دمشـق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
قيل الكثير عن زيارة الرئيس بشار الأسد المفاجئة إلى موسكو، الأربعاء الماضي؛ لكن ما توافقت عليه الآراء هو أنه لو لم يكن هناك أسباب هامة استدعت الزيارة لما تمت بهذا الشكل.
فالتواصل الهاتفي بين الرئيسين مستمر، وما لا يعلن عنه أكثر مما يعلن. كما أن مؤسستي الرئاسة والخارجية في البلدين تتكفلان بتوضيح رأي ومواقف البلدين من القضايا المهمة، وعندما تتم الحاجة إلى المزيد من البحث والتوضيحات فهناك المبعوث الروسي، ألكسندر لافرينتييف، وهذا يعني أن ثمة أموراً ملحة استدعت لقاء الرئيسين لبحثها بشكل شخصي ومباشر.. هذا ما أكده تصريح الرئيسين في الجلسة العلنية، حيث قال بوتين إن الوضع يزداد توتراً في الشرق الأوسط، وأن المباحثات مع الرئيس الأسد فرصة لبحث كل التطورات والسيناريوهات المحتملة».
ما قاله بوتين أكمله الرئيس الأسد، بقوله: «بالنظر إلى كل الأحداث التي تجري في العالم أجمع، وفي المنطقة الأوراسية حاليا، يبدو اجتماعنا اليوم مهمّاً للغاية، لمناقشة كافة التفاصيل المتعلقة بتطورات هذه الأحداث، ومناقشة الآفاق والسيناريوهات المحتملة».
هنا يستدعي التساؤل عن المواضيع الهامة والمخاطر التي يستشعرها الرئيسان، واستوجب بحثها والاستعداد لمواجهتها.
إن قراءة للأوضاع في فلسطين المحتلة، وعموم منطقة غرب آسيا، امتداداً إلى أوكرانيا، يمكن أن تعطي تفسيراً لما قاله الرئيسان.
فالكيان الصهيوني يبدو عاجزاً عن تحقيق أي من أهداف العدوان على غزة، رغم مرور أكثر من تسعة أشهر، ورغم ما توحشه في القتل والتدمير.
وهو يستشعر خطراً حقيقياً في جبهة الشمال، مع المقاومة اللبنانية، خاصة بعد تسريبات «هدهد 1 و2 و3»، ومع الجبهة اليمنية، وهو ينتظر «على رجل» الرد اليمني على العدوان على الحديدة.
والمقاومة العراقية تفعل فعلها باستهداف المنشآت الحيوية، وخاصة في ميناء «إيلات»، سواء بعملياتها المباشرة أو بالتنسيق مع اليمن المقاوم.
والميدان السوري، الذي يشكل ساحة الإمداد اللوجستي والعمق الاستراتيجي والجغرافي لمحور المقاومة، يخبئ من الأسرار أكثر بكثير مما يعلن عنه.
وأكثر من يتحدث اليوم عن المأزق الوجودي «الإسرائيلي» هو الإعلام العبري والنخب السياسية والعسكرية «الإسرائيلية».
أما الولايات المتحدة فقد تأكد وجودها في غرفة عمليات جيش الاحتلال «الإسرائيلي» لقيادة العدوان على غزة، وبالتالي فإن الفشل «الإسرائيلي» في غزة هو فشل أمريكي أيضاً.
كما أنها تواجه فشلاً ذريعاً في البحر الأحمر، أمام اليمن المقاوم، الذي أذل بحريتها، ووصل إلى حد استهداف حاملة طائراته «آيزنهاور» بما تمثله من رمز للقوة الأمريكية.
كما فشلت حتى في الممر البحري الذي أنشأته على ساحل غزة بكلفة 350 مليون دولار (دفعتها الإمارات)، وتم تفكيكه بسرعة.
يضاف إلى ذلك، الفشل الأمريكي الغربي في استهداف روسيا من خاصرتها الأوكرانية، لتتحول هذه الجبهة نقطة ضعف جديدة للمنظومة الأمريكية.
واليوم دخلت الانتخابات الرئاسية الأمريكية على المشهد، بما تؤكده من دخول المجتمع الأمريكي في حالة انقسام عمودي يهدد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
هذه الحالة وضعت تحالف العدوان الأمريكي «الإسرائيلي» أمام خيارين أحلاهما مُرّ:
الأول: إما القبول بوقف القتال في غزة، وفي كافة نقاط الاشتباك والمواجهة، وهو ما يعني الإقرار بخسارة الحرب وتقبل الهزيمة، وهو ما سيؤدي إلى سقوط حكومة نتنياهو، وانفجار كيان العدو من داخله.
