عرض وقراءة: أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
عندما أهداني سعادة السفير عبدالله علي صبري كتابه «الجهاد الأمريكي من كابول إلى إسطنبول» الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، كنت متأكداً أنني سأكون أمام كتاب مهم، يوثق واحدة من أخطر المراحل التي مرت بها المنطقة والعالم، ومازالت تداعياتها تتردد صداها، وتزداد خطورتها، لأنها فتحت واحدا من أخطر ملفات الصراع العالمي، وهو «الجهاد الإسلامي» الذي ولد من رحم الوهابية والإخوان المسلمين، وتم توليده في الغرف السرية للمخابرات الأمريكية والغربية، وترعرع وعاش ومارس عمله بإشرافها وإدارتها، وكانت شعوب المنطقة العربية والإسلامية، أكثر ضحاياه، ولم يسلم منه أي دولة عربية أو إسلامية.
هذه الصورة تتضح من أول كلمة من الكتاب، حيث يقول السفير صبري في مقدمته: «كأنما نعيش كابوسا جماعياً، ونحن نصحو كل يوم على أخبار دامية، الفاعل الرئيس فيها تنظيمات إرهابية متطرفة، تنشر التكفير وثقافة الكراهية داخل المجتمعات الإسلامية، وتشحذ طاقات الشباب تحت راية الجهاد القتالي، ثم تزعم أنها تنتصر للإسلام بالقتل، والتوحش، وإقصاء الآخر».
ويتساءل الكاتب صبري: «ما هي المناخات السياسية، الدولية والإقليمية، التي ساعدت على صناعة الوحش، وجعلت منه أداة طيعة في خدمة الأجندة الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؟».
كما يتساءل الكاتب عن علاقة تركيا بالإرهاب في سورية بشكل خاص.
الفصل الأول من الكتاب، جاء تحت عنوان «سورية بين داعش وتركيا» ويخصصه الكاتب، للحديث عن العدوان الكبير الذي شن على سورية، واستخدمت فيه العصابات الإرهابية التكفيرية، وعن دور أطراف العدوان، وخاصة تركيا، والمال الخليجي، وخاصة القطري، في إحضار هذه العصابات، والسبب «تقاطعت خيوط المؤامرة على سورية، ودورها المناهض للكيان الصهيوني، والمشروع الأمريكي في المنطقة».
ويشرح الكاتب في فقرة «عشرية الدم» كيف «توالدت عشرات التنظيمات الإرهابية المسلحة، بدءا من الجيش الحر، وليس انتهاء بالنصرة وداعش»، وكذلك ظهور (قسد -قوات سورية الديمقراطية) «الأمر الذي منح الحكومة السورية مشروعية مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية».. «وما استدعه شراسة العدوان، وحجم الدعم المقدم للعصابات الإرهابية، وخطورة الموقف، إلى مشاركة قوات من حزب الله في الدفاع عن سورية» «باعتبارها ظهر المقاومة وسندها» ثم دخول إيران، بعد اشتداد الهجوم وشراسته، وانفضاح حجم الدور الأمريكي، ثم إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014 عن تشكيل التحالف الدولي لمواجهة داعش، ما جعل «من الطبيعي أن تستثمر دمشق علاقتها التاريخية بروسيا الاتحادية، والاستعانة بقدراتها العسكرية، في صد التنظيمات الإرهابية» وهو ما حدث في أيلول عام 2015.
وبعد سقوط ورقة إسقاط سورية، يوضح الكاتب، ظروف تشكيل السعودية، الهيئة العليا للتفاوض، ثم ترتيب روسيا مع إيران وتركيا، لمسار آستانا، و»تراجع التنظيمات الإرهابية، التي توالت خساراتها، في مقابل استعادة الدولة السورية، قوتها ونفوذها».
وفي فقرة «خريف إسطنبول» يشرح الكاتب، كيف عملت المخابرات الدولية، وخاصة الأمريكية والإسرائيلية، على دعم العنف والإرهاب، بهدف ضرب سورية، وإسقاط الدولة والنظام فيها، بينما تصدرت تركيا وقطر المشهد السياسي والإعلامي، الداعم للتنظيمات الإرهابية، مما سمح بولادة داعش، وتوظيف ذلك لتحقيق حلم أردوغان بعثمانية جديدة، يكون فيها خليفة للمسلمين، وفشله في ذلك «مما جلب عليه سخطاً داخلياً» يخصص لها الكاتب فقرة بعنوان «الجزاء من نفس العمل» وكيف ارتد التدخل التركي في الأزمة السورية، فأصبحت مسرحا لعمليات إرهابية، وتراجعت السياحة، وتكبد الاقتصاد التركي خسائر باهظة، وحدث تململ في بعض وحدات الجيش، وتصاعد التوتر مع روسيا وأمريكا، وتراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، والتي مهدت كلها إلى محاولة انقلاب عسكري، كاد أن يطيح به وبحزبه.
