حاوره: أنور عون / لا ميديا -
ماذا يمكن لنا القول عن موهبة كروية فذة غربت في عز لحظات الشروق؟!
- بماذا نصف مهاجماً أذهل كل من رآه وتابعه عن كثب وهو يتألق، يراوغ ويناور ويمطر الشباك بأهداف لا تنسى وعمره لا يتجاوز العشرين عاماً، وفجأة يترجل ويعلن فراق معشوقته متجهاً للدراسة في الخارج، لتضيع على اليمن موهبة ونجم خارق؟!
- الكابتن شكيب البشيري، هدّاف شعب صنعاء وقبله أهلي تعز، لم يلعب سوى 4 سنوات، بدأها في الحالمة مع الأهلي، وأكملها في شعب صنعاء، موسمين فقط، قضاهما مع الفتيان سجل في الأول 34 هدفاً، وحل ثالثاً بعد أحمد سعد العذري ونصر الجرادي بفارق هدف رغم صغر سنه، مقارنة بالنجمين العذري والجرادي.
من عاصر هذا النجم داخل الملعب أو خارجه أفادوا بأنه فلتة كروية.
الثعلب عزيز الكميم قال: "شكيب كان هدافاً بالفطرة، ولو استمر لكان هو أفضل مهاجم في تاريخ الكرة اليمنية".
القاضي والناظري ونصر الجرادي وجلاعم وباسم عبدالحفيظ تغنّوا بنجومية البشيري بصورة تؤكد نجومية تفوق التصور. كل ذلك ترك داخلي إصراراً على محاورته؛ إلّا أن مشاغله، كطبيب استشاري مرموق، أجّل لقائي به، إلى أن حانت الفرصة بهجوم مباغت على عيادته بعد اتصالات باءت بالفشل، وجدته فعلاً مشغولاً، ورغم ذلك استقطعت من وقته الثمين هذا الحوار..
مع اللحظة الأولى للقاء، أنهيت حيرة الأسئلة المتناثرة في عقلي بسؤال عن البدايات؟
شرد قليلاً، استرجع فيها أحلى سنوات عمره ثم قال:
- بدايتي في تعز مع الأهلي. تألقت في البداية مع فريق مدرسة الفاروق، وهي المدرسة التي التحقتُ بها عند تأسيسها. ثم لعبت في الفريق الأول الأهلاوي بجانب عمالقة يقودهم المخضرم والنجم الكبير عبدالعزيز القاضي، وكان عمري 17 عاماً، ولعبت أساسياً، وشجعني جميع الكباتن حينها. كنت أتمنى الاستمرار مع الشياطين الحمر؛ لكني انتقلت إلى العاصمة صنعاء لإكمال دراسة الثانوية. وخلالها التحقت بنادي شعب صنعاء. لقد زاملت نجوماً عمالقة خلال تلك الفترة القصيرة، ومنهم الكباتن خالد محمد علي وناصر هادي.

 لماذا اخترت نادي الشعب دون غيره؟
- أثناء دارستي الثانوية في صنعاء، وتحديدا في مدرسة الكويت، تزاملت مع لاعبين يرتدون شعار الفتيان، فأخذوني معهم إلى الشعب.
لعبت مع شعب صنعاء أجمل موسمين 1977/ 1978 و1979/ 1980. نافست في الموسم الأول على لقب الهدّاف، واحتللت الترتيب الثالث بعد أحمد سعد العذري، ونصر الجرادي، برصيد 34 هدفاً. في الموسم الثاني حققنا البطولة، ونافست على لقب هدّاف الدوري، وكنت قريباً من اللقب؛ لكني سافرت للدراسة ولم أكمل بقية الجولات الأخيرة. كان العام 1980 هو الأخير لي مع شعب صنعاء ولم أبلغ بعد العشرين عاماً.

شعرت بحسرة وألم وهو يسرد فراقه للكرة ولم يشبع منها بعد، فسألته:
 هل ندمت على اعتزالك المبكر ونجوميتك التي لم تكتمل؟
- ندمت في البداية وحزنت، لأني لم أشبع بعد من الكرة، التي عشقتها وتألقت فيها وغادرتها في عز تألقي وعمري 19 سنة. لكني بعد ذلك عرفت أن مستقبلي أهم. والحمد لله نجحت وتفوقت في دراستي كطبيب وعدت لأخدم بلدي. ودعني أقل لك شيئاً عن عدم تشبعي الكروي وتوقفي مبكراً، إلى اليوم أحلم بأني ألعب كرة، أنام وأجد نفسي أحلم بأني أركل الكرة أو أضعها في الشباك.
حقيقة عندما أرى حال بعض اللاعبين القدامى الذين ضحوا بمستقبلهم من أجل الكرة وتراهم بمستوى مادي يرثى له، بالتأكيد أنني لن أندم على تركي اللعب.