كما سيؤدي إلى خروج الولايات المتحدة من منطقة غرب آسيا، التي تعتبر المؤشر إلى صعود وانهيار الإمبراطوريات والدول العظمى، وخسارتها المعركة في هذه المنطقة تعني الإعلان الرسمي عن انتهاء العصر الأمريكي.
الثاني: الاستمرار في القتال، وأخذ المنطقة إلى مزيد من التصعيد.
وسط هذا الاستعصاء، يبدو أن الرؤوس الحامية في واشنطن و»تل أبيب» هي التي ستقود المرحلة المقبلة، أيا كان الفائز في الانتخابات الأمريكية، مع ما يعني من نقل المنطقة إلى مزيد من التسخين وتوسيع نقاط الاشتباك والمواجهة، وهو ما يتوافق مع رؤية الرئيسين الأسد وبوتين، التي عبروا عنها في لقاء موسكو، واستلزم التشاور الشخصي بينهما حول الوضع وخطورته وسبل مواجهته.
ومع عدم تسريب أي من النتائج والقراءات أو الخطوات التي توافق عليها الرئيسان؛ لكن يمكن ملاحظة أن محور المقاومة، الذي يواصل حرب استنزاف العدو من خلال ساحات الإسناد لغزة، يدرك خطورة الأوضاع، وهو لم ينتظر العدو حتى يبدأ عدوانه، وإنما يتخذ كل الاستعدادات لكل الاحتمالات، والتي بدأها بالحرب التي تستهدف تحطيم الحالة النفسية والمعنوية لجيش الاحتلال والمجتمع الصهيوني، قبل أن يفكر بتوسيع عدوانه، وهذا ما رأيناه في طائرة «يافا» اليمنية، التي وجهت ضربة على دماغ الكيان الصهيوني في عاصمته «تل أبيب» (يافا) والتي أجبرته على مغامرة ضرب الحديدة، وانتظار الرد اليمني الموعود على رجل مرتجفة.
كما رأيناها في أفلام المقاومة اللبنانية «هدهد 1 و2 و3»، التي رصدت وصورت معظم المواقع الاستراتيجية داخل الكيان الصهيوني، مع إدراك قادة العدو أن هناك المزيد، وما كشفته المقاومة ليس سوى الجزء اليسير مما تمتلكه، وهو ما تأكد من تسريب الخبر عن تزود حزب الله بقنابل إلكترومغناطيسية قادرة على تدمير كل أنظمة الاتصالات، ومن ضمنها البنية التحتية للكهرباء، ووقف كل الأنظمة الإلكترونية التي تعتمد عليها «إسرائيل» للتنسيق بين راداراتها وطائراتها وقواتها بشكل عام، وهذا يشمل الوحدات الأمريكية والبريطانية التي يمكن أن تتدخل لحماية الكيان الصهيوني.
كما حصل حزب الله على صواريخ انشطارية وذكية، وهذه الأسلحة كافية لوحدها للرد على أي هجوم «إسرائيلي» على لبنان فور وقوعه. وتوجد تأكيدات بأن ما لدى حزب الله في لبنان موجود لدى أنصار الله في اليمن.
هذه الأخبار، التي تقض مضجع العدو الصهيوني الأمريكي، ستثير التساؤلات حول مصدر هذه الأسلحة، التي لا توجد إلا في دول قليلة جدا، منها روسيا وإيران، وهذا ما يعيد الانتباه إلى تهديد الرئيس الروسي بتزويد أعداء أمريكا بالمزيد من الأسلحة الحديثة، رداً على تزويد أمريكا ودول حلف الناتو لأوكرانيا بأسلحة جديدة، منها صواريخ يمكن أن تستهدف الجبهة الداخلية الروسية.
اللافت أن موضوع اللقاء المحتمل بين الرئيس الأسد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، لم يكن بنداً رئيسياً على جدول محادثات الرئيسين، ولم يطلب الرئيس بوتين من الرئيس الأسد اللقاء بأردوغان، في خطوة فسرتها مصادر روسية بأنها تنطلق من معرفة الرئيس بوتين بموقف الرئيس الأسد من اللقاء مع أردوغان وتأييده لموقفه من هذا الملف.
هذه الأخبار والتطورات الجديدة تأتي كلها في إطار المرحلة الخامسة للصراع مع العدو الصهيوني، التي يحدد مواقيتها السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي.
وفي حال استمرت الأوضاع في التصعيد، سنكون خلال أشهر قليلة أمام المرحلة السادسة من المواجهة، التي ستعني الدخول في مرحلة التحرير، وعندها سيكون هناك حديث آخر.