وتحت عناوين «وانتصرت سورية» يوضح الكاتب صبري، كيف كان «للحرب على سورية بعدها الاقتصادي، تجلى على أسوأ ما يكون في حلب العاصمة الاقتصادية لسورية».. وكيف أريد أن تكون حلب باباً لإسقاط الدولة السورية، مما جعل الدولة السورية تدرك أهمية تحريرها، فكان انتصار الجيش السوري في معركة حلب نهاية عام 1916، والذي قضى على دولة داعش، وقطع الطريق على أحلام أردوغان في تقسيم سورية مما جعل الغرب، ينقل معركته إلى الحصار والضغوط، وتجلى ذلك في إقرار «قانون قيصر».
الفصل الثاني من الكتاب، جاء تحت عنوان «خيوط الظلام» وفيه يفصل الكاتب، كيف انطلقت أمريكا بعد أحداث أيلول/ سبتمبر عام 2001 كثور هائج، بداعي محاربة الإرهاب، والذي تحول بدوره إلى أخطر عملية إرهاب.
كما يبحث في علاقة الولايات المتحدة، مع «القاعدة» وصولا إلى «داعش»، وهو ما يستفيض فيه في فقرة «الإدارة المتوحشة بين النظرية والتطبيق» حيث «أطلقت الولايات المتحدة، بعد أحداث أيلول عام 2001 حربا دولية على الإرهاب، أفضت إلى احتلال أفغانستان والعراق، وإخضاع غالبية الدول العربية والإسلامية، لتوجهات واشتراطات أمريكية، جعلت المنطقة في حالة من الصراع والفوضى، بلغت ذروتها مع أحداث ما يسمى الربيع العربي».. وكيف «تركت للقاعدة وداعش، مهمة نشر الفوضى في الدول المستهدفة، وإلى جوار فكرة «الفوضى الخلاقة» أعلنت عن نظرية «الإدارة المتوحشة» كمرحلة تسبق وتهيئ لقيام دولة الخلافة الإسلامية».
في فقرة «مسارات تخلق التنظيمات الإرهابية» يوضح الكاتب صبري، كيف استفادت التنظيمات الإرهابية، من الظروف التي ساعدت على ظهور الأفكار المؤسسة للتطرف والإرهاب في العالم العربي تحديداً، ومنها الفشل في الإدارة، في غالبية الأنظمة العربية، والصراع القومي -الإسلامي.

على وقع تراجع وانهيار المشروع القومي والعروبي، بعد اتفاقية كامب ديفيد، بين مصر وإسرائيل في أيلول/ سبتمبر عام 1978، والتي جاءت في توقيت متقارب، مع قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، في شباط/ فبراير عام 1979، والاحتلال الروسي لأفغانستان.. فتوالدت الجمعيات والهيئات والمدارس والمعاهد الدينية الإسلامية، في مختلف الدول العربية.
وفي فقرة «الجهاد التكفيري لدى القاعدة وداعش» وظهور الأفكار التي تكفر كل مختلف عنهم، يؤكد أن هذه الحالة ليست فردية، مستشهداً ببيان ما تسمى «رابطة علماء المسلمين» التي وصفت ما يحدث في سورية بأنه «عدوان من الرافضة والباطنية النصيرية، وتمكين لهم، ولرد هذا الخطر ومقاومته، فإن الجهاد والقتال يصبح واجباً على كل مسلم مقيم في سورية».
ويكمل الكاتب هذا البحث، في فقرة «الوهابية وجذور التطرف» حيث «نجد في فتاوى مشايخ الوهابية، جرأة غير مسبوقة، في تكفير المسلمين، فرادى وجماعات».
الفصل الثالث في الكتاب، جاء تحت عنوان «الجهاد المفترى عليه» حيث يبحث الكاتب، في فقرة «الجهاد في الإسلام، كيف نفهمه وكيف نمارسه؟» في كيفية استخدام «الكلمات والمصطلحات الفضفاضة، في حياة المسلمين، وابتلائهم بالفهم المشوش للجهاد والقتال»، لكن الكاتب يؤكد أن الأمة لم تعدم نماذج مستنيرة ومتحررة، ويقدم نموذجاً عنها، العلامة والمفكر الإسلامي محمد سعيد رمضان البوطي الذي جرى اغتياله في آذار/ مارس من العام 2013، بتفجير إرهابي، وهو داخل مسجد الإيمان في دمشق، ويفرد مساحة واسعة لآرائه العقلانية والواعية، في مبررات وظروف إعلان القتال والجهاد، لشكل مختلف عن الأفكار الوهابية التكفيرية.
ثم يقدم الكاتب صبري في بحث «شبهات الجهاد القتالي» شرحاً عن الفرق بين الجهاد والقتال، حيث «شرع الإسلام القتال، حتى لا يستأصل المسلمون وهم قلة في المدينة، غير أن الاستثناء أصبح قاعدة، عند الفقهاء المؤسسين للمذاهب الإسلامية، ما جعل العالم بنظرهم، ينقسم إلى دارين لا ثالث لهما، دار إسلام، ودار كفر».