 كابتن شكيب، هل مارست الكرة بعد سفرك؟
- دراستي في باكستان لم تمنعني من اللعب. صحيح اللعب مع الشعب في بلدي شيء آخر؛ لكني لعبت هناك مع منتخب البنجاب، وأحرزت معهم دوري الأقاليم ثلاث مرات، وفزت بلقب الهداف. أيضاً عدت مطلع الثمانينيات للعب مع الشعب عدة مباريات في بطولة كأس اليمن الموحد.

 جيلكم كان يضم نجوماً على مستوى عالٍ. ما الذي ميزكم عن الجيل الحالي؟
- تميزنا بالولاء، الانتماء، التفاني، عشق الكرة، التضحية، اللعب بدون مقابل، البساطة، الأخوة بيننا... اللاعب الأساسي يحرص على مشاعر زميله الاحتياطي. مواهبنا تفجرت في المدارس. كانت الرياضة المدرسية مادة أساسية، دوريات فصول ومنتخبات مدارس على أعلى مستوى، رغم أننا كنا بلا مدربين متخصصين وبلا دعم يذكر. لقد فزنا ببطولة الدوري مع الشعب وكانت المكافأة عشاء فاصوليا و"روتي".

 كهداف كبير، دعنا نعرج على المنتخب الوطني للناشئين وفوزه مؤخرا وللمرة الثانية ببطولة غرب آسيا، كيف ترى الأمر؟
- الفوز بالبطولة شيء جميل ورائع ومفرح؛ لكن السؤال: لماذا نتفوق دائماً في هذه الفئة السنية ثم نخفق تصاعدياً، الشباب والأولمبي والوطني؟! لا بد من معرفة الفجوة التي تــؤدي إلى الإخفاقات بعدها. الرياضـــة أضحــــت علمـــــاً ودراسة وصناعة، وهذا ما يجب أن يفهمه القائمون على الرياضة والكرة اليمنية. يجب معرفة السلبيات والأخطاء ومعالجتها وفق رؤى وخطط ممنهجة.
الإمكانيات المادية موجودة والمواهب متوفرة والعملية ليست صعبة أو مستحيلة، فقط ننتقي كوادرنا بعناية ونعمل على تأهيلهم ونواكب التطورات بشكل مدروس وسيأتي النجاح حتماً.

 برأيك من هو أفضل رئيس اتحاد قاد الكرة اليمنية؟
- علي الصباحي وعلي الأشول هما خير من قاد الكرة اليمنية، على الأقل كانا يفهمان في الرياضة ويعلمان ماذا تعني كرة القدم للشعوب.

 نعود للحديث عنك كابتن شكيب، بمن تأثرت في بدايتك؟
- بالكابتن عبدالعزيز القاضي، أخلاقاً ولعباً، ولا يزال منذ عرفته إلى اليوم قمة في التواضع.

 ومن هو أفضل لاعب في تاريخ الكرة اليمنية؟
- علي الورقي، سالم عبدالرحمن، سعيد دعالة، عبدالعزيز القاضي، عبدالله الهرر، أبوبكر الماس.

 أفضل الحراس...؟
- سعيد الحميقاني من شعب صنعاء، وعبدالملك فوز من أهلي تعز.

 وأفضل المدافعين...؟
- علي الحمامي (نيخا) وجمال حمدي.

 وأفضل أهدافك...؟
- لن أكون تقليدياً وأقول هدف هنا أو هدف هناك في مرمى النادي الفلاني... كل هدف سجلته أعتز به وأعتبره كأنه ابن لي.

 قبل الختام، ممكن بياناتك؟
- بكل سرور:
شكيب حمود البشيري، 61 عاماً، دكتور استشاري، متزوج وأب لأربعة أبناء، ثلاثة أولاد وبنت. وأبنائي هم: محمد (دكتور) وعبدالرحمن (خريج آي تي) وزكريا (طالب في الثانوية) وموهوب ويسعى للعب بنادي الشعب، لكني سأنظر في أمره بعد نجاحه في الثانوية، ومنية (دكتورة).

 كلمة الختام...؟
- شكراً لك ولصحيفة "لا" وملحقها الرياضي الجميل. أشكر كل من زاملتهم في الملاعب ولهم في قلبي كل الحب والاحترام، وأشكر كل من لا يزال يتذكرني رغم فترة لعبي القصيرة.