تقرير / لا ميديا -
في مشهد يُلخص ملحمة الصمود والمعاناة لغزة وأهلها، انسحبت قوات العدو الصهيوني، أمس الجمعة، من عمق قطاع غزة، بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس، في إقرار بالهزيمة أمام إرادة المقاومة الفلسطينية التي صمدت عامين في وجه آلة الحرب الصهيونية المدعومة غربياً، لتسدل الستار على واحدة من أكثر الحروب وحشية في تاريخ المنطقة، وتفتح الباب لمرحلة عنوانها: غزة حيّة.. والمقاومة باقية.
تقارير إعلام العدو نفسه لم تستطع إخفاء حقيقة الانكسار؛ إذ نقلت إذاعة «الجيش الإسرائيلي» عن ضباط شاركوا في العمليات الميدانية أن «الخريطة التي نشرها الجيش حول مناطق الانتشار غير دقيقة، وأن المواقع الأمامية ابتعدت كيلومترات عن الخط الأصفر الفاصل مع القطاع».
قوات الاحتلال التي زعمت أنها تتمركز على الحدود، تراجعت عملياً إلى الوراء، مجبرة على ترك مساحات واسعة من الأراضي داخل القطاع خالية من وجودها، ما يؤكد أن الانسحاب تمّ تحت ضغط الميدان ووفق شروط المقاومة.
«القناة 12»، التابعة للاحتلال، أكدت من جهتها أن الانسحاب أعمق مما أُعلن، خصوصاً في شمال قطاع غزة ووسطه، وأن عدة مواقع عسكرية فُككت بالكامل. في المقابل، حاول المتحدث باسم قوات الاحتلال، إفي ديفرين، التخفيف من وقع التراجع قائلاً إن «الخريطة كانت توضيحية فقط»؛ غير أن التصريحات الميدانية والخرائط المسربة كشفت عمق الانكسار.

غزة تعود إلى الحياة
ما إن دخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، عند الساعة الثانية عشرة ظهر أمس الأول الخميس، خرجت حشود من سكان القطاع، مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، عائدين إلى مدنهم المدمرة وبيوتهم المنهارة، في مشهد يجسد انتصار الإرادة على آلة القتل.
شوارع غزة امتلأت بالحركة بعد شهور من الحصار والدمار، فيما شرعت طواقم الدفاع المدني بانتشال جثامين أكثر من 81 شهيداً من تحت الركام.
ورغم الفاجعة الإنسانية، فإن روح التحدي كانت واضحة في وجوه الناس. قال أحد العائدين إلى حي الزيتون: «نعود إلى رمادنا؛ لكننا أحياء، والموت لم ينتصر».

نتنياهو يرسم نصراً وهمياً
في الجانب الآخر، حاول رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، رسم «صورة نصر» في كلمة مصوّرة، متحدثاً عن «نزع سلاح حماس» و»فرص السلام الجديدة»؛ غير أن الواقع على الأرض كان نقيضاً تماماً: «إسرائيل» هي التي رضخت للاتفاق، وهي التي قبلت بالانسحاب وتبادل الأسرى وفق شروط المقاومة، كما أجمعت التحليلات العبرية.
مصادر صهيونية وصفت اتفاق وقف النار بأنه «هدنة إجبارية»، وليس نصراً كما أراد نتنياهو أن يوهم جمهوره. حتى «القناة 13» العبرية تحدثت عن «انقسام داخل الحكومة» ورفض وزراء متطرفين مثل بن غفير وسموتريتش التصديق على الاتفاق الذي رأوه «استسلاماً مهيناً».

تحرير المختطفين الفلسطينيين
الصفقة التي أبرمتها المقاومة لم تكن مجرد تبادل، بل صفعة سياسية وأمنية للعدو الصهيوني. فالمقاومة فرضت إطلاق سراح نحو ألفي مختطف فلسطيني، بينهم 250 من أصحاب الأحكام المؤبدة، مقابل 20 أسيراً «إسرائيلياً» أحياء و28 جثة.
قوائم الأسرى تضمنت أسماء لقيادات ومناضلين من مختلف الفصائل الفلسطينية من ذوي الأحكام الطويلة، في دلالة على أن المقاومة هي التي تحدد المعايير هذه المرة، وليس المحتل.
كذلك الاتفاق، وفقاً للملحق الإنساني، نص على دخول 600 شاحنة مساعدات يومياً بإشراف الأمم المتحدة، محملة بالمواد الغذائية والطبية والوقود، مع حرية حركة الشاحنات من الجنوب إلى الشمال.
وفي اليوم الأول من الهدنة، أعلنت منظمة الصحة العالمية استعدادها لتكثيف دعمها للقطاع الصحي المدمر، فيما أكّد الهلال الأحمر المصري توجه أكثر من 150 شاحنة إلى معبر رفح.
بهذا، تعود شرايين الحياة تدريجياً إلى جسد غزة المثخن بالجراح، بعد شهور من الجوع والعطش والقصف المتواصل.

