الولايات المتحدة تواجه معضلةً بشأن «الحوثيين» في اليمن.. التصعيد أم الاستسلام للهزيمة؟
- تم النشر بواسطة ترجمة خاصة:أقلام مانع / لا ميديا

جوناثان سباير (Middle East Forum Online)*
ترجمة خاصة:أقلام عبدالملك مانع / لا ميديا -
لا يزال تركيز إسرائيل منصباً على حملتها في غزة، وعلى الضرورتين المتزامنتين: زيادة الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن، وإنهاء سيطرة حماس على الحكم، سياسياً وعسكرياً، كما صرحت للصحفيين المتحدثة باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، العميد إيفي ديفرين، خلال زيارة إلى غزة هذا الأسبوع.
لا يزال أمام جيش الدفاع الإسرائيلي الكثير من العمل. ولكن، كما قال مصدر في جيش الدفاع الإسرائيلي لصحيفة «جيروزاليم بوست»، كان هناك «تراجع في قدرات حماس، على الرغم من أنها لا تزال قادرة على المفاجأة».
وفيما يتعلق بلواء رفح التابع لحماس، والذي يخوض جيش الدفاع الإسرائيلي ضده حالياً معارك على طول ممر موراج بين خان يونس ومدينة رفح، تابع المصدر: «نعتقد أن مسألة الصواريخ قد انتهت إلى حد كبير». ما تبقى هو قتال متلاحم للقضاء على ما تبقى من مقاتلي اللواء، والذين يتراوح عددهم بين 100 و150 عنصراً.
لكن بينما تراجع التهديد الصاروخي الهائل القادم من غزة، بشكل ملحوظ، تذكّر سكان حيفا والجليل الغربي، صباح الأربعاء، أن غزة ليست الجبهة النشطة الوحيدة في الصراع الحالي، عندما تسبب صاروخ باليستي أطلق من اليمن في دوي صافرات الإنذار. لم تسجل إصابات، ويبدو أن الدفاعات الجوية دمرت الصاروخ. وأعلنت جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي تسيطر على العاصمة اليمنية وجزء كبير من البلاد، مسؤوليتها عن الإطلاق.
الساحة اليمنية حالياً هي الأكثر نشاطاً بين جميع الجبهات التي فُتحت في أعقاب مجازر حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر على يد عناصر موالية لإيران. وقد اختارت المليشيات التابعة لإيران في لبنان والعراق، والتي مُنيَت بالهزيمة، الانسحاب من المعركة في الوقت الحالي. وقد دُمِّر نظام الأسد في سورية. ولم ترد إيران نفسها بعدُ على الضربات الإسرائيلية المكثفة التي أعقبت إطلاق إيران صواريخ وطائرات مُسيَّرة على إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. أما حماس في غزة فقد صمدت، وقدراتها مُتدنَّية بشدة.
الحوثيون وحدهم، الذين اعتُبروا في السابق مجرد عرض ثانوي لا يُذكر، ما زالوا منخرطين بكامل قواهم، وبقدرات عالية، وعازمين على مواصلة القتال. إنهم القوة الوحيدة الموالية لإيران التي لم تُعانِ من انتكاسات جسيمة منذ بدء حملتهم. كما أنهم العضو الوحيد في المحور الموالي لإيران الذي وجّه هجماته ليس فقط ضد إسرائيل، بل أيضاً ضد أهداف غربية.
في آذار/ مارس الماضي، أطلقت الجماعة نحو 20 صاروخاً باليستياً على إسرائيل. إلا أن استهداف الحوثيين لإسرائيل رمزي إلى حد كبير. فالجزء الأهم من جهودهم، منذ انطلاقها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، لم يُوجَّه ضد أهداف إسرائيلية، بل ضد الملاحة الدولية على طول طريق البحر الأحمر - خليج عدن إلى قناة السويس. كان 15% من التجارة العالمية المنقولة بحراً قبل الحرب يمر عبر هذا الطريق. أما الآن فقد أدت هجمات الحوثيين إلى إغلاقه تقريباً.
مرّ عامٌ منذ عبور سفينةٍ تحمل العلم الأمريكي قناة السويس. ويبدو أن إدارة ترامب، خلافاً لتفضيلها إبرام اتفاقياتٍ لإنهاء أعمال العدوان في أماكن أخرى، عازمةٌ على إجبار الحوثيين على إنهاء حملتهم، ومستعدةٌ لدعم تهديداتها بالقوة. في بداية الهجوم في آذار/ مارس، حذّر ترامب الحوثيين الشيعة اليمنيين من أنه إذا لم تتوقف هجماتهم على السفن، «فسنمطر عليكم جحيماً لم تروا مثله من قبل».
والخميس الماضي، قُتل 80 شخصاً في سلسلة غارات جوية أمريكية على ميناء رأس عيسى الاستراتيجي الذي يسيطر عليه الحوثيون بمحافظة الحديدة، وعلى العاصمة اليمنية صنعاء. وكانت هذه الغارات الأشد حتى الآن في الحملة الأمريكية المستمرة منذ شهر ضد أهداف الحوثيين.
الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء نفوذ الحوثيين المتزايد
تتجاوز مخاوف الولايات المتحدة بشأن الحوثيين السياق اليمني المباشر. فخلال الأشهر الستة الماضية، ظهرت أدلة على تنامي العلاقة بين أنصار الله وحركة الشباب في الصومال. وأشار تقرير للأمم المتحدة صدر في شباط/ فبراير إلى أن أفراداً من الحركتين اجتمعوا في الصومال في تموز/ يوليو وأيلول/ سبتمبر 2024.
خلال هذه الاجتماعات، وفقاً للتقرير، التزم الحوثيون بتزويد حركة الشباب بالأسلحة والمساعدة التقنية، بما في ذلك طائرات بدون طيار وصواريخ أرض- جو. ويبدو أن احتمال استغلال الحوثيين لعلاقتهم بحركة الشباب لنشر الفوضى والنفوذ الإيراني عبر البحر الأحمر وصولاً إلى القرن الأفريقي يُسهم في تركيز اهتمام واشنطن.
لقد وجهت الحملة الجوية الأمريكية ضربةً قاسيةً للحوثيين. ومع ذلك، يبقى من المشكوك فيه ما إذا كان حجم الأضرار حتى الآن كافياً لإقناع الحركة الإسلامية الشيعية اليمنية بوقف هجماتها على السفن الغربية وإسرائيل.
في حالتي اليمن وغزة، لا يكترث العدو الإسلامي إلى حدٍّ كبيرٍ بخسائر أرواح شعبه، ومن غير المرجح حتى أن يميل إلى تغيير مساره نتيجةً لخسائر في صفوفه أو معداته.
في هذه المرحلة، تواجه الولايات المتحدة تجاه الحوثيين خياراتٍ مشابهةً لتلك التي واجهتها إسرائيل تجاه غزة، وهي إما التصعيد وإما التنازل فعلاً. إما اتخاذ قرارٍ بتدمير العدو أو إضعافه بشدة، وإما التسليم بأن الحوثيين -وإن كان من الممكن خوض حربٍ انتقاميةٍ تُكلفهم ثمناً باهظاً- لا يُمكن هزيمتهم في الوقت الحالي.
وعلى هذه الخلفية ينبغي فهم التقارير الأخيرة حول هجوم بري محتمل ضد الحوثيين من قبل الحكومة اليمنية والقوات المتحالفة معها.
ظهرت تقارير في وسائل إعلام أمريكية وإقليمية رئيسية، خلال الأسبوعين الماضيين، تُشير إلى احتمال وقوع هجوم كهذا. وأشار مقال نُشر في صحيفة «وول ستريت جورنال»، في 15 نيسان/ أبريل، إلى أن فكرة العمل البري جاءت نتيجةً لتصورٍ لدى عناصر في الحكومة اليمنية الرسمية بأن حملة القصف الأمريكية قد ألحقت ضرراً بالغاً بقدرات الحوثيين، ما يتيح فرصةً سانحة.
من المرجح أن يستهدف هذا الهجوم -إن وقع- المنطقة الساحلية الغربية لليمن. فميناء الحديدة والمنطقة المحيطة به موقعٌ حيويٌّ لاستقبال واردات الحوثيين. كما أن الساحل أساسيٌّ لمواصلة حملة الحوثيين على الملاحة البحرية.
سيكون الدعم الجوي الأمريكي حيوياً لأي حملة من هذا القبيل. في الماضي، وتحديداً في العام 2015، كان أداء القوات المدعومة من السعودية والإمارات ضعيفاً ودون نجاح يُذكر ضد الحوثيين. مع ذلك، كانت الولايات المتحدة آنذاك مترددة بشأن الهجوم، وغير مقتنعة بخطر التوسع الإيراني الذي يمثله تقدم الحوثيين. أما هذه المرة، فسيكون الوضع مختلفاً، حيث من المرجح أن تلعب الولايات المتحدة دوراً فعالاً في دعم أي هجوم من هذا القبيل.
ربما لاحظت القوات المرتبطة بالحكومة اليمنية الرسمية النجاح السريع الذي حققته هيئة تحرير الشام في سورية، والذي يعود في معظمه إلى إضعاف إسرائيل السابق لمنظمة حزب الله اللبناني. لولا ذلك، لكان حزب الله قد تدخل لإنقاذ نظام الأسد، وربما أوقف تقدم هيئة تحرير الشام قبل حمص أو حماة.
ومع ذلك، سواء أضعفهم القصف الأمريكي أم لا، فإن الحوثيين قوة مختلفة تماماً عن جيش نظام الأسد الأجوف. ومثل هذا الهجوم، كمثل هذه الأعمال، سيكون بمثابة مغامرة.
بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها المحليين في اليمن، فإن الخيار الآن هو زيادة المخاطر أو الانسحاب.
25 نيسان/ أبريل 2025
* منتدى الشرق الأوسط (MEF) هو مؤسسة بحثية أمريكية تأسست في العام 1990.
المصدر ترجمة خاصة:أقلام مانع / لا ميديا