونهب خيراته وثرواته، وخلق قيادة تابعة وملحقة بالسعودية، إلا أنه لا يتعامل بمنطق ثأري وانتقامي، بل ما يحركه انتماؤه القومي العروبي، وانتماؤه لفلسطين وقضيتها ولقدسها ومقدساتها، هو اليمن الذي لم يهزم على مر التاريخ ينتصر لفلسطين قضية وشعبا وحقوقا.

أترك تعليقاً

التعليقات