المقاومة: لا نكبة بعد اليوم
القيادي في حركة حماس، عزت الرشق، أكد أن الشعب الفلسطيني أنجز اليوم «العودة الكبرى إلى مدن القطاع»، معتبراً أن «إصرار الأهالي على العودة السريعة إلى بيوتهم المهدمة هو إعلان انتصار وإلغاء لمفهوم النكبة».
وقال الرشق في تصريحات صحفية: «اختار أهل غزة العودة فوراً ودون تأخير. وهذا السلوك الجمعي بحد ذاته فعلٌ مقاوم دلالته واضحة كالشمس: لا نكبة بعد نكبة 1948، أمامنا كفلسطينيين طريق ومستقبل باتجاه واحد، وهو العودة، اليوم إلى مدننا التي هجّرَنا منها جيش الإبادة الصهيوني في قطاع غزة، وغداً إلى مدننا وقرانا التي هجّرتنا منها العصابات الصهيونية أول مرّة. هذا هو الطريق».
وأضاف: «أنجز الشعب الفلسطيني اليوم العودة إلى مدن القطاع، كخطوة على طريق العودة الكبرى، ليثبت أنه هو المقاومة بالأصل والتأسيس، وهو مبتدأ العمل المقاوم والأمين على الثوابت، هو الذي أفرز المقاتلين؛ أنجبتهم أرحام الحرائر، واحتضنهم الشعب وثبت معهم وثبّتهم، وصبر وصابر على ما أصابه من لأواء الحرب، أفسح الشعب الميدان للمقاتلين عندما كان الكلام للسلاح فقط، ولما هدأ صوت السلاح تقدّم الشعب المقاوم ليقول الكلمة الأخيرة».

الحية يشيد بشركاء الدم في اليمن ويؤكد: تلقينا ضمانات بانتهاء العدوان
من جانبه أشاد رئيس الوفد المفاوض لحركة المقاومة الإسلامية حماس - رئيس الحركة في غزة، خليل الحية، بجبهة الإسناد اليمنية لغزة، واصفاً اليمنيين بالشركاء في الدم.
وثمّن الحية، في كلمة مصورة أمس الأول، جبهات الإسناد لغزة في محور المقاومة، وقال إنه يثمّن مواقف «كل من شاركنا الدم والمعركة في اليمن ولبنان والعراق وإيران، وكل الأحرار في العالم، الذين تضامنوا معنا»، وأضاف: «نخص بالتقدير المتضامنين في قوافل الإسناد والحرية براً وبحراً، وكل من أسهم معنا بكلمة حق».
وقال الحية إن حماس تسلمت ضمانات من الوسطاء والإدارة الأمريكية تؤكد انتهاء الإبادة في قطاع غزة بشكل كامل ودون عودة.
وأعلن الحية: «التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب والعدوان على شعبنا وبدء تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار»، مؤكداً أن «الإخوة الوسطاء والإدارة الأمريكية أكدوا جميعاً أن الحرب انتهت بشكل تام».
وأوضح الحية أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى تتضمن الإفراج عن 250 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالمؤبد و1700 آخرين اعتُقلوا بعد بدء الإبادة على القطاع.
وبيّن الحية أن الحركة تعاملت بمسؤولية عالية، و»قدمت رداً يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني» على خطة ترامب.
وأكد الحية أن «العدو الإسرائيلي أجهض جهود الوسطاء في كل مرة للتوصل إلى اتفاق، وواصل ارتكاب المجازر في غزة»، موضحاً أن «إسرائيل» كانت «تنقض العهود وتخرق الاتفاقات وتختلق الأكاذيب».  وأشار الحية إلى أن حماس ستواصل العمل مع جميع القوى الوطنية والإسلامية استكمالاً لتنفيذ باقي الخطوات في الاتفاق.
بدوره قال الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، إن العودة إلى غزة انتصار للإنسانية، ولولا النضال الإنساني لما تراجع قتلة الأطفال.