ثم جاءت الحروب الصليبية، هي الأخرى منحت الدين مكانة محورية في تجييش المقاتلين.. ثم ابتلاء الأمة العربية بالاحتلال الصهيوني لفلسطين المحتلة، وعدد من المناطق العربية، وفشل جيوش الدول العربية، في استعادة الأراضي العربية المحتلة، فكان لا بد لحركات التحرر والمقاومة، أن تواصل المهمة، بالاستناد إلى الدعم الشعبي، وهو ما جعل خطاب مقاومة الاحتلال الصهيوني، يتخذ لغة دينية، بعد تواري الشعارات القومية.. وقد نجح حزب الله في لبنان، بشكل لافت، واكتسبت حركة حماس الفلسطينية، شعبية كبيرة، ثم «تداخلت الأفكار والمصطلحات، فصار بعضهم يرى في الإرهاب جهاداً شرعياً، وفي المقاومة إرهاباَ ممقوتاً»... «وفي ظل هذا المناخ، انتشرت الأفكار المتطرفة كالنار في الهشيم، وعاشت المنطقة العربية، فصلاً دامياً ومأساوياً، وأصبح المسلم يقتل المسلم، والعربي يقتل العربي، بزعم أن الإسلام يدعم هذا التوحش ويحث عليه».
وفي فقرة «الإسلام شريكاً» يشير الكاتب، إلى أفكار عقلانية في الغرب، قدمت الإسلام شريكاً، كما هو حال المستشرق الألماني فريتش شتيبات الذي قدم كتابا بهذا العنوان، في مقابل الأفكار التي تقول «الإسلام عدواً الإسلام إرهابيا» مثل أفكار صموئيل هينغنتون في كتابه «صدام الحضارات» التي قدمت «الوقود الذي حرك التطرف والتطرف المضاد».. ومهدت لغزو أفغانستان والعراق.
ويورد الكاتب الألماني، رؤيته في شكل الدولة الإسلامية، ويرى أن «الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والمؤسسات التي أوجدها الرسول (ص) في حياته، لا يمكن أن تكون نموذجا لدولة حديثة.. وإذا كانت هذه النتيجة، لا يمكن أن تروق للأصولية السنية، فإن علماء الشيعة، تمكنوا من تقديم نموذج للحكم، يجمع بين الأصولية والمعاصرة، وصولاً إلى قيام الجمهورية الإسلامية في إيران».
وفي فقرة «ثقافة العيش المشترك» يرى الكاتب أن السلام لا يمكن أن يتحقق أو يدوم، دون نظام يقوم على التسامح، واحترام الآخر، وينبذ الغلو والعنف.. وهو ما يؤكد الحاجة «إلى مراجعة للأفكار والمعتقدات، والقيم التي تنطوي على تكفير الآخر، واستباحة دمه، حتى وإن كان مسالماً».
الفصل الرابع، جاء تحت عنوان «مدخل إلى جهاد التنمية» يفرد فقرته الأولى، تحت عنوان «إضاءة على النهضة اليابانية المعاصرة» مساحة للتجربة اليابانية، التي «حولت اليابان إلى عملاق عسكري، ثم اقتصادي، مع احتفاظها بهويتها الثقافية» فيما عجز العرب والمسلمون عن استعادة دورهم الحضاري.
وفي فقرة «سؤال التنمية الاقتصادية عربياً» يوضح الكاتب أن «مختلف المؤشرات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية، تضع الدول العربية، أمام مشهد انقسامي خطير، فهناك دول نفطية تتمتع بحالة جيدة من الاستقرار السياسي والاقتصادي، في مقابل أكثرية الدول العربية، التي تعيش أوضاعاً متدهورة».. ويعطي الكاتب خصوصية للحالة اليمنية، وأسباب تخلف التنمية فيها.
ويكمل الكاتب في فقرة «حدود جهاد التنمية» فيوضح «أهمية التنمية الاقتصادية كحجر أساس للنهضة العربية» مع التأكيد بأن «مهمة كهذه، لا يمكن أن تشق طريقها إلى الواقع من دون ثقافة دينية مغايرة لما هو مألوف، من رؤى وأفكار جامدة».
وفي الختام، يقدم الكاتب عبدالله صبري، مراجعة بعنوان «حرية العقيدة.. مراجعة ختامية» ويرى أن «الأصل أن الإسلام، جاء كمنهاج حياة للبشرية جمعاء، شرط أن يؤمنوا به طواعية واقتناعا».
كما يرى أن «مفهوم الردة في الفقه الإسلامي، كان وسيبقى حجر عثرة، أمام الاجتهاد والتجديد».
وأخيراً نشير إلى أن الكاتب عبدالله علي صبري، يهدي كتابه إلى أمه ونجليه لؤي وحسن، الذين استشهدوا بقصف مقصود لمنزله في صنعاء، وهم صيام، في صبيحة 11 رمضان 1440هـ الموافق 16 أيار/ مايو من العام 2019 فاستشهدت أمه وولداه وأصيب هو ونجا مع بقية العائلة، وهذا ما يعطي الكاتب مصداقية ومشروعية، في وضع كتابه، وهو من كان من ضحايا الأفكار التكفيرية، والعنف والتطرف والإرهاب.